هل كانت المطربة فيروز تتخيل انها ستنال الدكتوراه ولو فخرية، ذات يوم وأن ترتدي لباس التخرج وعلى رأسها تلك القبعة السوداء؟ كانت فيروز امس نجمة الاحتفال الذي احيته الجامعة الاميركية في بيروت احتفاء بخمس شخصيات عربية وعالمية منحتهم الدكتوراه الفخرية، وعندما صعدت منصة قاعة "الاسمبلي" في الجامعة ارتفعت الهتافات ودوّى التصفيق ليس لأنها المرأة الوحيدة بين المكرّمين الآخرين فحسب، وإنما تحية لها ولصوتها ومسيرتها الفنية الكبيرة. وقفت فيروز محاطة ب"رفاق التخرج": البروفسور المصري الحائز جائزة نوبل في الكيمياء احمد زويل، الدكتور ريتشارد دبس، الآغاخان والكاتب والصحافي غسان تويني. لم تبدُ فيروز غريبة بين هؤلاء الاكاديميين الذين اعتادوا مثل هذه الاطلالة، هي التي جاءت الفن من الحياة والمراس الشخصي والخبرة والثقافة، مثلها مثل عاصي ومنصور الرحباني اللذين لم يعرفا الحياة الاكاديمية. وغدت على المنصّة اشبه بالطفلة السعيدة، الخفرة بعض الشيء، والمندهشة قليلاً، فهذا المشهد الذي لم تكن تتصور انها ستطل فيه معتمرة القبعة"الأكاديمية"الطريفة جعل الانظار تتوجه اليها، هي التي لا تألف المناسبات كثيراً ولا سيما الحاشدة. وبلغ بها خفرها مبلغاً حتى انها عهدت الى العميد الدكتور جورج نجار مهمة قراءة كلمتها اللطيفة والمختصرة وفيها اهدت هذه الشهادة الفخرية الى اسرتها الفنية والى الفنانين في لبنان، الذين بذلوا حياتهم من أجل الإبداع الحقيقي. شهادة الدكتوراه لن تضيف الكثير الى رصيد هذه المطربة الكبيرة التي حازت أوسمة عدة، وهي حتماً لن تدرّس في الجامعة ولن تكتب الابحاث، لكن الشهادة هذه هي تتويج لها ولمقامها الرفيع وتجربتها الفنية الفريدة. انها تتويج لهذا الصوت الحي، الفريد والجميل والبهيّ، هذا الصوت الذي لم يبق مجرد صوت بديع بل اصبح بمثابة الرمز، رمز الانتماء الى الارض ورمز المنفى الانساني، رمزاً لبنانياً وعربياً، رمزاً وجدانياً وجمالياً... وعندما يقال صوت فيروز يقال ايضاً فن الرحبانيين عاصي ومنصور، هذا الفن الذي احدث ثورة في عالم الموسيقى والاغنية العربيتين. ولم يكن لقاء هذين الأخوين بهذه المطربة الا مصادفة قدرية نادراً ما تحصل، وكانت حصيلتها هذه المدرسة العظيمة في الموسيقى والغناء والكلمات. حصدت فيروز الكثير من الهتاف والتصفيق في الاحتفال، وهب الحاضرون وقوفاً لها وكأنهم لا يصدّقون هذه الاطلالة الطريفة، لكن المطربة التي ارتفعت اغانيها قبل بدء الاحتفال لم تشأ أن تلفظ كلمة واحدة، وغدا صمتها في تلك اللحظات خير كلام يمكن ان يقال، صمت محفوف بالرهبة والبراءة. عندما منحت جامعة الكسليك اللبنانية شهادة الدكتوراه الفخرية الى المطرب الكبير وديع الصافي توجه الى زوجته من المنبر قائلاً لها بحماسة:"يا مرا صرت دكتور"... وصفق له الجمهور حينذاك كثيراً. فيروز ستحمل براءة الشهادة الفخرية الى منزلها وتضعها قرب صورة عاصي والأوسمة والبراءات التي حصلت عليها. وإن كانت ستسمح لبعض اصدقائها بتسميتها "دكتورة" فانما على سبيل التندر والمرح...