لاشيئ يوحي بأن اليوم سيكون مختلفاً في منطقة الشمال الافريقي، انه يصادف الذكرى ال 13 لتأسيس الاتحاد المغاربي. لكن الاتحاد غير قائم في الواقع، وتعطلت آلياته نتيجة الخلافات السياسية، خصوصاً بين المغرب والجزائر، مركزي الاستقطاب في التجربة. ويزيد في تعقيد الموقف ان علاقات البلدين اصبحت بعيدة عن مربع الوفاق. فالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة اتهم المغرب الاسبوع الماضي بأنه بضمه المحافظات الصحراوية كان يقارب "غزو العراقالكويت"، وردّت الرباط بأنها استعادت المحافظات الصحراوية بمنهجية الشرعية الدولية. واقرب تداعيات تبادل الاتهامات ان فرص تحسين علاقات البلدين أصبحت بعيدة، وليس وارداً ان تنعقد القمة المغاربية في الجزائر من دون احراز تقدم في احلال الوفاق المغربي - الجزائري. وبالتالي يكون الرهان على معاودة تفعيل الاتحاد المغاربي مجرد دغدغة عواطف على رغم كونه خياراً استراتيجياً لا بديل عنه. بدأ الاتحاد المغاربي عام 1989 على خلفية وفاق أقرّه الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد. كان في مقدم نتائجه معاودة ترسيم الحدود بين البلدين وانتقال الصحراء الى قضية مغربية صرفة. وعزز الخيار ان الزعيم الليبي العقيد معمر القدافي دعا بوليساريو الى تشكيل حزب سياسي معارض في المغرب. لكن الوضع الراهن يبدو مختلفاً، فالحدود البرية بين المغرب والجزائر مغلقة، وخيار الحل الثالث في الصحراء يواجه معارضة الجزائر وبوليساريو، وخطة الشراكة الاميركية المقترحة على تونسوالجزائر والمغرب وضعت في ثلاجة الانتظار، ولاشيئ يوحي بأن الاتحاد المغاربي يمكنه ان يصبح محاوراً نداً للاتحاد الاوروبي، بل ان ما كان يعول عليه من اقامة اتحاد في منطقة الشمال الافريقي يوازي مجلس التعاون الخليجي ويتعاون معه، لم يتحقق. وبذلك تكون تجربة الاتحاد المغاربي فشلت اقليمياً ولم تجد لها متنفساً اوروبياً او عربياً او اميركياً. المآسي تصنع التجارب الانسانية، والاوروبيون اختاروا الوحدة بديلاً من التضامن. لكن المنطقة المغاربية بقيت اسيرة غياب الارادة السياسية، ولم ينفع قربها من اوروبا في استلهام الابعاد الاستراتيجية للبناء الموحد. وربما كان الخطأ في الاتحاد المغاربي انه تأسس في غمرة انتشاء سياسي. ولو ان الموضوع تحول الى استفتاءات تضع الرأي العام المغاربي في صورة الرهان لأدرك القادة المغاربيون انهم مطوقون بأمانة ديموقراطية تكون موضوع محاسبة تاريخية، لأن الحل المغاربي يظل حلاً ديموقراطياً بامتياز. مصدر الخلل في التجربة انها استمدت المقاربة التاريخية والجغرافية وعوامل الانتساب في منطقة لم تكن بينها فواصل وحدود. وغاب عنها ان الاتحاد الاوروبي تأسس على خلفية وفاق سياسي واقتصادي بين المانيا وفرنسا في الدرجة الاولى على رغم ما ساد علاقاتهما من حروب وصراعات، وان هاجس البناء الاوروبي تعمق ديموقراطياً وجمع بين توجهات الحكام والشعوب. لكن الاتحاد المغاربي الذي كان ينعته بوتفليقة قبل توليه الحكم بأنه "مجرد نقابة رؤساء" توقف عند اول اختبار، فلا هو انتقل الى تكتل اقتصادي يصمد في وجه الهزات السياسية، ولا هو اصبح نادياً سياسياً للمشاورات، لكنه مثل قبعة ساحر في كل مرة يستخرج منها منديل او ورقة لعب في انتظار الارنب. والساحر الحقيقي من يستطيع اذابة الخلافات السياسية حتى بوثبات الارنب.