عشية عقد جلسة البرلمان اللبناني التي دعا إليها غداً رئيس المجلس النيابي نبيه بري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس اميل لحود، كانت المساعي التي رعتها السعودية ممثلة بسفيرها عبدالعزيز خوجة لدى القيادات الأساسية في الأكثرية والمعارضة، أثمرت عن توافقهما على إبقاء الفرصة متاحة امام أعضاء البرلمان للتوافق على الرئيس العتيد في جلسات لاحقة، باعتبار ان جلسة الغد، وحتى إشعار آخر، لن تنعقد لتعذر تأمين النصاب الدستوري المطلوب، أي أكثرية ثلثي اعضاء المجلس لانتخاب الرئيس في دورة الاقتراع الأولى. راجع ص 6 و7 وواصل السفير خوجة، فور عودته الى بيروت ليل الجمعة الماضي، الاتصالات التي كان بدأها من جده فور اغتيال النائب الكتائبي انطوان غانم، والتي أدت الى تهدئة الوضع وتطويق التداعيات المترتبة على الاغتيال، بما يسمح بالحفاظ على التواصل بين الرئيس بري وقيادات في قوى 14 آذار، أبرزها رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري ورئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط، إضافة الى الرئيس الأعلى لحزب الكتائب رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل، خصوصاً ان طرفي الصراع في لبنان كما تقول مصادرهما سارعا الى التعاطي مع الجريمة باعتبارها محاولة جديدة لتفجير الوضع، قبل ايام من جلسة البرلمان لانتخاب الرئيس العتيد. وأكدت ل"الحياة"مصادر قيادية في الأكثرية والمعارضة ان السعودية، من خلال السفير خوجة، دخلت بقوة على خط التهدئة، داعية الى تفويت الفرصة على مرتكبي جريمة اغتيال النائب غانم والذين خططوا لها لاستهداف الاستقرار العام في البلد، وإطاحة الآمال المعقودة على تفاهم النواب لتأمين انتقال هادئ للسلطة، في ضوء تعاظم الإصرار العربي والدولي المؤيد لانتخاب الرئيس في الموعد الدستوري. ولفتت الى ان خوجة تابع عن كثب الاتصالات التي أُجريت اخيراً بين بري من جهة والنائبين الحريري وجنبلاط والتي ساهمت الى حد كبير في كسر الجليد، وإنهاء القطيعة بين زعيم المعارضة وقطبين أساسيين في الأكثرية، إضافة الى أنها مهدت الأجواء للعودة الى الحوار كرد مباشر على اغتيال النائب غانم. وتابعت المصادر ان جلسة الغد، وإن كانت ستنتهي الى قرار بتأجيلها الى 17 تشرين الأول اكتوبر المقبل، أي بعد يومين على بدء الدورة العادية للمجلس النيابي، فإن لدى الأكثرية والمعارضة بقواها الرئيسة، رغبة في حماية التواصل الذي مهدت له السعودية ويمكن ان يشهد خطوات ملموسة قبل الثلثاء في حال فاجأ الرئيس بري اليوم البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير بزيارة في بكركي، من شأنها ان تسرّع اللقاءات المرتقبة لرئيس المجلس مع الحريري وجنبلاط، عشية عقد الجلسة. ولكن يعود لبري القرار النهائي في تسريع اجتماعه بالبطريرك صفير، نظراً الى ما لديه من اعتبارات أمنية تملي عليه اقتناص الفرصة المواتية لزيارة بكركي في الوقت المناسب. لكن عدم حصول لقاء بري وصفير قبل الجلسة، لا يعني ان هناك رغبة في تعكير جو التهدئة على خلفية ما سيصدر عن الأكثرية التي ستنزل بكل نوابها الى ساحة النجمة، كرد فعل سلبي على عدم اكتمال النصاب الدستوري للجلسة التي لن يشارك فيها نواب المعارضة، بل سيحضرون الى البرلمان ولن يدخلوا القاعة الكبرى المخصصة للجلسات. وعزت المصادر في الأكثرية والمعارضة السبب الى ان الطرفين لن يتوقفا أمام ما سيحصل غداً في البرلمان، بمقدار ما سيبقيان المناخ الإيجابي قائماً، إفساحاً في المجال أمام مزيد من المشاورات المكثفة بحثاً عن مخرج للتوافق على الرئيس. واستبعدت المصادر أي مفاجأة في اللحظة الأخيرة، يمكن ان توصد الأبواب في وجه الفرصة الممنوحة للتلاقي بين الأكثرية والمعارضة، والتي زادت حظوظها السيطرة على التداعيات التي يمكن ان تؤثر في الوضع تحت وطأة اغتيال النائب غانم. وأكدت ان حضور نواب الأكثرية الى البرلمان غداً في ظل وجود نواب المعارضة خارج قاعة الجلسات، لن يرتد سلباً على قرار القيادات الأساسية في استجابتها دعوة السعودية الى التهدئة كمدخل لتمرير الاستحقاق الرئاسي بهدوء يقود الى التوافق على الرئيس، ويضع البلد أمام مرحلة سياسية جديدة تفتح الأبواب للاتفاق على آلية سياسية لتسوية الأزمة. واستعداداً للجلسة، أعلن نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الياس المر ان الجيش اللبناني سيتولى الأمن في المجلس النيابي ومحيطه، مشيراً الى ان جلسة الثلثاء ستكون جامعة للبنانيين تحت قبة المجلس ليتم الاستحقاق لاحقاً. ويعقد اليوم اجتماع عسكري موسع في وزارة الدفاع لوضع اللمسات الأخيرة على الخطة الأمنية المواكبة لبدء جلسات البرلمان الذي ينتظر ان يبقي أبوابه مفتوحة، الى حين تمكن النواب من انتخاب رئيس جديد. وقالت مصادر عسكرية رفيعة المستوى ل"الحياة"ان الخطة ستؤدي الى إقامة عازل أمني يتولاه الجيش، يفصل بين ساحة رياض الصلح حيث يستمر اعتصام المعارضة، وبين المداخل البحرية الأخرى المؤدية الى مبنى المجلس، مؤكدة ان الجيش سيأخذ على عاتقه حماية أمن النواب، في انتقالهم الى ساحة النجمة. كلمة الحريري الى ذلك، قال النائب الحريري في كلمة ألقاها في مأدبة إفطار أقامها امس في دارته في قريطم لأهالي منطقة عكار ووجهائها وفاعلياتها:"إننا ذاهبون الى جلسة الثلثاء بروح الحوار والاتفاق والتوافق، ذاهبون لفتح باب الحل كي يعود المجلس النيابي الى دوره الطبيعي والدستوري في حماية لبنان واتفاق الطائف". وأضاف:"ذاهبون الى المجلس النيابي لأنه ساحة للحوار والنقاش والتوافق من اجل تحقيق مصلحة لبنان ومصلحة اللبنانيين في تفادي الفراغ ومنع الانقسام وإحباط مخططات العدو الإسرائيلي والنظام السوري". وإذ شدد الحريري على"احترام القانون ونبذ العنف والدعوة الى المحبة والاعتدال"، قال ان"عكار لم تخذل مرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولا لبنان او تتخلى عن واجبها في الدفاع عن الوطن، وهذا ما أثبته أهلها في وقوفهم الى جانب الجيش اللبناني في دفاعه عن لبنان وحريته واستقلاله وعروبته ضد عصابات الإرهاب المسماة فتح الإسلام، كي تلطخ اسم"فتح"والقضية الفلسطينية". واتهم النظام السوري باغتيال والده وبمحاولة"خطف الانتخابات النيابية في الشمال لإعادة وصايته على لبنان"، منوهاً بدور أبناء الشمال في حسم الغالبية النيابية لمصلحة قوى 14 آذار. كما اتهم النظام السوري بإرسال"فرقة من مخابراته تحت تسمية"فتح الإسلام"الى نهر البارد.