تدخل العلاقة التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين مرحلة جديدة مع إصدار الإدارة الأميركية مجموعة قرارات تحاول من خلالها تحقيق ما تعتبره تجارة أكثر عدالة بين البلدين، إذ يميل الميزان التجاري بما يقارب ربع تريليون دولار لمصلحة الصين. وتقدمت إدارة الرئيس جورج بوش بشكويين لدى منظمة التجارة العالمية لحمل الصين على فرض قانون حماية الملكية الفكرية لفتح أسواق الصين أمام واحدة من أكبر صناعات الولاياتالمتحدة وهي صناعة الموسيقى والسينما الهوليوودية. ويأتي القرار الأميركي بعد أسبوع من قرار وزارة التجارة الأميركية فرض رسوم جمركية على الورق الصيني المستورد. وبحسب بيان وزارة التجارة، فإن الخطوة، وهي الأولى من نوعها التي تفرضها الوزارة على ما تعتبره دولاً ذات اقتصاد موجه منذ 23 سنة، تأتي على خلفية دعم الصين صناعتها الورقية، ما يخل بمبادئ التجارة الحرة. ونظراً إلى محدودية حجم تجارة الورق بين البلدين، فإن خطوة الوزارة الأميركية لا تُقرأ إلا على خلفية بلوغ المنافسة الاقتصادية بين البلدين حد الذروة. ولطالما حاولت الإدارة الأميركية الضغط على بكين لإدخال تعديلات تراها الولاياتالمتحدة ضرورية لاستمرار التجارة بين البلدين، ما حدا بالصين إلى تلبية بعض مطالب واشنطن فرفعت من قيمة اليوان بنسبة أربعة في المئة في مقابل الدولار. إلا ان واشنطن اعتبرت ان الإجراءات الصينية محدودة الفاعلية، إذ تستمر المصانع الصينية بخرق قانون الملكية الفكرية، كما تدعم بين الحين والآخر عدداً من الصناعات، ما دفع بالولاياتالمتحدة إلى تقديم شكويين إلى منظمة التجارة العالمية تُضاف إلى الشكويين المقدمتين منذ انضمام الصين إلى المنظمة عام 2001 ليصبح مجموع الشكاوى التي تقدمت بها واشنطن أربع شكاوى. ويقول سياسيون في واشنطن ان السياسة الجديدة تأتي بعد حوالى خمس سنوات من دخول الصين منظمة التجارة، وهي مهلة يعتبرها الأميركيون مهلة سماح أُعطيت للصين لسن قوانين تهدف إلى تحقيق تجارة عادلة بين البلدين، إذ يأمل صانعو السياسة التجارية الأميركية ان تؤدي هذه الإجراءات إلى تصحيح الخلل القائم والذي أدى إلى ارتفاع مديونية الولاياتالمتحدة تجاه الصين. وكان عدد من أعضاء الكونغرس عبروا عن تخوفهم من ازدياد هذه المديونية، إذ تُعتبر الصين الدائن الثاني للاقتصاد الأميركي بإجمالي استثمارات صينية في سندات الخزينة الأميركية يقارب تريليون دولار لتحل في المرتبة الثانية بعد اليابان، حليفة واشنطن. وسبق ان أبدى أعضاء في الكونغرس الأميركي تخوفهم من ان تتمكن الصين عبر ديونها للولايات المتحدة من امتلاك ورقة للتأثير في الاقتصاد، الأمر الذي دفع ببعض النواب الأميركيين إلى استدعاء رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي بن برنانكي لاستيضاحه في هذا الشأن. وطمأن برنانكي النواب إلى متانة الاقتصاد وعدم قدرة الصين على التأثير في ثباته في حال طرحت سندات الخزينة التي تملكها للبيع فجأة. وبحسب برنانكي، فإن الصين تملك قدراً قليلاً من إجمالي الدين الأميركي وهو ما يقلص دورها في اتخاذ أي خطوات قد تؤثر في هذا الاقتصاد. وأضاف برنانكي أن في حال قررت بكين الضغط على واشنطن بطرحها سندات الخزينة التي تملكها للبيع بطريقة مفاجئة، فإن المصرف المركزي الأميركي بإمكانه استيعاب هذه الخطوة من دون أي تأثيرات في الاقتصاد. ولطالما حاولت واشنطن تعديل كفة الميزان التجاري بينها وبين الصين ولكن من دون جدوى. أما ما يبدو أنه قد قصم ظهر البعير في العلاقات الاقتصادية بين البلدين فهو قيام شركة"إنتل"للتكنولوجيا بإعلانها عن نيتها استثمار بليونين ونصف بليون دولار في إقامة منشآت ومصانع في إحدى مدن الساحل الصيني. ويعتقد الاقتصاديون انه للأسباب المذكورة أعلاه أصدرت وزارة الاقتصاد الأميركية مذكرة تُعرف بمكافحة الدعم لدى الدول المصدرة لبضائعها إلى السوق الأميركية للمرة الأولى منذ 23 سنة أتبعتها بشكويين إلى منظمة التجارة. وفيما يرى مراقبون ان هذه الخطوة تنذر بإشعال حرب اقتصادية قد تؤزم العلاقات التجارية بين الولاياتالمتحدة، التي تُعتبر أكبر سوق استهلاكية في العالم والصين التي أصبحت أكبر منتج في العالم، إلا ان بعض المتابعين للعلاقات الاقتصادية بين البلدين يعزون فرض واشنطن لهذه الرسوم الجمركية على مستوردات الورق الصينية إلى أسباب سياسية داخلية محضة. فالإدارة الجمهورية للرئيس جورج بوش تناصر التجارة الحرة في العالم بينما يميل الديموقراطيون، الذين فازوا بأكثرية مجلس النواب والشيوخ، إلى تبني سياسات اقتصادية تدعو إلى حماية الصناعات الأميركية عبر إغلاق الأسواق الأميركية في وجه الصناعات الأجنبية المنافسة ودعم هذه الصناعات عبر حوافز تجارية تقدمها الحكومة الأميركية. على خلفية هذا التباين في الرأي الاقتصادي بين الإدارة الجمهورية والكونغرس الديموقراطي، ومع اقتراب الانتخابات الأميركية، تصبح خطوات واشنطن بحق الصين ذات دلالة انتخابية يحاول فيها الجمهوريون كسب ود الناخبين الديموقراطيين عبر تبني سياسات تجارية تستهوي الصناعيين الديموقراطيين. ولكن، أياً تكن الأسباب، فمن الجلي ان الخلافات والمنافسة الاقتصادية بين واشنطنوبكين باقية وقد تكون هذه الخطوات مقدمة لفرض عوائق على حركة التجارة والاستثمار بين البلدين مع كل العواقب التي قد تنتج من حرب اقتصادية بين القوة العظمى الوحيدة في العالم والقوة الأكثر صعوداً. * صحافي مقيم في واشنطن