أوضح الدكتور مظهر محمد صالح المسؤول في "البنك المركزي العراقي" ان سياسة العراق النقدية تخضع لإشراف مباشر من سلطة التحالف الموقتة وفقاً لقرار مجلس الأمن إلا انه رأى ان البنك يمارس دوره كمؤسسة نقدية مركزية بصورة مستقلة عبر السيطرة على السيولة النقدية وتحديد اتجاهات الائتمان. وأعاد في حديث الى "الحياة" تدهور سعر صرف الدينار العراقي في الوقت الحاضر إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية المتاحة في السوق بعد فتح الاستيراد من دون رسوم جمركية وحاجة السوق إلى السلع الاستهلاكية الأجنبية. وتحدث عن فترة 3 شهور لاستبدال الدينار القديم بمختلف فئاته بالدينار الجديد ومن القيمة نفسها. وفي ما يأتي نص الحديث: هل هناك تنسيق معين أو تعاون مشترك مع الأميركيين، وما هو مدى تأثيرهم في سياسة البنك، وبالمقابل كيف يضع البنك المركزي العراقي سياسته في الوقت الحاضر؟ - ان العراق بموجب قرارات مجلس الأمن يخضع لسلطة التحالف الموقتة وبحكم الواقع تخضع السياسة النقدية لإشراف مباشر من قبل تلك السلطة، مثلها مثل السياسات التي تعتمدها الجهات التنفيذية العاملة في الدولة العراقية في الوقت الحاضر، وعلى هذا الأساس بدأ البنك المركزي العراقي يمارس دوره كمؤسسة نقدية مركزية بصورة مستقلة يقع على عاتقها تحقيق الاستقرار الاقتصادي عبر السيطرة على السيولة النقدية وتحديد اتجاهات الائتمان سواء في الفترة الحاضرة أو المنظور المستقبلي من دون ان تكون هناك أي هيمنة أو إجبار من أية جهة كانت. كيف تحللون دور البنك المركزي العراقي كمؤسسة نقدية وهل يمكن الاطلاع على سياسته النقدية الجديدة؟ - استناداً إلى المادة 40 من قانون البنك المركزي العراقي رقم 64 لسنة 1976 المعدل ينبغي ان تكون الاحتياطات الأجنبية "العملة الأجنبية والذهب وسندات الحكومات الأجنبية" تغطي نسبة لا تقل عن 50 في المئة من حجم العملة في التداول، وهذا مبدأ أساسي من مبادئ تحقيق الاستقرار وضبط نمو السيولة النقدية بما ينسجم والنمو الاقتصادي الحقيقي لكون العملة المتداولة في العراق تشكل 80 في المئة من إجمالي عرض النقد وهي حال تختلف تماماً عن حال البلدان المتقدمة مما يفقد السياسة النقدية جزءاً من فاعليتها بسبب هذا التسرب الكبير للنقد الذي تفرضه طبيعة المجتمع العراقي في تعامله النقدي والذي يرغب في الاحتفاظ بالسيولة خارج الجهاز المصرفي. في ضوء ما تقدم فان البنك المركزي في الفترة الحالية يسعى للعودة إلى الأصول التي يعتمدها قانون البنك في معالجة الدين العام الحكومي الذي يمثل حالياً كل الكتلة النقدية المتداولة وهي شيء خطير جداً، اما على صعيد المستقبل فان النية تتجه إلى إصلاح النظام النقدي سواء من حيث إدارة نظام المدفوعات النقدية او إدخال التكنولوجيا المصرفية الحديثة بربط الفروع والنشاط المصرفي آلياً في ما بينه وبين البنك المركزي، فضلاً عن إصلاح النظام النقدي نفسه عبر تحرير الدينار العراقي وفق قواعد السوق شريطة ان تتضمن السياسة النقدية استقرار قيمة الدينار العراقي وعد هذا الهدف هدفاً اساسياً وحقاً من حقوق الإنسان العراقي في استقرار دخله وثروته علماً ان البنك المركزي العراقي سيتولى استخدام ما يسمى "بالمثبت النقدي" سواء السعري او الكمي في ممارسة سياساته النقدية مستقبلا وبالشكل الذي يسهم في تحقيق الاستقرار وتشجيع النمو الاقتصادي. ما هي أسباب تدهور سعر صرف الدينار العراقي في الوقت الحاضر؟ - كما هو معلوم يعتبر الاقتصاد العراقي من الاقتصادات القوية في العالم والقادرة على تجاوز ازماتها بسرعة فائقة لكن المشاكل الراهنة والمستجدات التي حدثت في الوضع السياسي للعراق خلفت اثاراً جانبية وعلى رأس تلك الآثار توقف الكثير من مصالح النشاط الاقتصادي عن العمل وظهور بطالة كبيرة يقدرها خبراء الاقتصاد بحدود تراوح بين 50 و60 في المئة من حجم القوى العاملة. وهذا الرقم يمثل ضعف رقم الكساد العالمي الشهير الذي ضرب الولاياتالمتحدة عام 1929، مما يقتضي وقفة جادة لتنشيط قطاع العرض والإنتاج في الاقتصاد لتشغيل قوة العمل في مشاريع انتاجية يعاد تشغيلها فضلا عن المشاريع الجديدة المؤمل الشروع فيها حسب برنامج التنمية المعلن في العراق، هذا من جهة ومن جهة أخرى هنالك نسبة لا تقل عن "35 في المئة" من العرض السلعي في العراق يجري تمويلها عن طريق الاستيراد وان المصدر الأساسي لتمويل الاستيراد هو السوق بعد غياب أي برنامج حكومي واضح للاستيراد. لذا نجد ان احتياجات التمويل عن طريق سياسة الاستيراد من دون تحويل خارجي باتت تتغذى عن طريق سوق الصرف مما شجع الطلب على العملة الأجنبية المتاحة في الاقتصاد الوطني في أجواء تشجع على الاستيراد ولاسيما غياب الرسم الجمركي وحاجة السوق إلى السلع الاستهلاكية الأجنبية. وهناك عامل آخر هو تحسن قيمة فئة "10000" دينار وتزايد قبولها في التداول مما رفع حجم الكتلة النقدية الفعالة في التداول. وإزاء عوامل العرض والطلب بين الدينار العراقي والدولار الأميركي فان هذا العامل أضاف دفعاً جديداً باتجاه الضغوط الحاصلة في سوق عرض العملة الصعبة. وربما يميل بعض الناس إلى استبدال ما بحوزتهم من عملة محلية بالدولار الأميركي تجنباً من مراجعة مراكز استبدال العملة في 15/10/2002. قيمة العملة نفسها الهيئات المشرفة على استبدال العملة العراقية، متى بدأت العمل وما هي نشاطاتها حاليا، واهم ما توصلت إليه من نتائج لحد الآن؟ - قدر تعلق الأمر باستبدال العملة القديمة بالعملة الجديدة فان الهدف في هذه المرحلة توفير سيولة نقدية مماثلة للسيولة النقدية السابقة. وان العملة الجديدة ستتمتع بمواصفات الأمان من حيث استحالة تزويرها أو التلاعب بحقوق حامليها فضلاً عن كونها تملك ميزة الاحتفاظ بها لفترات طويلة من دون ان تتعرض للتلف. وفي الأحوال كافة فان العملة الجديدة يجري تصميمها وفق المقاييس العالمية المعتمدة في إصدار العملة. وسيتم استبدالها بالقيمة الاسمية للعملة السابقة أي اليد باليد والمثل بالمثل. ومن الطبيعي ان تكون هناك هيئة عليا تتولى متابعة تنفيذ إجراءات توزيعها ضمن الفترة المحددة لها التي تبدأ في منتصف تشرين الأول أكتوبر المقبل وتنتهي فترة الاستبدال في منتصف كانون الثاني يناير 2004، واشير هنا إلى ان كل شيء يسير على ما يرام وفق الخطة الموضوعة وباشرت الهيئة العليا المشرفة على استبدال العملة العراقية القديمة والجديدة أعمالها منذ تموز يوليو الماضي وسيتولى البنك المركزي العراقي والجهاز المصرفي والمالي تبصير المواطنين بخصوص إجراءات ومراكز استبدال العملة مع تأمين عملية الاستبدال بشكل ميسر وأمين في مناطق العراق شمالاً ووسطاً وجنوباً. هل يمكن وصف ما جرى من أحداث حصلت في شركة مطابع النهرين العراقية وطبيعة الخلافات التي حصلت بينكم وبين هذه الشركة في موضوع طبع العملة؟ - فيما يتعلق بالطبع المحلي يبقى هذا الموضوع من المسائل الوطنية المهمة التي نسعى إلى تطويرها ولا نرغب في التخلي عنها وهدفنا هو تحويلها في المستقبل بمستوى المواصفات العالمية للطباعة لا سيما ان المطابع الخاصة بالعملة الوطنية تتمتع بكادر فني مؤهل له خبرة في هذا المجال، والبنك المركزي العراقي حريص على الاحتفاظ بكوادره الفنية ولايمكن في أي حال من الأحوال التخلي عن هذا الجيل من الفنيين والمهندسين العاملين في مجال طبع العملة في العراق. هل يمكن الإشارة إلى الأخطاء الماضية، خصوصاً ما يتعلق منها بالسياسة النقدية وهل تم الاعتداد بها وتجاوزها؟ - هذا السؤال يتعرض لألوان وسياسات وتطورات كبيرة قسم منها يرتبط بالنظام السابق وقسم آخر يرتبط بظروف الحصار وقتذاك، لذا بات من الضروري إجراء الاصلاح النقدي الشامل والانتقال إلى مرحلة جديدة تمنح الأمل للشعب العراقي وتعطيه فرصة العيش بسعادة، وفي رأيي فإن الشعب هو الغاية وهو الوسيلة وهو كل شيء وينبغي للنظام النقدي ان يكون هو الخير الحيوي والمهم في توفير هذه الفرصة لاسعاد الشعب وتحقيق غاياته وطموحاته في ضمان الاستقرار في ثرواته النقدية وتحسين مناخ وظروف وفرص تعظيم مدخراته واستثماراته وتعظيم أدائه الاقتصادي على نحو امثل من اجل دولة الرفاهية والسلام للجميع. وربما تعرج على أخطاء الماضي بالقول ان البنك المركزي العراقي كان مجرد جسر لعبور الوسائل المالية وتنفيذها لمواجهة احتياجات النظام السابق من دون ان يكون له صوت أو حتى رأي في بناء مستقبل للعراق وفي مجال الحياة الاقتصادية له. ويمكن ان تطلق على البنك المركزي آنذاك بالخادم المطيع للنظام المالي. غسل الأموال هل لديكم معلومات عن عمليات تهريب الأموال وغسلها التي يقال ان بعض الدول تقوم بها في العراق. - موضوع غسل الأموال لا يختص بالعراق فقط، انما ينشط عادة في مناطق الاضطراب وفقدان الأمن وهو يتعلق بالجرائم الاقتصادية وغيرها من الجرائم المنظمة التي يترتب عليها ما يسمى بالأموال القذرة ولا نستبعد ان تحصل عمليات غسل أموال كبيرة في المرحلة الراهنة سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي. ما هو تأثير السياسة المالية المتبعة من قبل الدولة على سياسة البنك المركزي العراقي وما هو مدى انسجامها مع سياسته النقدية؟ - ان السياسة المالية طيلة فترة الحصار وحتى في فترة الحرب مع إيران كانت تمول عن طريق الاقتراض من البنك المركزي العراقي، فضلا عن بقية الجهاز المصرفي وان التوسع النقدي الذي يعد اداة نقدية للتضخم كان يتم من خلال عجز الموازنة، وطريقة تمويل ذلك العجز الذي يتم بنسبة 95 في المئة بواسطة الاصدار النقدي الذي يعده البنك المركزي ويمثل دينا عاماً لقاء حوالات الخزينة التي تصدرها وزارة المال. وعلى هذا الأساس باتت السياسة المالية تمثل قيدا على السياسة النقدية وهي تلغي أي دور للاستقرار النقدي أو الاستقلالية المطلوبة. ان السياسة النقدية الجديدة تستهدف تحديد أبعاد كمية وسعرية لتحقيق الأهداف التي تصب في مصلحة استقرار الدخل النقدي وخلق مناخ مستقر يشجع على الاستثمار والتقدم والتنمية إلا ان ذلك لا يلغي ان الخطة الاقتصادية للبلاد تتضمن عناصر التعاون والتوافق والانسجام بين السياسات كافة ولاسيما السياستين المالية والنقدية صوب تحقيق العدالة في توزيع الدخل من خلال ضمان الاستقرار والنمو في آن واحد. ماذا يرى البنك في مؤهلات موظفيه الحاليين وهل هناك ثمة دورات تدريبية وتطويرية تم اعتمادها لغرض تأهيل كفاءة الموظفين في البنك؟ - سياسة البنك المركزي العراقي الجديدة تقتضي بإعادة بناء كوادره وملاكاته وفق الصيرفة الحديثة وهناك تعاون سيجري مع "بنك إنكلترا" وصندوق النقد الدولي لبدء دورات تأهيلية حيث سيتعرف الموظفون من خلالها على التوجهات الجديدة في الصيرفة المركزية والسياسة النقدية التي تحصل في العالم. هل توجد حاليا آلية سوق محددة يعمل البنك المركزي العراقي من خلالها؟ وهل هناك آليات قياس حقيقية معتمدة في البنك؟ - في الوقت الحاضر شكل البنك المركزي العراقي لجاناً فنية على مستوى عال لخلق شروط السوق المناسبة ولضمان كفاءة وعمل السياسة النقدية وعلى رأس هذه الأولويات كيفية إعادة بناء السوق النقدية والمالية بما فيها سوق بغداد للأوراق المالية على أسس جديدة تمكن من الانتفاع من الأموال المعدة للإقراض سواء للأفراد أو الموازنة العامة بشكل يعكس كفاءة السوق في تخصيص الموارد ويلبي احتياجاتها من دون التدخل في آلياتها ويحسن في الوقت نفسه من احتياطي الادخار والاستثمار وهما عمودا التنمية الاقتصادية مع بناء رأس المال المنتج وفق شروط التنمية والنمو التي تقتضيها هذه الفعالية الحيوية المستدامة.