بين نظريات بناء المجتمع، أجد أن التنمية بأبعادها المتكاملة وخاصة البعد الاقتصادي، تصب في بناء المجتمع وتطويره بشكل مباشر وملموس، ويهيئ الأجواء لمقاربة صحية لحجر أساس هو قطاع النفط في العراق، وربما يسبق قضية الأمن إذا أخذت قضاياه جميعها في الاعتبار وأمنت مصالح الشعب العراقي بكل كياناته ومكوناته أولاً وراعت المصالح الإقليمية ثانياً، في صياغة متآلفة ومنسجمة. وقد قيل"من لا معاش له، لا معاد له". من الواضح أن الكلام عن بيئة آمنة ومطمئنة للاستثمار والإنتاج والتنمية والتطوير ربما يتزامن مع ظروف الاهتمام بأولوية قطاع النفط الذي يشكل عصب الحياة في العراق، ويعتبر عاملاً أساسياً وان لم يصرح به لدخول القوات الأميركية المباشر وبشكل مكثف في هذا البلد، بينما لم تدخل بهذا الحجم والكثافة في أفغانستان التي تفتقد هذا العنصر الحيوي، وأحالت المهمة القيادية إلى قيادة الناتو. مقومات العامل الاقتصادي 1- حل مشكلة البطالة وتأمين فرص العمل: إن من تستهويهم أعمال الاختطاف والاغتيال، هم من العاطلين عن العمل، أو ممن تجتذبهم إغراءات المخططين للتفجيرات والقتل. وإيجاد البيئة الاقتصادية المناسبة، وتأمين فرص العمل يساعد على تفريغ الساحة من جيش العاطلين ويضع الإرهابيين أمام خيارات صعوبة استغلالهم. 2- إن الخراب الذي أصاب البنية التحتية إلى حد ما، والمنشآت النفطية، أدى إلى تقلص الطاقة الإنتاجية، مما جعل العراق بحاجة إلى تطوير الحقول والاستثمار الكبير، لرفع الطاقة بما يمهد إلى توزيع العمل والثروة في البلاد وبشكل يوفر نسبة أعلى من الناتج المحلي ويرفع مستوى المعيشة ويدخل الاستثمار في الصناعات البترولية في صراع مع الإرهاب والزمن. 3- ومن العوامل المهمة في ضبط الأمور، هو استخدام التقنية الحديثة لضمان سلامة عملية الاستخراج والإنتاج والتطوير والتصدير بما يمنع التلاعب بالثروة الوطنية. 4- إن إعطاء أولوية للعامل الاقتصادي، سيؤدي إلى المساعدة في رفع إشكالية الفيدرالية وما تستتبعه من إرهاصات وهواجس عن التسلط على مصادر البترول واستغلالها بشكل غير عادل، في الشمال أو الجنوب، وحرمان القطاع الأوسط الغربي من العراق من مداخيله وفرص العمل فيه، وهذا ما يدفع على عدم الإحساس بالغبن والظلم، و يؤدي بدوره إلى استغلاله من طلاب القدرة والسلطة للتحريض والاحتقان، ويهيئ لبيئة مساعدة للإرهاب، والعنف. 5- إن قانون العرض والطلب يشكل مبدءاً مهماً من مبادئ الحرية الاقتصادية تنكرت له الدول السلطوية الكبرى، وكأنها لا تعترف به إلا في كتب الاقتصاد الكلاسيكي. 6- تقاس درجة الاستقلال السياسي، للدول المنتجة للخامات ومنها الطاقة، بمدى استقلال قرارها في مجال الطاقة الحيوية. ، فلا بد من الانتباه إلى أن ما يثير الشارع والنخبة والأحزاب والقوى المماثلة، شعورهم أن اقتصادهم الوطني وشريان حياتهم، مرهون بيد الأجانب، بعيداً عن قوانين العرض والطلب والإرادة الحرة. وهذا الشعور كفيل بتحرك الشارع والنخب للدفاع عن استقلالها وحرية قرارها السياسي ومصالحها الوطنية العليا. 7- إن التعاون الإقليمي في الشأن الاقتصادي وخاصة الطاقة، يشكل إطاراً ضرورياً تصب فيه جميع النشاطات والمشاريع لدول الجوار العراقي. وهذا يحتاج إلى رفع الضغط الأميركي اللامعقول عن التقارب الإقليمي في مواضيع الطاقة، بل وتشجيعه. 8- ان الاعتماد على واردات النفط والغاز والمشتقات النفطية، في الوقت الذي يمتلك العراق المواد الخام والخبرة والبنية التحتية وان كانت بحاجة للترميم والتطوير يجعل البلد ينزف أمواله وثرواته من دون الوصول إلى ثبات واستقرار. كما أن الجماعات الإرهابية ومن وراءها، ستستمر في استغلال الوضع للحصول على عوائد مالية تضمن استمرارها في التخريب، من دون أن تحمل ميزانية من يخطط لها أعباء ذلك. ولذا وجبت إعادة بنا المنشآت وتطويرها وبناء وحدات جديدة. 9- وللخروج من الدائرة المغلقة لتسلط الحكومات على رقاب الشعب واستغلال وضع"حكومات الرانتير"ما يجعلها غير متاحة لأصوات الناخبين والابتعاد عن فلك الديموقراطية الحقيقية، لا بد من فسح المجال أمام القطاعات الأهلية المستعدة للاستثمار والمشاركة في شتى المشاريع، بما يشعرها بمشاركة فعلية في الاقتصاد الوطني ويوسع دائرة اتخاذ القرار ويبعد شبح الاستبداد. 10- ونظراً لاعتياد بعض الدول الحصول على بترول بأسعار مخفضة أو منح خاصة في العقود السالفة، فإن استمرار هذه العلاقة أو انقطاعها سيؤدي إلى بلبلة في الوضع الأمني والقرار السياسي لدولة العراق. وفي حالة عدم تنفيذ أو الالتزام من الحكومات العراقية المتعاقبة، فإن الإخلال في الوضع الأمني والسياسي والإعلامي، من قبل تلك الدول أو المجموعات العراقية المعارضة للعملية السياسية، سيتصاعد. 11- ان دراسة حالة كل دولة مجاورة، في إطار تنظيمي يحفظ مصالح الجميع، كل دول بحسب موقعها، وما تقدمه من جهدٍ إيجابي، يشكل ضرورة قصوى. هذه الدول لا بد أن لها خططا وبرامج تأخذ الأمور جميعها في الاعتبار وتمهد لخطة تعاون إقليمي أوسع وأشمل تعود بمنافع مضاعفة على الجميع، كما تتضمن استمرار تأمين الأسواق العالمية ومدّها بالطاقة المطمئنة وطرق وصولها بضمان. مقتضيات المشروع ألف: إن العمل بهذا المشروع، لا يعني التخلي نهائياً عن العمل الأمني وتطوير المقدرة العسكرية للقوات العراقية. ب: إن محورية العراق في هذا الطرح ضرورة لا ينبغي إغفالها نظراً للعديد من الملاحظات التي جاء ذكرها في مقومات المشروع. ج: إن التأكيد على احترام العملية السياسية الجارية، بما تشكله من أرضية دعم اجتماعي واسع النطاق، يجب الاستمرار فيه وعدم التردد والتشكيك في مبادئه وانطلاقته. وواضح أن تغيير دفة التوجه من العمل الأمني والعسكري والسياسي إلى الجانب الاقتصادي السياسي، وإعطائه الأولوية، يحتاج بعضاً من الوقت والإعداد اللازم. د: تبقى جذور المشكلة حيّةإذا لم تلبِّ، الطروحات السياسية والأمنية مصالح الفئات جميعها، وتنظمها تنظيماً صحيحاً وعادلاً. هاء: إن تنظيم علاقة الاقتصاد وخاصة الطاقة، وبناءها على أسس متينة، لا يعني الانفصام عن الاقتصاد الإقليمي أو العالمي، كما لا يعني مواجهته، بل إن التكامل سيستمر بين هذه القطاعات وهو أمرٌ ضروري ولكن مع الاحتفاظ بمصلحة الشعب العراقي كأولوية لا منازع لها. * سفير إيران السابق لدى "منظمة المؤتمر الإسلامي"