مع تصاعد حملة الولاياتالمتحدة على العراق والتهديدات المتكررة التي يطلقها أقطابها لإطاحة نظام الرئيس صدام حسين، ومع تصاعد المعارضة الدولية، فضلاً عن العربية والاسلامية، لعمل عسكري أحادي من دون تفويض دولي، تواجه المعارضة العراقية عقبات "داخلية" لمواكبة الحملة الأميركية، على رغم تكثيف لقاءاتها ومشاوراتها وندواتها في الآونة الأخيرة. ويبقى الاجتماع المزمع عقده قريباً الخطوة الأهم في هذه المرحلة نظراً الى الظروف الدولية التي ينعقد في ظلها وأهمها إعلان واشنطن المتكرر عزمها إطاحة صدام، ما يستوجب، من وجهة نظر المعارضة، مواكبة ذلك بالاستعداد والمساهمة في عملية التغيير وملء الفراغ السياسي الذي سينجم عن انهيار النظام، خصوصاً في المرحلة الانتقالية. ويلفت معارضون الى ضرورة المشاركة الواسعة في المؤتمر، ف"كل أطراف المعارضة، مهما كان حجمها ووزنها، يهمها موضوع التغيير وصيغة النظام المقبل" كما قال أحد المعارضين، مضيفاً ان "التصورات والرؤى لعراق المستقبل يجب ان يشارك فيها كل الأطراف". يذكر انه تم في واشنطن تشكيل لجنة تحضيرية لعقد مؤتمر المعارضة، تقتصر على الأطراف التي شاركت في الاجتماعات مع مسؤولين أميركيين مطلع الشهر الجاري، وهي "الحزب الديموقراطي الكردستاني"، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" و"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق" و"حركة الوفاق الوطني" وزعيم "الحركة الملكية الدستورية" الشريف علي بن الحسين والدكتور أحمد الجلبي. اللافت ان هذه اللجنة لم تعقد أي اجتماع لها حتى الآن منذ تشكيلها في واشنطن منتصف الشهر الجاري، علماً انه كان يتوقع ان تعقد اجتماعاً هذا الأسبوع في لندن، حال دونه غياب الجلبي الذي يزور واشنطن حالياً والشريف علي. ويشير هذا التأخير في عقد اجتماع اللجنة الى خلافات بين أعضائها على بعض الأمور المتعلقة بعقد المؤتمر الشهر المقبل في امستردام أو لندن. وتفيد مصادر المعارضة ان الخلافات تتمحور حول أمرين رئيسيين: الأول توسيع اللجنة التحضيرية، والثاني صيغة المؤتمر الذي يؤيد بعضهم ان يكون موسعاً، فيما يطالب آخرون ببقائه محدوداً. أحد أعضاء اللجنة برر المعارضة لتوسيعها بأنه "يفتح باباً لا يمكن إغلاقه، إذ سيطالب كل طرف معارض لم ينضم الى اللجنة بالمشاركة فيها"، مضيفاً ان "مهمة اللجنة فنية وهي الاعداد للمؤتمر، ولا يمكن بالتالي ان تنجح في هذه المهمة اذا كان عدد أعضائها كثيراً"، موضحاً ان "هذا ليس استبعاداً لأحد، فالكل سيدعى للمشاركة في المؤتمر العام وفقاً لمعايير محددة". وشدد على ان "التنسيق والتشاور يقتضيان الاتفاق على التوجه العام والخطاب السياسي"، مشيراً الى ان "أطراف اللجنة التحضيرية متفقون على هذين التوجه والخطاب وأهم العناصر فيهما ضرورة تغيير النظام الديكتاتوري وإقامة بديل ديموقراطي والترحيب بأي دعم خارجي على قاعدة الاحترام المتبادل بما لا يخل بالثوابت الوطنية، مع التسليم بعدم قدرة المعارضة وحدها من دون دعم على تغيير النظام". وأوضح ان "هناك أطرافاً كثيرة تتفق معنا على تغيير النظام الديكتاتوري وإقامة بديل ديموقراطي لكنها تعارض أي دعم خارجي، وبالتالي من الصعوبة بمكان الالتقاء معها على برنامج عمل محدد في ظل هذا الاختلاف في التوجهات الذي نعتبره حقاً لكل طرف معارض"، مستدركاً "ان هذا الاختلاف لا يمنع اللقاء مع هذه القوى". "الحزب الديموقراطي" لم يعلن موقفاً من مسألة توسيع اللجنة، وقال أحد مسؤوليه ل"الحياة": "من حيث المبدأ يجب استقطاب أوسع مشاركة ممكنة في هذا المؤتمر"، مضيفاً "لم يحصل نقاش بين أعضاء اللجنة لحد الآن حول هذا الموضوع لأنها لم تجتمع بعد" مضيفاً "يجب أولاً ان تجتمع اللجنة للبحث في آليات التحضير للمؤتمر، ومن الأولويات الاتصال مع الأطراف السياسية الأخرى". ومن المتحمسين لتوسيع اللجنة إضافة الى الجلبي الحركة الملكية الدستورية التي قالت أوساطهما انه "لا يجوز إقصاء فئات أخرى عن التحضير للمؤتمر، من إسلاميين خارج المجلس الأعلى وقوميات أخرى غير الأكراد كالتركمان والآشوريين فضلاً عن القوميين والليبراليين"، وحذرت من "مغبة استبعاد أطراف فاعلة بحجة ان عمل اللجنة يقتصر على التحضيرات لعقد المؤتمر"، مشيرة الى ان "هذا النهج لا يخدم الهدف الرئيسي والمركزي وهو مساهمة كل الأطراف في عملية التغيير وصوغ النظام المقبل". لا تقتصر الاختلافات، إذن، بين من هم "داخل" اللجنة و"خارجها" بل لعل الاختلافات داخل اللجنة قد تكون أكبر وتهدد عملها. ويدور "الاختلاف" الرئيسي بين أعضاء اللجنة، إضافة الى "التوسيع" على صيغة المؤتمر نفسه: هل يكون موسعاً أو محدوداً؟ "المجلس الأعلى" و"الوفاق" يؤيدان عقد مؤتمر غير موسع، من 50 الى 70، وعلى الأقصى مئة مشارك، في حين أفادت مصادر مطلعة ان الشريف علي والجلبي يؤيدان عقد مؤتمر موسع للمعارضة. وأوضحت هذه المصادر انه "لا يجوز حصر التمثيل في المؤتمر بعدد محدد، فمن الأفضل ترك العدد مفتوحاً لضمان مشاركة أكبر عدد ممكن من المعارضين في هذا المؤتمر الذي قد يكون الأهم الذي تعقده المعارضة حتى الآن"، وقدمت اقتراحاً ب"احياء الجمعية الوطنية ل"المؤتمر الوطني العراقي" مع زيادة عدد أعضائها لاستقطاب فئات أخرى كالعسكريين المعارضين مثلاً". وطرحت هذه المصادر حلاً لمشكلة التمثيل "العودة الى مبادئ مؤتمر صلاح الدين عام 1992 الذي شاركت فيه معظم قوى المعارضة العراقية وقبلت بالنسب التي اعتمدها، مع إمكان تعديلها بما يلائم التطورات التي حصلت منذ إعلانه". في غضون ذلك، يتوقع ان تكون "مجموعة الأربعة" التي تضم الحزبين الكرديين إضافة الى "الوفاق" و"المجلس الأعلى" عقدت اجتماعاً في لندن أمس للبحث في "مواضيع تتعلق بمؤتمر المعارضة المقبل". وهكذا، فإن الآمال التي تبنى على المؤتمر المقبل للمعارضة للنهوض بمهمات التغيير المرتقب وصوغ تصور لعراق المستقبل تصطدم بعقبات لا يبدو في الأفق إمكان تخطيها.