تنعقد القمة المغاربية أو لا تنعقد. يكون مستوى الحضور فيها رفيعاً او اقل. ليس المشكل هنا، فالأصل في القمم التي تتجاوز نطاق المنتديات السياسية ان تخرج بقرارات وتلتزم مواقف، لكن حين يصبح مجرد الانعقاد الدوري مشكلاً فإنه يصعب توقع ان تكون القرارات اكثر فعالية. لذلك فإن قمة الجزائر حكمت على نفسها، وزاد في تعقيد ظروفها ان الخلاف لم يعد قائماً بين المغرب والجزائر فحسب حول قضية الصحراء، وإنما انضاف اليه الخلاف الليبي الموريتاني من دون اغفال ان العلاقات بين دول الاتحاد في مجملها ليست خالية من خلافات. في نفس توقيت القمة المغاربية تستضيف الكويت قمة دول مجلس التعاون الخليجي. وفي اقل تقدير ان منطقة الخليج التي تستقطب الاهتمام الدولي عانت وما زالت من ازمات اكبر لا مجال لمقارنتها بما يحدث في منطقة الشمال الافريقي، اقلها انها عرفت حروباً وتداعيات، لكنها حافظت على سلاسة انعقاد القمم الخليجية حتى وسط الخلافات. وكان المغاربيون يعولون على ان يكون اتحادهم اطاراً للتعاون والحوار مع المجلس الخليجي. تماماً كما ما زالوا يراهنون على ان يصبح فضاء للتفاوض مع بلدان الاتحاد الاوروبي التي انتقلت من الوحدة الاقتصادية الى البحث في اقرار دستور اوروبي. الا ان المغاربيين الذين كانت بلدانهم خالية من التمييز بين الحدود والفضاءات عجزوا عن تحويل هذا المعطى التاريخي والجغرافي الى واقع. والأمل في ذلك تغليب النزعة القطرية على البعد الوحدوي. وحتى حين راهنوا على ان يكون الاتحاد المغاربي اقل من وحدة شاملة وأكثر من اطار للتنسيق السياسي وجدوا ان الامر لا يعدو ان يكون شعاراً، فالاتفاق الحاصل في الترويج للاتحاد المغاربي، كخيار استراتيجي لا بديل منه، لا يجد صداه في الواقع. الى وقت سابق كان المغاربيون يرددون ان اطرافاً خارجية لا تريد للاتحاد المغاربي ان يكون، أقلة لإضعاف الموقف التفاوضي لأطرافه مع الشركاء الاوروبيين وغيرهم. ويستدلون على ذلك بأن اتفاقات الشراكة مع الاوروبيين احتاجت الى مفاوضات شاقة بين كل دولة على حدة والبلدان الاوروبية. وكانوا يرون كذلك ان الرؤية الاميركية لناحية الاقتصار على طرح خطة شراكة اقتصادية مع كل من المغرب وتونس والجزائر واستثناء ليبيا وموريتانيا تسبب لهم بعض الحرج. الا ان الدعوات الاميركية والاوروبية التي ارتفعت منادية الى تكتل بلدان الشمال الافريقي هذه المرة تفند هذه المقولات. وليس اكثر دليلاً على ذلك من ان الأزمة الليبية الغربية في طريقها الى الاستيعاب، حتى وان كان الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بدأ حواره والبلدان الغربية على خلفية التلويح بالانتساب الافريقي لبلاده على حساب الهوية المغاربية والعربية. ومع انه يمكن الحديث فعلاً عن مناخات أوروبية اميركية على مواقع النفوذ في منطقة الشمال الافريقي، فإن الغائب عن هذه المنافسة هو الموقف المغاربي الذي في وسعه ان يؤثر في سياق تكييفها لفائدة المصالح المشتركة للبلدان المغاربية لولا انه اسير نظرة احادية. فالأمن والاستقرار باعتبارهما شعار الانجذاب الى المنطقة يضمنها الحوار المغاربي اولاً، طالما ان الطريق الى ذلك تمر حتماً بتطبيع العلاقات ايجاباً ودعم التوجه الديموقراطي وترسيخ مبدأ المشاركة والتداول على السلطة. وثمة استحقاق يبدو اليوم امام العواصم المغاربية اكثر اهمية. انه استحقاقات الرئاسة في كل من الجزائر وتونس، وليس في الامكان القفز على تداعيات انتخابات الرئاسة الموريتانية التي تحولت من قضية داخلية الى اتهامات مغاربية. يفترض في العلاقات المغاربية ان تكون رادعاً امام اي انفلات امني او سياسي، اقلة تحويل الفضاء المغاربي الى مجال للتعايش وتبادل المنافع والاتفاق على الأولويات، وقد يكون مشكل الاتحاد المغاربي انه ليس اولوية، طالما انه لم يتحول فعلاً الى خيار استراتيجي.