أكثر من 100 الف زائر لفعاليات مؤتمر ومعرض التوحد الدولي الثاني بالظهران    عيسى عشي نائبا لرئيس اللجنة السياحية بغرفة ينبع    أسس العقار" تسجل مليار ريال تعاملات في "سيتي سكيب العالمي بالرياض 2025"    وكيل وزارة الصناعة لتنمية القدرات البشرية: جمعية تأهيل بعنيزة تمكّن الأشخاص ذوي الإعاقة وظيفيًا واجتماعيًا    "سليمان الناس".. وثائقي يعيد صوتاً لا يُنسى على قناة السعودية    انطلاق النسخة الخامسة من مهرجان الغناء بالفصحى بالظهران    الشهري: النتائج لا تعجبني وعقدي مستمر لنهاية الموسم    أشرف حكيمي الأفضل في إفريقيا 2025.. وبونو أفضل حارس    "زاتكا" تُحبط تهريب 58 ألف حبة إمفيتامين عبر منفذ الحديثة    الذهب ينخفض 1% ويتجه لخسارة أسبوعية مع تراجع آمال خفض أسعار الفائدة    القادسية ينهي تحضيراته ويغادر لمواجهة الأهلي    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    الشيخ صلاح البدير: الموت محتوم والتوبة باب مفتوح لا يغلق    نادية خوندنة تتحدث عن ترجمة القصص الحجرة الخضراء بأدبي جازان    رئاسة "كوب 16" تواصل قيادة الزخم العالمي من أجل حماية الأرض والمناخ والطبيعة    تعليم الأحساء يطلق مبادرة "مزدوجي الاستثنائية"    افتتاح مؤتمر طب الأطفال الثاني بتجمع تبوك الصحي    هوس الجوالات الجديدة.. مراجعات المؤثرين ترهق الجيوب    كيف يقلل مونجارو الشهية    الاتحاد الأرجنتيني يعلن فوز روزاريو سنترال بلقب "بطل الدوري"    مواجهات قوية وتأهل لنجوم العالم في بطولة "موسم الرياض للسنوكر 2025"    أوكرانيا تعلن تلقيها مسودة خطة سلام أمريكية لإنهاء الحرب مع روسيا    حريق في مقر "كوب 30" يتسبب في إخلاء الوفود وتعليق المفاوضات    السعودية والإمارات من النفط إلى تصدير الكربون المخفض    تجهيز 150 حديقة لاستقبال الزوار خلال الإجازة بالطائف    «سلمان للإغاثة» يجعل من الطفل محورًا أساسيًا في مشاريعه وبرامجه    نائب وزير الخارجية يؤكد دعم المملكة الكامل للخطة الشاملة لإعمار غزة    من أي بوابة دخل نزار قباني    جنازة الكلمة    كانط ومسألة العلاقة بين العقل والإيمان    من واشنطن.. الشركة السعودية للاستثمار الجريء تعلن عن مليار ريال استثمارات مشتركة    العراق يواجه الفائز من بوليفيا وسورينام في ملحق مونديال 2026    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    المودة تطلق حملة "اسمعني تفهمني" بمناسبة اليوم العالمي للطفل    المنتخبات السعودية تقفز رابع ترتيب التضامن الإسلامي "الرياض 2025"    7 اتفاقيات بين سدايا وشركات أمريكية في الذكاء الاصطناعي        الأنصاري: 87% من خريجي جامعة محمد بن فهد يلتحقون بسوق العمل    نائب أمير حائل يستقبل د.عبدالعزيز الفيصل ود.محمد الفيصل ويتسلم إهدائين من إصداراتهما    ولي العهد يبعث برقية شكر لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية    التخصصي و"عِلمي" يوقعان مذكرة تعاون لتعزيز التعليم والابتكار العلمي    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لجمهورية الصومال    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    الجوازات تستقبل المسافرين عبر مطار البحر الأحمر    تامر حسني يكشف تفاصيل أزمته الصحية    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    فلسطين تبلغ الأمم المتحدة باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية    غارة إسرائيلية تقتل شخصاً وتصيب طلاباً.. استهداف عناصر من حزب الله جنوب لبنان    وسط غموض ما بعد الحرب.. مشروع قرار يضغط على إيران للامتثال النووي    انطلاق النسخة ال9 من منتدى مسك.. البدر: تحويل أفكار الشباب إلى مبادرات واقعية    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم    دراسة: دواء السكري يقلل فوائد التمارين    أمير الرياض يستقبل سفير المملكة المتحدة    14 ألف جولة رقابية على المساجد بالشمالية    «الجوف الصحي» يقدّم الفحوصات الدورية المتنقلة    120 ألف شخص حالة غياب عن الوعي    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يرتدين الحجاب الكحلي ويملكن شبكة تدريس ونفوذ واسعة . "الآنسات القبيسيات" يباشرن في سورية انخراط النساء في "الدعوة الإسلامية" ... بموافقة السلطات
نشر في الحياة يوم 03 - 02 - 2010

لم يعد انتشار اتباع"الآنسة"منيرة القبيسي مقتصراً على سورية والدول العربية فحسب، بل ان حلقات"الأخوات"باتت تدق ابواب بيوت في باريس وفيينا لتصل إلى الولايات المتحدة الأميركية. والقبيسيات داعيات إسلاميات أثرن نقاشاً وانقساماً في الأوساط الاسلامية في سورية.
وكلما اتسعت الرقعة التي ينمو فيها فطر"القبيسيات"في الشوارع والمدارس والبيوت السورية والعربية والأجنبية، زادت إثارة وتشويقاً الحكايا والأساطير حول هذه الحركة، اذ بلغ الجدل في شأن"الاخوات"أخيراً شبكة الإنترنت بين من يتهمهن بتشكيل"تنظيم سري خطير"وبين من ينوه بدور الداعيات في"فعل ما عجز عنه الرجال".
وعلى رغم الحذر الشديد الذي يبديه رجال الدين والخبراء في الحديث عن"الأخوات القبيسيات"، هنا محاولة في الاقتراب من الافكار التي يحملونها والمؤسسات التابعة لهن والشكل التنظيمي، ان وجد، الذي يربط الداعيات في جميع المراحل العمرية.
شكلت حركة"القبيسيات"اشكالية كبيرة في الأوساط الدينية السورية. فمنهم من يكفرها، ومنهم من يهتم في البحث بتفاصيل كثيرة في حياة ناشطاتها. وفيما يقول كمال شاهين على موقع"زركار"ان القبيسيات يعتبرن ان"المرأة الصالحة خلقت للمنزل فقط"، تضمنت الإنترنت العديد من المقالات النقدية للحركة تستند اساساً إلى دراسة أجراها أسامة السيد القريب من"الأحباش"تحت عنوان"التنظيم النسائي السري الخطير"وتناول بعض أفكار منيرة القبيسي وأميرة جبريل وسحر حلبي في لبنان وفاديا الطباع في الاردن.
وفي موقع"منتدى السقيفة"حرصت"إحدى الأخوات"على نشر مقال مطول مستند إلى هذه الدراسة، مركزة على اعتبار هذه الجماعة"صوفية تنسب إلى امرأة شامية". وتشير الدراسة إلى ان القبيسيات يعتمدن على السرية في دعوتهن وعدم الإفصاح عن حقيقة عقائدهن وأفكارهن الا بعد ان تمضي العضو الجديدة فترة طويلة في رحاب"الدعوة". وتكشف أنهن يحرصن على استمالة ذوات المناصب أو الثريات أو بنات العائلات الكبيرة لضمهن إلى جماعتهن. وعندما تصل العضو إلى مرحلة الثقة"يكشفن أمامها المزيد من الأسرار".
ومن أفكارهن بحسب الدراسة تعظيم ابن عربي والحلاج، وعدم مناقشة الشيخة واعتبار ان"حبها من حب رسول الله وان المريدة عبارة عن هيكل خلقه الله للتفاني في حب وخدمة الآنسة". ومن شعاراتهن ان"لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربية"، واعتبار زيارة الشام واجباً أو لنقل حلماً لكل من يتم لها الإذن بذلك.
وزادت أن الجماعة تقوم على"علم باطني وعلم ظاهري، ويسمى العلم الباطني باللدني". وفي الكويت، حيث صدرت فتاوى ضدهن، تعتقد"القبيسيات"انهن ساهمن في تحرير الكويت من خلال الدعاء.
ويذهب معارضو"القبيسيات"ايضاً إلى ان الحركة تقوم على"وحدة الوجود وتقديس الشيخة والتسابق على تقبيل يدها وقدمها أحياناً"واعتقادهن ان"كل ما تهواه موجود في ذات الله"، الأمر الذي تؤكد عليه الشيخة نوال في كتابها"المتاح من الموالد والأناشيد الملاح"لدى قولها"الوجود، طاب فيك الشهود"، في حين يؤكد الكتاب الأول القول ان"شيختنا معنا أينما كنا"وان أمرها"مطاع"، وانه"مقدم على طاعة الأب أو الزوج وولي الأمر"على أساس القول المتبع لديهن ان"لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربية"و"من قال لشيخه لمَ، لم يفلح ابداً".
غير أن النائب الإسلامي حبش، يقدم وصفاً مختلفاً إذ يقول ان"المنطلق يتمحور حول الشيخة. والفائدة تكون بالاقتراب منها وليس التعلم منها وحسب". بالتالي، فان الشكل الهرمي يقوم على تراتبية الحلقات. وكلما زادت أهمية"الداعية"ارتفعت حلقتها واقتربت من"الآنسة".
لكنه يضيف ان الظاهرة"طيبة وتجنب النساء الانحلال الأخلاقي والتطرف"، وان"الآنسة"منيرة"بثت الروح فتكاثرت الحركة بطريقة فطرية. ليس بطريقة احتفالية، بل بطريقة هرمية. وهي نموذج للحالة المحافظة التي تسعى إلى خدمة القيم الإسلامية بالوسائل التقليدية"التي تشمل المدارس والمعاهد و"الحلقات"المنزلية.
من جهته، رفض وزير الأوقاف السوري الدكتور زياد الدين الأيوبي في حديث صحافي اجري أخيراً إطلاق تسمية"القبيسيات"على اتباع منيرة، نافياً ان تكون"تدرس نساء المسؤولين والأغنياء"في سورية بهدف تحقيق النفوذ والامتداد المضمون و"مظلة حماية"توفر لها الحصول على رخص التدريس في المدارس والمساجد وحل الإشكالات لدى ظهورها. لكن البوطي يختلف في نظرته إلى"القبيسيات"عن الأيوبي، اذ يقول ان"المرأة السورية تقوم بدور مميز في الدعوة الإسلامية، أتمنى على الرجال ان يبلغوا هذا الشأن"، لافتاً إلى ان نجاح نشاط"القبيسيات"تحقق لأسباب متعددة منها"الابتعاد عن التيارات السياسية، والابتعاد عن المناطق والمحاور الخلافية، والتركيز على الوحدة الإسلامية، وعلى الجانب الروحي في الإسلام مع عدم إهمال الجانب العلمي".
كان ضرباً من المستحيل إجراء مقابلة مع"الآنسة"، بل ان العديد من"الداعيات"الكبيرات لم يرين منيرة القبيسي في حياتهن. وأقصى ما استطاعت"الحياة"الحصول عليه، هو وصف هيئة"الآنسة"من شيوخ شاهدوها قبل سنوات وپ"داعيات"شاهدنها قريباً.
شبّه إثنان من رجال الدين التقتهما"الحياة"إبتسامة منيرة القبيسي بوجه موناليزا. وقال كفتارو إنها سمراء وطويلة القامة. ونادراً ما يرى أحد وجهها من دون منديل أسود يغطيه. وهي تسكن في منطقة تقع بين شارعي"الشعلان"وپ"الروضة"، مع عدد من"الآنسات"والداعيات المقربات منها. وقيل انها تعاني من أمراض. وتختلف تسميتها بين"الشيخة الكبرى"أو"الآنسة الكبرى"أو"الآنسة الأم"، غير ان اكثر التسميات شيوعاً هو"الآنسة".
وفي الصف الأول في"القبيسيات"هناك بضع"آنسات"غير متزوجات كما هي حال منيرة. واذا كانت بين داعيات الصف الأول، أميرة جبريل شقيقة الأمين العام لپ"الجبهة الشعبية - القيادة العامة"أحمد جبريل الذي عرف بأفكاره اليسارية قبل عقود، فان باقي الداعيات هن من أبناء الشريحة الغنية في دمشق وبينهن: الآنسات خير جحا ومنى قويدر ودلال الشيشكلي توفيت قبل فترة ونهيدة طرقجي وفائزة طباع وفاطمة غباز ونبيلة الكزبري ورجاء تسابحجي والدكتورة سميرة الزايد التي اشتهرت كثيرا بعلمها خصوصاً انها الفت"الجامع في السيرة النبوية"في عشرة اجزاء وپ"مختصر الجامع"في جزئين في منتصف التسعينات. وهناك أيضاً سعاد ميبر التي تدرس في"معهد الفتح"وصاحبة كتاب"عقيدة التوحيد من الكتاب والسنة".
ما يلفت في "الجامع"لسميرة الزايد ان الدكتور البوطي قدم الطبعة الأولى في العام 1994 بالقول:"اهنئ الآنسة التي عكفت على إخراج هذا الكتاب طبق النهج العلمي الأمثل في خدمة السيرة النبوية والسنة المطهرة والفقة وأحكامه والثقافة الإسلامية. وهو جهد سبقت فيه بحمد الله الرجال في هذا العصر".
ورغم تأكد وجود الكثير من العازبات بين"الداعيات"، فإن احداً لم يقدم تفسيراً لهذا. وفيما يعزو بعض منتقدي"الجماعة"السبب إلى"انهن لا يردن الانشغال بالزوج عن الآنسة"والى انهن يفضلن الحياة الأخرى على الحياة الدنيا، استغرب كفتارو ذلك لأن"لا رهبنة في الإسلام"، غير ان آخرين قللوا من أهمية ذلك، اذ اشاروا إلى العكس، لان"القبيسيات"ناشطات في ترتيب الزيجات، وربما كان هذا من أسباب سرعة انتشار الحركة وزيادة نفوذها، اي عبر زواج الداعيات من رجال الأعمال والمتنفذين والمغتربين. وساهمت الزيجات من مغتربين شباب ورجال أعمال مغتربين في إقامة حلقات قبيسية في فرنسا والنمسا وأميركا.
في"صف القبيسيات الثاني"الداعيات تخرجن من حلقات القبيسيات، ثم أسسن مدارس ابتدائية. وبشيء من الذكاء جمعت منيرة بين الرغبة في الاستثمار ونشر الدعوة الإسلامية، اذ أنها شجعت النساء وأخواتهن على الاستثمار في المدارس الابتدائية. وبحسب المعلومات، هناك عدد كبير من المدارس الابتدائية التابعة لپ"القبيسيات"وغالباً ما تسمى المدرسة بپ"الدار"وبينها"دار الفرح"التي تديرها منى قويدر في المهاجرين وپ"دار النعيم"وپ"مدرسة عمر بن الخطاب"في المزة وپ"عمر عبد العزيز"في الهامة وپ"دوحة المجد"في المالكي و"البشائر"في المزة وپ"البوادر"في كفرسوسة.
وتقول مديرة"البوادر"ان مدرستها مثل باقي المدارس الخاصة تتبع منهج وزارة التربية السورية في تعليم المواد المدرجة، لكن الإضافي يكمن في"تخصيص دروس إضافية لتعليم الدين وإقامة نشاطات اجتماعية خارج الدوام الرسمي، إضافة إلى تنظيم مسابقات دينية". لكن أهم عنصر يكمن في كون معظم المدرسات من المحجبات. وتقول المديرة التي رفضت ذكر اسمها:"نعلم الطفل الأخلاق الحسنة والصدق، والأمانة، والأدب، واحترام الوالدين".
وتبدو قصة هذه المدرسة نموذجية لجهة فهم كيفية انتشار مدارس"القبيسيات". اذ ان"البوادر"تأسست العام 1977، وكانت مدرسة عادية. لكن آل الملاح، كانت لديهم مدرسة صغيرة في حي المزة وتحقق نجاحاً بعد آخر بسبب اهتمامها بأصول الدين وجهدها لحماية التقاليد. وتقول المديرة:"في العام 1999، اشترى اخوتي هذه المدرسة ووسعنا الصفوف لأن الإقبال بات عليها كثيراً".
وبين إقبال الشرائح الوسطى لأسباب مالية على مدراس ناجحة لأن إقساط المدارس الخاصة الأخرى تصل إلى بضعة آلاف من الدولارات مقابل بضعة عشرات من الدولارات في"البوادر"وزميلاتها، يلعب العامل الاقتصادي بعداً إضافياً يعمل مع البعد الأخلاقي في إنجاح هذه المدارس واتساعها في دمشق وباقي المدن. ويروي أحد الآباء العلمانيين:"كنت أرسل أبنائي إلى مدرسة خاصة مسيحية. لكن فجأة سألني ابني ما اذا كان مسيحياً أم مسلماً، فقررت ان انقله إلى مدرسة عمر بن الخطاب في المزة".
تشرف"القبيسيات"على تدريس مئات الآلاف من التلاميذ منذ نعومة أظافرهم وبطريقة محافظة تلازمهم في المراحل اللاحقة عبر الدروس أو المساجد، وصولاً إلى رعايتهم عبر المساعدات الخيرية والأهلية وتقديم بعض الخدمات الطبية في مستشفى"سلامة"الواقع خلف السفارة الأميركية والتابع لهن، وعبر توفير بعض الكتب الحاملة لأفكارهن من خلال مكتبات امتلكنها مثل مكتبة"السلام"في منطقة البرامكة وسط دمشق.
وتروي إحدى فتيات منطقة"القنوات"في دمشق القديمة ان معظم آنساتها كن جميلات وكن من"القبيسيات"، وان مدرسة منهاج الرياضيات حاولت إقناعها بضرورة وضع الحجاب. وتقول:"كانت الآنسة ترتدي البانطو الكحلي الغامق والحجاب الأزرق الغامق. وكانت ترتدي تحت البانطو تنورة زرقاء مع قميص ابيض وجوربين سميكين وحذاء اسود من دون أي كعب". وتضيف:"سألتني ذات مرة. هل تستطيعين تحمل حرارة الصيف؟ فقلت: لا. عندها قالت: ماذا عن نار جهنم. وعندما فشلت في إقناعي بوضع الحجاب، حاول عدد من الفتيات المحجبات دعوتي إلى عيد ميلاد إحداهن. لكن فوجئت ان معظم الحديث كان عن ضرورة وضع الحجاب".
حلقات"سرية"... ودروس علنية
يتأرجح نشاط"القبيسيات"المنزلي بحسب الظروف المحيطة أمنياً وسياسياً ودينياً في البلاد والمنطقة. وسجلت العقود الثلاثة الأخيرة انتقالهن بين النشاط العلني والدروس في المساجد والمدارس وبين اقتصار نشاطهن على البيوت.
ويرى حبش ان ابرز ما يميزهن هو"تجنب الدخول في السياسة سواء تأييد النظام أو رفضه. والجماعة لم تتورط في أي عمل ضد البلد". هذا في المرحلة التي شهدت صراعاً مسلحاً وعنيفاً بين تنظيم"الإخوان المسلمين"والسلطات في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات.
وفيما يعتقد خبراء مستقلون ان"القبيسيات"يشكلن الظل النسائي للإسلام السياسي، يقول حبش ان"لا مشروع سياسياً لديهن. لجأوا إلى العمل السري بسبب ظروف سورية في الثمانينات". أي أنهن لسن تنظيماً بل خلايا تنمو في شكل حلزوني وتصاعدي.
والمقصود بپ"السرية"، ان"القبيسيات"كن يلجأن في السنوات السابقة إلى الحذر لدى تنقلهن أو تجمعهن في البيوت الخاصة لإعطاء دروس دينية دورية. ومن أنواع الحذر ان لا يخرجن سوية في شكل جماعي لدى انتهاء الدرس وان لا يضم الدرس اكثر من ست طالبات، باستثناء المناسبات العامة مثل احياء ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم أو ليلة القدر. وهناك اعتقاد ان المناسبات الاجتماعية والدينية تشكل مناسبة لكسب عضوات جديدات.
وقيل ان مرتبة"القبيسية"تعرف من لون منديلها، فكلما اقترب اللون إلى الاسود اقتربت الداعية من الآنسة منيرة. لكن الأمر الأكيد، ان اللباس الموحد المعتمد، هو المعطف الكحلي مع غطاء رأس بلون كحلي ترتدي تحته القبيسية"قمطة"لشد الشعر تحت الغطاء. وبعض القبيسيات يرتدين منديلاً اسود لغطاء الوجه، مع جوربين نسائيين سميكين وحذاء اسود من دون كعب. وتؤكد الداعيات على عدم تشذيب الحاجب وپ"عدم التبرج"عبر وضع المساحيق على الوجه. ويوضح البوطي:"انهن يرتدين الحجاب الكحلي لتمييزهن عن غيرهن. وغطاء الوجه ليس اجبارياً. ليس هناك إجبار على ذلك إلى ان يصير ثبات ديني عند الفتاة، بعدها ممكن ان تلبس المنديل اذا شاءت".
ولم يكن صدفة اختيار"الآنسة"منيرة اللون الكحلي، ذلك ان هناك اعتقادا شائعاً ان سبب اختيار اللون هو للدلالة على"الوسطية بين الأبيض والأسود، بين التطرف والإعتدال". وقال البوطي:"لديهن مقاربات علمية وفكرية ومعظمهن من خريجات الجامعات وعلوم الطب والهندسة، وهن منفتحات وابعد ما يكن عن التطرف".
الواضح ان الفترة الأخيرة شهدت تشجيعاً من قبل السلطات لپ"القبيسيات"على عدم إعطاء دروس في المنازل مقابل إعطاء تراخيص لدروس علنية بدلاً من"الحلقات السرية". ويقول صلاح الدين كفتارو:"حركة الدروس في البيوت مخيفة، والنظام الوطني يجب ان يصل إلى الدروس وان تصل الأجهزة والمناظير اليها. بالتالي من حق الدولة ان تمنع الدروس في البيوت، لكن ليس في المساجد".
وكانت السلطات سمحت في الفترة الأخيرة لپ"القبيسيات"باعطاء دروس في مساجد"المحمدي"وپ"بدر"وپ"سعد"في المالكي، اذ أوضح البوطي ان عدداً من الشيوخ ابلغ السلطات انه"من مصلحتكم ان تعطوا الموافقات للعمل بالعلن. أعطوهن المواثيق للعمل العلني لأن عملهن مستقيم ووطني ليس فيه أي شائبة ولا علاقة له بالسياسة". واتفق نجلا كفتارو والبوطي على ان"الأخوات القبيسيات يقمن بالدعاء المستمر للرئيس بشار الأسد من دون التطرق إلى السياسة". وزاد البوطي:"ولاؤهن للوطن كبير".
"الآنسة الأم"
ولدت منيرة عام 1933 في دمشق في أسرة تضم عشرة أطفال: ستة شباب بهجت، وليد، موفق، ماهر، ممتاز، رضوان يعملون في التجارة أو المهن ذات الكفاءات العلمية العالية، وأربع فتيات يعملن ربات بيوت. ودرست منيرة في مدارس العاصمة السورية إلى ان نالت إجازة في العلوم الطبيعية، استندت اليها في التدريس في مدراس حي"المهاجرين"وبقية إحياء دمشق.
وفي بداية الستينات، زاوجت بين النشاطين الدعوي والتعليمي، وذلك في ضوء اقترابها من"جامع ابي النور"التابع لمفتي سورية الراحل احمد كفتارو. وقال نجله حسن كفتارو:"نتيجة النشاط الدعوي منعت من التدريس في المدارس".
وساهم هذا المنع من جانب الحكومة اليسارية حينها، في أمرين: الأول، إقامة منيرة في جامع أبي النور والإقبال على التعلم على يد كفتارو، والثاني اتجاهها إلى دراسة علوم الدين في كلية الشريعة في جامعة دمشق.
ويختلف المتابعون في شأن المرحلة اللاحقة. وفيما قال أحد الباحثين ان بروز دور وفاء، كريمة المفتي الراحل، في جامع"أبي النور"كداعية إسلامية، وظهور"منافسة حادة"بينهما دفعا منيرة الى الابتعاد وتأسيس"منهجها واتباعها في شكل مستقل مادياً وفكرياً"، قال النجل الثاني للمفتي الراحل الدكتور محمود:"بالعكس فوفاء تلميذة من تلميذات الآنسة منيرة. وهناك فارق كبير في العمر يزيد على العشرين سنة بينهما يحول دون أي منافسة".
وخلال العقدين الماضيين ترواح نشاط منيرة القبيسي بين العلني والسري، لكنها استطاعت من خلال المزج بين الأمرين من توسيع نشاطاتها في المحافظات السورية قبل ان تعبر حدود البلاد في مرحلة أولى والعالم العربي في مرحلة ثانية، الى ان بلغ عدد"اتباعها"اكثر من 75 ألف فتاة، كحد أدنى، وفق ما أجمعت عليه تقديرات متابعين وشيوخ.
ويقول النائب محمد حبش ان"أحد أسباب نجاح الآنسة منيرة هو رفض الاشتباك مع أي جهة". فهي كانت على علاقة جيدة مع كفتارو ومجمعه الفكري وطريقته الصوفية، بل أن نجله صلاح الدين مدير"مجمع أبي النور"، يتذكر كيف أنها طلبت منه أن تختلي بجثمان كفتارو في مستشفى"دار الشفاء"لدى رحيله في نهاية العام 2004. وقال:"بقيت تبكي هناك اكثر من ساعة ونصف الساعة".
ويضيف ان"علاقتها مع أسرتنا قديمة، ذلك أن عمها الشيخ أبا الخير القبيسي كان من جماعة جدي الشيخ أمين". لكن أيضاً هي على علاقة فكرية ودينية وشخصية مع العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، بل انه من اكثر المتحمسين الى"الاخوات اللواتي ضربن المثل بالحضارة والدين والوطنية والمثل العليا". وهي أيضاً على علاقة جيدة مع"جماعة"الشيخ عبد الكريم الرفاعي التي يدير شؤون مؤسسته نجلاه سارية وأسامة في منطقة كفرسوسة.
ولم تبتعد منيرة القبيسي كثيراً عن"معهد الفتح الاسلامي"التابع لجامع الازهر ومديره مفتي دمشق الشيخ عبدالفتاح البزم وأحد اقطابه الشيخ حسن فرفور، إضافة الى علاقتها مع جماعة الشيخ بدر الدين الحسني والمسؤول عنه الشيخ أبو الخير شكري. ويقول حبش:"كل طرف من الجماعات الدينية في البلاد يقول انها تابعة له أو قريبة منه". وربما أحد أسباب نجاح أسلوبها، هو كون معظم، ان لم يكن جميع، زوجات الشيوخ الكبار أو بناتهم هن من الداعيات "القبيسيات".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.