"النمسا" تُجهّز الهلال لمنافسات الموسم الجديد 2024-2025    تأهّل الحزم والنور والابتسام والصفا إلى نصف نهائي بطولة المملكة لكرة اليد الشاطئية للكبار    بعثة الأخضر تزور صالة مبادرة "طريق مكة" في مطار إسلام آباد الدولي في باكستان    الجبير يرأس وفد المملكة المشارك في الحدث رفيع المستوى بشأن العمل من أجل المحيطات        المملكة عضواً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي (ECOSOC) للفترة 2025-2027م    100 ألف زائر في كرنفال القادسية الأسطوري    نائب أمير مكة يتفقّد سير العمل الميداني والخدمات المقدمة للحجاج في «صالات الحج»    الدفاع المدني ينفذ فرضية حريق بالعاصمة المقدسة    انطلاق الدورة العلمية الكبرى تحت عنوان "التوحيد في الحج"    منصور ابو شهران في ذمة الله    فرع هيئة الصحفيين بمكة ينظم ورشة الإعلام في الحج    يزيد أبو نيان يعلن سحب ملفه من انتخابات الهلال ويؤكد دعمه الكامل لفهد بن نافل    «هيئة النقل» تنفذ أكثر من 98 ألف عملية فحص حتى بداية شهر ذي الحجة    ضيوف المليك: استضافتنا للحج امتداداً لأعمال المملكة الإنسانية    أبطال العالم: أبهرتونا    «الأرصاد» ينبه من شبورة مائية على محافظة ينيع ومركز الرايس    ضبط (3) مواطنين بالشرقية لترويجهم (5.5) كجم من مادة الحشيش المخدر    إحالة مدير شركة إلى النيابة للاشتباه بجرائم احتيال مالي    نائب رئيس جمهورية جامبيا يغادر المدينة المنورة    بتوجيه ومتابعة الأمير خالد بن سلمان.. «الدفاع» تنهي استعداداتها لدعم خطط الأجهزة الأمنية في الحج    بوتين يدعو إلى نقل مقار بعض الشركات الكبرى خارج موسكو    الحكومة اليمنية تدين حملة اختطاف الحوثيين لعشرات الموظفين الأمميين    جامعة الملك خالد تتقدم 160 مركزًا في تصنيف QS العالمي للجامعات 2025م وتحقق المركز 601    بايدن يعتذر لزيلينسكي عن تعليق المساعدات الأمريكية 6 أشهر    «الأحوال»: منح الجنسية السعودية لشخصين.. وقرار وزاري بفقدانها لامرأة    فيصل بن مشعل يقدر لامين وأمانة القصيم جهودها في مدينة حجاج البر    حظر دخول أسطوانات الغاز للمشاعر المقدسة    اليحيى يُراجع خدمات الحجاج بمطار المؤسس    البسامي يدشن مركز المراقبة على الطرق    تحديد سعر طرح أرامكو ب27.25 ريال للسهم    تطمينات "أوبك+" تصعد بالنفط    400 مشروع فني وتصميمي لطالبات كلية التصاميم بجامعة الإمام    «ميدل إيست آي»: مقترح «الهدنة» الإسرائيلي لا يتضمن إنهاء الحرب    يايسله يطلب بديلاً لفيرمينو في الأهلي    "ميتا" تتيح إعلانات الشركات على واتساب ب"الذكاء"    "سدايا" تحصد الآيزو بإدارة الذكاء الاصطناعي    المفتي: الحجّ دون تصريح "يأثم فاعله"    سدايا" تحصل على شهادة مواصفة الآيزو "iso 42001" العالمية    زيادة مقاعد برنامج "طب الأطفال" بتجمع القصيم الصحي إلى 100 متدرب    المسحل يتحدث عن تأهل السعودية إلى المرحلة الثالثة من تصفيات كأس العالم    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    أغنيات الأسى    لاعبون بكلية مزروعة    الصيف الساخن يعكر نومك.. 3 نصائح تساعدك    هل نجح الفراعنة في علاج سرطان المخ قبل 4 آلاف عام؟    "الأخطبوط" عبادي الجوهر.. "أرينا" أكبر تكريم والسعودية نعمة    وزير التعليم يرعى جائزة الفالح للتفوق العلمي والإبداع    وزير التعليم يتفقد القطاع التعليمي بمحافظة الزلفي    فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها    «التحيّز».. الداء الخفي    كوبا تعلن أن غواصة نووية روسية سترسو في هافانا الأسبوع المقبل    حفلات التخرج.. من الجامعات إلى رياض الأطفال    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    نجاح فصل التوأم السيامي الفلبيني "أكيزا وعائشة" بعد عملية استغرقت 5 ساعات    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نيويورك نيويورك ... كابول كابول !
نشر في الحياة يوم 24 - 09 - 2002

كلّما جرى الكلام - وما أكثره في هذه الآونة - على "كارثة" نيويورك، يتذكر القارئ العربي رغماً عنه "كارثة" كابول. طبعاً لا يجمع بين هاتين المدينتين سوى الرماد الذي تركه انفجار البرجين في نيويورك قبل عام، ولعلّه الرماد نفسه الذي ما برح يملأ سماء كابول ملوّناً خرائبها أو أطلالها. مدينتان، واحدة في صدارة العالم الجديد وأخرى على أطرافه النائية والموحشة: كيف تمكن المقارنة بين نيويورك وكابول؟
الرقعة الصغيرة من الدمار "المادي" الذي أحدثه سقوط البرجين في نيويورك لا تضاهي فسحة الدمار الهائل الذي ما برح يحلّ بمدينة كابول منذ عقود! وكذلك فسحة الخراب الروحي هناك لا توازي فضاء الخراب الروحي الشاسع الذي يجثم، على كابول وأفغانستان كلّها! وإذا غدت "كارثة" نيويورك حافزاً جديداً على الكتابة والتحليل والتأمل فأن مأساة كابول القديمة - الجديدة أغرت بدورها الكثير من الأقلام، لكنّ وهج كارثة نيويورك يظل هو الأقوى بينما تسقط كابول في ليلها الطويل.
عندما عاد الروائي والسينمائي الأفغاني "المنفي" عتيق رحيمي الى كابول راح يعيد اكتشاف مدينة طفولته عبر كاميرا قديمة أو "بدائية" بغية القبض على روح التاريخ المأسوي الذي لا يفارق هذه المدينة. والصور التي التقطها كانت أشبه بالنصوص البصرية التي يستحيل على الكاتب أن يبدع ما يوازيها وصفاً وتعبيراً. وقد بدا الحاضر الأفغاني فيها شبيهاً بالماضي بل هو نفسه تقريباً، ببؤسه وخرابه و"فرادته" المشهدية.
عتيق رحيمي أصدر قبل فترة رواية جديدة صدرت ترجمتها الفرنسية سريعاً وعنوانها: "المنازل الألف للحلم والرعب" وفيها يرجع الكاتب بإصرار كما في روايته الأولى "أرض ورماد" الى اجتياح السوفيات الأراضي الأفغانية. ولكنّه هنا يسعى الى اكتشاف وجه الشبه بين الأصولية والرعب "الأحمر"، بين المجاهدين المتطرفين والشيوعيين المحتلين. أما بطله فرزاد فهو يذكّر بشاعر أفغانستان الشهير سيد بهاء الدين مجروح من غير ان يلقى مصرعه بالرصاص، فهو سرعان ما يختار المنفى عملاً بوصيّة أحد الدراويش الأفغان وقد نصح اليه أن يطوف العالم هرباً من الجحيمين: جحيم الاحتلال السوفياتي وجحيم المتطرفين الدينيين: "الماء عندما يركد يصبح موبوءاً. كن كالماء الذي يفرّ من اليد".
وكان فرزاد عانى الكثير في كابول وأفغانستان عشية الاجتياح السوفياتي عام 1979 كونه لم ينل رضى الجهتين: السوفياتية والأصولية. وإذ تمكّن من انقاذ نفسه من القبضة الروسية الحديد استطاع أيضاً أن يفرّ من بنادق الأصوليين. أما القناعة الوحيدة التي استخلصها من نضاله فهي تشابه الطرفين في العنف والقتل والبربرية.
كابول نفسها، مدينة الأطلال والأنقاض جذبت أخيراً الروائي الجزائري "ياسمينة خضرا" الذي طغى اسمه المستعار على اسمه الحقيقي محمد مولسحول وهو كتب أكثر من رواية بالفرنسية وحصد بعضها نجاحاً لافتاً. كيف ينظر كاتب جزائري هارب من حجيم الأصولية في الجزائر الى مأساة كابول التي لا تقلّ هولاً عن مأساة وطنه؟
اختار خضرا العام 2000 زمناً لروايته "سنونوات كابول" دار جويار، باريس. حينذاك كان حكم الطالبان في أوج استبداده. وفي ظلّ هذا الحكم تتلاقى شخصيات الرواية وتفترق، محسن الذي يتحدّر من عائلة عريقة من التجار الذين قضت حركة طالبان عليهم يجد نفسه مع امرأته زنيره يكافحان من أجل أن يستمرا على قيد الحياة في ظروف من القمع والقهر والتسلّط. لكنّ الحبّ الذي يجمع بينهما كان حيلتهما الوحيدة لمواجهة الحكم القاسي. فالمرأة - الزوجة لم يعد يحق لها ان تعمل خارج منزلها وحياتها أصبحت وقفاً على هذا "السجن" الذي يعني البيت.
وفي مقابل هذين الزوجين يحضر زوجان آخران: عتيق شوكت حارس السجن الذي انخرط في حركة الطالبان ظناً منه أنّه يؤدّي الدور الذي يقتضيه الدين... أما زوجته مسرّات فتموت من المرض واليأس. أما المشهد الأليم في الرواية فهو عندما شارك محسن في رجم امرأة زانية في أحد الأزقة. كان محسن يائساً ومحبطاً وتائهاً في شوارع كابول عندما وجد نفسه وسط جمع يرشق زانية بالحجارة. وتحت وطأة هذه الهستيريا الجماعية لم يتوان عن رمي الحجارة بدوره.
انها كابول المدينة المدمرة تمام الدمار: مادياً واجتماعياً وسياسياً، كابول المحكومة بالجنون الجماعي والشر والتضحية والقتل والموت والعبث. ولكن من بين أنقاض هذه المدينة ستفر "السنونوات" معلنة قدوم ربيع ما، ربيع قد لا يكون أقلّ حمرة من كل ربيع عرفته هذه المدينة المأسوية، التي كانت في حقبة ما تنافس أسطورة سمرقند وسواها من المدن العريقة.
كابول مرّة أخرى أيضاً في رواية للكاتب الفرنسي الشاب سيباستيان أورتيز وعنوانها "طالب" غاليمار - باريس. وطالب هو الاسم - الكناية الذي حمله حافظ الفتى الأفغاني ليدخل كابول مجاهداً على طريقة طالبان... كان حافظ هاجر مع عائلته الى بيشاور هرباً من عنف كابول، وهناك استطاع والده العوّاد أو صانع آلات العود أن يبني حياة الأسرة من جديد في أحد مخيمات اللاجئين الأفغان. أما قدر حافظ فلم يتجلّ إلا بعد دخوله "المدرسة" وتخرّجه بعد بضع سنوات مجاهداً يلبّي نداء الأصوليين الأفغان.
قد لا يكون مفاجئاً صدور مثل هذه الروايات وسواها في خريف هذا العام في باريس إزاء صدور عشرات الكتب عن كارثة نيويورك. فالتراجيديا الأفغانية هي الوجه الآخر - وربما الأشد قتامة وحلكة - من كارثة نيويورك. كابول هي المدينة - الظل التي تحصل فيها المآسي بصمت أو لامبالاة. أما نيويورك فهي المدينة القادرة على جعل مأساتها شريطاً تلفزيونياً يشاهده البشر الذين يقطنون الأرض. إنها كارثة "عاصمة" العالم التي يجب ان يشارك الجميع في رثائها. بل هي كارثة ثقافة العولمة و"بداية" التاريخ لا نهايته فحسب والاستهلاك والترف والعنجهية...
كابول تهجع الآن مع خرائبها منتظرة على غرار المدن البائسة ان يسطع نهارها ذات صبيحة. وإذا باتت مأساتها تجذب الأقلام فهي لا تتردد في تبنّي أدبها الخاص الذي شارك في ابداعه شاعرها الشهير بهاء الدين مجروح والروائي عتيق رحيمي والقاصة سبوجماي زرياب والشاعر لطيف بدرام وسواهم من الكتاب الأفغانيين... وان كان معظم هؤلاء يعيشون في المنفى فإن كتب الشاعر الأفغاني الكبير بهاء الدين مجروح غير متوافرة في كابول وسواها. أمَّا الكتاب الأجانب الذين تغريهم كابول وأفغانستان وتوقدان النار في مخيلاتهم فهم يزدادون... أكثر فأكثر.
ولكن لماذا كلما جرى الكلام على "كارثة" نيويورك يتذكر القارئ العربي "كارثة" كابول؟ صحيح انها لمفارقة مؤلمة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.