سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إشكالية علاقة الرئيس الفلسطيني مع الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الاسرائيلية . رحيل عرفات وصعود عباس لم يغيرا في جوهر موقف بوش من القضية الفلسطينية 2 من 2
يكافح محمود عباس، رئيس السلطة رئيس منظمة التحرير على جبهات عدة، من أجل تنفيذ برنامجه الذي على أساسه نال ثقة غالبية الشارع الفلسطيني. ولم يتوقف منذ توليه السلطة عن مقاومة محاولات رئيس الحكومة الاسرائيلية أرييل شارون نسف مقومات قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، ويعمل بكل السبل لوقف نهب الأرض وتعطيل استكمال بناء جدار الفصل العنصري وتحويله الى حدود جيوسياسية. وهذه الحدود معروفة وتظهر بوضوح في خريطة يحاول شارون فرضها على الأرض، وهي الخريطة ذاتها التي عرضها على"أبو مازن"عام 2003 أثناء توليه رئاسة الوزراء، وتشمل"دولة"فلسطينية موقتة الحدود، تسيطر على 42 في المئة من مساحة الضفة الغربية اضافة الى قطاع غزة. ويريد شارون أن يستمر هذا الحل الانتقالي الموقت بين عشر و15 سنة. وقال في حينه شارون لعباس"اعرف أنك لن ترضى بهذا المشروع، لكن أريد منك أن تطلع عليه"، ورد عباس:"اذا كنت متأكداً أنني لن أقبل به، فلا مبرر لأن أقرأه". وعلى رغم استفزازات شارون والمعوقات الكثيرة والكبيرة التي يضعها يومياً في طريق الحل السياسي، ظل عباس يؤمن بالمفاوضات استراتيجية وحيدة لتحقيق الأهداف، ويرفض العودة الىخيار الكفاح المسلح، ويعارض بشدة العمليات الانتحارية، ويعمل على نزع الذرائع التي يستخدمها شارون في وأد عملية السلام وتعطيل الانتخابات التشريعية. وعندما حان وقت تنفيذ خطة"الانسحاب"والاخلاء من قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة سهل"أبو مازن"على الجيش الاسرائيلي تنفيذ"الخطة"، وأمن له وللمستوطنين انسحاباً هادئاً سلساً لم يتعرضوا أثناءه لطلقة واحدة. ولم يتوقف طويلاً عند استفزازات شارون واصراره على تنفيذ الخطوة من جانب واحد، واعتبرها تفاصيل لا تغير في جوهر التراجع الاستراتيجي. وبغض النظر عن دوافع المؤسسة الأمنية الاسرائيلية ونيات شارون في تنفيذ خطة"الانسحاب"الاحادي، فإن عباس وأركان القيادة الفلسطينية مقتنعون بأن الانسحاب من قطاع غزة تم نتيجة توصل شارون وأركانه بعد 38 عاماً من الاحتلال والصراع خلاصتها: قطاع غزة بكثافته البشرية ومساحته الضيقة لن يكون جزءاً من دولة اسرائيل في أي اتفاق للتسوية الدائمة، ولا أمل في تأمين غالبية يهودية فيه. ويؤمن"أبو مازن"وأركان السلطة بأن نواقص وثغرات الاخلاء وپ"الانسحاب"لا تلغي ان خروج جيش الاحتلال والمستوطنين من قطاع غزة وتدمير المستوطنات انجاز وطني استراتيجي، أدى الى تحرر أكثر من مليون وربع مليون فلسطيني من ظلم وقهر المحتل، اضافة الى تحرير مساحة عزيزة من الأرض، وهذا الانجاز يمثل سابقة يمكن استخدامها، يوماً ما، في المفاوضات حول مصير الاستيطان، ويفتح آفاقاً لعمليات اخلاء وانسحابات أخرى. ولا أوهام لدى عباس والقيادة الفلسطينية بأن شارون سيقوم بخطوة"انفصال"جديدة في الضفة الغربية قبل الانتخابات الحزبية منتصف العام المقبل وانتخابات الكنيست أواخر العام 2006، وتكون نتيجتها خسارة مزدوجة في الحزب والحكومة ووصمه في نهاية حياته بالخيانة. ويرجح أن يعمل المستحيل خلال الشهور المقبلة على تنفيذ ما يمكن تنفيذه من مقوله:"بعد الخروج من غزة سنوجه طاقاتنا لتعزيز الوجود اليهودي في الجليل والقدس الكبرى والكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، ونقوي وجودنا في المناطق الأمنية في غور الأردن". وبديهي القول ان شارون وأركانه سيعملون المستحيل لتشويه صورة"أبو مازن"في حقل السياسة الدولية لتغطية نياتهم الحقيقية وتخريب علاقة"أبو مازن"بأركان الادارة الأميركية. ولن يرتاح بال شارون قبل اسقاط نهج الاعتدال في الساحة الفلسطينية واغلاق باب البيت الأبيض في وجه عباس. ويأمل الواقعيون في الساحة الفلسطينية أن لا يقدم أنصار العمل العسكري والعمليات"الانتحارية"في الساحة الفلسطينية مبرراً لشارون وأركانه لتغطية مواقفهم المعادية لحقوق الانسان الفلسطيني وتعطيل الانتخابات التشريعية، وأن لا يساهموا في تشويش علاقة عباس والسلطة بالادارة الأميركية. الموقف الأميركي والعقبة الرئيسية الثاني التي تواجه"أبو مازن"هي موقف الرئيس الأميركي جورج بوش وأركانه تشيني ورامسفيلد ورايس الداعمة،من دون تحفظ، لسياسة شارون وتوجهات القوة الاسرائيلية المتطرفة والمساندة لاسرائيل ظالمة أو مظلومة. صحيح ان الرئيس بوش أخذ في بداية ولايته الثانية، وبعد رحيل عرفات، جملة مواقف ايجابية منها: اعادة العلاقة مع السلطة الفلسطينية منهياً القطيعة التي فرضها أواخر زمن عرفات، وفتح أبواب البيت الأبيض أمام محمود عباس واستقباله في مكتبه أكثر من مرة، وتأكيده تمسكه"برؤيته"الداعية الى قيام دولة فلسطينية بجانب اسرائيل، وتمسكه بخريطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية لتحقيق هذه الرؤية، واعتباره خطة شارون للانفصال جزءاً من عملية سياسية يجب أن تتواصل بعد الانسحاب من غزة... الخ، لكن الصحيح أيضاَ أن هذه المواقف الموضوعية لم تشق طريقها الى الحياة، وتوقف الحديث فيها وعنها لمصلحة خطط شارون وتوجهاته. وحلت"خطة الانفصال"محل خريطة الطريق التي طرحتها اللجنة الرباعية الدولية لتنفيذ"رؤية"بوش ومضى الجدار يتلوى في عمق الضفة الغربية يفصل الأحياء عن بعضها بعضاً في المدن وفي الريف يفصل القرى عن بساتينها، وفي طريقه يقضم الدولة الفلسطينية التي تحدث عنها بوش قطعة قطعة. والفلسطينيون في الضفة والقطاع والشتات مقتنعون بأن الدعم السياسي الذي قدمته ادارة بوش لاسرائيل في عهد شارون لم تقدمه أي ادارة أميركية سابقة. وانها تجاوزت القواعد والأسس القانونية والسياسية التي قامت عليها عملية السلام التي كان يمكن أن توصل الطرفين يوماً ما الى معالجة النزع واستقرار المنطقة. وأكدت وقائع العلاقة ان كلام بوش الجميل عن الحق الفلسطيني ليس مطروحاً للتنفيذ وقابلاً للتعديل والتبديل، ولم يطرح للصرف في الأممالمتحدة وأي مكان آخر. والتجربة علمت الفلسطينيين التعامل بحذر مع كلام بوش الجديد، الحالي واللاحق، حول دعم سلطة محمود عباس وقيام الدولة الفلسطينية بجانب اسرائيل انه كلام سريع التبخر مثل بقية الكلام الاميركي الكثير الذي سمعوه من بوش نفسه في ولايته الاولى ومن ادارات اميركية سابقة. واعلان بوش في نهاية ولايته الاولى تأجيل موعد تنفيذ"رؤيته"الى نهاية ولايته الثانية عام 2008 اكد شكوك الفلسطينيين الذين يستذكرون التعهدات الاميركية التي قدمتها ادارة الرئيس ريغان لحماية المخيمات الفلسطينية في لبنان عام 1982، لكنها لم تمنع شارون نفسه من ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا. الى ذلك، يعتبر الفلسطينيون رسالة التعهدات الخطية التي سلمها بوش لصديقه شارون في ايار مايو 2004، والتي صادق عليها الكونغرس الاميركي بمثابة وعد يشبه الوعد المشؤوم الذي أعطاه وزير خارجية بريطانيا"بلفور"لقيادة الحركة الصهيونية قبل 88 سنة. ولم يتوقع اكثر الفلسطينيين تشاؤماً ان يرقى موقف بوش الىهذا المستوى من الاستخفاف بالقانون الدولي وقرارات الاممالمتحدة وحقوق الانسان الفلسطيني. ولم يفكر بوش في اعادة التوازن للموقف الاميركي ولم يحظ الفلسطينيون بورقة رسمية في عهده يتعهد لهم فيها احترام قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالنزاع وحل قضية اللاجئين حلاً عادلاً، ويؤكد التزام ادارته اقامة دولة فلسطينية قبل رحيله من البيت الابيض. حقاً، لقد اعطى من لا يملك من لا يستحق. ولم يحترم الرئيس بوش مبدأ الشراكة الذي قامت عليه عملية السلام، وحدد الموقف الاميركي من قضايا الحل النهائي سلفاً ومن دون التشاور مع القيادة الفلسطينية، علماً انها الطرف المعني بهذه القضايا قبل سواه. ورسم بوش مقدماً دور ادارته في المفاوضات حال استئنافها حول القدس واللاجئين والاستيطان والحدود وحسم أمرها من دون مناقشة الطرف الفلسطيني والعربي: بجملة واحدة حسم مصير خمسة ملايين لاجئ فلسطيني ينتظرون حلاً عادلاً لقضيتهم وحرمهم من حقوق أقرتها الاممالمتحدة. وشطب بجرة قلم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي تحدث عن حق اللاجئين في العودة والتعويض. وتجاوز قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بهذه الحقوق، وأكد التزام الولاياتالمتحدة بقوة بقاء اسرائيل دولة يهودية، وقال:"يجب ايجاد اطار منطقي عادل ومتفق عليه لحل موضوع اللاجئين الفلسطينيين من خلال اقامة دولة فلسطينية وتوطين اللاجئين هناك بدلاً من اسرائيل". علماً انه وأركانه يعرفون ان لا احد في صفوف السلطة وأنصار السلام يريد تدمير اسرائيل عبر اغراقها بأكثر من اربعة ملايين لاجئ. وفي كل الاحوال ليس من حق الرئيس الاميركي تقرير قضية بهذا الحجم من دون التشاور مع القيادة الفلسطينية والدول العربية المعنية بقضية اللاجئين. ومحاولة بوش فرض"رؤيته"الغريبة المتعارضة مع الشرعية الدولية لحل قضية اللاجئين قد يتسبب في زعزعة استقرار بعض دول المنطقة التي يعيش فيها مئات ألوف وملايين اللاجئين. الموقف من الاستيطان وفي ما يتعلق بالاستيطان، تجاوز الرئيس بوش الموقف الاميركي الذي ظل يعتبر المستوطنات في الضفة وقطاع غزة عقبة في طريق السلام، فأضفى شرعية على مبدأ الاستيطان وبارك سياسة الامر الواقع التي فرضها هذا المبدأ. واعتبر المستوطنات"مراكز تجمعات سكانية اسرائيلية"، ويتعامل معها باعتبارها حقائق ثابتة يجب التسليم لها. وأباح مواصلة الاستيطان بحسب تقديرات شارون، وأعطاه حق التوسع وتغيير حدود عام 1967 وعدم العودة اليها وضم مستوطنات قائمة على اراضي الغير، وقال: كجزء من تسوية السلام النهائي يجب ان تكون لاسرائيل حدود آمنة ومعترف بها ومن غير الواقعي التوقع بأن نتيجة مفاوضات الحل النهائي ستكون عودة كاملة وتامة حتى حدود العام 1949". علماً ان الادارة الاميركية في عهد بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر رفضت في رسالة الدعوة لمؤتمر السلام في مدريد ورسائل الضمانات للأطراف التي شاركت فيه الاعتراف بأي تغيير تحدثه اسرائيل من جانب واحد في الحدود وضمنها حدود مدينة القدس البلدية. وقال الرئيس الفرنسي جاك شيراك قال رداً على موقف بوش الابن"ان التلاعب وفقاً للظروف او الاشخاص بالاستقرار الدولي بالقانون الدولي يشكل سابقة مؤسفة". ولم يوضح بوش اسباب تجاهله قرارات محكمة العدل الدولية المتعلقة بالاستيطان. ولم يتوقف بوش عند هذه الحدود وطالت"ضمانته"لاسرائيل أسس عملية السلام ونسفت مضمون رسالة الدعوة الاميركية -"السوفياتية"الى مؤتمر مدريد ورسالة التطمينات الاميركية التي قدمتها الادارة الاميركية للفلسطينيين عام 1991، والتي أكدت في فقرتها الخامسة على"مبادلة الارض بالسلام وانسحاب اسرائيل من الاراضي الفلسطينية والعربية التي احتلت عام 1967". واعترفت رسالة الضمانات بأن"الفلسطينيين شعب له الحق في السيطرة على قضاياه السياسية والاقتصادية وأي قضايا تقرر حياتهم ومصيرهم". وبجانب تجاوز رسالة الضمانات والتزامات الادارات الاميركية السابقة، ظل بوش يؤكد مساندة مواقف اسرائيل وسعى الى تلبية رغباتها في كل المجالات. ولشدة إعجاب رئيس الولاياتالمتحدة الاميركية بشخصية صديقه رئيس الحكومة الاسرائيلية وأفكاره الخلاقة، وحاجته لدعم اللوبي الاسرائيلي في أميركا، اباح زعيم اقوى دولة ديموقراطية في العالم في مرحلة سابقة لشارون فعل ما يريد ضد الفلسطينيين سلطة وشعباً وأرضاً وممتلكات ومنحه شهادة رجل سلام، وأثنى على حبس عرفات الزعيم الفلسطيني المنتخب. وفي تلك المرحلة ادرج بوش سياسة قتل النساء والشيوخ والاطفال وتدمير المنازل وقطع الاشجار وبناء الجدار وحصر الشعب الفلسطيني في معازل وكانتونات تحت بند حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الارهاب. وأباح بوش لشارون قتل الفلسطينيين عندما قال علناً:"ستحتفظ اسرائيل بحقها في الدفاع عن نفسها ضد الارهاب بما في ذلك اتخاذ اجراءات ضد منظمات ارهابية". وفسر شارون هذا التصريح على انه اجازة اميركية مفتوحة تبيح له تدمير التنظيمات والحركات السياسية والاجتماعية التي تصنفها اسرائيل ارهابية، وقتل واغتال من طالته يداه من قادة وكوادر صنفهم بالارهابيين. ولا ادري اذا كان اركان الرئيس بوش قد اوضحوا لشارون وأركانه بعد رحيل عرفات ان الرئيس عباس مستثنى من هذا الإذن المفتوح. وفي عهد عباس لم يتردد رئيس الولاياتالمتحدة الاميركية وأركانه في تأييد شروط شارون لاستئناف المفاوضات. وتبنوا مقولته"توفير الامن لاسرائيل ومحاربة الارهاب اولاً"، مثلما"اقتنعوا"بموقفه في عهد عرفات بأن تجميد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية يندرج في خانة الحرب ضد الارهاب والارهابيين. وان وقف العمل"بخريطة الطريق وتجميد عمل اللجنة الرباعية وتنفيذ اسرائيل خطة للانفصال احادية الجانب، حتى في عهد عباس، يخدم صنع السلام في المنطقة... ويتبنى بوش وأركانه مطالب شارون من عباس بأن يثبت اولاً النجاح في محاربة الارهاب قبل الحديث عن الحديث عن استئناف المفاوضات. ويصرون على ان ينفذ ابو مازن اجراءات تفوق طاقته وطاقات"فتح"وطاقة اجهزة الامن الفلسطينية، ويتجاهلون ان شارون اضعف"فتح"ودمر اجهزة الامن ويرفض تمكينها من تعزيز قدراتها القتالية والفنية. الى ذلك، اعلن بوش من البداية تأييد خطة"صديقه"شارون في شأن الانفصال وإعادة الانتشار في قطاع غزة، وقال:"هذه الخطة شجاعة ويمكن ان تقدم مساهمة حقيقية نحو السلام"، على رغم معرفته ان نيات صاحب الخطة سيئة، وانه رفض ربط الانسحاب مع"خريطة الطريق"ويريدها بديلاً للخريطة وفرض الحل الذي يريد من جانب واحد ومنع قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة. ولم يكتف الرئيس بوش بمساندة خطة شارون بل فرضها على اطراف اللجنة الرباعية الدولية، وأقنعهم بتجميد حركتهم ريثما يتم تنفيذ خطة الفصل الشارونية، والتعامل معها باعتبارها خطة الانقاذ الوحيدة المضمونة لعملية السلام، واكرمت ادارة بوش المستوطنين ووفرت لحكومة شارون الامكانات المالية لتعويضهم بسخاء. وألزمت البنك الدولي ودافع الضرائب الأميركي وبعض الدول الصناعية شراء ممتلكات المستوكنين بالسعر الذي طلبه شارون وحدده زعماء المستوطنين. ولم يفكر بوش واعوانه خبراء الاقتصاد للحظة في احتساب قيمة استغلال المستوطنين للاراضي الفلسطينية والمياه الشحيحة سنوات طويلة. كما لم يفكر لحظة في تطبيق الخطة ذاتها على مستوطنات الصفة الغربية. ألم تكن مستوطنات غزة عزيزة على قلب شارون؟ ألم يقل شارون نفسه يوما: لا فرق عندي بين مستوطنة نتساريم في قطاع غزة - التي اصبحت مجرد ذكرى - ومدينة كفار شافا على شاطئ البحر شمال تل أبيب؟ وبصرف النظر عن النيات فان النتيجة المباشرة لموقف بوش الانتقائي من قضايا النزاع هو اضعاف محمود عباس واضعاف قوى السلام في الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وعدم الاكتراث بجهودهم ومصيرهم. وعلى رغم ان بوش يعرف ان عباس يواجه مشكلات جمة وبحاجة الى مساعدة سريعة، الا انه يتردد في تقديم مساعدة ملموسة له ولا يمارس أي ضغط جدي على شارون وحكومته لوقف الاعمال التي تسهم في اضعاف عباس. وفي الوقت ذاته يسلط بوش واركانه ضغطهم على الطرف الفلسطيني الضعيف، ويطالبون أبو مازن بالاصلاح ونشر الديموقراطية وينسون ان الامرين وحدهما لا يوفران الخبز والأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي للناس، ولا طعم ولا رائحة ولا لون لهما في ظل ارهاب الاحتلال. الى ذلك، اعتقد ان قول بعض المحللين الاستراتيجين ان ليس في الافق ما ينبئ بتبدل جوهري في الموقف الاميركي في العام المقبل ليس فيه تجن على احد. ويبدو ان كل ما قد تقوم به ادارة بوش في هذا العام هو ابقاء الوضع الراهن في الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي كما هو عليه من دون السماح بوقوع خضات او هزات او تحولات دراماتيكية كبيرة. ويخطئ من يعتقد ان حديث بوش عن الديموقراطية في العالم سيترجم بموقف اميركي يلزم شارون تعزيز انتشارهما في فلسطين. والفلسطينيون مقتنعون بأن تعمق ورطة ادارة بوش في المستنقع العراقي يقربها اكثر من اسرائيل وانصارها في الكونغرس. صحيح ان لاستقبال الرئيس بوش رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في البيت الابيض اهمية كبيرة في هذا الوقت بالذات، الا اني لست متفائلاً بنتائج الزيارة، واستبعد ان تكرم ادارة بوش الرئيس محمود عباس وتستجيب لطلباته المتواضعة، وتلزم شارون احياء عملية السلام واستئناف المفاوضات السياسية، وتنفيذ تفاهمات قمة شرم الشيخ باعتبارها جزءاً من خارطة الطريق الدولية، وان تضغط لاطلاق سراح دفعة كبيرة من المعتقلين على ابواب الانتخابات التشريعية تضم الكوادر القيادية واعضاء المجلس التشريعي وفي مقدمهم عبدالرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومروان البرغوثي وجميع الراغبين في الترشح للانتخابات التشريعية المقررة مطلع العام المقبل. وفي جميع الحالات كان يجب ان يحصل عباس على تعهد من الرئيس بوش واركان ادارته بوقف تدخل شارون في الانتخابات التشريعية ومنعه من تنفيذ تهديده بعرقلتها في حال مشاركة حماس فيها، لان التدخل والعرقلة الاسرائيلية يقويان حماس والاتجاهات الفلسطينية المتطرفة، واما تعطيلها فنتائجه كارثية على وضع السلطة ورئيسها عباس. وبجانب مشاكله مع بوش وشارون يواجه محمود عباس مشكلات وعقبات كبيرة على الجبهة الداخلية لا تقل خطورة عن الاشكالات الخارجية: أولها، ضعف الثقافة الديموقراطية في المجتمع الفلسطيني وصعود الافكار المتطرفة ورفض"حماس"وقوى المعارضة التزام الديموقراطية كناظم للعلاقات الداخلية واصرارها على فرض مواقفها وتوجهاتها على رغم انها تمثل الاقلية وليست سلطة منتخبة. والثانية تتمثل في بعض من تراث ابو عمار، وترهل اوضاع"فتح"وبروز صراعاتها الداخلية على السطح، والثالثة، ضعف قدرات السلطة وضعف قوى السلام في الساحتين الفلسطينية والاسرائيلية، اما الرابعة، وهي اكبر العقبات، فتتمثل تدهور الوضعين الامني والاقتصادي وعدم توافر القدرة على وقفه. وهذه العقبات ومعها اشكالية العلاقة مع بوش وشارون تحول دون تقدم عباس على طريق تحقيق برنامجه الذي بشر به الناس وعلى اساسه انتخبوه. كاتب فلسطيني.