الشركة السعودية للكهرباء «SEC» تعلن تفاصيل استثماراتها ومشاريعها لموسم حج 1445ه    مقتل نائب رئيس ملاوي وتسعة أشخاص آخرين في تحطم طائرة    سمو ولي العهد الامير محمد بنسلمان يستقبل سمو ولي عهد دولة الكويت لدى وصوله جدة    النصر يُجهز عرضًا ضخمًا للظفر بخدمات روديغير    بروتوكول استقبال ضيوف برنامج خادم الحرمين يلامس مشاعر الحجاج    فضائل العشر من ذي الحجة    موعد مباراة السعودية والأردن اليوم    بيع تذكرة تدريب رونالدو مع البرتغال مقابل 858 دولار    المظالم ومدن يوقعان اتفاقية للربط الرقمي    بلينكن يحذر من اتساع الصراع    العاهل الأردني: شبح المجاعة يهدد غزة.. السيسي يدعو لدعم «الأونروا»    أكثر من 15 ألف مستفيد من حملة "سلمان للإغاثة" لتحصين الأطفال ضد مرض الحصبة في اليمن    وفدٌ مجلس الشورى يقوم بزيارة إلى الهيئة الملكية بالجبيل    إلزام الجهات الحكومية برفع خدماتها على "توكلنا"    فاطمة الغامدي تحصل على الماجستير في العلاقات العامة بتقدير ممتاز    صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين يستعد لاستقبال الحجاج    الذهب يفقد بريقه والنفط فوق 80 دولاراً    اليوم.. التفويج "الأكبر" للحجاج من المدينة لمكة    جمعية تكامل الصحية تقيم مركزاً لاستقبال ضيوف الرحمن بالرياض    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة منيره بنت محمد بن تركي بن عبد العزيز    المملكة ترحب بتبنّي مجلس الأمن الدولي الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة    «أبل» تستعد لإبهار العالم بتحديثات كبيرة في مؤتمر المطورين    الفرصة ما تزال مهيأة لهطول أمطار على مكة وجازان وعسير والباحة    ارتفاع أسعار النفط إلى 81.63 دولارا للبرميل عند التسوية    بينالي الفنون الإسلامية 2025 بجدة    حمزة إدريس مساعداً إدارياً في الاتحاد    وزير الداخلية يتفقد المشاريع التطويرية في المشاعر    بدء منع دخول المركبات غير المصرحة للمشاعر المقدسة    وزير الإعلام يدشن "ملتقى إعلام الحج" بمكة    "الصحة": ارتفاع درجات الحرارة أكبر تحديات الحج    إثراء يفتح باب التسجيل في مبادرة الشرقية تبدع بنسختها الخامسة    هل يصبح عمرو دياب منبوذاً ويواجه مصير ويل سميث ؟    تعزيز بناء الجدارات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بغرفة الشرقية    اللامي ل«عكاظ»: ناظر سيعيد العميد لطريق البطولات    «الدفاع المدني»: تجنبوا الزحام وراعوا كبار السن في المسجد الحرام    الرئيس التنفيذي للمساحة الجيولوجية يناقش التعاون الجيولوجي في كازاخسان    بأمر خادم الحرمين: استضافة 1000 حاج من ذوي شهداء ومصابي غزة استثنائياً    أمن الحج.. خط أحمر    لميس الحديدي تخطت السرطان بعيداً عن الأضواء    غزة.. مشاهد موت ودمار في «النصيرات»    أمير المدينة يوجه باستمرار العمل خلال أيام إجازة عيد الأضحى    وزير الداخلية يتفقد عددًا من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    نائب أمير مكة اطلع على المشاريع وخطط التشغيل.. المشاعر المقدسة.. جاهزية عالية لاستقبال ضيوف الرحمن    للمعلومية    توفير الوقت والجهد    مريضات السكري والحمل    استثمار الوقت في الأنشطة الصيفية    " نبتة خارقة" تحارب تلوث الهواء    "نادي نيوم" يتعاقد مع البرازيلي رومارينيو    وزير الداخلية يتفقد عدداً من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    الرئيس المتهم!    لماذا يشعر المتبرعون بالسعادة ؟!    البذخ يحتاج لسخافة !    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    للمرة الأولى.. «هيئة النقل» تدشّن مركز التحكم لمتابعة مركبات النقل العام في مكة والمشاعر    أندية المدينة.. ما هي خططك للموسم القادم ؟    الدفاع المدني يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل "لا حج بلا تصريح" بجدة    عرض عسكري يعزز أمن الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالية علاقة الرئيس الفلسطيني مع الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الاسرائيلية . هل يخرج شارون عباس العلاقات من نفق باراك عرفات ؟ 1 من 2
نشر في الحياة يوم 10 - 09 - 2006

يبدو التعرف على حقيقة موقف الرئيس جورج بوش من محمود عباس وسلطته وكأنه يحتاج بصارة شرقية ماهرة، ومجهراً يوضع ما بين الكلمات والسطور، فيما يختلف الأمر تماماً عند البحث في العلاقة بين رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الحكومة الإسرائيلية، والأدلة حول توترها وبلوغها حد الانفجار كثيرة، بدءاً من اتهام آرييل شارون محمود عباس بالتردد في محاربة"الإرهاب"وانتهاء بفشل عقد لقاء ثنائي قبل سفر عباس الى واشنطن ولقائه بوش امس.
وإذا كان المراقبون والمتابعون لمراحل تطور، والأدق تدهور، العلاقة بين الرجلين لا يقرأون في الصحف ولا يسمعون في الإذاعات ولا يشاهدون على شاشات التلفاز معارك كلامية حامية على غرار ما كان يحصل في عهد الرئيس ياسر عرفات، فالأمر يعود، من جهة، الى طبيعة"ابو مازن"الذي يكره المهاترات الإعلامية، ومن جهة اخرى، الى عدم قدرة شارون على اتهام عباس برعاية الإرهاب وشن حملة علنية مكشوفة ضد رجل ظلت مواقفه من مسألة صنع السلام الفلسطيني - الإسرائيلي معروفة، قبل انتخابه رئيساً للسلطة وبعده، ولم يخف يوماً، منذ مؤتمر مدريد عام 1991، وحتى في حملته الانتخابية، معارضته القوية لاعتماد العمل العسكري بصنوفه المتعددة وسيلة لتحقيق الأهداف الفلسطينية.
الى ذلك، لا خلاف بين قوى السلطة والمعارضة حول تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتردي العلاقات بين اجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية، وقد صار معظم الفلسطينيين مقتنعين بأن افق صنع السلام مع اسرائيل مقفل الى اشعار آخر طالما بقي شارون رئيساً للوزراء، وظلت احزاب اليمين والقوى المتطرفة تمسك بزمام الحكم في اسرائيل، والإدارة الأميركية تساند مواقفه. ويجمع الفلسطينيون على ان القيادة الإسرائيلية بزعامة شارون ماضية في تنفيذ مشروع"ليكود"المبني على استعمار الشعب الفلسطيني وإفقاره وتهجيره وسرقة اكبر مساحة من ارضه وتهويد مدينة القدس. ويجد شارون في ضعف النظام العربي وتبعثر قواه، وضعف انصار السلام في اسرائيل، ومتانة العلاقة الإسرائيلية - الأميركية وتوطيدها بعد احداث 11 ايلول سبتمبر، فرصة نادرة لتسريع تنفيذ المشروع. وهو أظهربراعة في إخفاء نياته وفي خلق الذرائع والمبررات لأعماله العدوانية، وكثيراً ما وفرها له الفلسطينيون انصار العمل العسكري والعمليات"الانتحارية"ضد المدنيين الإسرائيليين.
وتحاول السلطة في عهد"ابو مازن"عرقلة هذا المشروع والحد من سرعة تنفيذه على الأرض وتقليص خسائر الفلسطينيين البشرية والاقتصادية والسياسية قدر المستطاع. ويعترف اركان السلطة، خصوصاً الأمنيين منهم، بأن قدرات الأجهزة الأمنية محدود وتجعلها عاجزة عن وقف المشروع ونزع الذرائع التي يسوقها شارون لنهب الأرض وبناء الجدار وتوسيع المستوطنات. ويعترفون بأن هذا الفشل يعمق أزمة المؤسسات الأمنية مع الناس، ويزيد في تآكل رصيد الأجهزة والسلطة ورئيسها في الشارع وفي صفوف القوى المنظمة. والفلسطينيون، سلطة ومعارضة، مقتنعون بأن ليس في الأفق ما ينبئ بتحسن العلاقة بين عباس وشارون او بين الحكومتين، اقله من الآن وحتى الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية نهاية العام المقبل، او شفاء الوضعين الأمني والاقتصادي في عهد شارون، ويرون الأزمة مع الجانب الإسرائيلي تتجه في الأسابيع والشهور المقبلة نحو التفاقم وليس نحو الانفراج.
وعلى رغم الحديث الكثير قبل عمليتي كتائب الأقصى الأخيرتين ضد المستوطنين في منطقة بيت لحم ونابلس عن استعادة الثقة واستئناف اللقاءات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وكثرة الاجتماعات على مختلف المستويات الأمنية والسياسية وتفعيل اللجان المشتركة المنبثقة عن"خريطة الطريق"، واحتمال عقد قمة جديدة بين عباس وشارون... الخ، يبدو ان لا امل بخروج عملية السلام والعلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية من النفق المظلم الذي دخلته في مرحلة باراك - عرفات بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد وانفجار الانتفاضة عام 2000 وفوز حزب"ليكود"بالسلطة عام 2000، حتى اذا عقدت قمة جديدة بين عباس وشارون بعد عودة الأول من واشنطن. ويبدو ان السلام الفلسطيني - الإسرائيلي وعلاقات الطرفين سيبقيان غارقين في ظلام النفق فترة طويلة. ويتردد بعض المراقبين والواقعيين الفلسطينيين في وصف الحال بأنه الأسوأ لأن التجربة اكدت لهم ان هناك دائماً ما هو اكثر سوءاً من الأسوأ في ظل الاحتلال. وإعلان القيادة الإسرائيلية رسمياً، بعد العمليتين، تجميد اللقاءات والاتصالات الأمنية والسياسية مع الجانب الفلسطيني وضمنها إلغاء فكرة عقد لقاء بين عباس وشارون جاءت تؤكد هذا الاستخلاص.
واجه"ابو مازن"منذ تولى زمام السلطة الفلسطينية مطلع العام الجاري 2005 عقبات كثيرة وكبيرة، وتمكن بالاستناد الى الدعم الوطني والإقليمي والدولي الذي تلقاه من تذليل بعضها، ولكن بقيت عقبات اخرى كبيرة تعرقل طريقه نحو تحقيق برنامجه: العقبة الأولى الكأداء تتمثل في موقف شارون وأركانه السلبي من السلطة ومن رئيسها عباس وتوجهاته، ومعاداتهم القوية لعملية السلام والاتفاقات التي انبثقت منها. وتكمن خطورة هذا الموقف الليكودي في كونه ثابتاً جامداً ينبع من قناعة ايديولوجية راسخة مقرونة بعقد تاريخية، وفي كون أصحابه مصممين على تنفيذ قناعتهم وفق ما يسمونه مصالح اسرائيل الاستراتيجية، وهذه التوجهات السياسية والأمنية تحظى بتأييد غالبية اسرائيلية ودعم اميركي واسع.
وعلى رغم نجاح ابو مازن في بداية عهده في اقناع القوى الوطنية والإسلامية بالتهدئة، واقر"هدنة"من طرف واحد لا تزال صامدة، ساعده في بلورتها وتثبيتها مدير الاستخبارات المصرية الوزير اللواء عمر سليمان، ووافقت عليها"حماس"والفصائل الوطنية والإسلامية كافة، ظل شارون يرفض استئناف العملية السياسية، وواصل عرقلة كل ما يساهم في اضعاف عباس في الشارع الفلسطيني وداخل حزبه"فتح"وفي العلاقة مع بقية اطراف النظام السياسي الفلسطيني سلطة ومعارضة.
وفي قمة"شرم الشيخ"التي عقدت بتدبير اميركي مطلع شباط الماضي، بعد شهر من انتخاب عباس رئيساً للسلطة، وشارك فيها الرئيس المصري حسني مبارك وملك الأردن عبدالله الثاني، وافق شارون على ما اصطلح تسميته"تفاهمات شرم الشيخ"، والتزم فيها استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وتطبيق"خريطة الطريق"التي توصلت إليها اللجنة الرباعية الدولية، وسحب الجيش الإسرائيلي من مدن اريحا وطولكرم وقلقيلية ورام الله وبيت لحم، وتسليمها تدريجاً للسلطة الفلسطينية، واطلاق سراح دفعة جديدة من المعتقلين، وعودة مبعدي احداث كنيسة المهد في بيت لحم الى بيوتهم وقراهم، ووقف المداهمات والاغتيالات والاعتقالات، وتخفيف الحواجز على الطرق، وتوفير مرور آمن بين الضفة والقطاع وزيادة فرص العمل في اسرائيل.
وفي المقابل حصل شارون على موافقة الرئيس مبارك والملك عبدالله الثاني على عودة سفيري مصر والأردن الى تل ابيب، واستبشر المتفائلون في الشارع الفلسطيني بانحسار ازمة العلاقة بين السلطة وإسرائيل بعدما بلغت ذورتها في عهد عرفات. لكن شارون خيب امل الجميع وواصل عمليات الدهم ووسع دائرة الاعتقالات، ونقض وعده للرئيس مبارك والملك عبدالله الثاني ولم ينفذ"التفاهمات"التي التزمها ولم يقدّر قيمة مبادرتهما في اعادة السفيرين، واستصغر شأن وفاء ابو مازن بالتزاماته ونجاحه في اقرار"الهدنة"من جانب واحد. وظل شارون على موقفه في شأن الأسرة والمعتقلين ورفض التعهد بعدم التعرض للأمين العام ل"الجبهة الشعبية"احمد سعدات وزميله العميد فؤاد الشوبكي في حال اخلي سبيلهما، وهدد باعتقال عدد من قادة اجهزة الأمن الفلسطينية ووضعهم في السجن"الدولي"الذي يقيم سعدات والشوبكي فيه منذ اكثر من ثلاث سنوات.
وصعد شارون هجومه على عباس متهماً اياه بالضعف والتراخي في محاربة الإرهاب وبجميع التهم الأخرى التي ألصقها بعرفات. وواصل الادعاء بغياب الشريك الفلسطيني، واستمر في بناء الجدار في عمق الضفة الغربية ونشط حركة الاستيطان واستولى على مزيد من الأراضي، وتابع تنفيذ سياسة الرهم والاغتيالات والاعتقالات، واعتقل مئات الكوادر الشابة ضمنهم منتمون الى حزب الرئيس عباس. وأمعن شارون في إضعاف رئيس السلطة الفلسطينية وإحراجه، وزاد في عدد الحواجز على الطرقات وأوقف الحركة بين الضفة وقطاع غزة، ومنع العمال الفلسطينيين من العمل في اسرائيل وشل جهود عباس لتوفير الأمن والخبز للناس، ولم يأبه بزيادة الفقر والجوع في صفوف الفلسطينيين، ولا بالأضرار التي تلحقها مواقفه العدوانية بسلطة عباس والاتجاهات الفلسطينية الواقعية.
وعلى رغم هذه المواقف الاستفزازية المتعمدة والمكشوفة لم تتدخل ادارة الرئيس بوش ولا دول الاتحاد الأوروبي لإرغام شارون تنفيذ التزاماته في"تفاهمات"شرم الشيخ و"خريطة الطريق"الدولية. وطالبت السلطة الفلسطينية ورئيسها عباس والرئيس مبارك والملك عبدالله الثاني بالصبر على شارون ريثما ينتهي من تنفيذ"خطة الفصل"و"الانسحاب"والإخلاء من قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة. ولم تلزمه تنسيق"الخطة"مع الجانب الفلسطيني او اشراك طرف ثالث في تنفيذها. وأقصى ما فعلته أنها اقنعت شارون، بعد جهد، بعقد لقاء مع رئيس السلطة والتفاهم حول القضايا المعلقة.
وفي اللقاء الذي عقده شارون مع ابو مازن في القدس في حزيران يونيو الماضيلم يكتف بتكرار مواقفه الرفضوية الابتزازية بطريقة عنجهية، فرفع مستوى استفزاز ابو مازن وهاجم توجهاته السياسية والأمنية، وحاول مع مساعديه ابتزازه ووجهوا اليه التهم ذاتها التي وجهوها لعرفات، وأضافوا عليها صفات الضعف وعدم الحسم والتردد. وفي اللقاء نفسه القى شارون على رئيس السلطة الفلسطينية والوفد المرافق محاضرة سخيفة حول كيفية تنفيذ الواجبات وسبل مكافحة الإرهاب، تسببت في توتير اجواء اللقاء واستهلكت معظم الوقت. وبعد الاجتماع تابع موقفه الاستفزازي وسرب للصحافة انه قام في اللقاء بدور المعلم مع التلميذ الذي يهمل واجباته البيتية... ورفض شارون اطلاق سراح دفعة من المعتقلين القدامى طلبها ابو مازن شخصياً. واعترض على تعزيز قدرة اجهزة الأمن الفلسطينية ورفض تسليمها معدات عسكرية قدمتها روسيا هدية للسلطة الفلسطينية، ضمنها عربات مصفحة وبنادق وذخائر هي في امس الحاجة إليها. كما رفض سحب الجيش الإسرائيلي من مدن بيت لحم وقلقيلية وهدد بالعودة الى شوارع مدينة اريحا، التي اخلاها، وأعاد وزير الدفاع شاؤول موفاز جنده ودباباته الى شوارع مدينة طولكرم.
ولاحقاً، أصر شارون وأركانه الأمنيون على عدم تنسيق"خطة الفصل"وپ"الانسحاب"والاخلاء من قطاع غزة مع سلطة عباس، وحصر التنسيق في مسائل أمنية تفصيلية تمس أمن الجيش الاسرائيلي والمستوطنين ولا علاقة لها بأمن الفلسطينيين. وبناء على أوامره خرج الجيش الاسرائيلي من القطاع ولم يدمر"الكنس"وحمل شارون ووزير خارجيته سيلفان شلوم عباس وسلطته مسؤولية تدنيس وتدمير أماكن العبادة اليهودية، وظهر وكأنهما يشجعان المستوطنين على الرد وتدنيس أماكن العبادة الاسلامية وارتفع القلق الفلسطيني حول المسجد الأقصى والحرم الابراهيمي في الخليل. وأبقى شارون جملة من المسائل الحيوية معلقة لابتزاز عباس واحراجه أمام شعبه. أخطرها تجميد الحركة في معبر رفح على الحدود المصرية وتعطيل استكمال بناء الميناء وتشغيل المطار، وأبقى الممر الآمن بين الضفة والقطاع مغلقاً... الخ وما زال الجانب الاسرائيلي يصر على الاستمرار في السيطرة بصيغة أو أخرى على المعابر البرية والبحرية والأجواء الفلسطينية في قطاع غزة، ويرفض السماح للسلطة بتشغيل المعبر الوحيد"رفح"الذي يوصل قطاع غزة بالعالم، ولا تزال هذه المسألة الحيوية للناس معلقة تسيء يومياً الى سمعة أبو مازن وأجهزة أمن السلطة، حيث يضطر المواطنون الى البقاء أيام طويلة في العراء ريثما يسمح لهم بالعبور من والى القطاع.
الى ذلك، أكدت وقائع الحياة ان العقبة التي يمثلها شارون في وجه أبو مازن تضخمت أكثر بعد خطوة"الانسحاب"من القطاع وزادت في المشكلات الفلسطينية الداخلية. ورفع شارون سقف مطالبه الأمنية، بعضها تعجيزي يعرف ان رئيس السلطة لا يملك الامكانات اللازمة تنفيذها: يطالب عباس بالسيطرة على الوضع في قطاع غزة بعد"الانسحاب وتدمير البنية التحتية للقوة التي يسميها ارهابية"، ويرفض تنفيذ أي خطوة عملية تعزز مكانة عباس والسلطة في الشارع، ويهدد بتعطيل الانتخابات التشريعية اذا سمح لحركة"حماس"المشاركة فيها، ويطالب بتجريدها من اسلحتها وفرض رقابة صارمة على"الصناعات العسكرية"في القطاع ومنع المعارضة من تطوير"ترسانتها"الحربية... الخ من الحديث المبالغ فيه، وبرفض السماح للسلطة بإعادة تسليح الشرطة، ولا يجيب على سؤال:ماذا بعد خطوة"الفصل"وپ"الانسحاب"والاخلاء التي نفذت في القطاع وشمال الضفة؟
يتحدث شارون عن ضرورة تشغيل 50 ألف رجل مفرغين للعمل في الميدان الشرطي والأمني في محاربة الارهاب، ويعطي دروساً في الموضوع باعتباره الجنرال الخبير، وينسى ان نسبة كبيرة من العاملين في الأجهزة الأمنية استوعب زمن عرفات في اطار التنفيع ومكافحة البطالة بعد أن أغلق شارون نفسه باب العمل في وجوههم، ومنعهم من العمل في اسرائيل ومغادرة القطاع. صحيح أن آخرين في الشرطة الفلسطينية هرموا وشاخوا وظل عرفات يرفض احالتهم على التقاعد لاعتبارات اقتصادية وپ"ثورجية"، لكن شارون نفسه نسي والأدق يتناسى أنه قتل وجرح أعداداً كبيرة من الشرطة ومن العاملين في بقية أذرع المؤسسة الأمنية، وحبس بعضهم ودمر مقراتهم وحطم معنوياتهم وهز صورتهم أمام شعبهم.
والآن، بعد أقل من عام على رحيل عرفات وتولي أبو مازن رئاسة السلطة، لم يبق أحد في الشعب الفلسطيني وأنصار السلام في اسرائيل يصدق ان مواقف شارون الاستفزازية العدوانية زمن عرفات كانت تكتيكاً في مواجهة"الشيطان الأكبر"زعيم الارهاب، خصوصاً ان غياب عرفات عن المسرح لم يعد شارون وأركانه للصواب. فلم يوقفوا أعمالهم الفاشية وانما توسعت وزادت خطورة، وظهر ان عدوانية شارون ضد عباس والاتجاهات الديموقراطية والتوجهات الواقعية الفلسطينية لا تقل عن العدوانية التي أظهرها ضد عرفات وضد"التطرف"وپ"المتطرفين"وضد التوجهات"الارهابية"بحسب تصنيفه، ويعتقد كثير من الفلسطينيين ان معاداة شارون لعباس تختلف في الشكل عن معاداته لعرفات، وتخلو من العنصر الشخصي، ومنطلق عدوانيته ضد عباس هو معاداة السياسة الفلسطينية الواقعية التي تشق الطريق الى البيت الأبيض وتنهي احتكار اسرائيل للعلاقة مع أركان هذا البيت.
الى ذلك يخطئ من يعتقد ان شارون الذي لم ينفذ"تفاهمات"شرم الشيخ قبل تنفيذ"خطة فك الارتباط، في قطاع غزة، وقبل رحلة عباس الى واشنطن سينفذها بعد فشل لقائه بمحمود عباس وبعد عودة عباس من واشطن خصوصاً اذا عاد بخفي حنين خالي اليدين كما هو متوقع. ولا مصلحة لشارون في الاقدام على خطوة اشكالية تعمق الانقسام داخل المجتمع الاسرائيلي، وتجلب له متاعب حزبية اضافية داخل ليكود تزيد في اهتزاز وضعه. وشارون وأركانه السياسيون والأمنيون يعرفون ان أي"انسحاب"وپ"اخلاء"لمستوطنات في الضفة يثير اشكالات كبيرة تختلف عن الاشكالات التي واجهوها عند تنفيذ"خطة الفصل"في قطاع غزة، وان هكذا خطوة تمس العقيدة وتستفز فئات واسعة من قواعد ليكود وكوادره ضده شخصياً ويدفعها الى الالتفاف حول بنيامين نتانياهو وبرنامجه.
كاتب فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.