يبدو أن استحقاقات التاريخ لا تندثر من الذاكرة بسهولة، فإن كانت الذاكرة الأميركية لا تستطيع نسيان قضية احتجاز الديبلوماسيين الأميركيين كرهائن لمدة 444 يوماً بين عامي 79 - 1980 من القرن الماضي عقب اندلاع الثورة في إيران، تلك القصة التي لا تزال عميقة وشديدة الغور داخل الخارجية الأميركية، فإن شباب الميليشيات الثورية آنذاك، الذين احتجزوا هؤلاء الديبلوماسيين كرهائن، تعبيراً عن احتجاجهم على التدخل الأميركي لعقود طويلة في سياسة بلدهم، والممسكين بزمام الأمور حالياً، لم ينسَوا ما فعلته أميركا في 18 أبريل 1988، حينما دمرت سفنها الحربية، خصوصاً حاملة الطائرات"نيميتز"، رصيفين نفطيين عائمين تابعين لإيران في جنوب الخليج، لتغرق للإيرانيين ثلاث سفن حربية وتصيب فرقاطتين، في العملية العسكرية التي عرفت وقتها باسم"الإرادة الحاسمة"بأمر الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان. ولن تنسى الذاكرة الإيرانية"مأساة"الثالث من يوليو 1988، عندما أسقطت وحدات الأسطول الأميركي في الخليج طائرة ركاب مدنية إيرانية، ليلقى ركابها كافة 298 شخصاً مصرعهم. وربما تأتي لغة المواجهة بين الولاياتالمتحدةوإيران متزامنة مع مرحلة إقامة"حوار بشأن العراق"، وبخاصة بعد تأكيدات إستراتيجية الأمن القومي الأميركي للأعوام الأربعة المقبلة المنشورة في 16 مارس 2005 بأن أميركا لا تواجه تحدياً من دولة منفردة أكثر من التحدي من جانب إيران. فهل ستكون التحركات الأميركية في الخليج العربي سيناريو لپ"مسلسل أميركي مفتعل"، أم ستكون"الحرب الرابعة"في الخليج، التي توقف الطموحات الإيرانية النووية والسياسية في المنطقة؟ "نيميتز"في مهمة عسكرية في المحيط الهندي وفي المياه الدولية بين باكستانوإيران كانت"نيميتز"تمارس دورانها منذ أن وصلت في الثامن من مايو 2007، قبل أن تتجه لمركز عمليات آخر في الخليج العربي منذ أيام، ويؤكد القبطان مايكل شارلز مناظر، لدى تعريفه بمهمة القوات البحرية الأميركية في المنطقة أن"دورنا في المحيط الهندي هو دعم قوات التحالف في أفغانستان وفي الخليج العربي، وقوات التحالف في العراق". حرب بلا ذخيرة ويعيش على ظهر الحاملة"نيميتز"وحدها طاقمٌ يتكون من خمسة آلاف أميركي يجوبون بحار العالم، وفي بطن عدد من السفن الحربية العائمة أرقام مشابهة، يحمون"أميركا"وديموقراطيتها من على بعد مئات الأميال، حاملين الطائرات والذخائر. ويمثل ملف إيران النووي حالياً مركز الحدث، ومثار تساؤلات عدة خاصة بعد انتهاء المدة المحددة من جانب مجلس الأمن، فالتوتر في المنطقة يتصاعد، ولغز حركة الحاملات المقبلة والمغادرة ما زال يحير البعض، بين من يُعتبره استفزازاً عسكرياً لإيران، ومن يتوقع وجود المزيد في الجعبة الأميركية للمنطقة! بدورها، تستعرض إيران قوتها من خلال مناوراتها العسكرية، فيما تحلق الطائرات الأميركية قبالة سواحلها باتجاه العراق، ليصبح الشرق الأوسط على شفا جرف هارٍ من اندلاع حروب جديدة متشعبة سترهق كاهله، فهل سيشهد الخليج العربي حرباً رابعة؟ على بعد نحو 150 ميلاً من السواحل الإيرانية، دارت رحى الحرب الكلامية لوّح نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني أخيراً، على ظهر الحاملة"ستينيس"بتهديدات مبطنة لإيران، تفيد أنپالولاياتالمتحدة وحلفاءها سيمنعونها من"إعاقة حركة الملاحة في المنطقة وامتلاك سلاح نووي"، ليرد عليه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، مستخفاً بالتهديدات، فيقول:"هم يعلمون أنه في حال ارتكاب مثل هذه الخطيئة، فإن الرد الإيراني سيكون قاسياً وسيجعلهم يندمون على ذلك". نشاط أميركي وقبل أيام، تقدمت حاملة الطائرات"نيميتز"مع مجموعتها القتالية البحرية إلى الخليج العربي، تزامناً وانتهاء مع المهلة المحددة لإيران من جانب مجلس الأمن الدولي لوقف نشاطاتها النووية. وكانت مهمة حاملة الطائرات"نيميتز"قبل تحركها للخليج هي"دعم قوات التحالف في أفغانستان"، أما الآن بعد تحركها لمياه الخليج فالمهمة"تقديم الدعم لحوالي 160 ألف جندي من قوات التحالف الموجودة في العراق". قواعد عسكرية بحرية وربما يثير وجود عدة حاملات للطائرات في المنطقة تساؤلات كثيرة، لا سيما مع اضطراب الأوضاع الراهنة وانتهاء المدة المحددة لإيران من جانب مجلس الأمن، فهل جرى العرف في المفهوم أو التطبيق العسكري الأميركي أن يكون هناك أكثر من حاملة طائرات، سواء في المحيط الهندي أو الخليج العربي وأفريقيا؟ وهل هناك مجال لأكثر من حاملة في المستقبل القريب في الخليج العربي، إن لزم الأمر؟ ويجيب مناظر"سؤال جيد، طبعاً لدى قوات التحالف والقوات البحرية الأميركية إمكان رفع مستوى وجودها في المنطقة، إن احتاج الأمر لذلك، وربما يصل عدد الحاملات الموجودة إلى خمس، أو لا تكون هناك حاملة البتة، وكل ذلك يعتمد على الأوضاع في المنطقة وتقديرات الأمن". وعن المخول له اتخاذ القرار يقول:"يُتخذ بالطبع من جانب الرئيس جورج بوش، ووزير الدفاع في واشنطن، وهما حتماً من يقرران، وذلك بالتعاون مع قوات التحالف ودول التحالف الأخرى، وإذا كان الوقت يتطلب وجود عدد من السفن أو عدم وجودها فذلك عائد لقراراتهم". إيران والملف الساخن ولدى الحديث عن ملف إيران الساخن، وبخاصة ما يتعلق بقرارات الحصار الاقتصادي والخلاف الديبلوماسي بين طهرانوواشنطن، واحتمال حدوث تصادم ومواجهات مع الإيرانيين في المنطقة، يقول قبطان الحاملة مايكل مناظر:"حقيقة، جميع التعاملات مع البحرية الإيرانية في الوقت الحاضر تقوم على المستوى المهني، خصوصاً لدى مرور السفن من مضيق هرمز أو الاقتراب منه، كما أن الأزمة بين الدولتين هي أزمة على مستوى الديبلوماسي ولا تقترب من الأزمة العسكرية، فلدينا محادثات واتصالات متبادلة بين القوى العسكرية عبر الراديو"، وينفي وجود تعاون بينهما"سوى التعاون الديبلوماسي فقط، فليست هناك أعمال مشتركة بيننا". كما ينفي اعتبار وجود"نيميتز"في المنطقة"تهديداً لإيران". ويشير إلى وجود عناصر عسكرية متخصصة في تفتيش السفن ضمن طاقم الحاملة أو المجموعة القتالية لها. وأكد أنه في حال اشتداد العقوبات الاقتصادية على إيران في نهاية هذا الشهر أو منتصف الشهر المقبل، فإن مجموعة"نيميتز"وأخواتها قادرة على أن تقوم بعملية فرض العقوبات الاقتصادية، أو الحصار البحري أو تفتيش الأفراد، وذلك بالطبع إذا تم اتخاذ قرار من مجلس الأمن بذلك، لافتاً"لدينا القدرة على القيام بالتفتيش والحصول على المعلومات المطلوبة في السفن الموجودة في المنطقة، وفي الوقت الحالي لا أرى أن المجموعة البحرية الموجودة في المنطقة من أجل التفتيش، أو القيام بحصار على دولة ما، أو على السفن المغادرة والمتوجهة إلى دولة معينة، لكن دورها الأساس هو القيام بتفتيش السفن، للتأكد من عدم تهريب المواد المحظورة التي قد تستخدم في زعزعة الاستقرار في المنطقة كالأسلحة والمخدرات والإرهابيين". واستدرك"في حال كان هناك قرار من مجلس الأمن ينص على قيام القوات البحرية الأميركية، وقوات التحالف بفرض حصار أو تفتيش على السفن المغادرة والمتوجهة من إيران وإليها، فنحن نمتلك المجموعة الحربية القادرة على القيام بذلك". وينفي قيام"نيميتز"أو واحدة من السفن في مجموعتها بالرد على أي اعتداء عليها أو على إحدى أخواتها، في حال تعرضوا لهجوم بأسلحة الدمار الشامل سواء الكيماوي أو البيولوجي أو النووي، مشدداً ومستدركاً في آن"ولكن في حال تعرض السفينة أو السفن المرافقة لها لهجوم من هذا النوع، فسيكون الرد كافياً لردع القوى المهاجمة، ولكن ليس باستخدام أسلحة الدمار الشامل، أو حتى أسلحة مماثلة للمستخدمة ضدنا"، مضيفاً"أؤمن إيماناً قوياً بأن لدى المجموعة القتالية أو الحاملة نفسها إمكان وقف أي هجوم أثناء قدومه، وحتى قبل وصوله لجسم السفينة ذاتها". متاهة" من 23 طبقة يقطنها 5 آلاف جندي ... وتتحرك بمفاعلين نوويين تحوي"نيميتز"23 طابقاً متشعباً، ويقطن أحشاءها نحو خمسة آلاف أميركي، يلتهمون 20 ألف وجبة يومياً! ويستهلكون 400 ألف جالون من المياه التي تتم تحليتها في محطة لتحلية المياه على الحاملة، وتبلغ كلفة تشغيل الحاملة مليون دولار يومياً. حاملة الطائرات هي سفينة حربية تعمل بالطاقة النووية مفاعلان نوويان، وتبلغ كلفتها ما يقارب 4.5 بليون دولار. وتم تصنيعها كقاعدة حربية عائمة ومتحركة، وهي العصب الرئيس في الأساطيل الحربية الأميركية، لتحل محل البوارج الحربية. ولكي لا تتعرض لهجمات تهديدية فإنها تبحر بمعية مجموعة قتالية تسمى في العرف الأميركي"مجموعة المهام الضاربة"، لحمايتها وتأمين المؤن لها، إضافة لتزويدها بقدرات هجومية إضافية. وتبحر هذه الحاملات خلال العمليات العسكرية بين مجموعة من السفن الحربية الميدانية التي تحتوي على منصات لإطلاق الصواريخ، الموجهة بأشعة الليزر، ومدمرات، وفرقاطات، وسفن إمداد وغواصات. ويبلغ طول هذه الحاملات أكثر من 330 متراً، ووزنها قرابة مئة ألف طن، ولها القدرة على حمل 85 طائرة، وخمسة آلاف فرد من الطاقمين البحري والجوي. وتتولى أربعة مصاعد رفع الطائرات إلى منصة الإقلاع، حيث تساعد أجهزة دفع بخارية من اكتشاف بريطاني، في إطلاق الطائرات بسرعة تصل إلى نحو 180 كيلومتراً في أقل من ثلاث ثوانٍ، وهذه الحاملات مزودة بأجهزة للدفاع الذاتي تتضمن صواريخ وفوهات، كما تعمل حاملات الطائرات بمفاعلين نوويين يلبيان حاجاتها من الطاقة، ويتم تغيير الوقود كل 25 سنة، وتستغرق عملية تغييره سنتين. وتحتوي الحاملة على أكثر من 18 هيئة إدارية تشارك قبطانها في اتخاذ القرارات وبخاصة المصيرية لها، كما تحتوي على محطة لتحلية المياه تنتج أكثر من 400 ألف جالون من المياه يومياً، إضافة إلى وجود مستشفى على متنها لرعاية الإصابات التي يتعرض لها أفراد طاقمها، إلا أنه لا يقوم بعمليات كبيرة ويقتصر عمله على علاج الإصابات الخفيفة والعمليات الجراحية البسيطة والعاجلة، ودون ذلك يتم تقديم الإسعافات الأولية له ومن ثم نقله إلى مستشفى على البر، كما تحوي سجناً خاصاً بمن يخالف قوانينها لقضاء العقوبة. وسميت مجموعة"نيميتز"بهذا الاسم تيمناً ب"شستر نيميتز"وهو قائد الأسطول الأميركي في المحيط الهادي وآسيا خلال الحرب العالمية الثانية. وتلقب بپ"أولد سولت"، وجاء أمر إنشائها في 31 مارس 1967 وبدأ الإنشاء في 22 يونيو 1968، وأنزلت للبحر في 13 مايو من عام 1972، وبدأت خدمتها في 3 مايو 1975، وتم تشغيل"نيميتز"لأول مرة في البحر المتوسط في 7 يونيو من عام 1976. "مراهقون" أميركيون يديرون" القتال"بپ"ضغطة زر" ! تعيش شاشات المراقبة المتسلسلة في"نيميتز"مع تطور الأحداث في المنطقة لحظة بلحظة وفي دقة تقنية عالية، وتبدو أنها في حالة ترقب مستمرة عما ستسفر عنه الأيام المقبلة من أحداث، وتشاركها تلك الحالة أجهزة الرادار لمتابعة مهبط الطائرات، وحركة المقاتلات، والجبهات البحرية الأخرى في المنطقة، ما يشعر المشاهد بأجواء حقيقية لحالة الاستعداد القصوى للمركز القيادي لشؤون القتال على الحاملة"نيميتز"، الذي يتزعمه الضابط غاري لازارو. وتتسيّد المقر أجهزة كمبيوتر واتصالات ضخمة، فيما تتربع أربع شاشات رئيسة، إحداها لتحديد موقع الحاملة والمجموعة القتالية الأخرى، وشاشة أخرى حية لمتابعة مسرح عمليات الطائرات الاستطلاعية التي تمشط المواقع، وشاشة ثالثة تحدد المجموعات الأخرى وترصد حركة الطائرات في الجو، ورابعة تحدد جدول الطيران، وتسجل أسماء الطيارين. ولكل فرد في مركز شؤون القتال مهمة خاصة، ويتم تطبيق عمليات إطلاق الصواريخ بأمر لازارو، الذي أوضح الدور الرئيس للمركز"هو الدفاع عن نيميتز ومراقبة الأجواء بحراً وجواً، ومراقبة الطائرات أثناء قيامها بمهمة، وتوفير المعلومات للعناصر البحرية، والعناصر الأخرى الموجودة على الأرض، إضافة لمتابعة حركة الطائرات"، ويضيف"أقوم بنفسي وبمساعدة الطاقم بالاستعداد للدفاع والحماية في أي وقت، وتوكل لي مهمة إطلاق الصواريخ في حال الخطر فهناك أزرار عالية التقنية لإطلاق الصواريخ، كما يتم الدفاع أيضاً بواسطة الطائرات". ويوجد على متن كل حاملة مركز لشؤون القتال، ولكن"نيميتز"التي تعد من أقدم الحاملات"ليس لديها بعض الإمكانات المتوافرة للحاملات الحديثة"، بحسب الضابط لازارو. ومن المفارقات الجلية أن تلمح مجموعة من الفتيان والفتيات تترقب أعينهم الشاشات الحية، فالفتاة"جيني"لم تتجاوز 19 عاماً، إلا أنها بضغطة زر واحد تستطيع تدمير الأهداف المعادية بصاروخ موجه، فمهمة الدفاع عن أكبر السفن في الأسطول البحري الأميركي بكل ثقة بين يدي صغار السن 17-19 عاماً، وأكبرهم الضابط لازارو، الذي لم يتجاوز 23 عاماً. ويتبادل الطاقم المعلومات مع قسم الملاحة الجوية في شبكة متكاملة داخل الحاملة والجبهات البحرية الأخرى، أما معلومات جبهات الدول الأخرى المجاورة، وقدراتها العسكرية فهي حتماً مدروسة ضمن خطة أولية قبل التقدم للمنطقة، ويقول عنها لازارو:"لدينا أبحاث عامة قبل مجيئنا للمنطقة، حيث نقوم بالبحث والتحري عن القدرات الموجودة لدى دول المنطقة". وأصوات أجهزة الاتصال وتحويل المعلومات باللاسلكي جزء روتيني لكل أفراد الطاقم، ويقوم المركز بالاتصال بجميع أفراد السفينة، والأدميرال، والقوى البحرية في اتصال مركزي بجميع الإدارات في السفينة، والسفن الأخرى كمجموعة متكاملة، وبين قيادات المقاتلات، إضافة للطائرات على متن السفينة من جهة أخرى من طريق الأثير، والمراقبة من طريق الرادارات لا تقتصر على سطح المياه والجو فحسب، بل تشمل ما تحت سطح الماء أيضاً. كما تقوم الرادارات بالعمل على إدارة وتحويل مسارات الطائرات المختلفة التي تنطلق من السفينة نفسها، ويتم التنسيق مع القواعد البحرية في المنطقة من طريق التعامل، والتنسيق مع الحاملات والقواعد، أو الاضطلاع بالمهام كسفينة بمفردها.