قلة من المتابعين توقعت أن يجمع استاد"اولمبياد ستاديون"في العاصمة الألمانية برلين، منتخبي فرنسا وألمانيا ليتصارعا على لقب بطل العالم لكرة القدم. وقلة توقعت أن تكون أنفاس النجم الفرنسي زين الدين زيدان طويلة بعد بداية مخيبة، مثلما قلة توقعت أيضاً أن يدخل نجوم المنتخب الايطالي المباراة النهائية، وفي ذهنهم قلق من خوض منافسات الموسم المقبل في الدرجات السفلى في الدوري الايطالي، أو أن يصبحوا من دون عمل على خلفية معاقبات محتملة في حق أنديتهم المتورطة في رشوة الحكام. في اليومين السابقين للمباراة النهائية، يتجه أنصار"الديوك"و"الآزوري"نحو استلهام إشارات وأحداث تاريخية سابقة، كي تقنعهم بأن اللقب سيكون من نصيب فريقهم. فعشاق المنتخب الفرنسي مقتنعون أن لا سبب يدعو النجم الأول زين الدين زيدان للتراجع عن قرار اعتزاله اللعب مع فرنسا وعودته إليه، على رغم تذبذب عروضه في العامين الأخيرين، سوى انه إلهام وإشارة إلى تحقيق إنجاز. فمثلما اعتبر زيدان انه سمع صوتاً يدعوه إلى العودة لمساعدة منتخب بلاده لأنه في حاجة ماسة له، مثلما كانت جماهير"البلوز"في حاجة إلى تصديق أن هذا النجم المتهاوي في إمكانه فعلاً إحداث تغيير في فرص فوز فريقهم باللقب، فقدر زيدان أن يركل آخر كرة في مسيرته الاحترافية في المباراة النهائية لكأس العالم. وهذا أمر يتمناه كل لاعب ينوي الاعتزال، لكن هذا لا يعني أن طريق العودة ل"مساعدة"المنتخب كانت مفروشة بالورد، فأصوات كثيرة علت بإبعاد ليس زيدان وحده، بل جميع"عجائز"المنتخب الفرنسي، بعد تعادلين مخيبين في أول مباراتين في المجموعة ضد سويسرا وكوريا الجنوبية. وكاد"زيزو"أن يودع محبيه وعشاقه من نافذة الخيبة والإخفاق، لكن ألوان النجم الحقيقي تبرز في أحلك الأوقات، فعاد في المباراتين ضد اسبانيا والبرازيل في الدورين الثاني وربع النهائي، كطفل صغير يكتشف لذة اللعبة للمرة الأولى، ويحرث الأرض بحثاً عن الكرة، إذ استعادت قدماه المكر والحيلة والخداع مع منافسيه، حتى أن بعض أصوات المهزومين طالبوا المسؤولين بإجراء فحوصات عاجلة عليه لكشف المنشطات، بسبب هذه الطاقة الهائلة التي تفجرت فجأة. لكن الستار سيسدل على مسيرة زيدان اليوم، غالباً أو مغلوباً، ليظل النجم الذي يعشقه الفرنسيون، ويؤمنون بأن لا سبب يدعو"زيزو"للموافقة على العودة إلى المنتخب سوى لرفع الكأس. في المقابل، يدخل نجوم المنتخب الايطالي معركتهم الأخيرة، وهم يدركون أن ما يقدمونه في هذه المباراة سينعكس على مصيرهم في تحديد مستقبلهم ومسيرتهم الكروية. ففي ظل اتخاذ القضاء الايطالي إجراءات حازمة وجدية في كشف عمليات الفساد التي تورطت فيها أندية ميلان ويوفنتوس ولاتسيو وفيورنتينا، والتي ينتمي إليها أكثر من نصف أعضاء الفريق 13 لاعباً، قد يجد هؤلاء أنفسهم لاعبين في الدرجات السفلى كعقاب لهذه الأندية، أو غير مرغوب فيهم بسبب رواتبهم العالية التي سيكون الالتزام بها مكلفاً للأندية، في ظل مشاركتها في درجات دنيا. لكن المستلهمين والباحثين عن إشارات ايجابية يرون أن المرة الأخيرة التي فاز فيها المنتخب بكأس"المونديال"العام 1982، فإن نجمه في تلك البطولة وهدافه باولو روسي، كان عائداً لتوه من عقوبة إيقاف طويلة، بسبب أزمات ومشكلات اكتوت بها الكرة الايطالية. فهل يستعيد الطليان إلهام العام 1982، على رغم سلبياته، أم يكون إلهام زيدان هو السائد في ليلة التاسع من تموز يوليو 2006؟