هي وهو زوجان وزميلان في الشركة نفسها. يصلان معاً صباحاً. يجلسان معاً أمام مكتبيهما المتلاصقين. أحياناً، يتخلّف عنها في الجلوس، هنيهة، ليعلّق سترته، فهو يشعر بالبرد صيفاً شتاء. يعملان وقتاً. يستريحان معاً. ثم يستأنفان العمل معاً. ظهراً، يتغدّيان معاً. يتقاسمان الوجبة التي أعدّاها. يتمشّيان معاً، قليلاً. ثم يستأنفان العمل معاً، إلاّ إذا تأخّر قليلاً ليعلّق سترته. مساء، يغادران معاً، إلاّ إذا تخلّف قليلاً ليرتدي سترته. ويختفيان عن أعين زملائهما، فلا يعودوا يعرفون شيئاً عن الثنائي اللصيق، حتى صباح اليوم التالي... هذا إذا باحا، أو باح أحدهما، لهم بمّا فعلاه معاً، بالطبع، في سهرة الأمس. ومع مرور الأيام، تتكوّن في عقل مراقبهما، خلال تحرّكاتهما اليومية المتكررة، صورة عنهما ب"المثنّى". فإذا غاب أحدهما، لسبب ما، يتهيّأ للمراقب أنه في حضرتيهما. والأدهى أن المراقب يتخيّلهما معاً، كما في منام، إذا صادف أحدهما في الشارع. وإذا صودف أحدهما في الشارع، فهذا لا يعني أن الآخر بعيد، بل يعني أنها تأخّرت قليلاً لتشتري علكة بالنعناع، أو أنه تأخّر قليلاً ليرتدي سترته، بعد أن علقت بكرسي المقهى المهجور. بعد حين، أخذ زملاؤهما يشعرون بضيق من هذا التلازم والتلاصق... أُف! أم تراه ضيق الحسّاد؟ تبدأ العلاقة الزوجية بدعاء ألاّ يفرّق الزوجين إلاّ الموت. والدعاء لا يدخل في التفاصيل، أي إذا ما كان الزواج ثمرة حب أم مصلحة أم شفقة... هو دعاء يقصد به قائله دوام العلاقة بين الزوجين، والتحلي بالصبر والحكمة... حتى آخر العمر. لا شيء جديداً في ذلك، والكل يعلم. والحق أن تلازم الزوجين وأفراد الأسرة في البيت والعمل قديم قدم الزمن. ويحدث في مجتمعات الفلاحين، مثلاً. وفيها يمتدّ العمل في الحقل وتفاصيله إلى البيت. والعكس صحيح، حين يُفرش الزاد المنزلي على حصيرة، ويلتئم الزوجان وبقية أفراد الأسرة على الغداء في الحقل. فلا مطاعم سريعة هناك، ولا وقت لشراء السندويتشات. والأمر مماثل في المؤسسات الأسرية، كبائعي الزهور أو صانعي الحلوى، أو تجار الألبسة. حتى أن بعض المؤسسات غير الأسرية، أي تلك التي تقوم على شراكة بين غرباء، يتباهى بأن نسبة الزيجات بين الموظّفين مرتفعة. لا جديد في تلازم الزوجين في العمل والمنزل، إذاً أين تكمن المشكلة؟ هي تبدأ عندما يختل توازن ما، خصوصاً في توزيع الأعباء والأدوار، ويحصل جفاء، ويقع الشقاق، ويبدأ تبادل الاتهامات بالظلم والغبن، بين الضحية والمفتري. ولكن، أليست هذه حال الأزواج الذين لا يعملون معاً، أيضاً؟ فرؤية شريك العمر، في كل الأوقات، لا تحتّم الجفاء، وغياب الشريك عن الآخر لا يلهب الاشتياق، بالضرورة. حتى أن بعض الأزواج يرى في العمل المشترك مصدراً لقيام صداقات ولإثراء الأحاديث في المنزل، بدلاً من أن يضطرّ الزوج أو الزوجة إلى خلع قناع الوجوم عند عتبة المنزل، ليضع ابتسامة مستعارة، بلهاء أحياناً، وكأن شيئاً لم يحصل له في الشغل. لكنْ، وفي كل الأحوال، لا بد من متنفّس ما.