بعد فترة من وصولي الى لبنان، أرسل إلي صديقي رسالة ساخرة، عبر البريد الإلكتروني، تصور لوحة الموناليزا الشهيرة في وضعين مختلفين. الأول قبل وصولها الى لبنان، والثاني بعد وصولها بأسبوع، مذيلاً رسالته بسؤال خبيث: "وأنت، ماذا حل بك؟". كانت صورة الموناليزا قبل وصولها، مغبرة، وبدا وجهها شاحباً. ربما كانت متضايقة من أمر ما؟ عبوس ونكد. نظرات فيها من البؤس وتمنّي الخلاص من واقع متعب، ما لا أراه عادة إلا في نشرات الأخبار التي تحتفي بآخر مستجدات الوضع في الشرق الأوسط. شعر متهالك ينبع من فروة رأسها، يتوه في مكان يستقر فيه. بشرة متغضنة جرت عليها معارك ضارية على ما يبدو بين مساحيق تجميل بائدة. الكآبة تضج من اللوحة، فتحار في ضحية شتيمتك القادمة لا محالة. أهو دافنشي لرسمه اللوحة؟ أهم أولئك النقاد الذين أسهبوا في مدحها والحديث عن سحرها وعبقريتها، وخلود مبدعها؟ أم أنه صديقي الذي أرسلها إلي؟ الصورة الثانية للوحة بدت أجمل. استحال شعرها المجعد قماشة حريرية بالغة الجمال، واكتسى لوناً ذهبياً براقاً يخلب الألباب. الوجه يبدو أكثر إشراقاً الآن، ومفعماً بالابتسام. حتى ذلك المشهد الخلفي صار أحلى. باتت اللوحة تنطق بالمسكوت عنه، وتجعل كل شيء فيها جميلاً. البشرة ناعمة نضرة، لا تنتظر يوماً مشرقاً يأتي غداً، لأنها تحملك إليه بسحرها الأخاذ. شفتان حمراوان مكتنزتان، وجسد بدت عليه علامات الحيوية التي يعرفها الشباب جيداً، ما ينسيك اسمك في غمرة انشغالك ببهاء الصورة واستقصاء مكامن الجمال فيها. عادت عيناي إلى الصورة الكئيبة الأولى، ثم استعدت لحظات الفرح بمشاهدة الثانية. تنقلت بينهما لحظات، ثم قرأت تعليق صديقي بتمعن: "وأنت، ماذا حل بك؟". مهلاً. هل كنت قبل الوصول إلى لبنان هكذا؟ مغبراً أنطق نكداً؟ هل كنت شاحباً إلى هذا الحد؟ مكتئباً خائر القوى تعرّفني ملامحي بأنني الابن الشرعي للكآبة والعبوس التاريخي؟ الطامة الكبرى تمثلت في أنني عندما نظرت إلى المرآة، لأتأكد من صحة أسئلتي، لم ألحظ تغييراً ما في هيئتي. أنا لا زلت كما أنا. ربما سمنت قليلاً.