ولي العهد يؤدي صلاة الميت على سماحة المفتي العام    فيصل بن مشعل يطلق ندوة «حكاية وطن»    سمو ولي العهد يؤدي صلاة الميت على سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ -رحمه الله-    وكالة شؤون الأفواج الأمنية تشارك في فعالية "عز الوطن"    المملكة ترحب باعتراف فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وموناكو وأندورا وسان مارينو بالدولة الفلسطينية    النجمة والحزم والزلفي إلى ثمن النهائي    علاقات تاريخية عريقة    أوقفوا نزيف الهلال    في ختام دور ال 32 من كأس الملك.. القادسية والفتح في ضيافة العروبة والجبلين    في يوروبا ليغ.. إيمري يبحث عن انطلاقة مع أستون فيلا.. وفوريست يعود بعد غياب طويل    الحماد ل «الرياض»: المملكة تحقق المنجزات الاقتصادية النوعية باقتصاد متنوع وضخم    يكفي فخر لانكست كل الأعلام .. تبقى بلادي ما ينكس علمها    رئاسة مؤتمر «حل الدولتين»: حان الوقت لينتقل المجتمع الدولي من الأقوال إلى الأفعال    أمين مجلس التعاون الخليجي: تحقيق السلام العادل بقيام دولة فلسطينية مستقلة    الحرب على غزة.. غارات مدفعية وجوية إسرائيلية وسط حصار خانق وتجويع    الإعلام.. مستقبل حافل بالمنجزات والتحولات    سعوديبيديا تصدر ملحقا عن اليوم الوطني السعودي 95    وكيل الوزارة للشؤون الدولية المتعددة يشارك في الاجتماع الوزاري الخليجي الفرنسي    بلان يتحدث عن موقف بنزيما من لقاء النصر    الدفاع المدني يشارك في فعالية وزارة الداخلية "عز الوطن" احتفاءً باليوم الوطني ال (95) للمملكة    نمو أقوى في 2025 و2026 للاقتصاد الخليجي بقوة أداء القطاعات غير النفطية    محافظة طريب تحتفل باليوم الوطني ال95    القوات الخاصة للأمن والحماية تشارك في مسيرة احتفالات اليوم الوطني السعودي ال(95) بمحافظة الدرعية    المحائلي تبدع بالفن التشكيلي في اليوم الوطني ال95 رغم صغر سنها    قصر الحكم في الرياض.. رمز السيادة ومفخرة المعمار الوطني    رحيل مفتي المملكة.. إرث علمي ومسيرة خالدة    1.3 مليون قرض مباشر والمسنون الأكثر استفادة    59% من السعوديين يفضلون الحوالات عبر التطبيقات الرقمية    عروض العيد الوطني تنعش المشتريات    الحزم يعبر نيوم إلى ثمن نهائي كأس الملك    الطبيب السعودي في عصر النهضة    ضمن فعاليات اليوم الوطني ال95 صحة جازان تطلق مبادرة "نفق الحياة" بالكورنيش الشمالي    خادم الحرمين: نحمد الله على ما تحقق من إنجازات في بلادنا الغالية    صلاة الغائب على سماحة المفتي العام للمملكة في المسجد النبوي    اطلاق النسخة الخامسة من مبادرة عطاء القطاع الصحي الخاص "وَليد"    الهلال الأحمر بالقصيم يكمل جاهزيته للاحتفال باليوم الوطني ال95 ومبادرة غرسة وطن وزيارة المصابين    الأغاني الوطنية تشعل مسرح عبادي الجوهر أرينا في اليوم الوطني 95    الأحساء تشهد نجاح أول عملية بالمملكة لاستئصال ورم كلوي باستخدام جراحة الروبوت    أمير جازان ونائبه يزوران معرض نموذج الرعاية الصحية السعودي    المشي المنتظم يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    نائب أمير تبوك: اليوم الوطني مناسبة غالية نستحضر من خلالها التاريخ المجيد لهذه البلاد المباركة    مركز التنمية الاجتماعية بوادي الدواسر يحتفي باليوم الوطني ال95 للمملكة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " قيادة وشعبًا متماسكين في وطنٍ عظيم "    أهمية اتفاق الدفاع الاستراتيجي المشترك بين السعودية والباكستان    إضراب عام يشل الحياة في إيطاليا تضامنا مع غزة    100 شاب يبدؤون رحلتهم نحو الإقلاع عن التدخين في كلاسيكو جدة    تعزيز التنافسية السعودية عالمياً.. توطين التقنيات والصناعات الذكية    دبلوماسية تبني الاستقرار.. السعودية.. وسيط الثقة وصوت السلام الدولي    إسرائيل تحذر من عملية برية واسعة في لبنان    95 عاماً من المجد.. هوية وطن.. طباع تروي قصة العز    اليوم الوطني.. وحدة وبناء    قاطرة قوية ومعدلات تاريخية.. 56 % من الناتج المحلي غير نفطي    حفاظاً على جودة الحياة.. «البلديات»: 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية    الأمن يحبط تهريب 145.7 كجم مخدرات    «كلهم بيحبوا» ياسر جلال في رمضان    الأحوال المدنية تشارك في فعالية وزارة الداخلية "عز الوطن" احتفاءً باليوم الوطني ال (95) للمملكة    القوات الأمنية تستعرض عرضًا دراميًا يحاكي الجاهزية الميدانية بعنوان (حنّا لها)    عزنا بطبعنا.. المبادئ السعودية ركيزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة . شأن عائلي جداً
نشر في الحياة يوم 20 - 12 - 2010

جارنا الأسطى محمود جاوز السبعين. وهو يعيش مع زوجته البدينة التي تتحرك بصعوبة، وتصغره قليلاً.
الأسطى محمود إذاً رجل ضامر الوجه ونحيل جداً. وهو يلمع حذاءه جيداً ويرتدي القميص المكوي والبنطلون. وعندما يعود من الخارج كان يفرد البنطلون وينظفه بالفرشاة وهو واقف بالفانلة واللباس ويعلقه على الشماعة ويضعه داخل الدولاب. وزمان كنت أجلس معه أمام الطاولة وهو يصمم موديلاً لحذاء رجالي أو حريمي، ثم يأتي بلوح رقيق من الزنك ويرسم عليه هذا التصميم في مقاسات مختلفة، ويقص هذا الصاج بالمقص الحديدي القاتم إلى قطع تمثل وجه الحذاء وكعبه وجوانبه، ويذهب بمجموعة المقاسات تلك إلى الورش التي تتعامل معه. وهو توقف عن هذا العمل منذ سنوات بسبب شيوع الموديلات الجاهزة. وأنا كنت أرى في ركن الحجرة التي كنا نجلس بها لفة من الجلد ما زالت باقية وقد علاها الغبار وكذلك الطاولة التي كان يعمل عليها خالية من أي شيء لأنه يرفض استخدامها في أي غرض أو آخر. وهو لم ينس عمله القديم لأنه كثيراً ما كان يتطلع إلى قدمي ونحن نجلس معاً ويطلب مني أن أخلع فردة الحذاء. كان يقلب فيها جيداً ويعطيني إياها. أحياناً يشير بإصبعه ويقول لو ان هذه الفتحة كانت أطول لأصبح مريحاً أكثر. وفي بعض الأحيان كان يهز رأسه، بعد التأمل، ولا يعلق بشيء. وهو رجل صموت وطيب رغم جهامته ويدخن المعسل. يشعل الفحم في الموقد الصغير ويضعه على درجة السلّم بين شقته وشقتنا، وبعد أن تستوي النار يأخذه ويدخل. وهو يعد الشيشة ويرفعها عالياً بيد ويمسك خرطومها باليد الأخرى ويعبر الصالة بحذر حيث يدخل المرحاض يقضي حاجته ويدخن، وعندما كانت الحكومة تغير الساعة في التوقيت الصيفي والشتوي لم يكن يغير ساعته ويقول ان هذه مشكلة الحكومة ولا تخصه في شيء. وهو يعيش الآن على المبلغ الزهيد الذي تصرفه النقابة وعلى المعونة الشهرية التي يقدمها له ابنه الكبير. وفي أيام الوفرة كان أصر على تعليم أبنائه تعليماً عالياً. البنت متزوجة ولديها أبناء والولد الكبير مهندس ناجح وبدين قليلاً وفي عينيه الواسعتين حزن عميق، وعندما تنكسر نظارة الأسطى الطبية، وهو كان يكسرها كل شهرين أو ثلاثة، كان يذهب لزيارة هذا الابن ويجلس يشرب الشاي ثم يتناول نظارة الإبن الطبية من المكان الذي يجدها فيه ويرتديها ويترك المكسورة مكانها. وعندما يقول الابن:
"يا بابا لازم تعمل كشف، لأن النظارات دي لها مقاسات".
كان يضبطها على وجهه وينظر إلى التلفزيون ويهز رأسه من أعلى إلى أسفل ويأخذها وينصرف. ولا أظن أنني التقيته مرة في السنوات الأخيرة إلا ووجدته يرتدي نظارة مختلفة. أما الولد الثالث فقد أطلق لحيته بعد البكالوريوس واختار العمل كسائق على عربات النقل والجرارات ولا يراه أحد إلا أنهم يتابعون أخباره.
المهندس وشقيقته يأتون بأبنائهم لزيارة الأسطى محمود والحاجة ثريا، وهم في كل مرة يدقون الباب لتحيتنا. أحياناً كانوا يصرون على دعوتنا وندخل وراءهم نجلس جميعاً نشرب الشاي. الحاجة ثريا تجلس على الكليم لأنها لا تستطيع أن تقوم من الأرض بسبب حجمها والأسطى يتابع أحفاده الصغار ويحادث أكبرهم الذي اسمه هشام وهو في الخامسة تقريباً كأنه يحادث رجلاً. وعندما كان الولد يصفعه أو يقبض على أنفه الكبير لا يريد أبداً أن يفلته كان الأسطى يغضب ويعتكف في الحجرة الداخلية ولكن أحداً لا يستطيع أن يعاقب الولد لأن ذلك كان يغضب الأسطى أشد الغضب. وزوجتي قالت للولد وهو نازل يشتري العيش أن يسأل الحاجة ثريا إن كانت تريد شيئاً من تحت. والولد عاد يقول ان الحاجة في المستشفى. اتجهت وزوجتي إلى هناك وطرقنا الباب وسألنا عما حدث والأسطى قال انها تعبت بالأمس وذهب بها إلى المستشفى واحتجزوها. لمناه على عدم إخبارنا وارتديت ثيابي وذهبت معه إلى هناك بعدما اشتريت برتقالاً. عند باب الزيارة وجدنا ابنتها وزوجة ابنها المهندس التي كانت تحمل كيساً فيه بعض العصائر بينما كان زوجها عند شباك التذاكر، والولد هشام أخبره أن جده وصل، وهو التفت نحونا وقطع لنا تذكرتين ودخلنا كلنا وصعدنا إلى الطابق الرابع ونحن نستريح بين طابق وآخر. وعندما دخلنا العنبر نظرت إلى الأسرة الستة ولم أجد الحاجة في بداية الأمر، ثم لاحظت أنهم وقفوا صامتين أمام أحد الأسرّة، وأنا تطلعت إلى المرأة البدينة التي جلست في وسط السرير ثم تبينت أنها الحاجة ثريا. كانت عرت شعرها الخفيف وصبغته بالأسود الفاحم ولونت بالأحمر خديها وشفتيها ورسمت حاجبين وكحلت عينيها وكانت تتطلع إلينا مبتسمة وقد اتسع فمها الخالي من الأسنان. الولد هشام انكمش خائفاً وأمسك بساق أبيه. ظللنا صامتين حتى قالت إبنتها:
"إيه يا ماما اللي انتي عاملاها ده؟".
ولكن الأسطى التفت إليها بنظرة صارمة أوقفتها. وتقدمت زوجة ابنها ووضعت كيس العصائر إلى جوارها على الكوميدينو والحاجة قالت:
"واد يا هشام، مش حتبوس ستك؟".
وكان صوتها قوياً وجميلاً والولد انكمش أكثر وأبوه دفعه ناحيتها وهو اقترب وأعطاها خده وهي احتضنته وأغرقته تقبيلاً. والأسطى محمود سألها بهدوء:
"الدكتور قال إيه؟".
وهي ردت بفرح:
"حلوة".
ونحن في الشارع خاطب الأسطى إبنه قائلاً:
"خليك جاهز".
وعندما انصرف مع زوجته وقفنا وحدنا. أخبرني أن هذه العائلة هكذا، عندما يوشكون على الموت يفعلون الشيء نفسه، وأن والدها قبل أن يموت صبغ شعره"وركّب طاقم الأسنان ولبس هدوم مسخرة وفكر أن يتزوج أم مرسي التي تسكن في أول دور في الشقة التي على يمينك وأنت طالع، وفي اليوم التالي مات". وقال انه كان يود أن يعود معي إلى البيت لكن عليه الآن الذهاب إلى عبدالخالق الحانوتي لكي يجهز المقبرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.