شأن محكمة نورنبرغ، رفض ثيودور هوس، أول رئيس ألماني بعد نشوء فيديرالية ألمانيا الغربية، وراثة الألمان خطيئة الجرائم النازية على مر الأجيال. والحق أن الألمان ملزمون الاعتراف بماضيهم والاقرار بپ"عار جماعي"لحقهم. وخطا عدد من المستشارين الألمان على خطى سلفهم. فجثا ويلي براندت، المستشار الألماني في 1969 ? 1974، أمام نصب معتقل وارسو. وقدم هلموت كول المستشار الألماني بين 1982 و1998 لائحة مفصلة بالجرائم النازية، وتقصير الألمان، إبان زيارته مقبرة بيتبرغ حيث يرقد ثلاثة آلاف جندي ألماني. ولو قال الروائي الألماني غونتر غراس يومها:"كان من الممكن أن أكون واحداً من هؤلاء القتلى"، لخفت صوت المنددين بانتمائه الى"الوافن أس أس". والحق أن ألمانيا ألمت بها مشكلات من ماضيها. ففي 1975، قال الرئيس الألماني، فالتر شيل، إن تاريخ 1945 نهاية الحرب الثانية يجمع الكارثة الوطنية المدمرة الى التحرر من النازية. وفي 1995، أطلق وزير الدفاع الألماني اسم يوليوس ليبير، وهو مناضل اشتراكي أعدمه النازيون قبل أربعين عاماً، على ثكنة عسكرية، وجعل مناهضة النازية جوهر عقيدة الجيش الألماني. ولم تكن مهمة المقاومين الألمان يسيرة. فكان عليهم الجمع بين الرغبة في هزيمة النظام المارق وبين دمار بلدهم. وترتب على نهاية الحرب تحميل النظام النازي مسؤولية استرقاق الإنسان والحط من إنسانيته، الأخذ بيد الشباب الفرنسيين والألمان الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة، وتوجيههم نحو الديموقراطية. ويأخذ الكاتبان اليهوديان إيفا مناس ومايكل كامبفمولر، على وسائل الإعلام الألمانية مبالغتها في الاهتمام بقضية الروائي غونتر غراس، وإهمال ما يجرى بالشرق الأوسط، وتنصل ألمانيا، تالياً، من تضامنها مع إسرائيل، وهذا واجب مترتب على ماضيها. والحق أن ألمانيا لم تتنصل من واجب ماضيها، بل أهملت، وهي الخجلة من المحرقة، الدفاع عن سكان غزة والأراضي المحتلة، والتنديد بإهانتهم وظلمهم. وألغت الكنيسة الانجيلية بألمانيا توقيع كتاب عن الفلسطينيين لتجنب حملة إعلامية عليها. فالألمان والفرنسيون يخجلون من ماضيهم، ويمارسون رقابة ذاتية على أنفسهم. والألمان مدعوون الى الانحياز الى الإسرائيليين بذريعة الإقرار بأخطاء الماضي. وهذه عقبة في وجه التزام ألمانيا إرسال قوات الى لبنان. وفي مباريات كأس العالم في كرة القدم، فاجأ الالمان أنفسهم وغيرهم برفع العلم الألماني الأحمر والأسود والذهبي، شعار ألمانيا الديموقراطية في 1832. وأخذ عليهم بعض المحللين فرحهم بهذه الديموقراطية التي سرعان ما تبددت. والحق ان غونتر غراس أسهم في إدانة الحس الوطني الألماني حين ندد بتوحد ألمانياالشرقية والغربية. فهل وجب حرمان 16 مليون ألماني من الحرية احتراماً لذكرى أوشفيتز؟ عن ألفرد غروسير صاحب "الجريمة والذاكرة" ، "لوفيغارو" الفرنسية، 21\8\2006