وفد اقتصادي سعودي رفيع المستوى يزور سوريا    اللجنة التنفيذية للتعاون الإسلامي تؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة    رئيس بلدية صبيا يطّلع على مشاريع التدخلات الحضرية لتحسين المشهد العام في المحافظة    الشؤون الإسلامية في جازان تنظم عدد من المناشط الدعوية في محافظات المنطقة    المملكة تُشارك تجربتها في إدارة الموارد المائية    ارتفاع الأسهم الأوروبية بدفعة من اتفاق التجارة بين أمريكا واليابان    تدشين المرحلة التطبيقية الأولية للمركبات ذاتية القيادة    الطيران المدني تصدر تقرير التزام المطارات والناقلات الوطنية بأوقات الرحلات لشهر يونيو 2025م    القيادة تهنئ رئيس جمهورية مصر العربية بذكرى اليوم الوطني لبلاده    جامعة جازان تعلن مواعيد التسجيل الذاتي للفصل الدراسي الأول 1447ه    الصين تعلن تقديم "احتجاجات رسمية" للاتحاد الأوروبي    نجم يكشف أسرار منكب الجوزاء    سوري يشتري عملات ويسلمها للمتحف    مجسات ذكية لراحة مرضى السكري دون ألم    أسباب وعواقب إدمان الحلويات    لماذا غسل الدجاج غير مستحب    فريق التنسيق الآسيوي يبدأ زيارته الرسمية إلى الرياض لمتابعة التحضيرات القارية    جذور العدالة    إطلاق كود"البنية التحتية" بمنطقة الرياض بعد 15 يوماً    عزز صفوفه بالخيبري.. الأهلي يشارك في السوبر بديلاً للهلال    النصر يتراجع عن صفقة هانكو.. ويخسر الجابر    FIFA تؤكد التزامها بكرة القدم الإلكترونية وتتشارك مع الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية    ربط التعليم التقني باحتياجات السوق.. أمير المدينة: معامل ابتكارات الحرف نموذج للاستثمار في رأس المال البشري    4.9 مليار ريال تداولات الأسهم    أمير حائل يكرم «طبيباً استشارياً»    أكد دعم سوريا لضمان أمنها واستقرارها.. مجلس الوزراء: السعودية تدعو لاتخاذ قرارات عملية أمام التعنت الإسرائيلي    استطلاع عدلي.. "تطوير خدمة المستفيدين" أولوية    "صواب" تحتفي بمتعافي الإدمان    إطلاق جمعية سقيا الماء بجازان    "البيئة": تمديد مهلة رخص مياه الآبار لمدة عام    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة عبدالرحمن بن فرحان    ترحيب سعودي ببيان الشركاء الدوليين المطالب بإنهاء الحرب على غزة    المنتخب السعودي يشارك في أولمبياد الأحياء الدولي    وزير الداخلية يلتقي منسوبي الوزارة المبتعثين في بريطانيا    اختتام تدريب الخطباء بتبوك    منسوبات واعي يطلعن على مركز التراث وبيت الحرفيين بجازان    منع الفنان راغب علامة من الغناء في مصر    سبعة آلاف طفلٍ في مركز ضيافة المسجد النبوي    حكمي.. قصة تحدٍ ملهمة في عالم التوحد وحفظ القرآن    دينية الحرمين توقع اتفاقية تعاون لبرامج نوعية    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    أكد وجود انتهاكات جسيمة.. لجنة تقصي الحقائق تسلم تقريرها للرئيس السوري    رئيس الوزراء يدعو لتعزيز التواجد في عدن.. تحذير يمني من وجود المقرات الأممية بمناطق الحوثي    تصاعد الضغوط لإنجاز اتفاق وقف النار بغزة    "هلال مكة" يفعل مساراته الطبية الإسعافية القلبية والدماغية    155 ألف مستفيد من خدمات مستشفى ينبع    جولة أمير جازان ترسم ملامح المستقبل والتنمية في فيفاء والعيدابي    السعودي محمد آل نصفان يحقّق إنجازاً تاريخياً في الاسكواش العالمي    قوميز يستأنف تدريبات الفتح ويُطلق أولى ودياته المحلية لرفع الجاهزية    جمعية اللاعبين القدامى بالشرقية تكرّم المدرب الوطني حمد الخاتم    نبض العُلا    أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة فيفاء    الجامعة العربية تدعو المجتمع الدولي لكسر حصار غزة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل رئيس ووكلاء جامعة جازان    السعودية ترحب بمطالبة دولية لإنهاء حرب غزة    تقنية تحسن عمى الألوان    المفتي يطلع على أعمال جمعية البر    رئيس باكستان يمنح رئيس أركان القوات البحرية وسام "نيشان الامتياز" العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مثقفونا ومستقبل الهويات الثقافية في عصر المعلومة الكونية ؟
نشر في الحياة يوم 30 - 01 - 2008

دخل مصطلح العولمة في سوق التداول الفكري منذ فترة وجيزة وسرعان ما أصبح الأكثر تداولاً ورواجاً على الساحة الثقافية. وفرضت العولمة نفسها على أهل الثقافة والفكر، ومع هذا فهم مازالوا يختلفون، أو يتخلفون، عن فهم معنى المفردة فضلاً عن استيعاب الظاهرة!
والحق أن العولمة ليست ظاهرة بسيطة يمكن تحديدها ووضعها بدقة، بقدر ما هي جملة عمليات تاريخية متداخلة تتجسد في تحريك المعلومات والأفكار والأموال، وحتى الأشخاص بصورة لا سابق لها من السهولة والآنية والشمولية. ولا مبالغة في القول إن عالماً جديداً يتشكل مع ظاهرة العولمة، يترافق مع ظهور فاعل بشري جديد يعمل عن بعد بسرعة الضوء ويتعامل مع شبكات الاتصال المعقدة والفائقة. إنه الإنسان التواصلي الذي تتيح له الأدمغة الآلية و التقنيات الرقمية التفكير والعمل على نحو كوني، وبصورة عابرة للقارات والمجتمعات و الثقافات.
هذه الامكانات الشاملة والفتوحات الخارقة التي تطلقها العولمة تفتح آفاقاً جديدة للوجود والحياة، ولكنها تشكل في الوقت نفسه تحديات ضخمة فكرية وتقنية، اقتصادية ومجتمعية، سياسية وأمنية تطرح أسئلة مربكة على المعنيين بتلك الشؤون، كما تطرح أسئلة مصيرية على الخصوصيات الثقافية.
ما هو مستقبل الهويات الثقافية في عصر المعلومة الكونية؟
هذا هو السؤال الكبير الذي يحاول بعض المثقفين الإجابة عنه اليوم. فقد غدت ثنائية الهوية والعولمة بؤرة السؤال في الأوساط الفكرية والدوائر السياسية، في الغرب كما خارجه، كما في عالمنا العربي. يشهد على ذلك سيل المؤلفات التي تتناول العولمة من زاوية تأثيرها على الهوية والثقافة. هذه الثنائية الهوية والعولمة تتجاوز المتعارضات التي كانت - وما تزال - متداولة من مثل: ثنائية التراث والحداثة، الأصالة والمعاصرة، الخصوصية والعالمية.
من المفارقات أن بعض دعاة التحديث يتعاملون مع حداثة العولمة بصورة سلبية، بوصفها استباحة للقيم وغزواً للثقافات وتسلطاً على الشعوب والمجتمعات! في حين أن العولمة هي فتح كوني يتغير معه سير العالم على ما كان عليه. فمع الدخول في عصر الحاسوب يجري التعاطي مع العالم بأدواته المادية، من خلال خلق عالم آخر أصبح يتحكم في الواقع ومعطياته عبر أنساق المعلومات وأنظمة الأرقام التي تجوب الفضاء السبراني.
تلك هي مفاعيل ثورة المعلومات... إنها تشكل واقعة العصر الأولى، كما يقول الباحث"علي حرب"عندما يحاول قراءة العولمة قراءة فعالة ومثمرة. إنها تخلق لأول مرة إمكانية أن يتعامل الناس فيما بينهم بدون وصاية. ولعل هذا ما أفزع المثقفين والدعاة الذين طالما تعاملوا مع أدوارهم بوصفهم النخبة التي تمارس الوصاية على الهوية والثقافة، وعلى المعرفة والحقيقة.
إن خطاب الهوية خطاب حافل بمفردات الغزو والاختراق والاكتساح والمحو في وصفه للعلاقة بين الثقافة الغربية والهوية الثقافية العربية.
لقد عانت المجتمعات العربية والإسلامية الأمرين من جراء الصراعات الأيديولوجية، وادعاء تمثيل الهوية والأمة من قبل نخب وشرائح نصبت أنفسها وصية على القيم العامة، وهذا ما أدى إلى مزيد من الانقسام والشرذمة، بقدر ما كان شاهداً على عقم الفكر وهشاشة القوى المنوط بها تغير الواقع و تحسين شروط الوجود.
لا عجب أن تقف في مواجهة العولمة قوى ومذاهب متعارضة تقليدية وحداثية، دينية وعلمانية، كما في البلاد العربية، بل حتى وفي دول أوربية متقدمة، تشن الحملات على العولمة باسم الهوية والثقافة تارةً، وباسم الحرية والاستقلالية تارةً أخرى، وتطلق مجموعة من القيم والأفكار تحولت إلى مجرد أيقونات وشعارات من كثرة استهلاكها!
إن الحداثة لا تنفي التراث، والعالمية لا تنفي الخصوصية، والعولمة لا تعني ذوبان الهوية إلا عند ذوي الثقافة الضعيفة وأصحاب الدفاعات الفاشلة ممن يلقون أسلحتهم أمام الحدث فيما هم يرفعون شعار المقاومة والمحافظة.
من جهة أخرى ثمة نرجسية عقائدية عند لفيف من المثقفين تزين لهم الدعوة إلى"أنسنة"العالم وإنقاذ الكون من خلال شرائعنا الدينية وتقاليد المحافظة الراسخة. في حين أن ما نملكه من تقاليد وقيم وأحكام قد عجزت حتى الآن عن أنسنة العلاقات داخل مجتمعنا بين طوائفنا ومذاهبنا، بين أحزابنا وتنظيماتنا، فضلاً عن العجز عن أنسنة العلاقة بين الحاكم و المحكوم.
أليس الأولى بنا أن نعمل على أنسنة مجتمعاتنا وقيمنا وروابطنا؟!
إن مشكلة هويتنا الثقافية ليست في اكتساح العولمة للعالم، أو"الأمركة"كما يحلو لبعضهم أن يسميها، بل في عجزنا عن إعادة ابتكار هذه الهوية الثقافية وتشكيلها في سياق المجريات والأحداث، في ظل الفتوحات التقنية والتحولات التاريخية "أي العجز عن عولمة هويتنا، وحوسبة اقتصادنا. وعقلنة سياساتنا. تلك هي المشكلة الحقيقية التي يحاول أن يهرب منها دعاة مواجهة العولمة بحجة الدفاع عن الهوية والثقافة!
وتماهيا في النرجسية الثقافية نجد أن من يدعون محاربة العولمة لا يجيدون سوى تبجيل الذات ورجم الغرب و حضارته. كل ما هو قيم وايجابي عندنا، وكل ما هو سلبي عندهم! وهم لا يتورعون عن أن ينسبوا إلى حضارتنا كل ما حققه الغرب من إنجازات ومآثر، وعن أن ينسبوا كل عجزنا و أسباب إخفاقنا إليه!
إن عصر العولمة والعالم الذي يتشكل اليوم في ظل العولمة يخضع لتحولات تنقلب معها القيم والمفاهيم، بقدر ما تتجدد القوى والوسائل والمؤسسات. من هنا ينفتح الآن المجال لنشوء سياسات فكرية وممارسات معرفية تتجاوز ما كان سائداً في عالم الحداثة والصناعة.
والذين لا يرون مثل هذا التحول الذي يطال الثوابت والبداهات، دفاعاً عن الهوية، أو تشبثاً بالتصورات الأزلية والماورائية، يفتقرون إلى الرؤية، ويتمسكون بضعفهم بقدر ما يكتبون نهاية أفكارهم وأدوارهم. إنهم يهربون من مواجهة العولمة بالعودة إلى الماضي... إلى التراث بوصفه النموذج الأمثل والمحتذى.. في حين أن ما يفعلونه هو عقم وتحجر. العولمة لا تدعونا إلى نفي التراث أو استبعاده، بل تدعونا أو لعلها تفرض علينا أن نعيد قراءته... وتوظيف هذه القراءة المعاصرة ضمن معطيات عالم يتغير.
لا يمكن إنكار التفاوت الحضاري بيننا وبين الغرب، حيث نشأت العولمة، بمحاربة العولمة، بل بابتكار معادلات وصيغ حضارية تمكننا من إدارة واقعنا وتشغيل عقولنا، بحيث نمول مواردنا ومعطياتنا إلى طاقات غنية ومشروعات مثمرة... أي بمعنى آخر لا يمكن مجابهة العولمة إلا بالإسهام فيها.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.