رئيس أساقفة كانتربري هاجم العنف والنزعات الامبريالية الأميركية، وقال إن السياسة الخارجية الأميركية أوجدت"أسوأ عالم ممكن". وقبله بأسبوع أبدى البابا قلقه من استمرار النزاع في العراق ومعاناة الشعب هناك، وقال إن الكنيسة والمسيحيين يتضامنون مع"تلك الأرض الحبيبة"واستغاث برحمة الله لتحقيق التوافق والسلام. الدكتور روان وليامز تحدث الى مجلة"أمل"، وهي للمسلمين البريطانيين، وهاجم جدار الفصل الاسرائيلي، وقال إنه بغض النظر عن أسبابه، فالثمن الانساني له كان هائلاً. وقد أيده السيد جيرالد كوفمان، وزير خارجية الظل العمالي السابق، وقال إن الادارة الأميركية الحالية كارثة كاملة. أما البابا بنديكتوس فكان يتحدث في تنصيب 23 كاردينالاً جديداً، بينهم بطريرك الكلدان العراقيين عمانوئيل الثالث دلّي. استعين برأي أهم رجال الدين المسيحيين الغربيين في احتلال العراق، لأنهم غير متهمين مثلنا، ولسبب إضافي هو أن ادارة بوش وعصابة الحرب والمتطرفين من المحافظين الجدد حولها بدأوا يتحدثون عن"نجاح"لانخفاض العنف في العراق بعد زيادة القوات، فكأنهم يقولون"انتصرنا". هو انتصار شبيه بانتصار العرب في حرب 1967، فكل معلومة عن الحرب غير الشرعية وغير المبررة تقول العكس. المعلومات الآتية كلها أميركي، وأكثرها رسمي: - الهجمات هبطت في الأسابيع الأخيرة الى أدنى مستوى لها منذ شباط فبراير 2006، بحسب بيان عسكري أميركي يقول إنها أصبحت 575 هجوماً في الشهر بعدما كان معدلها 700 ووصلت مرة الى 1600 هجوم. وأسأل هل 575 هجوماً أمن أو سلام؟ - على رغم هبوط الهجمات أخيراً فسنة 2007 سجلت رقماً قياسياً في القتلى من الجنود الأميركيين الذين تجاوز عددهم 850 رجلاً وامرأة حتى منتصف هذا الشهر، ما يعني أن الرقم القياسي سيزيد قبل نهاية السنة. - أظهر تقرير للديموقراطيين في لجنة اقتصادية مشتركة في الكونغرس أن نفقات الحرب ستكون في حدود 1.5 ترليون دولار، أو 20 ألف دولار تتكبدها كل أسرة أميركية. وهناك تقارير أخرى تجعل النفقات ترليونين أو ثلاثة. - وزير الدفاع روبرت غيتس هدد بتسريح 200 موظف مدني ومتقاعد اذا لم يوافق الكونغرس على اعتمادات اضافية للحرب. - هناك قتلى من المدنيين كل يوم تقريباً، وسأتجاوز ما تسجل جريدتنا هذه، وأنصح القارئ بالعودة الى أرقام الصحف الأميركية الكبرى، وعندما قتل 11 شخصاً، بينهم سبعة أطفال، من أسرة صحافي عراقي هو ضياء الكواز استغرب الضجة وقال إن قتلاً أكثر يحدث كل يوم. - ربما استطاع القارئ قراءة الموقع الالكتروني لأميركي اسمه دار جمايل، وهو مرشد لتسلق الجبال في الاسكا انضم مراسلاً لتغطية الحرب على العراق، وله كتاب بعنوان"ما وراء المنطقة الخضراء: تقارير مراسل غير ملحق بالقوات الأميركية"، وهو يشرح في شكل مفصل حوادث قتلت فيها القوات الأميركية مدنيين عراقيين وادعت أن القتلى من ارهابيي القاعدة. المعلومات من نوع ما سبق لا تكاد تحصى، وكل يوم خبر جديد عن فاجعة أخرى يتعرض لها العراقيون، ثم نسمع أن بضع مئات لاجئ عراقي عادوا لأن الوضع الأمني تحسن. هناك 2.5 مليون لاجئ عراقي في الخارج و 2.3 مليون لاجئ داخل بلادهم، وإن عاد ألف أو مئة ألف تظل هناك ملايين من اللاجئين الأبرياء، ومصر البعيدة أصبح فيها حوالى 80 ألف لاجئ عراقي. أعمال العنف هبطت بعد أن سجلت أرقاماً قياسية القتلى الأميركيون في افغانستان سجلوا أيضاً رقماً قياسياً هذه السنة، الا أن الوضع لم يتحسن، فالعراقيون لا يزالون يعانون معاناة رهيبة مستمرة. ثم نسمع أن الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء نوري المالكي توصلا الى"اتفاق مبادئ"يعطي شرعية لبقاء أميركي مدني وعسكري طويل الأمد في العراق. وأقول إن مثل هذا الاتفاق غير شرعي، فهو بين طرف محتل وآخر تحت الاحتلال، والوضع العراقي سيتحسن فقط عندما يجلو الأميركيون عن البلاد، وعندما توجد في بغداد حكومة مستقلة فعلاً تستطيع أن تقاضي الادارة الأميركية في المحاكم الدولية لمعاقبة المجرمين من أركان عصابة الحرب وطلب تعويضات للضحايا. مرة أخيرة اليوم، الوضع في العراق لم يتحسن، ولا يوجد وضع في العالم ثمنه مليون ضحية يمكن أن يعتبر حسناً، فمثل هذا الكلام إهانة لذكرى الضحايا وللأمة كلها.