من قال إن مشاهدة التلفزيون جلوساً على الكنبة فعل يومي يمكن أي شخص القيام به؟ صحيح أنه فعل لا يحتاج إلى مقدمات وتحضيرات، ولكن ثمة شعور بالكسل يغذيه وجود الريموت كونترول، مع أنه فعل ينطوي على أخطار، ليس أقلها أخطار نفسية قد تصيب"بطل"هذا المشهد. البدء يكون مع كبسة التشغيل، وقد ينتهي المشهد هنا أيضاً، لكن الكبسة تسمى في هذه الحالة كبسة الإغلاق. يستمر الشخص، ذكراً كان أو أنثى، متقلباً، على جمر النار، بين المحطات ولا شيء يعجبه فيها: كلها محطات تستهدف أناساً محددين، أنا لست منهم. الأخبار تتوجه الى محبي مشاهد الدماء السيالة بغزارة، والأغنيات تتوجه الى محبي الأجساد الممشوقة واللماعة، والأفلام القديمة موجهة الى أشخاص انتهت مدة صلاحيتهم، يبحثون عن ماض يظنون أنه أفضل من الحاضر. وبقية المحطات توزع اهتماماتها على أشخاص لا ينتمي إليهم ذلك الجالس على الكنبة، حاملاً الريموت كونترول بيده، والمذهول لهول ما يبث: ماذا يبثون على الهواء وعبر كل هذه المحطات؟ لمن يبثون كل هذا؟ وأين يذهب الفائض من الصور التي لا يشاهدها أحد؟ يمكن أن يستمر مشهد التقليب بين المحطات وقتاً أطول مما تتصور: كل يوم نرى محطة تلفزيونية وليدة يقف عندها المشاهد وقتا أطول مما يمكثه عند غيرها. فهو، في نظرته الفاحصة هذه، يسأل: هل ستنضم هذه المحطة إلى قائمة المحطات التي تشغل حيزاً فضائياً ولا تشغل من باله أي حيز أم لا؟ والجواب يكون دائماً: لا. المشهد هذا ليس استثنائياً. إنه مشهد يتكرر كل يوم، مثل المسلسل المكسيكي الطويل الذي يتكرر كل يوم على خمس محطات، ومثل مباراة كرة القدم التي تتكرر على ثلاث محطات مساء كل سبت، وخبر قتل مواطنين أبرياء الذي يتكرر على سبع محطات على مدار الساعة، ومثل عدد المرات التي قرأ فيها في صحيفته المفضلة نقداً لاذعاً لأداء المحطات التلفزيونية العربية. أن يجلس الشخص، ذكراً كان أو أنثى، على الكنبة كل يوم لمشاهدة التلفزيون من دون أن يحظى بشيء يشده أمر مخجل للغاية: كل هذه محطات تلفزيونية ولا شيء فيها يعجبني. من الغلطان هنا؟ أنا أم تلك المحطات؟ علي بابا أم المئتا فضائية؟