فيصل بن بندر يطلع على جهود "ترجمة".. ويعزي مدير الأمن العام    استعراض أهداف "محبة للتنمية الأسرية" أمام سعود بن بندر    أمير المدينة: قياس الأداء ركيزة للارتقاء بالخدمات الحكومية    أمير الشرقية: المملكة مركز إشعاع اقتصادي    نمو شهادات جمعيات الملاك المجددة بنسبة 185 %    صون الأمن    الحكومة اليمنية تثمن مواقف المملكة    ترمب يؤكد بدء إعادة إعمار غزة قريباً و«إسرائيل» تواصل خروقات وقف النار    مجلس الوزراء: التصعيد في اليمن لا ينسجم مع وعود الإمارات    "الأزيرق" أبرد فترات الشتاء يطرق الأبواب    أمير الباحة يشدد على تعزيز التكامل بين الجهات الحكومية والخدمية    مشيداً بدعم القيادة للمستهدفات الوطنية..الراجحي: 8 مليارات ريال تمويلات بنك التنمية الاجتماعية    رغم استمرار الخلافات حول خطوات اتفاق غزة.. تل أبيب لا تمانع من الانتقال ل«المرحلة الثانية»    قلق أممي على المحتجزين والجرحى بالفاشر    مندوب الصومال في مجلس الأمن يحذر: اعتراف إسرائيل ب«أرض الصومال» يزعزع القرن الأفريقي    "السنغال والكونغو الديمقراطية وبنين" إلى ثمن نهائي أمم أفريقيا    تغلب عليه بهدف وحيد.. ضمك يعمق جراح الأخدود    الأهلي يتغلب على الفيحاء بثنائية    تعديل ضريبة المشروبات المحلاة    «وطن 95».. تعزيز جاهزية القطاعات الأمنية    استمرار النمو بمختلف القطاعات.. 2.9 تريليون ريال إيرادات الأنشطة الصناعية    ضبط 594 كلجم أسماكاً فاسدة بعسير    مجلس الوزراء: المملكة لن تتردد في اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لمواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها    والد الفريق محمد البسامي إلى رحمة الله    مشاركة 25 فناناً في ملتقى طويق للنحت    رياض الخولي بوجهين في رمضان    التوازن والغياب!    فلما اشتد ساعده رماني    باحثون يطورون نموذجاً للتنبؤ بشيخوخة الأعضاء    مسحوق ثوري يوقف النزيف الحاد في ثانية    الاتحاد وانتصارات الدوري والنخبة    متحدث التحالف: سفينتا الإمارات كانتا تحملان 80 عربة وأسلحة وذخائر    إذاعة القرآن.. نصف قرن من بث الطمأنينة    «مساء الحِجر».. تاريخ العُلا    «جدة التاريخية».. وجهة سياحية جاذبة    خسارة ثقيلة للأهلي أمام المقاولون العرب في كأس رابطة المحترفين المصرية    تعرف على مستجدات لائحة تقويم الطالب وأدلتها التنظيمية    الميزة الفنية للاتحاد    دعم سعودي للحل السياسي الإمارات تستجيب وتعيد قواتها من اليمن    الاتفاق يوقف سلسلة انتصارات النصر    مطار الملك سلمان الدولي يدشن أعمال إنشاء المَدرج الثالث    سر غياب روبن نيفيز عن قائمة الهلال أمام الخلود    محافظ ضمد يزور جمعية دفء لرعاية الأيتام ويشيد بجهودها المتميزة    الشؤون الإسلامية بجازان تختتم الجولة الدعوية بمحافظة ضمد ومركز الشقيري    أمير الرياض يعزي مدير الأمن العام في وفاة والده    مبادرة رافد الحرمين تستأنف عامها الثَّالث بتدريب المراقبين الميدانيين    جيل الطيبين    حين يغيب الانتماء.. يسقط كل شيء    «الهيئة»أصدرت معايير المستفيد الحقيقي.. تعزيز الحوكمة والشفافية لحماية الأوقاف    ولادة مها عربي جديد بمتنزه القصيم الوطني    رجل الأمن ريان عسيري يروي كواليس الموقف الإنساني في المسجد الحرام    اليوان الرقمي يحفز أسواق العملات الرقمية    الدردشة مع ال AI تعمق الأوهام والهذيان    انخفاض حرارة الجسم ومخاطره القلبية    القطرات توقف تنظيم الأنف    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "مغامرات دافيد بلفور": كأنها قطعة من الحياة
نشر في الحياة يوم 19 - 06 - 2005

"اذا كان لنا ان نلخص مسار روبرت لويس ستيفنسون الروائي سنقول انه مسار تحرك دائم ضد امبريالية الحكواتية، سعياً وراء تأكيد ضرورة الشكل، وضد كل المذاهب والايديولوجيات... اهم ما لدى ستيفنسون هو بديهية الصورة"، على هذا النحو تحدث الناقد والكاتب الفرنسي ميشال لوبري، اواخر القرن العشرين عن واحد من اكبر كتّاب الرواية في تاريخ الادب الانكليزي، والذي كان بلغ ذروة نشاطه الابداعي قبل ذلك بقرن كامل من الزمن. ويتخذ حكم لوبري كل دلالاته، من كون روايات ستيفنسون كلها، انما تأتي دائماً لتؤكد هذا القول، كاشفة كم ان صاحب"جزيرة الكنز"و"دكتور جيكل ومستر هايد"وقف دائماً مع صفاء النوع الروائي ضد كل ما قد يعطي طابعاً سيكولوجياً او ايديولوجياً او سوسيولوجياً".
وهذا، بالتأكيد، ما جعل من ستيفنسون ليس فقط روائياً كبيراً، بل روائياً مثالياً ايضاً، محركاً اقلام كبار كتّاب القرن العشرين للكتابة عنه بصفته معلماً لهم، ومن هؤلاء الارجنتيني بورخيس، الذي كتب عنه نصوصاً عدة، منها ما هو واقعي ومنها ما يتخذ منه بطلاً متخيلاً من نوع فريد.
واذا كان ستيفنسون قد اعتبر عند بدايات القرن العشرين، ومع استشراء نزعات الحداثة الروائية المرتبطة بانواع الايديولوجيات، متخلفاً عن ركب الحداثة هذه بعض الشيء، فانه عاد وانصف خلال النصف الثاني من القرن الفائت، اذ راح يعاد اليه اعتباره مرة بعد مرة، بخاصة ان فن السينما، منذ وجد، رأى في اعمال ستيفنسون كنوزاً يمكن التعاطي معها في لغة سينمائية حيوية. واذا كانت رواية"دكتور جيكل ومستر هايد"حظيت باكبر قدر من اهتمام السينمائيين، حيث أُفلمت مرات ومرات، واذا كانت"جزيرة الكنز"قد اعتبرت الرواية ? والفيلم ? المفضلين لدى اليافعين والشبان، فإن ثمة اعمالاً اخرى لستيفنسون قد تقل شهرة عن هذين العملين، ومع هذا يمكن النظر اليهما كأعمال كبيرة، ادبياً وفنياً. ومن هذه الاعمال رواية له في جزأين، كانت ثانيتهما من آخر ما كتب قبل رحيله في العام 1894. وهذه الرواية هي تلك المعروفة باسم"مغامرات دافيد بلفور"وهو اسم يشمل الجزأين معاً.
صدر الجزء الاول من"مغامرات دافيد بلفور"بعنوان"مخطوف"في العام 1886، أي في العام نفسه الذي اصدر فيه ستيفنسون واحدة من اكبر رواياته"دكتور جيكل ومسترهايد". اما الجزء الثاني وعنوانه"كاتريونا"فقد صدر في العام 1893، أي قبل شهور من اصداره آخر رواية كتبها وصدرت خلال حياته"في جوف الحوجة"، علماً أن لستيفينسون اعمالاً عدة صدرت بعد رحيله. والحقيقة ان"مغامرات دافيد بلفور"هي العمل الوحيد لستيفنسون الذي استغرق انجازه واصدار جزأيه كل ذلك العدد من السنوات... بل من الصعب، في هذا المجال، حتى رصد الدوافع التي جعلته يكتب كل جزء من هذه الرواية، بالتزامن مع كتابته رواية اخرى. ولعل السبب الاول هو ان"مغامرات دافيد بلفور"التي تنتمي، في بعد من ابعادها الى عوالم تشارلز ديكنز، بقدر ما تنتمي في ما بعد آخر الى ادب المغامرات كما صاغه ستيفنسون دائماً، تكاد تكون في بعد ثالث، ايضاً، سيرة ذاتية - متخيلة على أي حال - لستيفنسون.
في الواقع ان ثمة بين ستيفنسون نفسه، وبين دافيد بلفور، بطل الرواية في جزأيها، الكثير من القواسم المشتركة، وعلى الاقل على صعيد جوانبه الشخصية وسماتها الاساسية، كما على صعيد بعض الاحوال التي تعرضت لها، والتجوال الطويل الذي قام به. ونعرف، طبعاً ان جزءاً كبيراً واساسياً من حياة ستيفنسون جرى تحت شعار التجوال والتشرد بين البلدان والقارات. ربما بحثا عن شيء ما يبدو انه لم يعثر عليه ابداً، وربما هرباً من شيء كان يخيل اليه انه يطارده.
ولكن مهما كانت الحال هنا، من الواضح اننا، حتى وإن نحينا مسألة العلاقة بين حياة ستيفنسون وجزء من حياة بلفور جانباً، سنبقى في نهاية الأمر امام رواية استثنائية، تبدأ على طريقة ديكنز، لتنتهي على طريقة جوزف كونراد وربما جاك لندن ايضاً، وهما من يشارك سيتفنسون مكانته في عالم كتابة أدب المغامرات الجوالة.
تبدأ"مغامرات دافيد بلفور"بالفتى دافيد وقد آلى على نفسه اخيراً ان يغادر قريته الصغيرة، بعد ان اصبح موت ابيه نسياً منسياً. واذ يخرج دفيد من ازقة القرية ويبدأ، محفظته محمولة على ظهره، ويداه في جيبيه، بذرع دروب اسكوتلندا، فرحاً مقبلاً على الحياة، يبدو عليه انه أفّاق لا يلوي على شيء كل ما يهمه هو ان يحيا يومه بيومه. ومع هذا سرعان ما سندرك ان الفتى يتوجه الى مكان ما في اعالي ادنبورغ، حيث ثمة اراض لم يكن ليعرف حتى بوجودها، هو الذي يعرف ان ثمة في مكان ما من تلك المناطق عماً له، يعتقد دافيد بأنه سوف يساعده على الانطلاق في حياة غنية مثمرة. والحقيقة ان كل الصفحات الاولى في الرواية تكشف لنا كم ان دافيد يضع آماله في ذلك العم، وكم انه - خارج اطار اللامبالاة الظاهرة عليه - مهتم بأن يقدم له العم عوناً حقيقياً.
من هنا ستكون اولى خيبات امل دافيد الكبرى في حياته، ان يكتشف ان كل الآمال التي وضعها في العم ستسفر عن خيبة. فالدارة التي قصدها والتي كان يعتقدها قصراً منيفاً، لن تبدو اكثر من مبنى نصف مهدم والعم نفسه ليس اكثر من شخص نصف مجنون بخيل. والحقيقة ان العم حين يستقبل ابن اخيه يستقبله شاهراً في وجهه بندقيته. وسرعان ما سينكشف لنا ان العم يكنُّ لوالد دافيد الراحل كراهية لا حدود لها، وانه مستعد الآن لان يحول هذه الكراهية الى دافيد نفسه. وهكذا، لا يجد العم امامه لمحاربة هذا الدخيل الطارئ في حياته، اذ يعتقد بأنه انما اتى لينتزع منه ثروة كان قد جناها نهباً واحتيالاً، الا ان يدفع عصابة من الاشرار الى خطف الصبي. واذ يغمى على الفتى، مثل يوسف بن يعقوب، سرعان ما يجد نفسه حين يفيق في قعر سفينة شراعية متجهة الى اميركا. فخاطفوه، رأوا ان في وسعهم هناك ان يبيعوه كعبد غير ان هذا كله لن يكون سوى بداية المغامرة.. وبداية حياة التجوال التي سوف تصنع من دافيد بلفور شخصية استثنائية، اذ انه بعد ذلك، وفي الجزأين معاً، سينتقل من مغامرة الى اخرى ومن بلد الى آخر، لا سيما في اعالي اسكوتلندا، حيث سنجده مشاركاً عصابة هنا، في حرب هناك، مع الجبليين الأجلاف حيناً، ومع اللصوص احياناً، وصولاً الى مشاركته في ثورة ضد ملك انكلترا.
هنا عند هذا المستوى وقبل النهاية التي ستكون سعيدة ومريحة لصاحبنا في نهاية الامر، عرف روبرت لويس ستيفنسون 1850 - 1894، هذا الكاتب الاسكتلندي البارع، كيف يجعل من روايته، رواية مغامرات من طراز رفيع. رواية تغرق قارئها في التفاصيل الواقعية وفي رسم الشخصيات، الى درجة يخيل معها الى القارئ انه في ازاء تاريخ حقيقي لشخصية استثنائية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.