تتميز مفردة المرأة في السعودية بحساسية مفرطة، قل أن تضاهيها مفردة أخرى، إنْ على الصعيد التنظيري أو واقع الممارسة. وفي سائر العالم العربي لم يكن الواقع في تقدير البعض أحسن حالاً. ومع ترقب الأوساط النسائية في السعودية لعقد الدورة الثالثة للحوار الوطني في المدينةالمنورة، والتي خصصت لمناقشة قضايا المرأة في السعودية، ازداد توجس الأوصياء على المرأة في مختلف توجهاتهم الليبرالية والإسلامية أي الفريقين يكسب الجولة. وأن تشهد الساحة جدلاً بين أقطاب التوجهين أمر بديهي إلا أن ما قد يصعب تصوره لدى البعض هو تحول دائرة الصراع أوالتجاذب إلى باحة المدرسة الواحدة. وهذا بالضبط ما حدث عندما احتدم النقاش بين منسوبي التيار الإسلامي من الجنسين لدى تقويمهم لعمل المرأة الإسلامي في السعودية، فوجهت النساء التهم صريحة إلى الرجال بالحد من نفوذهن وتحركهن في مجالات شتى كان من واجبهن خوضها واقتحامها، مع خلاف بين الرجال أنفسهم في المجالات، متخذين من التعميم حصناً يلوذون به عن التفاصيل التي قد تثير حفيظة شريحةٍ هنا أو هناك. وهو ذات المطب أو الهوة التي سقط فيها عضو هيئة كبار العلماء السعوديين الشيخ عبدالله المطلق إذ تساءل بكل براءة عما وراء غياب السعوديات عن إعداد وتقديم البرامج الهادفة في القنوات الإسلامية الفضائية وفي إذاعة القرآن الكريم، مسفِّهاً ذرائع المانعين من ذلك بحجة أن صوت المرأة عورة، موضحاً أن نصوصاً كثيرةً من القرآن والسنّة تكشف لمن يتأملها أن صوت المرأة ليس عورة. الأمر الذي لم يرق لبعض من يرون هذه المسألة خطاً أحمر يحرم تجاوزه، إذ يفضي - بحسبهم - إلى تنازلات لا تنتهي. ولدى الحديث عن العمل الإسلامي النسائي في السعودية يبرز العديد من الإشكاليات الذي تفرضه البيئة والتقاليد، إلا أن أسماء الرويشد إحدى الداعيات المشهورات جداً على الساحة الشعبية في السعودية تدعو النساء إلى أن يتوجهن نحو العمل المؤسسي، إذ تعتقد أن "أنجح وأقوى أسلوب للعلم الدعوي يتمثل في تحقيق منهجية العمل المؤسسي في تفعيل قضايا الدعوة العامة والخاصة، وذلك بتنمية المبدأ الجماعي في التفكير والعمل والانتاج بأسلوب العمل المؤسسى الذي صار أسلوب القوة والتحدي في هذا العصر". وتبعاً لذلك طالبت بإقامة "مؤسسات دعوية نسائية متخصصة تعتني بكل الجوانب المهمة في حياة المرأة المسلمة وتعالج قضاياها المعاصرة بجهود جماعية منظمة ومتخصصة علمياً وتربوياً وثقافياً وإدارياً، وتساهم مساهمة فعالية في توفير الحصانة الفكرية والعقدية في البناء التربوي الإيماني للمرأة وتوجد المحاضن التربوية التي تخرج المرأة الصالحة الواعية" ويشاركها في ضرورة ما دعت إليه الدكتور خالد القاسم رئيس تحرير مجلة "الأسرة الإسلامية" الذي يرى أن "الاهتمام بقضية المرأة قد بدأ مبكراً مع الصحوة الإسلامية، فحظيت قضية المرأة باهتمام متزايد من قبل الدعاة والمصلحين سواء في الجانب الشرعي أو الاجتماعي، إلا أن غياب التنسيق بين المهتمين قد قلل من حظ مجالاتٍ خطيرةٍ في الاهتمام"، مشيراً إلى الجانب القانوني في حقوق المرأة وإعداد مواثيق إسلامية بخصوصها كمثال على الجوانب ذات الحظ الأقل في العناية على رغم أهميتها. الدكتور القاسم جعل غياب التنسيق الذي دعا إليه عاملاً هضم الدعاة والمصلحين حقوقهم بسبب ظهور اهتمامهم بقضايا المرأة ضيئلاً أمام المراقب والمشاهد، فهو يعتقد أن "الدعاة والمصلحين لو اجتهدوا في تنسيق قضايا المرأة بكافة أبعادها وترتيب أولويات العمل الإسلامي من جوانبه المختلفة لكان ذلك كفيلاً بأن يظهر جلياً ما يقومون به من جهد في معالجة قضايا المرأة في المجتمع عبر مجالات مختلفة" ومع أنه يرى ضرورة "إعادة ترتيب وتوحيد الجهود الإسلامية النسائية" إلا أنه قلل من إمكانية ذلك إلا إذا ساد التعاون في أقصى درجاته بين نشطاء الساحة الإسلامية أجمعين. وأما الدكتورة نورة بنت عبدالله العدوان من جامعة الملك سعود فطرقت إشكالية العمل الإسلامي النسائي في العالم العربي والسعودية من زاوية غياب الاستقلالية في البرامج والمخططات بوجه عام، وتذهب إلى أن "الهيئات والمؤسسات المعنية بالشأن الإسلامي ليس لديها تنسيق حول أجندة موحدة واضحة ومعلومة، ومعظم تحركاتها ينطوي على ردود أفعال التنظيمات المقابلة ودفاع في محاولة للمحافظة على المكتسبات والقيم". بينما تقول في المقابل "معظم الهيئات والمنظمات المهتمة بشأن المرأة في الدول العربية على اختلاف هويتها لديها أجندة موحدة في ما يتعلق بقضايا المرأة عدا المنظمات والهيئات الإسلامية" وتعزو ذلك إلى كون "المنظمات النسائية في الدول العربية تستمد أجندتها من المنظمات والهيئات الدولية، حيث تدفع الهيئات الدولية والدول الغربية ومؤسسات خاصة مستقلة مبالغ كبيرة للمنظمات النسائية في العالم الإسلامي التي تتبنى الأجندة النسوية الغربية، وتواجه العديد من الدول العربية ضغوطاً كبيرة لاعتماد مجموعة البرامج والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالمرأة، لا سيما أن معظم برامج التنمية الدولية الموجهة للدول العربية والإسلامية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببرامج المرأة ذات العلاقة المباشرة بالمنظمات النسائية العاملة في الميدان" وعلى غرار ذلك طالبت هي الأخرى "تحديد أجندة المؤسسات الإسلامية النسائية في السعودية وفقاً للمشكلات الحقيقية التي تعاني منها المرأة محلياً، بالإضافة إلى الأطروحات التي تتبناها المنظمات المخالفة، وتحديد الأولويات على ضوء ذلك من أجل إيجاد برنامج عمل منظم يجمع الجهود ويفعلها لتحقيق المأمول منها" وفي حسابها فإن "الهيئات الإسلامية النسائية في السعودية مطالبة بتبني أجندة تتعامل مع الواقع، وتتسم بقدر أكبر من الشمولية والانفتاح، وقدر أقل من الانغلاق وإدارة الظهر للمستجدات" بينما تطلعت إلى "هيئآت دعوية إسلامية تعترف بأهمية مشاركة المرأة في الشأن العام والمبادرة بتمثيلها في المجالس والنقابات والجمعيات، وذلك للدفع بأجندة هذه الهيئات من خلال القرارات والقوانين والتشريعات المحلية" وتؤكد العدوان أنها تدعو لكل ذلك في وقت ترصد فيه أخيراً وفي شكل واضح وصريح - كما تقول - "الجهود الحثيثة لعدد كبير من المهتمات بالأجندة النسوية الغربية، لتطبيق بعض بنودها في السعودية تحت شعارات مختلفة، وبالعمل المنظم من خلال قنوات متعددة رسمية وشعبية" وتضيف: "إزاء ذلك نجد فراغاً كبيراً لدى كل من الهيئات والمؤسسات الإسلامية من جهة والمهتمات بقضايا المرأة المسلمة من جهة أخرى، بسبب عدم وجود استراتيجية موحدة تنطلق منها الجهود، التي تفتقر - حالياً - إلى الرؤية الموحدة، وتتميز - سلباً - بعدم وجود تنسيق في ما بينها، وغياب أولويات محددة ينظمها برنامج عمل معد مسبقاً تشترك فيه جميع الأطراف ذات العلاقة بقضايا المرأة المسلمة" معوقات العمل الاسلامي النسائي في السعودية يكاد المهتمون يتفقون عليها إلا أن المسكوت عنه مما يعد ذكره تجاوزاً للخط الأحمر الاجتماعي كثير. لكن الدكتور سعود الفنيسان من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قارب هذا الخط فهو شارك النساء في اتهامهن للرجال بفرض الوصاية عليهن، مما قيد حركتهن وحصر دورهن في مجالات لم تحددها الشريعة الإسلامية، وطرح مثلاً على ذلك باشتراط إذن ولي المرأة لخروجها من المنزل، وإن كان ذلك الخروج لإلقاء موعظة أو لعمل يتفق معها سلفاً على ضرورته وأهميته، فرأى أن اشتراط هذا الاذن في كل مرة نوع من العبث وطالب الرجال باستصدار إذن عام لنسائهم اللاتي ينشطن في العمل الإسلامي!! وأما العائق في التنسيق بين الداعيات الإسلاميات في السعودية فأرجعته الداعية أسماء الرويشد ورئيسة اللجنة النسائية في مؤسسة الإعمار الخيرية إلى عدد من العوامل أهمها "ضعف الفهم للعمل المؤسسي لدى النساء وعدم استيعاب أهميته ومزاياه، وحداثة نشاط المؤسسات الدعوية المعاصرة وبخاصة النسائية". ومن خارج المؤسسات الدعوية النسائية انتقدت الكاتبة والأكاديمية السعودية نورة بنت خالد السعد "سطحية الخطاب الديني لدى المهتمات بالعمل الإسلامي النسائي واعتماده على إثارة المشاعر من دون الاهتمام بالتعمق الفكري، في حين أن المأمول هو مزج الخطاب بالطرح العقلي المعتمد على فهم النصوص الشرعية كما ينبغي، من خلال عقد دورات لتعليم قواعد المحاجة بالدليل، لبيان الحق، ودفع الباطل، وعبر إقامة منتديات نسائية على الانترنت لينمو الحس الحواري تدريجاً من دون ضغط بسبب الوقت أو الخجل من المواجهة واقتراح لطرق طرح مثل هذه المواضيع والجدل العلمي المنتج" وأما الأميرة الدكتور سارة بنت عبدالمحسن بن جلوي آل سعود فتشير إلى أن "شراسة الصراع القائم حالياً بين المسلمين وأعدائهم وشراسة المواجهة، دليل كبير وواضح على مدى فاعلية تحقق الوجود الإسلامي على الساحة، وأن الدعوة الإسلامية قد تمكنت من إثبات الذات في معركة التحدي الحضاري والصراع الفكري والتخلص من مركب النقص أمام الحضارة الغربية وأطروحات العولمة" فهي ترى أن العمل الإسلامي النسائي والرجالي على رغم محاولات تفتيته وتقييده "قد تمكن من إيقاظ الحس الإسلامي، كما جدّد الأمل في قدرة دين الإسلام على الثبات والمواجهة والتعامل مع المشكلات المعاصرة، وتقديم البدائل المناسبة، وحل المعادلات الصعبة" ومع ذلك فإن الدكتورة سارة لا تنكر ضعف دورة المرأة المسلمة المثقفة في الصراع الذي أشارت إليه، وإن كانت تحمّل الرجل جزءاً من ذلك الضعف أو الغياب.. وتقول: "من ينظر إلى ساحة العمل الإسلامي في هذا العصر يجد أن دور المرأة المسلمة المثقفة ما زال ضعيفاً إلى حد ما، على رغم أهمية دورها وخطورته في هذه الأيام التي اشتد فيها الصراع وتعددت جبهاته وتنوعت أنواعه الفكرية والاجتماعية والسياسية، وتفاعلت فيه القضايا المطروحة في ما يتعلق بالمرأة والدعوة إلى تحريرها ومساواتها بالرجال" وأكدت أن المرأة الداعية حتى في ظل احتدام الصراع والتدافع الحضاري الخطير - كما تصفه - "بقي تحركها محدوداً، يدور في فلك ضيق ونطاق محدود لا يكاد يؤثر في عملية تحريك عجلة الاصلاح الاجتماعي، ويوجهها الوجهة الصحيحة التي تعين على تحقيق الحصانة الفاعلة والتفاعل المنشود، فهي أي المرأة الداعية تكاد تكون غائبة عن ساحة الصراع، إذ تمارس دوراً محدوداً يتم في غالبه بالارتجالية والانفعال وغياب التخطيط الواضح" ورجحت أن المرأة "لم تعد قادرة في شكلها الحالي وجمهورها المحدود على المواجهة والصمود للتحديات المعاصرة، فضلاً عن معالجة القضايا المطروحة والتعامل معها بالشكل المناسب، بالإضافة إلى عدم تمتعها بالاستقلالية وخضوعها لسيطرة التنظيمات الرجالية مما قيد حركتها وفتح المجال واسعاً أمام التيارات الأخرى المدعومة داخلياً وخارجياً للتغلغل داخل بنية المجتمع واستقطابه لشريحة كبيرة من جمهور النساء وبخاصة الفتيات صغيرات السن مما يسر لها سلوك الطريق لإثبات وجودها وفرض مطالبها" الأميرة سارة، وإن لم تدع المرأة الداعية إلى التمرد على سيطرة التنظيمات الرجالية التي رأت أنها قيدت حركتها، إلا أنها دعتها إلى أن تثبت وجودها بقوة، وتطور قدرتها على المشاركة الفاعلة في توجيه المجتمع، وتصحيح مساره، وحمايته، وفق الضوابط الشرعية، وحقائق الواقع المعاصر.