المملكة والأمم المتحدة تطلقان حملة الإعلان عن اليوم العالمي للبيئة    بوريل: بوادر الحرب العالمية عادت من جديد    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية سويسرا    الرياض تستضيف مباحثات عربية إسلامية أوروبية حول غزة    رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي: السعودية شهدت تطورا يعكس طموحها الاقتصادي    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن فيصل بن معمر    المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة تبرم عدداً من الاتفاقيات    أشباح رقمية    منتدى الرعاية الصحية السعودي الأمريكي يحتفي بالابتكار والتعاون في تكنولوجيا الرعاية الصحية    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية النرويج    خادم الحرمين الشريفين يهنئ رئيس جمهورية توغو بمناسبة ذكرى يوم الإستقلال لبلاده.    وقاء الباحة" يبدأ حملة التحصين لأكثر من 350 ألف رأس ماشية ضد مرض الحمى القلاعية لعام 2024م    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    أمير دولة الكويت يصل إلى الرياض    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    مؤتمر أورام الكبد يختتم فعالياته بالخبر بتوصياتً هامة    النصر يؤمن مشاركته في السوبر السعودي    صدور الموافقة السامية علي تكليف الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبد العزيز التميم رئيساً لجامعة الأمير سطام    11قطاعًا بالمملكة يحقق نموًا متصاعدًا خلال الربع الأول ل 2024    رسمياً.. الزي الوطني إلزامي لموظفي الجهات الحكومية    ساعة أغنى رُكاب "تيتانيك" ب1.46 مليون دولار    محافظ خميس مشيط يدشن مبادرة "حياة" في ثانوية الصديق بالمحافظة    وزير البيئة يفتتح أعمال منتدى المياه السعودي غدًا بالرياض    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    270 دقيقة.. ويهتف «الشقردية»: نحن الأبطال    وزير الإعلام ووزير العمل الأرمني يبحثان أوجه التعاون في المجالات الإعلامية    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    برعاية الملك.. وزير التعليم يفتتح مؤتمر «دور الجامعات في تعزيز الانتماء والتعايش»    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    لرفع الوعي المجتمعي.. تدشين «أسبوع البيئة» اليوم    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    وصمة عار حضارية    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    تجربة سعودية نوعية    انطلاق بطولة الروبوت العربية    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    الأخضر 18 يخسر مواجهة تركيا بركلات الترجيح    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا المطالبة بإصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ؟
نشر في الحياة يوم 19 - 11 - 2004

يستدل من زيادة انتقاد معظم الدول النامية وبعض الدول المتقدمة، كالدول الاسكندنافية، في الآونة الأخيرة للصندوق الدولي والبنك الدولي على ان هناك قصوراً ما في أنشطة المؤسستين بخصوص عملية التنمية والاصلاح الاقتصادي والمالي في الدول النامية. والواقع ان هذا الانتقاد يمتد ليشمل طبيعة هذه الانشطة ووسائل تنفيذها وكذلك الحاكمية البنية المؤسسية لكل من الصندوق والبنك حيث تتحكم أقلية من الدول الكبرى فيهما. واخيراً علاقتهما الحالية غير الفعالة مع الأمم المتحدة، حيث هما حسب عقدهما التأسيسي وكالات تابعة لها.
في ضوء هذه النظرة الجديدة للدول النامية الى كل من الصندوق والبنك، اصبح من الضروري اختبار مدى ما تحقق من الأهداف التي من أجلها تم تأسيسهما حيث كان من أهم هذه الأهداف ضبط أنظمة النقد والمال الدولية وفق أسس سليمة ومنظمة ومتفق عليها بما يخدم مصلحة الجميع. اضافة الى ايجاد آلية محكمة ومرنة في الوقت نفسه لحركة المصادر المالية الدولية، خصوصاً ما يتعلق منها بتمويل الإعمار والتنمية في الدول النامية.
من وجهة نظر الدول النامية، لا يدعو ما تحقق من هذه الأهداف الى التفاؤل حيث اصبحت السياسات المالية والنقدية والتنموية لهاتين المؤسستين تتحكم بشكل غير قليل في"تطور الثروة الوطنية"مالية وعينية وغيرها للدول النامية. كذلك فإن صندوق النقد الدولي لم يطور نفسه ليصبح الملاذ الاخير للسيولة الدولية التي تضمن الاستمرار في سلاسة تدفق المصادر المالية الدولية لمصلحة كل الدول كما ينص على ذلك عقده التأسيسي. ولم يُطور الصندوق نفسه ليصبح عاملاً مهماً"للاستقرار"في موازين المدفوعات للدول النامية ضد أي هزات خارجية.
ومع انهيار نظام سعر الصرف الثابت عام 1971، انتهى دور صندوق النقد الدولي كراع لاستقرار اسعار الصرف في الأسواق المالية الدولية. والواقع ان الصندوق لم يقم حتى الآن بأي دور ذي اعتبار في تهيئة مناخ ملائم لايجاد نظام اسعار صرف مستقرة ونظام نقد دولي يخدم مصالح كل الدول. فبدلاً من ذلك كرس الصندوق نشاطه على كيفية المواءمة مع"الصدمات الدولية"، كصدمة اسعار النفط في السبعينات، وأوائل الثمانينات، وصدمة الديون العالمية في الثمانينات، وكذلك صدمة انتقال دول ما كان يعرف سابقاً بالكتلة الشرقية من نظام الاقتصاد المركزي الى نظام اقتصاد السوق.
وحيث ان معظم أهداف الصندوق المنصوص عليها في عقده الاساسي ما زالت من دون تغيير على رغم ما استجد في الساحة الاقتصادية والمالية الدولية من متغيرات، واصبح من الضروري ان يتفق المجتمع الدولي على اسس ومعايير جديدة لنظام نقد دولي جديد يدعم استقراراً ولو نسبياً لأسعار الصرف وانسياباً اكثر سلاسة للمصادر المالية الدولية لما فيه مصلحة كل الدول.
وفي ما يخص البنك الدولي الذي حدد نشاطه اصلاً في العمل كوسيط في أسواق المال الدولية لتعبئة المصادر المالية للتنمية بشروط ميسرة، الواضع حتى الآن انه لم يستطع الإيفاء بحاجة الدول النامية من هذه المصادر المالية. والواقع ان نظرة دقيقة للمخاطر الكامنة في اسعار الصرف توضح ان كلفة الاقتراض من البنك الدولي اصبحت منذ زمن أعلى بكثير من كلفة الاقتراض الثنائي اي اقتراض الدول بعضها من بعض اضافة الى هذا، اصبح اخيراً اقراض البنك الدولي للدول النامية سالباً، بمعنى ان مقدار سداد هذه الدول لديونها اصبح أعلى من مقدار اقتراضها منه.
كذلك ومنذ منتصف الثمانينات اصبح كل من المؤسستين يتصرف وكأنه وكيل للدول الغنية في تحصيل ديونها من الدول النامية. اضافة أصبحت قدرة الدول النامية على الاقتراض الثنائي وولوج الأسواق المالية الدولية منوطة بما تصدره المؤسستان بما يشبه شهادة"حسن السلوك الاقتصادي والمالي"لهذه الدول. والواقع أن كلاً من المؤسستين أصبح يتمتع بسلطة غير عادية في تحديد السياسات الاقتصادية والمالية والتنموية للدول النامية المدنية. وبعكس هذا فإن اقتراض الدول المتقدمة من الصندوق مثلاً يتم من دون أي شروط تذكر، أو بشروط رمزية فقط. عدا عن أن الصندوق لا يفرض أية رقابة على السياسات النقدية والمالية للدول المتقدمة على رغم ما لهذه السياسات من أثر مهم في التنمية الاقتصادية والعمالة والاستثمار في الدول النامية.
واضافة الى هذا كله تستثني حاكمية كل من الصندوق والبنك الدول النامية من أن يكون لها أي تأثير فيها. فالدول الغنية هي التي تحدد أطر الأنشطة لهما وكذلك الكيفية التي يتم بها تنفيذ هذه الأنشطة. من هذا المنطلق، فإن أي جهد دولي يرمي الى وضع أطر تعاون اقتصادي ومالي وتنموي بناءة وبما فيه مصلحة كل الدول من دون استثناء لن يكتب له النجاح طالما لم يحصل أي تغيير في هيكلية وأطر الحاكمية. والواقع إن أي تغيير ممكن يبقى منوطاً بمجموعة الدول الغنية السبع التي على رغم ان قراراتها تؤثر بشكل كبير في الاقتصاد الدولي، إلا أنها تستثني بقية دول العالم من المشاركة في صوغ أو مناقشة هذه القرارات.
وهناك ست قضايا رئيسية خاصة بسياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونشاطاتهما ترى الدول النامية بضرورة مناقشتها بشكل مستفيض بما يخدم الجميع، وهذه القضايا هي: كمية السيولة الدولية الضرورية لاستقرار النظام النقدي الدولي، ومقدار المصادر المالية الكافية لتمويل التنمية، وقضايا الديون للدول ذات الدخل المنخفض وما دون المتوسط، وشروط الاقراض، والحاكمية، وأخيراً العلاقة مع الأمم المتحدة.
من الواضح، ان هناك حاجة لمراجعة أنظمة وانشطة كل من المؤسستين، حيث ترى الدول النامية ضرورة اخضاع صندوق النقد الدولي لرقابة دولية، وضرورة برمجة أنشطته ضمن اطار مناسب وعملي لسياسات مالية ونقدية تضمن مشاركة الدول الغنية عبء الاصلاح الاقتصادي في الدول النامية. فيما يخص البنك الدولي، ويُفترض ان يتحدد دوره فقط في الاقراض الميسر والمناسب للدول النامية، بينما يتم تقليص نشاطه في السياسات التنموية لهذه الدول، حيث تؤول مثل هذه السياسات للامم المتحدة بسبب ما تتمتع به من تفويض أوسع وأشمل مما للبنك الدولي.
كذلك لا بد من تفعيل دور البنك في زيادة التعبئة للمصادر المالية الدولية الضرورية لعملية التنمية في الدول النامية، خصوصاً تلك التي لا تستطيع ولوج الأسواق المالية الدولية للاقتراض. وللتعامل مع هكذا متطلبات اصلاحية لكل من المؤسستين، لا بد من البدء بعمليات شاملة ومشتركة بين حكومات كل الدول الاعضاء ليس فقط لمراجعة وتنقيح الأنشطة الحالية للمؤسستين بما يخدم مصالح الجميع انما ايضاً لتفعيل الأنشطة الأخرى المنصوص عليها في عقد التأسيس لكل منهما. وفيما يخص صندوق النقد الدولي، تتضمن هذه الأنشطة مثلاً دعم نظام نقد دولي فعال وموزون. اما في ما يخص البنك الدولي فتتضمن دعم عملية الإعمار والتنمية حيثما أمكن في كل مكان في العالم.
وحتى تتحقق عملية اصلاح كهذه، لا بد من بعض التغييرات الضرورية في المؤسستين مثل"دمقرطة"الحاكمية والنظام الداخلي والرقابة الصارمة والمستمرة في تقويم الأداء لكل منهما. على أية حال، فإن عملية اصلاح كهذه يفترض ان تكون جزءاً لا يتجزأ من عملية اصلاح الأمم المتحدة نفسها، حيث كلا المؤسستين وكالات تابعة لها.
وترى الدول النامية ان المناقشات الخاصة بهذا الاصلاح يجب ان تتم بطريقة ديموقراطية بحيث يدلي الجميع بدلوهم لا ان تتم خلف الابواب المغلقة وبما ترتضيه الدول"صاحبة الكوتا الصوتية"الكبيرة التي تقدم قراراتها للبقية الاخرى من الدول وكأنها هي الخيار الوحيد امامها وليس عليها الا قبولها.
لقد جُردت الامم المتحدة خلال العقود القليلة الماضية من اي دور فعال يمكن ان تلعبه في عملية التنمية والاصلاح الاقتصادي في العالم، وانحسر هذا الدور في طرح الاطر النظرية لهذه العملية، هذا في الوقت الذي تتمتع فيه الامم المتحدة حسب ميثاقها بتفويض سياسي كوني وشامل وتضم في وكالاتها المتعددة افضل الكفاءات الممكن ايجادها في هذا الكون في مجالات العلم والعمل. وادى التكرار في اعادة بنية الامم المتحدة كلما اختير امين عام جديد فيها وحرمانها من قبل البعض من الدول الكبرى من المصادر المالية والبشرية الى اضعاف سلطتها حتى الادبية منها والمنصوص عليها في ميثاقها.
مقابل هذا اعطى كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي واخيراً منظمة التجارة الدولية سلطات اكثر واوسع مما لدى الامم المتحدة مع العلم ان انشطة هذه المؤسسات محدودة في مجالات معينة ومحكومة بتسلط عدد قليل من الدول الكبرى الغنية.
وعليه فان المجتمع الدولي قد يصبح معرضاً لخطر فقدان قدرات ممتازة لمؤسسة كونية تستطيع بشكل فعال القيام بالابحاث الاقتصادية والمالية وغيرها الناجعة بما يخدم الاقتصاد الدولي عموماً والنامي خصوصاً. وعليه فان من المصلحة الاستراتيجية للمجتمع الدولي ان يمنع حدوث تقلص في الدور الاقتصادي والمالي للامم المتحدة وهذا يعني دعم هذه المنظمة الكونية لتقوم بدورها في تقديم الخدمات الاقتصادية والمالية الاستشارية كما ينص على ذلك ميثاقها حيث سيصبح بإمكان كل الدول ان تدافع عن حقوقها كل في ما يعنيه.
من هذا المنظور يجب تقوية دور الامم المتحدة في القيام بالابحاث الاقتصادية والمالية وغيرها المستفيضة لمساعدة الدول النامية في ايجاد رؤية جديدة وشاملة لاتجاهات تنموية مناسبة لخدمة الجميع، وايضاً لمساعدة كل من الفريقين في المجتمع الدولي، الغني والفقير، للتعاون بشكل فعال نحو تطوير سياسة اكثر نجاعة في قضايا الاقتصاد الكلي على المستوى الدولي.
وفي هذا المجال يجب ايقاف التفسخ البطيء الحاصل حالياً في كل من"المجلس الاقتصادي والاجتماعي"للامم المتحدة ومؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية اونكتاد وكذلك الدعوات التي تطلق بين الحين والآخر من البعض لالغائها.
من الواضح ان حاكمية وانشطة كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وعلاقة المؤسستين بالامم المتحدة اصبحت مثار جدل وخلاف في الآونة الاخيرة، خصوصاً ان البعض من الدول الغنية يرفض اي تغيير في نمط العلاقة الحالية بين الطرفين، وهو ما زاد في حدة المطالبة من قبل الدول النامية بدمقرطة حاكمية وانشطة كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بحيث يتم القيام بهذه الانشطة ضمن الاطار الاوسع للسياسة التنموية التي تضعها الامم المتحدة ذات التفويض الكوني، ولوضع هذه المطالبة موضع التنفيذ هناك دعوات لعقد مؤتمر دولي للنظر في اصلاح علاقة كل من الصندوق والبنك مع الامم المتحدة بما يخدم الاقتصاد الدولي بشكل عام واقتصاد الدول النامية بشكل خاص.
اقتصادي مصرفي ومدير سابق لبرنامج النقد والمال للجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.