يواجه الجيش الاميركي مهمة طويلة وصعبة في اعادة بناء العراق الذي خرج لتوه من حربه الثالثة خلال اقل من ثلاثين عاماً، فالكهرباء لا تزال مقطوعة وموارد المياه محدودة، فيما لا يزال بعض المستشفيات مغلقاً. فتعزيز السلام في العراق ينتظر تحقيق وعود كثيرة لإعادة تأهيل البلاد. وكل واحد من تلك الوعود يعتبر عملية اكثر دقة وحساسية من الهجوم العسكري الخاطف الذي لم يستغرق اكثر من ثلاثة اسابيع لإطاحة نظام صدام حسين. ولا يستطيع احد ان يحدد من هو المسؤول عن الوضع على الارض. فلم يزر الجنرال الاميركي المتقاعد المدير المدني للعراق جاي غارنر العاصمة العراقية بعد، ولم يظهر أي ناطق آخر من الجانب العراقي او الاميركي لطمأنة الناس الذين يتطلعون الى وجود سلطة في البلاد. ويضع الجيش الاميركي في مقدم أولوياته في بغداد الحفاظ على الامن وتحسين العلاقات العامة بعدما سحبت قوات المارينز القتالية معظم افرادها من العاصمة العراقية نهاية الاسبوع الماضي. وفيما تمركز الجيش الاميركي في مواقع مهمة حول بغداد بدأ سكان العاصمة يشعرون بالراحة، وعاد الآلاف الى عملهم وبدأت اصوات اطلاق النار العشوائية تخف يوماً بعد يوم كما بدأت الخدمات الأساسية تعود الى المدينة تدريجاً. لكن يتوقع ان تستغرق عملية اعادة العراق الى مستوى الاستقرار الذي كانت عليه قبل الغزو الاميركي في 20 آذار مارس الماضي، عامين على الاقل، بحسب مسؤولين عسكريين اميركيين وعراقيين معادين لصدام. وقال هؤلاء ان اعادة الاوضاع المعيشية الى ما كانت عليه قبل العقوبات التي فرضتها الاممالمتحدة على العراق بعد حربه على الكويت في عام 1990، يستغرق وقتاً اطول. وكانت حوالى 20 مستشفى أعادت فتح ابوابها في بغداد تحت اشراف المارينز. وزودت محطات كهربائية صغيرة تعمل ب"الديزل" ما تحتاجه من وقود لتوزيع الكهرباء مدة اربع الى ست ساعات في كل مرة لشبكات الكهرباء في انحاء العاصمة. وبدأ عدد قليل من المحلات فتح ابوابه كما عاد حوالى 200 من رجال شرطة المرور الى عملهم. وباشرت قوات الشرطة والقوات الاميركية دوريات مشتركة. وفي مدينة البصرةجنوبالعراق سمعت اصوات اجراس المدارس تدق مرة اخرى. وأقرت السرجنت كاتي بوغوش من الشؤون المدنية في الجيش الاميركي بأن تلك بداية صغيرة. واضافت ان اعادة الحياة الطبيعية يعتمد في شكل كبير على المنظمات الاهلية. وقالت: "نحن الوسيط بين المدنيين والمنظمات الاهلية. ان اعادة الكهرباء وفتح المستشفيات هو امر ضروري وهذا يتضمن العثور على المخازن التي كان صدام حسين يحتفظ فيها بكل الامدادات ... توجد كميات كبيرة من الادوية والامدادات في مكان ما، وسيعاد توزيعها عندما يتحسن الوضع الامني. يجب ان يشعر السكان اولا ببعض الأمن". لكن الجيش بدأ تلك العملية فعلاً من الصفر. فعندما بدأ الجنود في دخول العاصمة طلبت كتيبة عسكرية اميركية مساعدة الصحافيين لمعرفة العمليات التي بدأتها المنظمات الاهلية هنا. ولم تعين واشنطن اي اداري محلي للاشراف على عملية اعادة الاعمار على رغم مزاعم بعض العراقيين بأن ذلك حصل. وحمل زعيم المعارضة المعروف أحمد الجلبي الجنرال جاي غارنر وحده مسؤولية تسيير الامور. وقال انه يتوقع ان يستغرق الامر بضعة اسابيع. لكن الجلبي خفف من تصريحاته وقال ان خطوط الكهرباء تقطعت في مناطق خطرة ونائية من العراق وتتطلب فرقاً صغيرة تحيط بها اجراءات امنية مشددة. وقال للصحافيين: "لم يتم القضاء على حزب البعث او تدميره، انهم يقومون بالتخريب هناك ولديهم اشخاص يتحركون في انحاء البلاد". وربما تصبح عملية اعادة الاعمار اكثر سرعة بعدما تم منح عقد كبير لإعادة الاعمار الخميس لشركة "بكتل" للبناء على رغم الانتقادات بأن الشركة على صلات سياسية بواشنطن. وحذر الكابتن جو فيتزجيرالد المكلف إعادة تأهيل النظام القضائي، من ان اعادة الامور الى وضعها الطبيعي في العراق ربما تستغرق عامين مثلما كانت الحال في كوسوفو بعد الحرب عام 1999. وقال ان العملية ستبدأ بإعادة الكهرباء التي تحتاجها المستشفيات، واعادة تشغيل المجاري وامدادات المياه، وتنتهي باقامة نظام قضائي وحكم القانون. ويتطلب ذلك التمحيص الدقيق في ملايين الوثائق التي نجت من القصف الاميركي وعمليات النهب وتبعثرت في انقاض المباني الحكومية. وقال فيتزجيرالد: "يجب ان نبدأ من الصفر في ما يتعلق بالمحاكم والقضاء الا ان ذلك في اسفل قائمة الاولويات". واضاف "ان توقع فترة عامين هو أمر متفائل".