الزيّ التراثي يجذب الأنظار في مهرجان جازان 2026    متى يكون فقدان الصوت خطيرا    متحدث التحالف لدعم الشرعية في اليمن: التحركات العسكرية المخالفة سيتم التعامل معها لحماية المدنيين    .. وتدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدًا في مدينة حمص    التعادل الإيجابي يحسم لقاء القادسية وضمك في دوري روشن للمحترفين    الاتحاد يفوز بثنائية على الشباب في دوري روشن    فيليكس يُسطر أرقامًا مع النصر في موسم استثنائي    رايندرز يعترف بصعوبة فوز مانشستر سيتي على نوتنجهام فورست    القبض على إثيوبيين في جازان لتهريبهم (108) كجم "قات"    تصعيد حضرموت: تحذير للتحالف وتحركات لاحتواء الانفلات الأمني    «صدى الوادي» يتجلى مع الطلاسي والتركي و«حقروص»    تقنيات التحكيم الحديثة تعزز دقة النتائج في مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور 2025    رفض إفريقي وعربي لاعتراف إسرائيل بأرض الصومال    10 أيام على انطلاق كأس آسيا تحت 23 عامًا "2026 السعودية"    كوميديا التواصل الاجتماعي    على خشبة الموت    تحويل الفصول إلى مصانع صغيرة    من الخنساء إلى فوزية.. حماة اللغة صانعات الخلود    عوشزية عنيزة مقصد العائلات والشباب    اتحاد الغرف يكرم السلامة    (117) دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الآخرة    مركز الحياة الفطرية ينفّذ برنامجًا تدريبيًا متخصصًا في نقل الكائنات الفطرية وإطلاقها بالمحميات    "مسرح مهرجان جازان يحتضن مشاركة محافظة صبيا في ليالي المحافظات"    «القيلة» متعة الحائليين    «واحة الأمن» تستعرض جاهزية الأفواج الأمنية في مهرجان الإبل    الخارجية اليمنية ترحب ببيانات عربية ودولية ثمّنت جهود السعودية بشأن تطورات حضرموت والمهرة    هيئة الهلال الأحمر السعودي بالقصيم تكرم روّاد العطاء لعام 2025    «أرفى» تكرّم الجهات الداعمة لمرضى التصلب المتعدد في حفل "خيركم سابق"    حملات ميدانية تضبط 18,877 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    موقف فابينيو من العودة للدوري البرازيلي    الجبيل تستعرض مقوماتها في مسار الاعتماد العالمي كمدينة صحية    الكابتن ناصر عسلوف يكرّم الإعلامي محمد الحسين ومدير ومدرب منتخب الدرب    منطقة "هذه جازان" تحيي فعاليات مهرجان جازان 2026 وتستقطب الزوار    انخفاض أسعار النفط عند التسوية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    ألمانيا تعتذر عن تحليل الصندوق الأسود الخاص بطائرة رئيس الأركان الليبي    يايسله: خسارة مواجهة الفتح «قاسية»    مدير هيئة الأمر بالمعروف بجازان يزور التدريب التقني ويبحث تعزيز البرامج التوعوية المشتركة    بيش تُضيء مهرجان شتاء جازان 2026 بهويتها الزراعية ورسالتها التنموية    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    السديس: حقوق العباد من أخطر أبواب الظلم ومواقع التواصل بيئة خصبة للبهتان    سعيد بن قزعة أبو جمال في ذمة الله    هيئة محمية الملك سلمان الملكية تدشّن مبادرة الإصحاح البيئي في "وادي نايلات" بحائل .    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    رئاسة الشؤون الدينية تدعو قاصدي الحرمين إلى الالتزام بآداب وفضائل يوم الجمعة    جمعية التنمية الأهلية بأبها تحتفي باليوم العالمي للتطوع واختتام مشاريع 2025 ضمن "رواية عقد"    إنفاذ يشرف على 75 مزادا عقاريا لتصفية وبيع أكثر من 900 أصل في مطلع 2026    نائب أمير منطقة جازان يلتقي أيتام "إخاء"    تطبيق علاج وقائي للحد من تطور السكري    نقاشات أمنية وسياسية تسبق لقاء نتنياهو وترامب.. حدود جديدة لإسرائيل مع غزة    الشيباني: العلاقات مع روسيا تدخل مرحلة إستراتيجية جديدة.. الداخلية السورية تتهم «قسد» بالتجنيد الإجباري في حلب    هندية تصلح عطلاً برمجياً في حفل زفافها    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير المملكة بنيبال    40 ألف متدرب مخرجات الأكاديمية الصحية    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    سلطان عمان يمنح قائد الجوية السعودية «الوسام العسكري»    الإطاحة بطبيبة المشاهير المزيفة    النيكوتين باوتشز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المونديال أو موسم القياسات المعولمة ...
نشر في الحياة يوم 09 - 10 - 2011

المونديال فرصة لقياس ما بلغه الاتحاد الدولي لكرة القدم،"الفيفا"، وآلة التلفزيون، من عوْلمة. وهو فرصة ايضاً لبيان علاقة"دولنا"بهذين المجالين المعولمَين، وبالعولمة نفسها.
ومصر هي دائما المثال. الدولة المصرية تنسحب منذ ثلاثة عقود، ببطء وصمت، من التزاماتها المبدئية كدولة راعية لأساسيات الحياة الصحة، التعليم، الامن، البيئة الخ. خصخصة واضحة من هنا، واخرى تمر هناك، وابقاء حصة ل"العمال والفلاحين"في البرلمان. هكذا تسير الامور تقريبا منذ ثلاثين سنة"والامل بالدولة الراعية يتضاءل بالتدريج.
في الإعلام وحده، التلفزيون خصوصاً، وهو مرفق سيادي، مثله مثل الدفاع والخارجية،"الدولة"ما زالت راعية. المال بلا حساب، والشاشة كذلك، من اجل تلميع صورتها. اما المال المخصص للترفيه عن الغالبية العظمى من المصريين، فقليل قليل.
في هذه الاثناء الشعب المصري شعب كروي. الفضيحة الاخيرة لرئيس مجلس ادارة نادي الزمالك أحد أقوى فريقين في مصر تشغل الصحافة ورجال القانون والجمهور الكروي الواسع ايضاً. حصلت في ذروة المونديال. واهتمام المصريين بها، يشير ربما الى الرغبة الجامحة بلعب دور كروي، ولو محلياً واثناء المونديال!
بشائر الخصخصة البطيئة جلية في يوميات المصريين. و"دولتهم"ما زالت من حين لآخر تطلق على نفسها صفة"الدولة الراعية". والمصريون يودّون تصديقها"فهم شعب متفائل بطبائعه، لذلك كانوا ينتظرون منها شيئا من الحنو على هوايتهم الأكبر: بأن يغطّي تلفزيونها المباريات الدولية، فتمنحهم شهراً من التسلية والتشويق والمتعة"شهرٌ يخفف عنهم عناء الكسب ومرارة العيش. لكن قناة"آي آر تي"ART اشطر من الدولة المصرية واقدر منها في السوق العالمي. اشترت حقوق البث الحصري ولعشر سنوات لاحقة، واشترطت 33 مليون دولار لتمريرها الى الشاشة المحلية. وهو رقم ضخم على بند الترفيه عن ملايين الفقراء غير المسنودين الى ظهر.
أبتْ الدولة المصرية دفع مبلغ"خيالي"كهذا، فحُرمت غالبية المصريين الذين لا يستطيع واحدهم ان يدفع 220 دولاراً للاشتراك في القناة. فالموظف المحترم من بينهم لا يتجاوز اجره المئة دولار.
صُبّت اللعنات طبعا على القناة، وحصل اشتباك باللسان. صاحب الشركة هاجم المصريين وأُطلق العنان ل"الشيخ"عمرو خالد، ليحذّر المصريين من سرقة الكابلات"الشرعية"، ويحرّمها عليهم باسم الدين!
والمصريون يردّون، وشغل الدولة وسط هذا الاشتباك ان تحفظ نفسها من تهمة عدم تغطيتها لحاجات عملت عقودا لجعلها أساسية لدى المصريين، إبعاداً للناس عن السياسة والحقوق السياسية.
واذا بها اليوم تقف عاجزة أمام قناة تلفزيونية ثرية وأمام مؤسسة دولية معولمة، الفيفا، نسجت علاقات قوية مع مؤسسات معولمة اخرى كوكا كولا، ماك دونالنز، بدويزر للبيرة، واشترايز للسجائر الخ.
إقتصاد العولمة صار جزءاً من كيان الجميع:"الدولة"والمجتمع. لكن احداً لا يريد توصيفه. فالمكاشفة تتطلب مراجعة قناعات راسخة في العمق. اية دولة نريد؟ ليس فقط"دينية"ام"مدنية". بل ايضا هل تكون دولة تؤدي وظائف ما تجاه المجتمع الذي تديره؟ فاذا كانت راعية فلترعَ، واذا كانت غير راعية، فلتكفّ عن جمع الضرائب الباهظة، الضرائب بمعنى الضرائب"الرسمية"، والرشوات.
فلتعُد هذه الدولة وتنظم نفسها على اساس ان العولمة ليست فقط إطار انتاج العصر، بل نمطه ايضاً. وما عليها الا التعامل مع وقائعه، وتنظيم اضراره وفوائده، والتشريع لآلياته."الدولة"المصرية الراهنة لا تفعل شيئا من ذلك. تكتفي فقط بتنظيم تعامل اقطابها مع كبار المتعولمين.
اما المجتمع، فتعوض له عن نكوصها، بأعمال خيرية، مغطّاة اعلامياً: مئات من الشاشات"العملاقة"في احياء القاهرة الفقيرة، لمشاهدة المونديال مجاناً. اما الاحياء"غير الفقيرة"، فتجمّع سكانها في المقاهي"والتي اهتمت الدولة بتطبيق القانون عليها، فأغلقت عشرات منها كانت تعرض المبارات الدولية من دون ان يكون تلفزيونها مشفّراً أي مشتركا مع قناة"آي آر تي".
التعويض ايضا يكون بصب النقمة على القناة. والتعويض بما هو اخبث: إجراء مباراة بين الاهلي والزمالك، أهم فرق مصر، أثناء المونديال نفسها، وفضيحة رئيس مجلس الاهلي التي انتهت اليها، وتغطيتها، وتغطية ذيولها المثيرة طبعاً. فلو كان تلفزيونك مشفّراً، أمكنك حضور المحلية والدولية من مباريات كرة القدم، وفي آن واحد احياناً.
48 في المئة من المصريين ردّوا على ذلك بأنهم استمتعوا بالمونديال كاملاً، وبشكل شبه مجاني، داخل بيوتهم."إشتركوا"مع كابل"أم"، في جوارهم، وعلّقوا"وصلات"على تلفزيونهم. الرقم من دراسة لأستاذي إعلام في جامعة القاهرة، منى حديدي وعاطف العبد. 48 في المئة من المصريين فعلوا ما فعلوه طوال عشرات السنوات الاخيرة التي شهدت تدهور احوالهم: إحتالوا على المعاش، احتالوا على العولمة، على زمنهم الراهن، وخلقوا بضعة فرص للعمل، غير مكترثين بكل حجج دولتهم المهيبة.
المونديال مجرد لحظة قصوى لنشاهد ما اصابنا من العولمة أثناء غفلتنا، وإنشغالنا بالسجالات حول رفضها او قبولها. انها لحظة ذروة لمؤسسة عملاقة بحجم الكوكب عائد الفيفا من المونديال مليار و900 مليون يورو، هي حقوق التسويق والبث. وهناك علاقة هذه العملاقة بعمالقة التلفزيون والاستهلاك. ثم علاقة هؤلاء العمالقة بالدول. خاصة"دولنا".
هي ايضا موسم ذوَبان الهويات وتنافسها، وإختلاط الاعراق والجنسيات، وإنحيازات لا تفسرها غير الأمزجة السياسية، الضيقة والمتقلّبة، الالتقاء مع كل هذا العالم، والإمعان في تأكيد الذات، والتشديد على ما يشبه وما لا يشبه. لحظة مقارِقة بكل تأكيد. لكنها تنمّ عن طبيعة البشر. هم هم. منذ ايام الرومان ومسارحهم المعولمة، بمعايير تلك الأيام، حيث الامبرطور حاضر، والجماهير الغفيرة المختلطة التي تنادي كل مصارع بهويته"الوطنية"، تسلية، وترفيه، واستغلال وحظوظ مفتوحة. ضعف وقوة، شر وخير، إضافة الى نسبة فساد هي الاقل من بين مسارح الترفيه المعاصرة. والترفيه باتَ حاجة وجودية للإنسان المعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.