«الثقافة» و«السياحة» توقّعان اتفاقية تعاون لإدراج المحتوى الثقافي في عددٍ من الفنادق بالمملكة    نتنياهو: خطة ترمب تحقق أهدافنا في الحرب    ترقب عالمي لقبول حماس للهدنة    تعاون أوكراني أوروبي في مجال الطائرات المسيرة    القبض على يمنيين لتهريبهما (260) كجم "قات" في جازان    الدمام تحتضن دورة التحكيم الأولى لكرة القدم المصغّرة بمشاركة 24 حكمًا مستجدًا    مدرب النصر يكشف سبب غياب رونالدو عن مباراة الزوراء في العراق    6 أشهر سجن و100 ألف غرامة لممارس صحي مزور    25 ألف قرار إداري بحق مخالفي الأنظمة    الأمير سعود بن نهار يبحث جهود تعزيز هوية العمارة السعودية بالطائف    الأخضر السعودي يخسر أمام كولومبيا في مونديال الشباب    ولي العهد يوجه بإطلاق اسم مفتى المملكة الراحل على أحد شوارع الرياض    وزير العدل يوجّه بإطلاق خدمة إصدار وكالة لقطاع الأعمال    السعودية تترأس أعمال الدورة الثانية لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    جامعة الأميرة نورة تُشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب 2025    مجلس الشورى يعقد جلسته العادية الرابعة من أعمال السنة الثانية للدورة التاسعة    ملتقى مآثر ابن صالح.. خطوة نحو الإعلام الحديث    ميزانية السعودية 2026 تتوقع نفقات 1.31 تريليون ريال وإيرادات 1.14 تريليون ريال    الرياض تستضيف بطولة آسيا للياقة البدنية الوظيفية 2025    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    توقيع 5 اتفاقيات استثمارية بين السعودية وفيتنام    الرِّفقُ في القيادة.. صناعةُ الولاء وبعثُ الإبداع    المملكة تؤكد التزامها بقيادة الابتكار المسؤول في الذكاء الاصطناعي خلال اجتماع وزراء مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا    أمير الشرقية يشيد بتنظيم احتفالات اليوم الوطني ويطلع على تقرير هيئة الأمر بالمعروف    أمير جازان يستقبل مدير مركز جمعية الأطفال ذوي الإعاقة بالمنطقة    من أصالة التراث إلى أفق المستقبل... المملكة تقود حراك الثقافة الاستثمارية    الرزيزاء: تنظيم العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر خطوة محورية في مسار تطوير السوق العقاري    النائب العام يستقبل سفير قرغيزستان لدى المملكة    الفاران إلى المرتبة الحادية عشر    مستشفى الملك فهد الجامعي يفعّل اليوم العالمي للتوعية بأمراض القلب    "هدية" تطلق معرض "تاريخ مجيد في خدمة ضيوف الرحمن"    ابن معمر: المملكة تضع الترجمة والابتكار في صميم رؤيتها الثقافية والتنموية    يحيى بن جنيد شخصية العام التراثية في احتفالية يوم المخطوط العربي 2025    "طبية" جامعة الملك سعود تسجّل براءة اختراع لأداة فموية متعددة الوظائف    افتتاح معرض "صوت التناغم" الصيني بالمتحف الوطني السعودي في الرياض    جدة تتصدر جودة الحياة في السعودية    أمَّن وصول المساعدات لأول مرة.. الجيش السوداني يكسر حصار الفاشر    إخلاء منازل حول مستشفى الشفاء.. تصاعد القصف الإسرائيلي على غزة    في ثاني جولات نخبة آسيا.. الهلال يتصدر بنقاط ناساف.. والأهلي يتعادل مع الدحيل    في الجولة الثانية من دوري أبطال أوروبا.. ريال مدريد وليفربول يبحثان عن التعويض.. ومورينيو يعود إلى «ستامفورد بريدج»    2.5 مليار دولار صكوك إعادة التمويل    مع ارتفاع نسبة مشاركة النساء.. سوريا تبدأ الدعاية الانتخابية لمجلس الشعب    الذكريات.. إرث يبقى بعد الرحيل    «أحذية» تقود هنديين للفوز بجائزة عالمية    نوم أقل.. وزن أكثر (1)    أمير الرياض يلتقي نائب وزير الحرس الوطني    لبنان: «إسرائيل» تقصف مخزن أسلحة ل«حزب الله»    أربعة قتلى بنيران مسلح في ميشيغن.. وترمب يصفه بجزء من "وباء العنف"    ‏قائد قوة جازان يزور المنطقة الخامسة ويشيد بالجاهزية القتالية للوحدات العسكرية    المعلم أولًا..    أمير جازان يطلق فعاليات منتدى فكر    «محمية الإمام تركي» تنضم لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي    «العظام والمفاصل» بمستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة.. رعاية صحية وفق أعلى المعايير.. أميز الكفاءات.. وأحدث التجهيزات    الصندوق السعودي للأفلام يعتمد ريفيرا كونتنت اسما جديدا    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة ضمن برنامج تماسك في الكلية التقنية بصامطة    بحضور الأمراء.. نائب أمير مكة يشارك في صلاة الميت على الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    نائب أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هن أثرهن - العمل الإنساني حول ارضهما جنة : أرستقراطية فنلندية ساعدت المعوزين ... وفيتنامية داوت جراح الحرب
نشر في الحياة يوم 18 - 09 - 2004

اثنتان لمعتا في الميدان الإنساني في قرنين مختلفين وفي ظروف اجتماعية متناقضة تماماً وأثبتتا مرة جديدة أن الجذور البشرية لا تلعب أي دور في التوجه الإنساني، لا بل الفرق، كل الفرق يكمن في الشخصية والقيم الإنسانية الرفيعة التي تقود مسار الحياة.
أورورا كارامزين، الأرستقراطية الفنلندية التي عاشرت الملوك والقياصرة وعاشت في أفخم القصور، إهتمت طوال حياتها بالمعوزين واليتامى والمسنين... ولاي لي هايسليب الفيتنامية التي عانت السجن والاغتصاب والاضطهاد قبل ان تبلغ حتى سن المراهقة، فلم تيأس ولم تستسلم ولم تحقد أبداً، لا بل سعت الى مساعدة كل من عانى مثلها.
من القصر الى البلاط
ولدت أورورا ستيرنفال وسط الحرب عام 1808 في عائلة من الطبقة السويدية النبيلة التي عاشت في فنلندا. توفي والدها عندما كانت في السابعة من عمرها. فتزوجت والدتها مرة ثانية من كارل يوهان والين الذي ارتقى سريعاً في الوظائف الرسمية المقربة من القيصر الروسي ما أدخلها باكراً عالم البلاط بعدما تلقت أرقى تربية.
دخل زوج والدتها الى مجلس الشيوخ الفنلندي وانتقلت العائلة لتعيش في قصر ريفي بالقرب من هلسنكي. هناك، ترعرعت على ايقاع حياة الطبيعة والتقاليد. ولما تزوجت شقيقتها الصغيرة عام 1828 من نبيل روسي منفي الى فنلندا، دخلت أورورا حقاً عالم البلاطات بعدما تعيّنت مرافقة للقيصرة الروسية في خلال زيارتها فنلندا. تعرّفت الى الكولونيل ألكسندر موخانوف، خطبته... ومات في حادث. فدعتها القيصرة الى موسكو وتوطدت علاقتهما كثيراً لتتحول صداقة عميقة. هناك، خطبت أورورا مجدداً بول ديميدوف، نبيل روسي إبن الثامنة والثلاثين يتميز بثراء فاحش... وبحياة أكثر فحشاً.
تزوجته وكان العريس ثملاً الى درجة أنها خشيت ألا يحضر الى الزفاف، لكنه قدم لها في اليوم التالي سابع أكبر ماسة في العالم، و"عقد ديميدوف" الفريد المؤلف من أربعة حبال من اللآلئ الكبيرة. أقنعته بالحياة في موسكو وبالاستثمار في وطنه وبتقديم المساعدات المالية الى المؤسسات الخيرية. حملت منه ابناً، وحضنته لما تعثّرت صحته. صمد زواجهما ثلاث سنوات ونصف السنة قبل أن يتوفى الزوج.
وفي تلك الفترة أيضاً فقدت والدتها وتزوجت شقيقتها لترحل بعيداً عنها. فبقيت أورورا وحيدة مع ابنها وعلى رأس ثروة مالية لا تقدر قيمتها... وباستقلالية تامة قلما عرفتها امرأة في تلك الحقبة الزمنية.
أسست صالونها الأدبي الخاص والتقت بعد ستة أعوام الكابتين أندريه كارامزين الذي يصغرها بخمس سنوات. وقعت فوراً في حبه. تزوجته وأخذت تجوب معه العالم في رحلات تركت أثراً عميقاً في نفسها، ولا سيما منها اثنتان: الى باريس عام 1847 حيث حضرا جلسات خاصة من المجلس النيابي جعلتها تطلع على المواضيع الإجتماعية والمؤسسات الخيرية، والى جبال الأورال الروسية حيث مناجم خاصة بعائلة زوجها الأول.
هناك، بقيت أشهراً عدة تعيش مع عائلات عمال المناجم وتستمع الى مشكلاتهم. فتحت لهم مدرستين ومستشفى للتوليد وحسّنت الكثير من أوضاعهم الاجتماعية قبل أن تعود الى قصرها في موسكو.
دام زواجها السعيد ثمانية أعوام قُتل زوجها على الأثر في حرب البلقان. ووجدت أورورا نفسها أرملة للمرة الثانية، وهي في السادسة والأربعين من عمرها. فانكبت على العمل الاجتماعي علها تنسى حزنها... والقلق المستمر الذي يوّلده ابنها بول الذي يشبه والده في نواح كثيرة.
واكتشفت أورورا في تلك الفترة أهمية التمريض والمستشفيات. وعملت على ايجاد مراكز للتمريض في وطنها، ولا سيما هلسنكي التي لقّبتها "ساحرة هلسنكي الطيبة" بعدما حددت أياماً للقاء المعوزين، وأخذت تسافر الى كل أقطار العالم للمساعدة الاجتماعية من دون أن يثنيها عمرها المتقدم عن أي رحلة. ذهبت الى البرتغال وإيطاليا وأوكرانيا وهي في الثمانين، إلا أن حياة ابنها الفاسقة هددت ثروتها بالزوال. فباع بول منزله في باريس ودوفيل، واضطرت هي أن ترهن لآلئها في المصرف.
ولما مات ابنها عن عمر يناهز الخامسة والأربعين، دفنته في مدافن العائلة، وقررت أن تبدّل في نوعية عمل العائلة. فحررت كل العمال وقدمت لهم ضمانات اجتماعية... وأوصت ان تكتب على قبرها العبارة الفرنسية: إذا تكلمت بلسان البشر والملائكة من دون أي حب، فأنا كالدفّ المثقوب الذي لا يصدر اي نوطة.
جنّتها على الأرض
المرأة الثانية، لاي لي هاسليب، امرأة لاحقتها ذكرياتها الأليمة طويلاً قبل ان تقرر طيّ صفحتها نهائياً، واستعادة عالمها الخاص الذي كان انقلب رأساً على عقب.
هي الإبنة الصغرى بين ستة أولاد من عائلة بوذية متواضعة في الريف الفيتنامي. ولدت عام 1949 في قرية "كي لا" الريفية، وسط فيتنام. عملت صغيرة على مساعدة والديها المزارعين في حقول الرّز.
كانت في الثانية عشرة من عمرها يوم حطّت أول مروحية أميركية وسط حقول الرّز في قريتها المتواضعة. انخرطت من دون ان تدري في لعبة الكبار بعدما كانت تتقاضى دولارات معدودة لقاء نقل معلومات عن الفيتكونغ، من اجل الإسهام في إطعام عائلتها... كما غالبية الأولاد في قريتها.
علمت بها فرق الفيتكونغ، فقبض عليها جنودها، سجنوها، حكموا عليها بالإعدام لأنها "عميلة لحساب الحكومة". اغتصبوها، عذّبوها ولم يقتلوها، لا بل قتلوا بعض افراد عائلتها امامها لسحب المعلومات التي تملكها. كادت ان تموت من التعذيب والجوع والضرب والاغتصاب... وهي لم تحتفل بعد بعيدها السادس عشر.
هربت بأعجوبة من سجّانيها وتوجهت الى مدينة قريبة، ومن ثم الى سايغون حيث عملت في السوق السوداء، ومن ثم نادلة في مطعم فممرضة في مستشفى. تزوجت في الحادية والعشرين أميركياً كان يعمل في فيتنام، وهربا معاً الى الولايات المتحدة الأميركية.
هناك، بقيت اسيرة ذكرياتها الأليمة التي عششت في احلامها ليلاً ونهاراً، الى ان قررت اخيراً كتابة مذكراتها بعدما مات زوجها من دون ان تنشرها. ساعدها ابنها البكر جيمس على ايجاد التعابير المناسبة باللغة الإنكليزية، وعلى طبعها على الآلة الكاتبة.
عملت في مصنع ومن ثم في المنازل من أجل إعالة أولادها الثلاثة وساعدها ايمانها الدائم على تخطي المصاعب التي كانت تعترضها، هي الفيتنامية الغريبة في بلد غربي.
تزوجت مرة ثانية ومات زوجها ايضاً، فثالثة، الى ان انصرفت الى اعمالها الخيرية والاجتماعية بعدما زارت وطنها، وتحديداً قريتها لرؤية من تبقى من عائلتها بعد عشرين عاماً على غيابها.
هناك، تلقت فقر مواطنيها وعذابهم اليومي كصفعة أيقظت انسانيتها الدفينة في داخلها. وقفت وقررت ان تدفن الماضي نهائياً لتعمل على المساعدة بأي ثمن. فأسست عام 1987 المؤسسة الاجتماعية "الشرق يلتقي الغرب"، وهدفها مساعدة المعوزين ومدّهم بالمساعدات الطبية. بنت المستوصفات ومراكز العلاج والمستشفيات والمياتم ومراكز الأعضاء اللصطناعية.
ولم تتخلص حقاً من ماضيها الخانق الا حينما نشرت قصة حياتها عام 1989. ثلاثة كتب بدأ الأول منها بعنوان "عندما تتبادل الجنة والأرض مكانيهما"، والثاني بعنوان "طفلة من الحرب"، والثالث "امرأة مسالمة".
وبات كتابها الأول قصة كلاسيكية تُعلّم في المدارس الآسيوية. ترجم الى 17 لغة وتحول فيلماً ناجحاً في هوليوود عام 1994، مسهماً ايضاً في التوعية على مآسي الحروب اينما كان في العالم.
ولما جالت على الريف الفيتنامي الذي تنتمي اليه، اكتشفت ان الأولاد يبقون هناك من دون مدارس، فلا الأهل يستطيعون شراء الكتب والقرطاسية، ولا المدارس مزودة بالبرامج التربوية الكفيلة بإبعاد المراهقين عن الجنوح والمخدرات، ما دفعها عام 1999 الى استحداث "مؤسسة القرية الجامعة" التي تسعى للحفاظ على الثقافة والتطور القروي، من مدارس و"قرى سلام"، ومراكز للتدريب المهني... كلها حملت عنوان: "نعمل معاً لشفاء جراح الحرب"، لأن لاي لي عرفت كيف تشفي جراحها العميقة لتنظر نحو المستقبل تاركة الماضي بعيداً، بعيداً وراءها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.