لا يتردد الكثير من الشبان السعوديين في إطلاق صفة المهنة الموقتة على عدد من الوظائف التي يعملون فيها. وتأتي مهنة "موظف استقبال"، أو "نادل في مقهى"، على رأس المهن الموقتة التي يجعلها الكثير منهم"محطة عبور"إلى المهن الدائمة. ويصنف قبول الشبان والفتيات بهذه المهن بأنه"انحناء لعاصفة الظروف"، الى حين توافر الظروف الملائمة التي تساهم في الوصول إلى وظيفة ترقى للطموح. ويعد التأخر في الدراسة، أو عدم وجود وظيفة حكومية للخريج الجامعي، من أسباب قبول الشبان بالمهن الموقتة، إذ يعمد الكثير من الذين لم يتمكنوا من الدراسة الجامعية، إلى أخذ ديبلومات في اللغة الإنكليزية، أو الكومبيوتر في معاهد أهلية، في الفترة الصباحية، والعمل ليلاً، أو العكس، بالتنسيق مع جهة العمل التي تقدر ظروفهم في الغالب. ويتوجه"الجامعيون العاطلون"، وخصوصاً أصحاب التخصصات النظرية منهم، إلى وظائف أقل من شهاداتهم الجامعية، بدلاً من انتظار الوظيفة الحكومية، والتي يطول انتظارها لسنوات أحياناً، إذ تأتي النظرة الاجتماعية"السلبية"للعاطل، لتحسم موضوع بقائه بلا عمل، وهنا يقبل بأول"فرصة عمل معقولة". وينظر هؤلاء الجامعيون إلى قبولهم لهذه الوظائف، بأنه"مرحلة لترتيب الأوراق"، يكيفون أنفسهم فيها مع متطلبات سوق العمل، من خلال تطوير مهاراتهم، وتعزيز شهادتهم الجامعية بدورات متخصصة، تتيح لهم الانطلاق مجدداً نحو وظائف ترضي غرورهم. ويتساوى في ذلك الجامعيون الذين تخرجوا بعلامات متواضعة، بغيرهم ممن لم يتمكنوا من إكمال الجامعة، أو لم يدخلوها أصلاً. وهنا لا يتردد محمد 24 سنة في التأكيد أن وظيفة مدير فرع لسلسلة مقاهٍ في مدينة الرياض، وهو المنصب الذي وصل إليه بعد 11 شهراً من الالتحاق في العمل، لا يعبر عن طموحه على رغم الفترة القياسية التي وصل فيها إلى مركز قيادي، إذ يرى وعلى رغم المنصب الذي وصل إليه، أنه لا يعدو مجرد عمل في مقهى يقدم المشروبات الساخنة والفطائر، وأن لديه رؤية أخرى لما يريد أن يكون عليه في مستقبله. أما زميله عبدالله 26 سنة والذي يعمل تحت إدارته، فيشير إلى أن استفادته من العمل في المقهى، جاءت كرصيد من الخبرة يضاف الى سجله المهني، إضافة إلى تطوير لغته الإنكليزية، والتي تعد شرطاً مهماً للتعامل مع الزبائن، ويضيف:"بقائي في العمل لأسباب تكتيكية، فأنا أعد نفسي للعمل في شركة طيران، فهناك أجد الفارق في المرتب، زائد المكانة الاجتماعية". ويذهب عبدالعزيز 25 سنة، والذي يعمل موظفاً للاستقبال في مؤسسة إعلامية، ويدرس في الوقت نفسه دبلوماً لتقنية شبكات الكومبيوتر، إلى أن بوصلة عمله تتجه إلى أحد المصارف، بعد أن ينهي دراسته، ويضيف:"بقائي موظفاً للاستقبال، مسألة وقت ليس إلا". وتشير هيا العبدالله 24 سنة إلى أن عملها موظفة إدارية في مركز طبي، جاء لعدم توافر وظيفة حكومية لتخصصها الأكاديمي"صعوبات التعلم"، وعلى رغم المرتبات المغرية التي توفرها المراكز الأهلية لتخصصها، فإن ما وصفته بپ"الاستغلال"، جعلها تُحجم عن قبول تلك الوظائف، وتضيف:"أعمل بالدوام الجزئي على أمل الانتقال إلى دوام كامل، وأصبح همي مجرد الوظيفة، وتحول تخصصي إلى هواية، ولو بقيت هنا سنة أخرى، فسألغي فكرة التحول إلى العمل في مجال دراستي". أما زميلتها هناء عبدالكريم 23 سنة، والتي تحمل تخصص"تصميم ديكور"من كلية التربية والاقتصاد المنزلي في الرياض، فتؤكد أن قبولها العمل في قسم المواعيد في مركز طبي، جاء لرغبتها في تحمل المسؤولية بعد تخرجها من الكلية، وبقائها من دون وظيفة لمدة سنة، وتضيف:"أعاني من وقت الفراغ، فلا يوجد لدي ما أقوم به سوى مشاهدة الأفلام، واللقاء بالصديقات، وعلى رغم عدم بحثي بشكل جيد عن فرصة عمل في مجال التخصص، أستمتع بوظيفتي هذه، والأمور تسير بشكل جيد". وفي الوقت الذي يشتكي فيه الشبان السعوديون من تدني الأجور في القطاع الخاص، ترافقهم تهمة عدم الولاء للمؤسسات التي يعملون فيها، و"أن بقاءهم ليس سوى انتظار لأول فرصة عمل حكومية". إذ يبحث الشبان في الغالب عن"الأمان الوظيفي"الذي توفره الوظيفة الحكومية، على رغم بطء الترقيات فيها، إضافة إلى تواضع سلم رواتبها. لكن شريحة أخرى من الشبان لا تتردد في خوض غمار العمل في القطاع الخاص، بحثاً عن مرتبات عالية، ومناصب قيادية يصلون إليها في وقت قياسي. ويعتبر عادل الأحمد 25 سنة أن القطاع الخاص يوفر له فرصاً عالية لتطوير نفسه، لأن طريقة العمل فيه تخضع لقانون"البقاء للأقوى"، ويضيف:"في الوظيفة الحكومية لا أستطيع أن أحدد المرتب الذي أريد، كما أن جو المنافسة في القطاع الخاص يحفز على المزيد من الإبداع، وليس غريباً أن ترى شاباً في العشرينات رئيساً لقسم في شركة، أو مديراً لفرع". ويشير عبدالسلام المدلج، مدير شؤون موظفين في شركة خاصة، إلى أن بعض العاملين في المهن الموقتة،"يفتقدون الانتماء للمكان الذي يعملون فيه، ولا يعطون كل ما لديهم". ويضيف:"عدم استقرار طاقم العمل في هذه المهن يعد ظاهرة صحية، لأن التطور أمر طبيعي، وبقاء الموظف يعتمد على طموحه. ونحن نشجع من لديه تخصص معين على مواصلة العمل في مجال تخصصه، كما نقوم باستقطاب بعضهم إذا كانوا يملكون تخصصات أو مهارات معينة، للعمل في أقسام أخرى وبعقود مجزية".