واجهات تجارية ل6 مطارات سعودية    أوراكل لتوفير ضيافة رقمية بمنتجعات البحر الأحمر    الحضور شرط تجديد الجواز قبل 6 أشهر من انتهائه    17.5 ألف قرار إداري ل"الجوازات" في شوال    القنصل العام في لوس أنجلوس والملحق الثقافي في أمريكا يزوران الطلبة المشاركين في آيسف    تعزيز حضور الأفلام السعودية بالمحافل العالمية    مساجد وجوامع تحاكي هويّة مناطق المملكة    الفريق اليحيى: تدشين صالة مبادرة "طريق مكة" بمطار جناح الدولي في باكستان لإنهاء إجراءات المستفيدين بيسر وسهولة    نائب أمير منطقة مكة المكرمة: «لا حج بلا تصريح» وستطبق الأنظمة بكل حزم    محمد نور: غاياردو طرد لاعب الاتحاد    صراع الفوز باللقب يتواصل في الدوري الإنجليزي حتى الجولة الأخيرة    أمير جازان يرعى مراسم اتفاقية تعاون بين مديرية السجون وجمعية التوعية بأضرار المخدرات بالمنطقة    توقعات بأحكام صارمة ضد قادة إسرائيل    ناشئو الطائرة للآسيوية بالعلامة الكاملة    «التجارة»: بعض أصوات ناخبي غرفة الرياض «غير نظامية»    أمير الحدود الشمالية يرعى ندوة «جهود المملكة في محاربة الإرهاب والتطرف»    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران توقّع مذكرة تفاهم مع جامعة نجران    وزير الصحة يلتقي سفير جمهورية جيبوتي لدى المملكة    استكمال السوق العربية المشتركة للكهرباء خلال 13 عاما بعد موافقة 22 دولة    وزير الدولة للشؤون الخارجية يستقبل سفير كازاخستان المعين لدى المملكة    يوليو المقبل.. إطلاق خدمة حماية الأجور لرواتب العمالة المنزلية    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    تخصيص خطبة الجمعة للتوعية بأنظمة وإرشادات الحج    الغيلاني وطاشكندي يحوزان جائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية    النيابة: إيقاف مواطن احتال على ضحاياه بالاستيلاء على مجوهراتهم    القبض على 3 أشخاص لنشرهم إعلانات حملات حج وهمية    وفاة أول رجل خضع لعملية زراعة كلية من خنزير    أمير القصيم يقلد العسعوس رتبته الجديدة "لواء"    النفط والذهب يتراجعان    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز    أمير المدينة يتفقد مركز الترحيب واستقبال الحجاج    محافظ الأحساء يستقبل سفير باكستان لدى المملكة    غيابات الهلال أمام النصر في ديربي الرياض    سيفول رحمات: مبادرة طريق مكة سهلت رحلة الحاج    بنك التصدير والاستيراد السعودي يوقّع اتفاقيتين لتمكين الصادرات السعودية غير النفطية    تحت رعاية ولي العهد«سدايا» تنظم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي سبتمبر المقبل    مساعدات طبية وغذائية ل3 دول من "سلمان للإغاثة"    السعودية.. وخدمة ضيوف الرحمن    السعودية و31 دولة تشارك في تمرين «الأسد المتأهب»    «الزعيم » لا يكل ولا يمل    جامعة «مالايا» تمنح العيسى الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية    «البلدية»: إيقاف وسحب «المايونيز» من أسواق المملكة    نحو سينما سعودية مبهرة    جامعة الملك سعود تتوّج ببطولة الرياضات الإلكترونية للجامعات    نسيا جثمان ابنهما في المطار    إبادة بيئية    تحسينات جديدة في WhatsApp    الذكاء الاصطناعي يتعلم الكذب والخداع    إنقاذ ثلاثيني من إصابة نافذة بالبطن    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    كبسولة السعادة .. ذكرى ميلادي الرابعة والأربعون    تنمية المواهب في صناعة الأزياء محلياً    لؤلؤ فرسان .. ثراء الجزيرة وتراثها القديم    بعض الدراسات المؤرشفة تستحق التطبيق    الهلال يوافق على انتقال بيريرا لكروزيرو    روتين الانضباط وانقاذ الوقت    المراكز الصحية وخدماتها المميّزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دورة أخرى موسم آخر
نشر في الحياة يوم 23 - 03 - 2003

سألتنا كأنما تستكمل حديثاً: ماذا اشتريتم من اجل الحرب؟ فضحكنا اذ فاجأتنا تلقائية التعبير: كأنما نتحدث عن رحلة سياحية. او عن العيد. او عن عرس. او عدم قدوم الشتاء. او عن "دورة السنة".
دورة السنة هي عيد النوروز. كان الناس في ازمان سابقة يستعدون له باجراء حملة تنظيف شاملة: تُصبغ الجدران ويبيّض النحاس وتغسل الأفرشة والبسط وتندف الحشّيات. لكي تأتي السنة الجديدة فترى كل شيء نظيفاً بهيجاً.
نحن ايضاً قمنا بحملات غسيل شاملة، فقد لا نجد ماء لفترة لا نعلم امدها. ففي الحرب السابقة غسل الناس ملابسهم على ضفاف الأنهار، بل شربوا من مياه الأنهار.
واشترينا. بالطبع. لا بد ان نشتري لكي لا نقول اننا لم نفعل فنندم حيث لا ينفع الندم. لكن ما الذي نشتريه؟ في الحرب السابقة مرأنا الفريزات بالأطعمة المجمدة. فقد تحسبنا لشحة الوقود وانقطاع الطرق، ولم نتحسب لانقطاع الكهرباء. فخبرة الحرب "قبل السابقة" لم تفدنا في انقطاع طويل للكهرباء.
ما الذي حصل؟ المضحك المبكي. ذهبت الكهرباء. اما نحن فسمعناها تقول: الى اللقاء. لكنها في الواقع قالت: وداعاً. وانتظرنا حتى ساح كل كل جامد عزيز وثمين علقنا عليه الآمال للصمود في وجه الجوع. الموت ليس مشكلة. كل واحد يموت. لكن الجوع! العطش!
اليوم نعرب كلنا عن حكمة وبعد نظر فلا نفكر بالكهرباء. الغيناها من حسابنا. فلا أحد ينوي تكرار ذلك المشهد القاسي. مشهد السباق مع ذوبان الجليد والانهماك في تنظيم الاكل حتى لم يعد من مجال فانتصر الذوبان وفسدت الاطعمة. وما كنا نأمل ان يسعفنا لشهور تبخّر في اسبوع.
ولا احد يفكر بمنطق المفارقات. ان لا تنقطع الكهرباء مثلاً! لا. لا احد يغامر. لا احد يفكر في الغنائم. فلم الغنائم، ما المناسبة؟
اما الماء! قالت لي بافتخار لا مزيد عليه انها ملأت كل اناء اعتباراً من الخزان حتى زجاجات البيبسي الفارغة. قلت لها لعلها نسيت ان تملأ "الكشتبان"، فقالت انها ستملأه حين "يحين الوقت".
كثيرون حفروا آباراً. صحيح انه يكلّف مالاً لا يستهان به، لكن الإشكال في الطاقة. والموتورات الكهربائية تملأ الاسواق. لكن من يفكر بالكهرباء؟!
نفكر بالمضخات اليدوية. تلك التي لا ذراع لها يُضغط صعوداً ونزولاً فيتدفق الماء، وهذه نادرة، وقد قفزت اسعارها قفز الجنادب تحت ضوء القمر.
قالت الجدة انها تعرف هذه المضخات. فقد أُهديت واحدة منها لجدّها حين كانت هي في الخامسة من عمرها وكان ذلك في ثلاثينات القرن العشرين. آنذاك كانت المضخة اليدوية آخر صيحة في تقنيات رفع الماء من البئر قياساً بالطريقة اليدوية. اما الكهرباء فكانت وليدة يقتصر استخدامها على الاضاءة.
اقترح احدنا التأمل في دروس تاريخنا وعبره وتجاربه العلمية، ومن اهمها طريقة سقي "الجنائن المعلقة" في زمن لم تكن فيه مصادر طاقة مصنوعة او مستولدة من مادة طبيعية.
فماذا لو صممنا روافع تدار بقوة الحيوان: ثور، بغل، حمار؟ مع كل المخاطر المترتبة على ذلك مثل حراسة الحيوان وإطعامه وتدليله والوقوع تحت سطوة مزاجه. وقد يحدث ما لا تحمد عقباه فيسخّرنا هو لنضخ له الماء من البئر.
اما الجنائن المعلقة فأمر آخر. وما ادرانا. فقد يكون آلاف من العبيد قد جُندوا آنذاك لرفع المياه بالحبال على مدار الساعة ليتحولوا في النهاية الى مصدر متدفق متواصل للطاقة، كالتيار الكهربائي.
او ان اسراباً من السقائين كانوا يصعدون عبر انفاق مخفية كأسراب من نمل مبرمج على اتباع غريزة السعي بلا توقف يغذون انهاراً رقراقة تديم اخضرار الجنائن.
فما شأننا بذلك كله. نعود الى سياسة ملء الأواني وترك الهواجس تجري في اعنتها. فقد لا تنقطع المياه. وقد نموت في حال اندلاع الحرب فتُحَل مشاكلنا على اكمل وجه. ومن لم يمت في حرب مات بغيرها.
ولكن… قد لا نموت! يا للكارثة.
علينا بالشراء. هذه هي كلمة السر. الكل يشتري ولا احد يكف عن الشراء. كل جافّ. كل معلّب. كل ما لا يحتاج حفظه الى طاقة وطبخه الى الكثير من الماء.
والطاقة؟ عبئوا الغاز والنفط ولا تترددوا. ولا تنسوا البطاريات الجافة. واملأوا أوانيكم بالماء.
الماء لا يُحفظ ولا يُخزن. كل شيء يمكن حسابه وتقدير الحاجة اليه الا الماء. فما الذي يكفي اي كائن من الماء؟ ولأي قدر من الوقت؟ احزروا. خمّنوا.
أصفّ الزجاجات والغالونات فاجدها قليلة تثير الشفقة. أبهذه الاواني البائسة سنواجه اخطار حرب كونية في العام الثالث من الالفية الثالثة؟
يحذرني الجميع: اكبحي خيالك! فأمتثل في الحال وأحاول التركيز فلا استطيع. وماذا عن الدواء؟ والطوارئ الصحية: عمليات، حوادث، مرض؟ وماذا عن الموت، أليس حادثة من حوادث الحياة!؟
ذلك اننا نعيش. سوف نعيش.
لكن، لا احد يفكر بالوجود الآتي على انه حياة. انه ليس بحياة ولا موت. وقت الحرب لا يحسب من الحياة فهو انتظار للموت وتربص به. وقت في منطقة ما بين الحياة والموت، اذا ما ركّزت فيه البصر والبصيرة تدوخ وتهمد همتك وتستصغر كل خطير فيه وتنصرف عنه الى نومة اهل الكهف. اما اذا اهتديت الى الانضواء مع الآخرين في ما هم فيه، فانك لن ترى، لا الحياة في طرف الوقت ولا الموت في طرفه الآخر، مستمتعاً بغبش الرؤية والانهماك باللحظات تقودك الواحدة نحو الاخرى كما تقود الأم خطوات الطفل الاولى.
ولعل ذلك سر المرور في ازمان الحروب والخروج منها.
تضحك مني هواجسي ووساوسي واواني الماء والمصابيح النفطية، وتحيلني الى نشرات الأخبار التي تحدد لي موعداً جديداً حاسماً، كالعادة، ونهائياً كما يجدر به، ومدججاً بالمخاطر كما يليق بنذر الهلاك!
بغداد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.