فجأة أصبح تمويل الإرهاب قضية في أهمية الإرهاب نفسه، ومنذ أشهر وأنا أقرأ أخباراً وتقارير ربما عدت بنقطة البدء فيها الى أيلول سبتمبر الماضي عندما نظرت اللجنة القانونية الفرعية للإرهاب والتكنولوجيا والأمن الداخلي في الموضوع. كان ماثيو ليفيت، وهو اعتذاري شاروني من أحقر الأنواع أدلى بشهادة أمام اللجنة الفرعية وضعتها جانباً بعد أن وزعها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. وعدت اليها بعد بضعة أسابيع عندما وزع المعهد محاضرة ألقاها ديفيد اوفهاوزر، المستشار العام لوزارة الخزانة رئيس لجنة تنسيق السياسة الخاصة بتمويل الإرهاب في مجلس الأمن القومي، في منتدى السياسة الخاص للمعهد. كانت هناك تقارير أخرى وأخبار وكتب، إلا أنني سأعود اليها بعد مقارنة جهد ليفيت واوفهاوزر عن موضوع واحد. ليفيت انطلق من التزامه الاسرائيلي الكامل، على حساب كل ولاء آخر، وزعم أمام اللجنة ان كل جمعية اسلامية سمعت باسمها في الولاياتالمتحدة هي واجهة لمنظمات ارهابية، أو تمول الارهاب. وهو لم يتوقف عند هذا الحد، وإنما زعم ان المملكة العربية السعودية تمول الجماعات الاسلامية المتطرفة في الولاياتالمتحدة التي تمول بدورها الارهاب. وكانت مصادره من نوع ان عملية تنصت ايطالية على أعضاء خلية للقاعدة في أوروبا سجلت ان عضواً كبيراً قال مطمئناً احد العاملين له: "لا تقلق ابداً على الفلوس، لأن مال السعودية هو مالك". أموال السعودية لعامل صغير عند عامل كبير في القاعدة جرى التنصت عليهما في ايطاليا ووصل التسجيل الى اميركي اسرائيلي؟ ليفيت يقبل هذا السخف لأنه يناسب هواه، ثم يعترض ان ادلته هذه لم تلق اذناً صاغية من فيليب ريكر الناطق بلسان وزارة الخارجية الذي امتدح التعاون السعودي في الحرب على الارهاب وقال ان الولاياتالمتحدة ترحب بالجهود السعودية لمراقبة تمويل الارهاب والتصدي له. اوفهاوزر، في المقابل، تحدث بموضوعية كممثل لبلده، لا اسرائيل، وشدد على خطر الإرهاب، وقال ان الحكومة الأميركية قررت استهداف تمويل الارهاب كوسيلة لاجهاضه، وقد أوقفت ثلثي تمويل القاعدة. وعندما أشار اوفهاوزر الى المملكة العربية السعودية امتدح تعاونها في مكافحة تمويل الارهاب، وأعطى تفاصيل محددة، ليس بينها تنصت بين مجهولين في ايطاليا، كما سجل ضد السعودية عدم ملاحقة أفراد، ثم قال ان التعاون السعودي زاد كثيراً بعد إرهاب أيار مايو الماضي في الرياض، وعاد فلاحظ ان الاهتمام السعودي منصبٌّ على المسائل المحلية في مكافحة الارهاب قبل غيرها. المسؤول الأميركي سجل ما للسعودية وما عليها من وجهة نظر بلاده، وكان واضحاً أن حكومته مرتاحة للتعاون. أما ليفيت ففاضت نفسه بما فيها من نتن ليكودي، فهو يريد أن تبقى في الولاياتالمتحدة الجمعيات اليهودية اليمينية التي تمول ارهاب حكومة شارون ضد الفلسطينيين. على كل حال موضوع تمويل الارهاب عاد الى الصدارة هذا الشهر، بعد صدور تقرير لمكتب المحاسبة العام، وهو جهاز رقابي تابع للكونغرس قال ان السلطات الفيديرالية لا تزال تجهل كيف تنتقل أموال الارهابيين، وكيف العمل لوقفها. وأضاف ان مصلحة الضرائب لم تطور بعد خطة لتبادل المعلومات مع سلطات الولايات عن الجمعيات الخيرية الخاضعة للتحقيق. قرأت تحقيقاً عن جهد مكتب المحاسبة العام في 12 من هذا الشهر في "نيويورك تايمز"، وقد ردت "واشنطن بوست" بخبر أكثر تفصيلاً بعد يومين الى تعويض عن تأخرها. وقرأت انه على رغم التقصير العام فقد جرت تسمية 272 شخصاً كمؤيدين للارهاب، كما جرى تجميد 138 مليون دولار من حسابات الارهابيين، بينها 75 مليون دولار للقاعدة وحدها. وخلا خبرا الجريدتين من أي تهم ضد المملكة العربية السعودية كالتي أوردها ليفيت، مع ان الجريدتين، وهما الأكثر صدقية وقدرة في الولاياتالمتحدة، ما كانتا ستهملان مثل هذه النقطة المهمة لو وجدت. لست هنا في معرض الدفاع عن المملكة العربية السعودية، ولا هي تحتاج الى دفاعي، فما يهمني من موضوع تمويل الارهاب هو أن تنجح السلطات الأميركية في تجفيف موارده بالنسبة الى القاعدة، فهي منظمة ارهابية بالكامل. الولاياتالمتحدة تعتبر حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي منظمات ارهابية، وهذا موقف اسرائيلي، فأنا سأعتبر هذه المنظمات الاسلامية ارهابية في اليوم الذي تقاتل فيه اميركيين او تهدد مصالح اميركية. وطالما انها لا تفعل، وطالما انها تركز في حربها على اسرائيل وداخل ارض المواجهة فقط، فهي حركات تحرر وطني، وقد رجوت الاخوان في حماس والجهاد مرة بعد مرة وقف العمليات الانتحارية، وقلت انها تضر بقضيتهم. ورأيي انه مهما كانت القضية عادلة، فهي لا تبرر قتل نساء وأطفال، لذلك لا أزال أدعو الى وقف هذه العمليات فوراً، ومن دون شروط. وقد لاحظت ان اوفهاوزر اعترف في محاضرته بأن حماس وحزب الله تقدمان خدمات اجتماعية مهمة، خصوصاً في فلسطين، بل انهما الحكومة الفعلية في بعض المناطق التي تعملان فيها من ناحية تقديم الخدمات الضرورية. شخصياً، أعتقد ان على جميع الدول، وليس المملكة العربية السعودية وحدها، مساعدة الولاياتالمتحدة في حربها على تمويل الارهاب. فحرمان الارهابيين من المال يعني كسب نصف المعركة. ولو انصفت الادارة الأميركية لأوقفت الجمعيات اليهودية التي تحول الأموال الى اسرائيل، مع وجود حكومة ارهابية فيها، فقد كان تحويل المال الى اسرائيل مقبولاً واسحق رابين رئيس الوزراء، أما عندما يكون آرييل شارون في الحكم، فكل مال يصل الى يده ينفق على قتل الأبرياء والتدمير والاجتياحات. واذا اراد القارئ مزيداً من المعلومات فهناك كتب، منها "الجهاد العصري: رصد الدولارات وراء شبكة الارهاب" من تأليف لورينا نابوليوني، وهي اعتذارية أخرى لاسرائيل تزعم ان لمنظمة التحرير الفلسطينية ثروة تراوح بين ثمانية بلايين دولار و14 بليوناً. وأقول "ان شاء الله" مع انني والقارئ لاحظنا ان المؤلفة دقيقة الى درجة ان الفارق بين الرقمين ستة بلايين كاملة. مع ذلك هناك معلومات اخرى مفيدة في الكتاب، والارهاب حقيقي، وقطع اسباب تمويله عمل اساسي في جهد مشترك لدحره في كل بلد.