عمت المهرجانات والتظاهرات الحاشدة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في "يوم الاسير" الذي يحييه الفلسطينيون في 17 نيسان ابريل من كل عام. وعلى رغم ان الاعتقال والاسر اصبحا من مفردات النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي منذ العام 1967 حيث تم الزج بنحو نصف مليون فلسطيني في السجون، الا ان فعاليات "يوم الاسير" العام الحالي أخذت بعداً أشد عمقاً بعد ان بات الاعتقال ظاهرة تغطي جزءاً كبيراً من الوعي والواقع الفلسطيني المعاش. فمنذ الاجتياح الاسرائيلي الذي بدأ أواخر آذار مارس من العام الماضي في اطار الحملة العسكرية التي اطلق عليها "السور الواقي"، اعتقل الجيش نحو 20 ألف فلسطيني ما زال ثمانية آلاف منهم في السجون ومراكز الاعتقال ومعسكرات الجيش، ومن بينهم عدد كبير من القادة السياسيين من الفصائل المختلفة و67 امرأة وفتاة فلسطينية بعضهن انجب خلف القضبان و140 قاصر وقاصرة. واشتدت المخاطر المحدقة بالمعتقلين والأسرى الفلسطينيين وبعض العرب منهم في ظل محاولات الدولة المحتلة وصم المناضلين من اجل التحرر والاستقلال ب "الارهاب" لتجريدهم من حقوقهم الانسانية والسياسية التي نصت عليها المواثيق الدولية. من الصعب، ان لم يكن مستحيلاً، ان تدخل بيتاً فلسطينياً في الضفة الغربية وقطاع غزة لم يعان أحد افراده داخل ظلمات السجون والزنازين الاسرائيلية. وترى عائلات المعتقلين الفلسطينيين انه من "الاجحاف" الحديث عن "تذكر" هؤلاء في يوم واحد فقط من السنة، فهم احياء في الذاكرة في كل لحظة ودقيقة وساعة تمر على فلذات الاكباد والآباء والاخوة والازواج، وهم يعتبرون في وجدان الفلسطينيين "ضمير الوطن". فمن من بين الفلسطينيين، صغاراً وكباراً، لا يعرف "شيوخ المعتقلين" ال12 الذين امضوا اكثر من ربع قرن من الزمن، وما زالوا، خلف القضبان مثل احمد ابو السكر المعتقل منذ العام 1976 ونائل البرغوثي وسعيد وجيه العتبة واللبناني سمير قنطار المعتقل منذ العام 1979 وابراهيم الناجي، علما ان بعضهم فقد بصره من دون ان يفقد بصيرته وتلمسه لطريق الحرية والاستقلال. وتتشعب شجون الحركة الاسيرة الفلسطينية، يتقاسمها الجرحى والمرضى في ظل سياسة الاهمال الطبي، ومنهم من ابعد عن الوطن وحتى عن زنازين محتليه، ومنهم من تتجدد اوامر الاعتقال بحقه من دون تقديمهم الى محاكم او توجيه تهم ضده تحت عنوان "الاعتقال الاداري" المستبد من قوانين الطوارئ البريطانية، ومنهم من "اعدم" بدم بارد بعد اعتقاله، وغالبيتهم تعاني من عملية "قتل" نفسي وجسدي بطيء. الأسرى المرضى والجرحى وتشير مؤسسة "نادي الاسير الفلسطيني" الى وجود 500 معتقل فلسطيني بحاجة الى عمليات جراحية وعناية طبية مكثفة، من بينهم اسرى يعانون من امراض السرطان والقلب وامراض الرئة والعمود الفقري وحالات عصابية نفسية، اضافة الى عدد كبير من الفلسطينيين الذين اعتقلوا بعد اصابتهم بجروح بالغة برصاص الجيش الاسرائيلي، بينهم من بتر احد أطرافه ومن ابرزهم سيف الدين جميعان من قرية طوباس شمال الضفة الغربية الذي اصيب بأعيرة نارية في ساقية ادت الى قطع الشريان العصبي في القدم والمعتقل منذ ايلول سبتمبر عام 2000. واستشهد ثلاثة معتقلين فلسطينيين جراء الاهمال الصحي داخل السجون، هم وليد عمرو 34 عاماً الذي كان يعاني من ازمة صدرية حادة ولم يتلق اي نوع من العلاج، ما ادى الى استشهاده في سجن نفحة الصحراوي بداية العام الحالي، وقبله الأسير حسن عبدالسلام 21 عاماً الذي استشهد داخل زنزانته في ايار مايو العام الماضي نتيجة لتعرضه للتعذيب ولضغط نفسي في "غرف العملاء" اثناء استجوابه واصيب بحالة اكتئاب وأمراض عصابية شديدة. واستشهد انس مسالمة 18 عاماً في معتقل عسقلان الذي كان يعاني من جروح خطيرة اصيب بها قبل الاعتقال ولم يتلق العلاج المناسب. ويتلقى الأسرى والمعتقلون الجرحى والمرضى أدوية مسكنة فقط لعلاج الأمراض المستعصية مثل السرطان، فيما تماطل ادارة السجون في نقل بعضهم الى مستشفى السجن، ما يزيد من تفاقم اوضاعهم الصحية داخل ظروف اعتقال تفتقد الى الحد الادنى من متطلبات العيش سواء كان ذلك في الطعام او غرف الاحتجاز، اضافة الى ان اسرى فلسطينيين حرموا من زيارات اهاليهم على مدى العامين الماضيين منذ اندلاع الانتفاضة، الامر الذي زاد من معاناتهم النفسية واحساسهم بالعزل عن محيطهم الخارجي. الاعتقال ... ثم التصفية الجسدية وتؤكد وثيقة اعدها "نادي الأسير" ان سلطات الاحتلال الاسرائيلي اعدمت اكثر من 120 فلسطينياً اعتقلوا وهم على قيد الحياة. وافادت الوثيقة التي نشرت في صحيفة "الايام" الفلسطينية ان المقصود هو ان الاعدام يعني تصفية المعتقل بعد اعتقاله مباشرة وقبل اقتياده الى مراكز التحقيق الرسمية وخارج نطاق القوانين المعمول بها رسمياً. واوضحت ان هذه العمليات تمت بأساليب عدة منها اطلاق النار بشكل مباشر على المعتقل عند اعتقاله، وهدم المنازل على السكان المدنيين، ومنع سيارات الاسعاف من الوصول لإنقاذهم، او تعذيب المعتقل ميدانيا حتى الموت. وبرزت عمليات الاعدام الميداني بوضوح خلال اجتياح المدن الفلسطينية، خصوصا رام الله وجنين حيث يتذكر الفلسطينيون اعدام خمسة من افراد الامن الوطني الفلسطيني في احد المباني وسط المدينة، وكذلك ما وثق عن اعدام 33 فلسطينياً في مخيم جنين ابرزهم يوسف احمد قبها ابو جندل في 15 نيسان ابريل عام 2002 في الأيام الأخيرة لمجزرة مخيم جنين، اذ أكد شهود وثقت أقوالهم بتصريح مشفوع بالقسم ان "ابو جندل" وهو احد افراد "القوة 17" التابعة لأمن الرئاسة شوهد وهو موثوق اليدين والقدمين والجنود يضربونه بأعقاب بنادقهم وبدا مترنحاً أو مصاباً، وعند كومة من الركام اركعوه واطلقوا عليه طلقتين ومكث ميتاً في مكانه يومين الى ان دخلت سيارة الصليب الاحمر وأخذته. وكان "ابو جندل" اعلن مراراً قبل استشهاده انه لن يستسلم، وهو احد القادة الفلسطينيين الذين دافعوا عن المخيم حتى اللحظة الاخيرة. وتطول القائمة. اعتقال مئات القاصرين وتشير تقارير اعدتها لحركة العالمية للدفاع عن الاطفال ان سلطات الاحتلال الاسرائيلي زجت بمئات القاصرين الفلسطينيين الى داخل معتقلاتها، خصوصاً معسكرات الجيش الاسرائيلي، في مخالفة واضحة للمواثيق والقوانين الدولية الخاصة بحقوق الطفل والمعتقلين عموما حيث يحظر احتجاز هؤلاء داخل معسكرات الجيش. واحتجز آخرون في سجون مخصصة للسجناء الجنائيين الاسرائيليين. ويقبع في السجون ومراكز التحقيق ومعسكرات الجيش المختلفة اكثر من 240 قاصراً فلسطينياً. اما الاسيرات الفلسطينيات فيصل عددهن اليوم الى 67 أسيرة، بينهن 9 فتيات تتراوح اعمارهن بين 14-17 عاماً، اصغرهن عايشة عبيات واحداهن ميرفت طه التي وضعت مولودها داخل السجن. وبلغ عدد المعتقلين الاداريين 1400 معتقل تجددت فترات اعتقال عدد كبير منهم بشكل دوري وشبه تلقائي كل ستة او ثلاثة اشهر من دون تهمة او محاكمة. ورافقت عمليات الاعتقال سلسلة من الاجراءات والخطوات المخالفة للقوانين، منها ارهاب الاطفال وزج افراد عائلات المعتقلين في غرفة واحدة لساعات طويلة، اضافة الى الاعتداء بالضرب على المعتقلين، كذلك هدم 15 في المئة من منازل المعتقلين بحسب احصائية "نادي الاسير الفلسطيني" الذي اشار ايضا الى ابعاد 70 معتقلاً الى الاردن بحجة الاقامة غير الشرعية، وابعاد عدد من الاسرى الفلسطينيين من الضفة الغربية الى قطاع غزة بحجة سياسة "الردع" التي انتهجتها المؤسسة العسكرية الاسرائيلية وحصلت على غطاء قانوني من المحكمة العليا الاسرائيلية. اعتقال القادة السياسيين وزجت اسرائيل بعدد من القادة السياسيين الفلسطينيين في السجون بعد محاكمتهم، ومن بينهم اعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقادة منظمات وفصائل فلسطينية، في رسالة واضحة ارادت منها الدولة المحتلة "محاكمة" النضال الفلسطيني ونزع شرعيته المكفولة في الاعراف والمواثيق الدولية التي تجيز مقاومة الاحتلال. وبدأت هذه الحملة بخطف واعتقال النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، امين سر الحركة العليا لتنظيم "فتح" مروان البرغوثي الذي مضى على اعتقاله عام ويومان، واعقبها خلال اجتياح مدينة رام الله في حزيران يونيو اعتقال نائب الامين العام ل"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، عضو المجلسين المركزي والوطني عبدالرحيم ملوح، وعضو اللجنة التنفيذية، عضو اللجنة المركزية ل"الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" تيسير خالد، ثم النائب حسام خضر وقياديي "حماس" الشيخ حسن يوسف وجمال الطويل. وشرعت اسرائيل في تقديم هؤلاء القادة الى محاكم "مركزية" على غرار ما حدث للبرغوثي وملوح ووجهت لهم جميعاً تهم بالعضوية في "منظمة ارهابية" والتورط في اعمال قتل والتخطيط لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال، شاطبة بذلك بخط جديد اتفاقات اوسلو التي وقعتها بمشاركة الولاياتالمتحدة ولاغية كل ما ترتب عنها بصورة او بأخرى اعترافها بالفلسطينيين كشعب وكينونة سياسية. واحجم القادة الفلسطينيون المعتقلون وعدد كبير من المعتقلين الآخرين عن التعاطي مع المحاكم الاسرائيلية لعدم شرعيتها وقانونيتها. غير ان اسرائيل تواصل اجراءات المحاكم التي تصدر احكاما خيالية بالاعتقال والسجن تصل مئات السنين للمعتقل الواحد. وفي ظل تفاقم اوضاع المعتقلين والاسرى الذين اكتظت بهم زنازينهم ما حمل سلطات الاحتلال على فتح المزيد منها واعادة فتح معتقلات اقيمت خلال الانتفاضة الاولى في الصحراء، تصاعدت حدة النداءات الشعبية والمؤسساتية التي تطالب بوضع قضية المعتقلين والاسرى على اولويات سلم أي اتصالات او مفاوضات مع الطرف الاسرائيلي. وشكلت اخيرا لجنة تضم عددا كبيرا من المؤسسات المحلية الدولية التي تعنى بحقوق السجين الفلسطيني للضغط باتجاه اطلاق الاسرى والمعتقلين الذين ارتفع عددهم من 1500 قبل الانتفاضة الى 8000 الآن قبل البدء بأي مفاوضات سياسية مع الدولة المحتلة.