للوهلة الأولى، بدا هبوط أعوام 2001-2003 في معدلات الفائدة الأميركية وكأنه قد حرّر السلع: إذ ان النمو في الناتج والعمالة قد تسارع على نحو بطيء، وبقي التضخم ضمن النطاق المريح للمجلس الاحتياطي الفيدرالي، تحت ال2 في المئة. وعلى كل حال، بحلول منتصف عام 2004، أدرك مجلس الاحتياطي الفيدرالي ان نسبة التضخم كانت تزحف إلى الأعلى، بعد ان وصلت إلى القاع عام 2003. وهكذا فقد رفع أي المجلس الكلفة المالية القصيرة الأمد، على نحو بطيء ولكن ثابت. ارتفعت نسبة الاحتياط الفيدرالي مجدداً إلى 5 في المئة. ليس بالضرورة ان يكون إحكام الضبط قد انتهى. على هذا النحو، على الأقل، قرأ وول ستريت تحذير بن بيرنانكي، مدير مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الخامس من حزيران يونيو الماضي حول الأسعار. ان الخط المعياري لمجلس الاحتياطي الفيدرالي هو قيامه بالنظر إلى مؤشرات التضخم كافة. بعد قول هذا، لا يخفى على أحد ان المقياس المفضل لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي هو القياس الجوهري لنفقات الاستهلاك الشخصي. وقد ارتفع هذا المقياس، الذي يتقصى ما ينفقه الناس في شكل عام باستثناء الطعام والطاقة، في العام المنصرم، ارتفع بواقع 2.1 في المئة فقط. بينما فاقت هذه النسبة الهدف غير الرسمي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي ذي ال2 في المئة، فهي ما زالت واطئة بما فيه الكفاية بالنسبة الى المجلس ليدّعي احتواء التضخم. وعلى كل حال، فإن مقاييس التضخم الأخرى تتحدى ذلك التشخيص الحميد. ارتفعت نفقات الاستهلاك الشخصي التي تتضمن الطعام والطاقة، على سبيل المثال، بمستوى 3 في المئة في العام الماضي. كما ان مؤشر أسعار المستهلك، المستند الى سلة ثابتة من البضائع والخدمات بما فيها الطاقة والطعام، قد ارتفع إلى3.6 في المئة. علاوة على ذلك، هنالك أسباب جيدة للاعتقاد بأن مؤشرات أسعار الحكومة، مع المكونات المتقلبة من الطعام والطاقة او من دونها، تعطي إشارات تضخم ضعيفة على نحو مصطنع. على سبيل المثال، ان الازدهار الأخير في أسعار الإسكان لا يظهر مطلقاً في مؤشر أسعار المستهلك. ان ما يسمى بپ"الإيجار المكافئ للمالك"يستخدم كبديل لكلفة ملكية المساكن. لم يتماش هذا المقياس مع أسعار المساكن. إذا ما نظرنا إلى بيانات السوق الحقيقية، مثل تلك التي ينتجها سوق السلع، فإن صورة التضخم قد تغيرت في شكل دراماتيكي. في العام الماضي ارتفع سعر الذهب إلى 51 في المئة وسعر النفط الخام إلى 35 في المئة. أما المؤشرات التي تتضمن أسعار تصفية السوق بالنسبة الى لنطاق واسع من السلع الزراعية والصناعية فقد ارتفعت أيضاً في شكل كبير. كما ان مؤشر مكتب أبحاث السلع لثلاث وعشرين سلعة قد ارتفع إلى 15 في المئة مما كان عليه قبل عام. وسواء نظرنا إلى إحصاءات الحكومة، او إلى أسعار السوق، من الواضح جداً ان مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد ضغط على دواسة تسريع الائتمان المالي في شكل أكثر شدة ولوقت أطول. وإحصاءات الحكومة، مثل نفقات الاستهلاك الشخصي ومؤشر أسعار المستهلك، قد تراجعت وراء أسعار السلع. بناء على ذلك، أتوقع المزيد من الارتفاعات في مقاييس التضخم الحكومية والمزيد من إحكام مجلس الاحتياطي الفيديرالي. من ثم فنصيحتي هي التخلّص من السندات التقليدية واستبدالها بسندات خزينة محصنة ضد التضخم. مثلاً، ضع 10 في المئة من محفظتك المالية في السلع، والذهب هو الاختيار المثالي. ان معدلات الفائدة الواطئة والأرباح الزائدة في شكل مفرط قد أنتجت تشوهات من دون توازنات أخرى. ان هؤلاء الذين تتلمذوا في نماذج دورة الأعمال التجارية التي طوّرها فريدرك هايك في الثلاثينات من القرن العشرين، يعرفون ان معدلات الفائدة المنخفضة بإفراط تنجم عن فجوة كبيرة بين المدّخرات والاستثمار. لا يرغب الناس في تأجيل الاستهلاك ان كان الرجوع إلى المدّخرات ضئيلاً. أما مستخدمو رأس المال فهم ميالون إلى تمويل المشاريع الهامشية عندما تكون كلفة المال منخفضة. ومما لا شك فيه ان إجمالي المدخرات كان 16.7 في المئة من الناتج القومي الإجمالي عام 2000. وبحلول عام 2005، تدهورت إلى 13.8 في المئة من الناتج القومي الإجمالي. اما إجمالي الاستثمار أي الاستثمار قبل استخراج استهلاك رأس المال بوصفه نسبة مئوية من إجمالي الناتج، فبدأ عند 20.7 في المئة وانتهى عند 20 في المئة خلال هذه الفترة. وبالتالي، فإن فجوة المدخرات -الاستثمار قد انتفخت من -4.0 في المئة من إجمالي الناتج القومي إلى -6.25 في المئة. على المستوى القومي، تلك المدخرات ناقصة الاستثمار في الولاياتالمتحدة يساوي صافي الاستثمار الأميركي الخارجي. وهذا بدوره يساوي الموازنة في الحساب الجاري الأميركي، والذي هو الفرق بين صادرات أميركا ووارداتها في شكل عام. إذا ما فاق الاستثمار المحلي مجموع مدخرات الأميركيين، كما يفعل الآن، ستكون الواردات اكبر من الصادرات، وسنحصل على رأس مال أجنبي لتمويل الفرق. وبعبارة ابسط، إن عجزنا التجاري المتزايد هو دالة للتفاوت السلبي بين مدخراتنا ومعدلات الاستثمار. السياسيون، وكما هو متوقع، يلومون الصينيين لعجزنا التجاري. ولمَ لا؟ مَن مِن السياسيين الأميركيين قد خسر الانتخابات بواسطة لوم الأجانب على مشكلة وقعت في أميركا؟ توقعوا المزيد من اللكمات الصينية، والمزيد من السياسات التجارية الحمائية، ودولاراً متزايد الوهن. * أستاذ علم الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز. المقال برعاية "مصباح الحرية""