استقرار أسعار الذهب عند 2343.04 دولاراً للأوقية    فيصل بن فرحان يلتقي وزير الخارجية الصيني و وزير الخارجية العراق    رياح مثيرة للأتربة والغبار على مكة والمدينة    إسلامية جازان تقيم ٦١٠ مناشط وبرنامج دعوية خلال أيام الحج    3 شروط للتسجيل في برنامج احتضان لتقنيات الفضاء    "سامسونغ" تستعد لطرح أول خاتم ذكي    وزير الداخلية يدشن مشاريع أمنية بعسير    اتفاق محتمل بتمديد الخفض الطوعي لأوبك+    ترقية 1699 فرداً من منسوبي "الجوازات"    المملكة ضيف شرف معرض بكين للكتاب    5 مبتعثات يتميّزن علمياً بجامعات النخبة    كورنيش الخبر.. طبيعة للترفيه والاستجمام    توجيه أئمة الحرمين بتقليل التلاوة ب"الحج"    أطعمة تساعدك على تأخير شيخوخة الدماغ    الرياضة المسائية أفضل صحياً لمرضى للسمنة    محامي ترامب: سنستأنف حكم الإدانة "في أقرب وقت ممكن"    الغامدي يكشف ل«عكاظ» أسرار تفوق الهلال والنصر    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    وقاء نجران يشارك في القافلة الزراعية الإرشادية    ثانوية الملك خالد بخميس مشيط تحتفل بخريجيها لعام 1445 ه    مطار المؤسس يستقبل رحلات ضيوف الرحمن القادمين من سورية لأداء الحج    توجيه عددٍ من القضاة للعمل في محاكم الدرجة الأولى    قصص قطبَي العاصمة.. إثارة وجدل وندية    جدة تتزين لأغلى الكؤوس    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الخريف لمبتعثي هولندا: تنمية القدرات البشرية لمواكبة وظائف المستقبل    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    «الدراسات الأدبية» من التقويم المستمر إلى الاختبار النهائي !    كيف تصبح زراعة الشوكولاتة داعمة للاستدامة ؟    5 أطعمة غنية بالكربوهيدرات    لغز اختفاء «هتان» مازال مستمراً.. ومسؤول مصري ل«عكاظ»: لا توجد آثار عنف أو سرقة    "الخارجية الفلسطينية" ترحب بقرار سلوفينيا الاعتراف بدولة فلسطين    وزير الصحة يلتقي رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس"    المملكة تستضيف الاجتماع السنوي ال13 لمجلس البحوث العالمي العام القادم    كيف نحقق السعادة ؟    العِلْمُ ينقض مُسلّمات    حرب الانتخابات !    لاعبو الأخضر ينتظمون في معسكر الرياض استعداداً لمواجهتي باكستان والأردن    الحوكمة والنزاهة.. أسلوب حياة    الأمير عبد العزيز بن سعود يلتقي متقاعدي القطاعات التابعة لوزارة الداخلية والقطاعات الأمنية والإمارة بمنطقة عسير    أم الفضائح !    المعنى في «بطن» الكاتب !    تشجيع المتضررين لرفع قضايا ضد الشركات العالمية    مشاركة الرئاسة في حج عام 1445ه تأتي وفق خطة ميدانية    عبدالعزيز بن سعود يطلع على عدد من المبادرات التنموية التي تشرف على تنفيذها إمارة عسير    حيرة في الهلال لتعويض سافيتش أمام النصر    النيابة: الحكم بالسجن 5 سنوات لوافدين لتحرشهما بوافد آسيوي    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس الصومال    أمير القصيم يدشن فعاليات اليوم العالمي للامتناع عن التدخين    أمير القصيم يكرم 7 فائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز    حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة تبوك    وزير الخارجية يصل الصين للمشاركة في منتدى التعاون الصيني العربي    جانب الظل    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية    ضمن رؤية المملكة 2030 .. الهلال الأحمر يستعد لخدمة ضيوف الرحمن    جرائم بشعة بحق الفلسطينيين.. استمرار مجاز الاحتلال في خيام النازحين    تكريم الفائزين بجائزة الباحة للإبداع والتميز    6 أنشطة ابتكارية عالمية لسعوديين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المأزق الأميركي يتفاقم في العراق وبيئة المقاومة تتشكل
نشر في الحياة يوم 20 - 06 - 2003

من السهل أن تكسب معركة ولكن من الصعب أن تربح الحرب.
هذا هو مأزق الاحتلال الأميركي في العراق اليوم. لقد سقطت بغداد في 9 نيسان ابريل ولكن من الواضح اليوم أن الوضع لم يستقر في العراق، وما هو أكثر وضوحاً أنه لن يستقر لفترات طويلة وأن بيئة غنية بالدوافع نحو تصاعد المقاومة تتشكل بسرعة كبيرة في العراق ضد الاحتلال الأميركي.
إذا تصاعدت المقاومة وتنوعت ضد الأميركان في العراق فإن مشاريع العصابة التكساسية وحلفائها من المحافظين الجدد في الادارة الأميركية ستتبخر وستصبح الامبراطورية الأميركية أقصر الأمبراطوريات عمراً في التاريخ. لن يصبح العراق النموذج الديموقراطي الذي بشّر به هؤلاء في المنطقة العربية بل سيتحول كما يقول المراقبون الى فيتنام أخرى أشد ضراوة لأسباب لا تخفى، منها ان الخصم فيها مجهول، وأن أسلحة المواجهة تعددت وأن النمط الاستشهادي منها قد يكون هو الذي سيجبر قوات الاحتلال على الرحيل تاركة فوضى تعم العراق وستكون نقمة على كل جيرانه وأولهم الذين ساعدوا في احتلاله.
لن تسفر الجهود الأميركية المنحازة عن تسوية القضية الفلسطينية لأن الدلائل لا تبشر بأي خير، فإعلان الحرب "البوشية الشارونية الدحلانية" على حركات المقاومة الفلسطينية وبالذات "حماس" من دون تقديم أي مقابل للشعب الفلسطيني، ومع الانذار بإرسال قوات أميركية لمساعدة قوات الاحتلال الصهيوني في المواجهة ستتحول ساحة المواجهة العربية ضد أميركا من حدود باكستان الى أفغانستان مروراً بإيران حتى المتوسط، وستتعبأ المشاعر العربية والإسلامية ضد كل ما هو أميركي بصورة لم يسبق لها مثيل.
كان تراجع بوش المهين عن لوم شارون وموفاز بسبب محاولة اغتيال المجاهد الرنتيسي الفاشلة تحت ضغط الكونغرس وعصابة إسرائيل، رسالة الى كل العرب بأنه لا أمل في تحقيق حال عادل في عهد إدارة بوش للقضية الفلسطينية وأن من الأفضل لهم اذا لم يساندوا المقاومة والشعب الفلسطيني فعلى الأقل لا يساهموا في ذبح المقاومة وإنهاء الانتفاضة من دون مقابل، وليعلم الجميع أن الشعب الفلسطيني احتاج ست سنوات بعد اوسلو لينتفض على نتائجها، وفي ظل الاوضاع الحالية فلن يحتاج أكثر من ستة شهور لينتفض من جديد.
ان وضع القضية الفلسطينية في صورة ان المشكلة هي حركات المقاومة يشبه عملية التقمص النفسي بسبب ما يعانيه الاحتلال الأميركي في العراق، فتشابه الحالتين الفلسطينية والعراقية هو انذار لكل الاطراف ورسالة الى الجميع. المأزق الكبير للأميركيين والبريطانيين في العراق هو الفشل الضخم على الاصعدة كافة في الادارة المدنية رحيل غارنر والخطوات المرتبكة لبريمر في حل الجيش وحزب البعث والفشل في جمع الاسلحة.
وفي العثور على أسلحة الدمار الشامل، حيث تتصاعد الاصوات في بريطانيا وأميركا للتحقيق في الفضائح الاستخباراتية والسياسية التي ستكتشف خباياها مع مرور الايام والشهور من دون العثور على أية اسلحة دمار شامل في تشكيل حكومة عراقية تمثل كل ألوان الطيف العراقي وتتولى التفاهم مع الاحتلال حول القضايا اليومية ثم انهاء الاحتلال سلماً كما يدعي الأميركيون.
في فهم طبيعة الشعب العراقي وتركيبته القبلية والعشائرية ومزاجه النفسي، حيث تتوالى الاحداث التي تبين الجهل المركب والغرور المتزايد لدى قوات الاحتلال في التصدي للمقاومة العراقية المتزايدة في الفلوجة والضلوعية وغيرها، وعدم القدرة على فهم خلفيات هذه الحركات المقاومة ومن وراءها؟
في رسم مستقبل العراق تصريحات رامسفيلد العصبية حول حرمان العراقيين من التعبير عن رغبتهم في اقامة جمهورية إسلامية خوفاً من ان تكون امتداداً للجمهورية الإسلامية في ايران، وما هو البديل الديموقراطي الذي يقترحه رامسفيلد؟ لا شيء يبدو في الافق، فكل ما يتعلق بالمستقبل غائم ومجهول وغامض. ووصل القول بمنظّر الديموقراطية في المنطقة ريتشارد هاس الى القول بأن تحقيق الديموقراطية في العراق ليس سهلاً وسيأخذ وقتاً طويلاً وسيمر بمراحل انتقالية.
هذا الفشل المتراكم والمتصاعد على كل الاصعدة هو الذي يهيىء البيئة العراقية لمقاومة شرسة ضد الاحتلال وهو الذي سيدفع بكل القوى الوطنية العراقية لتبني خيار المقاومة كبديل وحيد حيث سينتهي الرهان او التفاهم مع قوات الاحتلال الى فشل كبير، قد يأخذ هذا وقتاً قصيراً أو طويلاً إلا أنه سيصبح الخيار النهائي حتى لهؤلاء القادمين علي صهوات الدبابات الأميركية.
ليست الكراهية المسبقة للأميركان، وليست الغريزة الطبيعية ضد اي احتلال، وليست حملات الرفض التي يقودها السياسيون، وليست ايران وجهودها، كل ذلك كان يمكن أن يضعف تأثيره لو نجح الأميركيون ولو نصف نجاح، ولو صدق الأميركيون ولو ربع صدق، انه الفشل المركب الذي أظهر حجم الخديعة التي سارع الى تصديقها الهاربون من جحيم صدام فكانوا في النهاية كالمستجير من الرمضاء بالنار.
يبدو السيد بريمر بعد السيد غارنر متخبطاً متحيراً في ادارة شؤون الشعب العراقي ومتخبطين في قراراتهم، يتم الدعوة الى مؤتمر وطني ثم يؤجل الى أجل بعيد غير مسمى، يتم تشكيل هيئة خماسية ثم سباعية ثم تتبخر حيث لا دور لها ولا افق مستقبلي للمشاركين فيها، يتم حل الجيش وطرد القيادات الادارية البعثية ثم يعلن بريمر الندم على ذلك القرار.
وكما هو واضح التخبط في القرارات الإدارية فإن ادارة الامن العراقي سواء للقوات الغازية المحتلة او للمواطنين تحظى باهتمام بالغ الا أنه فاق في تخبطه كل التوقعات. فلا شرطة حقيقية، وحملات نزع السلاح فشلت لأنه من الطبيعي وفي ظل غياب الامن ان يحتفظ المواطنون بسلاحهم لحماية ارواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم، وللقيام بواجبهم الشرعي والوطني بعد ذلك اذا لزم الأمر، وهو سيلزم حتماً كما هو واضح، لتحرير بلادهم من هذا الاحتلال، وهذا ما يدفع الأميركيون المحتلون لنزع السلاح الشعبي. وفي بلد تمثل العشيرة والقبيلة ركيزته الاجتماعية سيكون ثمن نزع السلاح باهظاً وسينتهي الى فشل مؤكد لأن شرف القبيلة هو سلاحها، وهيهات ان يتم نزع السلاح قبل انهاء القبيلة، ولتنتظر أميركا طويلاً قبل ان تقرر الرحيل إن هي فرضت تغيير النمط والنسق الاجتماعي للشعب العراقي.
حملات الدهم للبحث عن السلاح طالت البعثات الديبلوماسية البعثة الفلسطينية ثم مقرات الحلفاء والمقربين الحزب الديموقراطي الكردستاني / البارزاني ثم بيوت المواطنين العراقيين في المدن المختلفة، وبذلك يتم تجبيه كل العراق تدريجياً ضد الاحتلال الأميركي.
الهواجس الأميركية من التدخل الايراني في العراق تدفع الى الاسراع بتنفيذ بقية مخطط القضاء على محور الشر والتثنية بإيران بعد العراق، وفي ظل القلق الأميركي المتصاعد من الفوضى والفشل في العراق يتم تحميل ايران المسؤولية من دون دليل، والمهم هنا أن المقاومة المتصاعدة تأتي حتى الان من المواقع السنية وليست الشيعية، وكان الحديث اولاً عن "فلول حزب البعث"، و"أنصار الرئيس المخلوع صدام" وإذا بالحديث ينتقل الى "المتطوعين العرب" والمجاهدين ضد أميركا، وهذا حديث عجيب غريب وكأن الإعلام الأميركي يريد أن يقول إن الشعب العراقي راضي ومرحب بالاحتلال وأن هناك أيادي خارجية وقوى غريبة هي التي تقود المقاومة ضد الاحتلال، وهذه اهانة ما بعدها اهانة لوطنية وعقيدة كل العراقيين، وستفيق أميركا بعد ايام أو شهور على هول الصدمة حيث سينقلب كل العراقيين بمن فيهم حلفاؤها عليها وقد بدت بوادر رفض السياسة الحالية حتى من أحمد الجلبي ومن مسعود البارزاني وغيرهم وعندما تنتهي صدمة الفرح بزوال حلم الطاغية وبروز الخطر الأميركي على الجمهورية الاسلامية ايران والانحياز الفظيع لادارة بوش لجرائم شارون وعدم قدرة الأميركان على التعاطي مع ملفات العراق والمنطقة وتوالي الجرائم ضد الابرياء في العواصم العربية سينتقل الشيعة بمرجعيتهم وأحزابهم السياسية ورموزهم الوطنية الى مربع المقاومة وسينصهر الشعب العراقي كله حتى بأكراده في مقاومة وطنية تعيد ذكريات ثورة العشرين وانتفاضة الشيعة والاكراد وستغير دول الجوار حينئذ مواقفها صيانة لمصالحها الوطنية والقومية وحفاظاً على استقرار المنطقة التي تريد السياسة الأميركية زرع الفوضى فيها لصالح الكيان الصهيوني فقط وعلى حساب مصالح العرب والمسلمين والفرس والأتراك.
على أميركا ان تواجه اليوم أعباء الاحتلال وإعادة الإعمار كقوة احتلال مكروهة وعلى بلير وبوش مواجهة لحظة الحقيقة امام شعوبهم وبرلماناتهم حيث انكشف المستور من خديعة اسلحة الدمار الشامل.
وعلى الشعب العراقي ان يستمر في رفض الاحتلال البغيض سلماً وبكل الوسائل المشروعة وأن يبدأ الوطنيون العراقيون صياغة ميثاق وطني يشارك فيها كل ابناء العراق في الداخل والخارج لرسم مستقبل العراق بدلاً من تعليق الآمال على قوات الاحتلال والتفاهم معها ولماذا لا يتم تشكيل حكومة عراقية بمبادرات عراقية في الداخل والخارج تقوم بواجب التفاوض لإنهاء الاحتلال والدعاية للقضية العراقية خارج العراق، في الوقت نفس الذي يحمي فيه المقاومة المتصاعدة لإجبار الاحتلال على مواجهة الحقائق على الارض عبر استنزاف لقواه حتى يرحل سريعاً عن العراق.
وعلى ايران أن تنتبه للمؤامرات الأميركية وألا تجعل ثمن المواجهة مع أميركا هو الإصلاح الحقيقي الجاد الذي يطالب به معظم الشعب الايراني الذي انتخب خاتمي على وعد الإصلاح داخل النظام ومن داخل المؤسسة الدينية. وعلى الحكومات العربية والشعوب الإسلامية ألا تستسلم لوهم الهزيمة الساحقة امام المخططات الأميركية فهي إن شاء الله الى فشل ذريع.
* نائب سابق في البرلمان المصري عن "الإخوان المسلمين".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.