وادي "الفطيحة" أجواء الطبيعة الخلابة بجازان    موسيماني: ما زالت لدينا فرصة للبقاء في "روشن"    بيريرا: التعاون فريق منظم ويملك لاعبين لديهم جودة    "الأرصاد": تنوع مناخ المملكة يعكس الواقع الجغرافي    شهداء ومصابون في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    الأوكراني أوزيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع في الرياض    ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    رفضت بيع كليتها لشراء زوجها دراجة.. فطلقها !    خبير سيبراني: تفعيل الدفاع الإلكتروني المتقدم يقي من مخاطر الهجوم    «هيئة العقار»: 18 تشريعاً لمستقبل العقار وتحقيق مستهدفات الرؤية    لقب الدوري الإنجليزي بين أفضلية السيتي وحلم أرسنال    صقور السلة الزرقاء يتوجون بالذهب    السفارة السعودية في تشيلي تنظم حلقات نقاش بعنوان "تمكين المرأة السعودية في ظل رؤية المملكة 2030"    مقتل 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    «التعليم».. تكشف شروط نجاح الطلاب والطالبات بجميع المراحل    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    تنظيم جديد لتخصيص الطاقة للمستهلكين    زيارات الخير    محتالة تحصل على إعانات بآلاف الدولارات    طبخ ومسرح    مواقف مشرّفة    سمو ولي العهد يستقبل الأمراء والمواطنين    «تيك توك» تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    330 شاحنة إغاثية إلى اليمن وبيوت متنقلة للاجئين السوريين    اشتباك بالأيدي يُفشل انتخاب رئيس البرلمان العراقي    البرق يضيء سماء الباحة ويرسم لوحات بديعة    الماء (2)    جدول الضرب    «التعليم»: حسم 15 درجة من «المتحرشين» و«المبتزين» وإحالتهم للجهات الأمنية    قرى «حجن» تعيش العزلة وتعاني ضعف الخدمات    المقبل رفع الشكر للقيادة.. المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو"    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    «باب القصر»    اطلع على مشاريع التطوير لراحة الحجاج.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يتفقد المشاعر المقدسة    عبر التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي.. نقل إجراءات مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    وزير التعليم: تفوّق طلابنا في «آيسف 2024» يؤسس لمرحلة مستقبلية عنوانها التميّز    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    الهلال يحبط النصر..    الخبز على طاولة باخ وجياني    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    المملكة رئيسا للمجلس التنفيذي للألكسو حتى 2026    التخصصي: الدراسات السريرية وفرت نحو 62 مليون ريال    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    توطين تقنية الجينوم السعودي ب 140 باحثا    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    قائد فذٌ و وطن عظيم    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    بتوجيه الملك.. ولي العهد يزور «الشرقية».. قوة وتلاحم وحرص على التطوير والتنمية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رفيقه القريب في "المجلس الثوري" وعدوه بعد انشقاقه يروي ل"الحياة" قصة من كان المطلوب رقم واحد في العالم الحلقة الثالثة . عاطف ابو بكر: "ابو نضال" فجر طائرة "طيران الخليج" لمعاقبة الامارات وطارق عزيز أبلغه قرار العراق اعتباره "غير مرغوب فيه"
نشر في الحياة يوم 22 - 08 - 2002

في 1968 أبلغت قيادة حركة "فتح" عاطف ابو بكر ان عليه تسليم قيادة التنظيم الطالبي في الاردن الى عضو آخر في الحركة. وحين وصل الشاب المكلّف لتسلّم مهماته كان اسمه صبري البنا ابو نضال. وفي 1970 حين قررت "فتح" ارسال "ابو نضال" الى العراق طلب من عاطف ان يشرح له الاوضاع هناك وهذا ما حصل خلال رحلة طويلة في السيارة من عمان الى بغداد.
افترق الرجلان في السبعينات لكنهما التقيا مجدداً في العقد التالي. انخرط ابو بكر في "فتح المجلس الثوري" بزعامة "ابو نضال" وكان الاول يأمل في تغيير اسلوب التنظيم وصاحب القرار فيه. لم ينجح ابو بكر في ما سعى اليه وكان الطلاق قاسياً في اواخر 1989 خصوصاً ان الرجل كان عضواً في المكتب السياسي ورئيساً للدائرة السياسية وناطقاً باسم التنظيم وعارفاً بأسراره.
في حلقة اليوم يروي عاطف ابو بكر قصة المحطة العراقية في مسيرة "ابو نضال". وتكشف القصة ان الرجل الذي اعلن اول من امس "انتحار" زعيم "المجلس الثوري" هو نفسه الرجل الذي استدعاه في 1983 ليبلغه بلهجة حازمة وجوب المغادرة بعدما تحول "شخصاً غير مرغوب فيه". انه طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي.
يقول ابو بكر ان "ابو نضال" لم يعجب يوماً بطارق عزيز وكان يعتبره "لغماً مزروعاً"، وانه كان يعتبر التغيير الذي اطاح الرئيس احمد حسن البكر "مشبوهاً"، وتسلط رواية ابو بكر الضوء على حدة الصراعات العربية العربية في تلك المرحلة وانعكاساتها على الساحة الفلسطينية.
ويكشف عاطف ابو بكر في هذه الحلقة ان "ابو نضال" كان وراء تفجير طائرة تابعة لشركة "طيران الخليج" في 1983 خلال رحلتها من كاراتشي الى ابوظبي ما ادى الى مقتل ملاحيها الستة و105 ركاب من اصل 111 كانوا على متنها.
وهنا نص الحلقة الثالثة:
متى التقيت "ابو نضال" للمرة الاولى؟
- في سورية كنت مسؤولاً عن العمل الطالبي الفلسطيني وبدأت اشكّل تنظيماً في جامعة دمشق كنت أدخل الاردن عن طريق الجيش العراقي ورحت أشكّل تنظيماً طالبياً ايضاً في الجامعة الاردنية. في 1968 جاء من يتسلّم مني التنظيم الطالبي في الاردن بعدما شكّلت "فتح" لجنة للاقليم هناك، وكان هذا الشخص صبري البنا ابو نضال.
كانت المرة الاولى التي التقيه فيها. عملية تسليم وتسلّم عادية. كان ل"ابو نضال" مكتب تجاري في عمان هو بمثابة غطاء لنشاطاته.
وكان قبل الاردن في السعودية عاملاً فنياً كهربائياً. وهو من مواليد يافا عام 1937 والده خليل البنا انتقل في البداية الى غزة ومنها الى نابلس. انتمى في بداية حياته الى حزب البعث. لديه اخوة واخوات كثر. زوجته هيام حسن علي البيطار من يافا ايضاً. درس في مدرسة مهنية في قلندية قرب القدس وتخرج عامل تمديدات كهربائية. توجه باكراً الى السعودية وتعرف هناك الى السيد محمد داود عودة ابو داود العضو القيادي في "فتح". عمل في السعودية وعاد الى الاردن بعد حزيران يونيو 1967 وكان انتمى الى "فتح" في المملكة واعتقد ان ذلك حصل على يد شخص من آل المصري.
ولاء لعرفات
ماذا فعل في الاردن؟
- عُيّن عضواً في لجنة اقليم الاردن وتسلّم لاحقاً موقع المسؤول عن الميليشيا في عمان. اذكر في تلك المرحلة ان اشكالاً وقع في "فتح" سمي "اشكال ابو عبيدة" الوافد من اصول تعود الى "حزب التحرير الاسلامي". حصل الخلاف بين "ابو عبيدة" وقيادة "قوات العاصفة" ويومها كان "ابو نضال" الشخص الذي كلّف مطاردة انصار "ابو عبيدة". وحتى تلك الفترة لا يستطيع "ابو نضال" القول انه كان من الذين ينتقدون او يبدون الملاحظات او يرون وجود خلل تنظيمي او سياسي. كان يومها موالياً ولاء شديداً للسيد ياسر عرفات وللسيد صلاح خلف ابو اياد، اي لقيادة حركة "فتح". يزعم في ادبيات جماعته انه كان منذ البداية على تناقض مع قيادة "فتح" وهذا ليس صحيحاً. عندما سئل ذات يوم في معسكره في ليبيا عن تلك الازمة التي وقعت في "فتح"، اي الخلاف مع "ابو عبيدة"، قال: "ليجيب الرفيق ابو فرح لانه عاشها ويعرف عنها اكثر مني". لم يستطع القول امامي انه كان يبدي ملاحظات، فانسحب بهذه الطريقة.
قصدت القول ان الملاحظات والتناقض مع القيادة والموقف النقدي لم تكن شيئاً أصيلاً في نفسه. كل من عاش في عمان في تلك المرحلة يعرف ان "ابو نضال" كان يتصدى لكل من يخالف القيادة.
... وصداقة ل"ابو اياد"
كان في تلك الفترة صديقاً ل"ابو اياد"، وفي مرحلة لاحقة كان يأتي الى السيد فاروق قدومي ابو اللطف ويقول له لدي بعض الملاحظات. يومها كان تقرّب من السيد ناجي علوش الذي كان انتمى الى "فتح". وعلوش، سواء اتفقت معه ام اختلفت، صاحب وجهة نظر ولديه تكوين فكري وسياسي. ماضيه بعثي وكذلك "ابو نضال". "ابو داود" ايضاً جاء وتفرّغ في "فتح" وهو ذو خلفية اسلامية ووطنية ويعرفه "ابو نضال" من السعودية. وهناك م. ش. الذي كان ماركسياً ثم ماوياً وهو الآن رجل اسلامي وكاتب سياسي معروف. هذا الجو بألوانه الفكرية أثّر في عناوينه على "ابو نضال".
كان قدومي يستمع الى "ابو نضال" ويناقشه في ملاحظاته، وسرعان ما كان الثاني يغيّر وجهة نظره. شهدت واقعة: جاء الى السيد قدومي وكنت عنده. وقف على الباب وقال: "وجهة نظري كذا وكذا". فقال له قدومي: "ادخل لنتناقش". فأجاب "اذا دخلت ستغيّر رأيي لذلك سأقول رأيي وامشي".
الى السودان فالعراق
لو كان "ابو نضال" معارضاً منذ البدايات لما عيّن في لجنة اقليم الاردن ولما سلّم الميليشيا. ثم ارسلته قيادة "فتح" الى السودان ممثلاً للحركة هناك. ثم ارسلوه في ايلول سبتمبر 1970 الى العراق. في تلك الفترة كان الاردن الساحة الرئيسية، وكان العراق الساحة الثانية او الثالثة، كان السلاح يأتي من الصين فقط عبر العراق، وكان الخليج المخزن المالي والبشري، وكان العراق هو الممر، وكانت فيه معظم معسكرات التدريب. لو كانت لدى عرفات و"ابو اياد" و"ابو مازن" محمود عباس ملاحظات على "ابو نضال" لما عيّنوه في ساحة مفصلية.
تقرر ارسال "ابو نضال" الى العراق فطلب مني قدومي ان اجلس معه وقال: "اشرح له ما تعرفه عن الوضع التنظيمي في العراق وعن الوضع هناك ليكون في الصورة". وهنا اقترح "ابو نضال" ان نذهب معاً في السيارة كي نتكلم في الطريق. وهذا ما حصل وكان في بداية ايلول 1970.
رافقت "ابو نضال" الى العراق ماذا حدث بعد ذلك؟
- نزل في فندق "امباسادور" في بغداد. جاء وطلب مني العودة الى العمل التنظيمي فرفضت على رغم انه جاء بمن كنت على خلاف معهم وبهدف انهاء الخلاف. عيّن ممثلاً ل"فتح" ومديراً لمكتب منظمة التحرير في العراق وكان يسمي نفسه منهل عبدالفتاح. كان هذا في النصف الاول من ايلول وفي 16 منه اعلنت الاحكام العرفية في الاردن، وفي اليوم التالي اندلعت المعارك. عندها امام ما يجري ذهبت الى المكتب ووضعت نفسي مجدداً في تصرف "فتح" وقلت ل"ابو نضال" انني أضع نفسي بتصرف "فتح" حتى انتهاء المعارك ثم اغادر. افتتحت في بغداد اذاعة "صوت العاصفة" وبدأت البث وكنت عملياً المحرر الرئيسي فيها، وعملت ليلاً نهاراً حين صارت تبث طوال 24 ساعة. ومن الذين أشرفوا على العمل الاذاعي في تلك الفترة الطيب عبدالرحيم وهو صاحب صوت اذاعي جيد. استمر هذا العمل فترة.
محاولة انقلاب مغربية
في 1971، حصلت محاولة انقلاب الصخيرات في المغرب وكان أوفقير وراءها. وقف "ابو نضال" وراء اذاعة تعليق ينم عن تأييد للمحاولة الانقلابية. غضبت قيادة "فتح" وكان من الصعب ان يتعاطف احد مع اوفقير صاحب التاريخ المعروف. المشكلة ان الخلافات كانت تحلّ بعقلية تبويس اللحى والتراضي. وانا هنا أؤكد ما قاله "ابو اياد" من انه ساهم مرات عدة في احتواء الخروقات التي قام بها "ابو نضال". في 1970 عندما اعتقل "ابو اياد" و"ابو اللطف" في الاردن كان "ابو نضال" وراء تعليقات في الاذاعة تتهمهما بالتعاون مع الاجهزة الاردنية وتقديم اعترافات. ولعله كان يعتقد بأن هذا الموقف يؤدي الى تعزيز موقعه لدى عرفات، وربما اعتقد بأن "ابو اياد" لن يخرج من الاعتقال وكذلك "ابو اللطف".
في الاجتماعات الداخلية وفي الكلام المعلن، كان "ابو نضال" حتى عام 1973 يقول الجملة التالية: "ياسر عرفات أدرى بمصلحة الشعب الفلسطيني من الآخرين. ياسر عرفات حتى لو قرر الخيانة سأكون معه لأنه أدرى منا بمصلحة شعبنا". لم اسمع منه حتى ذلك التاريخ جملة واحدة ضد عرفات. كان بين وقت وآخر يعبّر عن مناكفته حيال آخرين. كان كثير الانتقاد للشهيد خالد الحسن ابو السعيد ويتهمه بأنه يميني ورجعي من دون ان يقرأ ما يكتبه خالد الحسن او يحاوره. كان خالد الحسن قوياً في الكويت، وهو رجل فكر وسياسة معاً تحترمه حتى وان اختلفت معه. لقد ورثنا النقد لهذا الرجل من دون ان نسمع رأيه. قامت بيني وبينه لاحقاً علاقة. كانت الموضة اتهام الآخرين باليمينية ويتم توارث الانطباع من دون تدقيق.
وموقف السلطة العراقية؟
- العراقيون دعموا "فتح". في فترة لاحقة تبنت القيادة الفلسطينية وتحديداً في 1974 فكرة الحل المرحلي والنقاط العشر. اتخذت القيادة العراقية من ذلك مبرراً لتغيير موقفها. الحقيقة ان الاساس كان غضب القيادة العراقية من علاقة عرفات وقيادة "فتح" مع سورية هنا بدأت تظهر تجاوزات "ابو نضال" علانية. طبعاً عدم تدخل الجيش العراقي لحماية المقاومة في الاردن اثار لغطاً كبيراً في الساحة الفلسطينية. ولاحقاً قتل حردان التكريتي وزير الدفاع العراقي في الكويت وحمّل مسؤولية عدم التدخل، علماً انه لم يكن الشخص المقرر او لم يكن المقرر الوحيد. كل هذه العوامل تجمعت وسهلت ل"ابو نضال" تحركه. بدأ ينسج علاقات داخل حركة "فتح" وفي اتجاه تجميعي وتمحوري.
اول عملية
اول علاقة نسجها كانت مع شخص من "فتح" اسمه احمد عبدالغفور له مجموعة على صلة طيبة بليبيا. وكان هذا كثير النقد داخل "فتح". في 1973 اعتقل "ابو داود" في الاردن وكان يهم بتنفيذ عملية لاحتجاز مجلس الوزراء الأردني. بعدها بفترة قصيرة قام "أبو نضال" بهجوم على السفارة السعودية في باريس واحتجز 13 رهينة من السفارة، وطالب باطلاق "أبو داود" مهدداً بقتل الرهائن. طاف الخاطفون الخمسة مع الرهائن أياماً عدة إلى أن حاورهم الشهيد علي ياسين ممثل منظمة التحرير في الكويت، وقد اغتاله "أبو نضال" عام 1978. المهم استسلم الخاطفون وكانت تلك العملية أول ما قام به "أبو نضال" بالتعاون مع عبدالغفور. كان المطلب المعلن اطلاق "أبو داود" لكن الغرض الخفي كان القيام بعمل ضد دولة عربية.
اغتيل أحمد عبدالغفور في بيروت واتهمت "فتح" بأنها وراء الحادث. بعدها نسج "أبو نضال" علاقة مع أبو مصطفى قدورة الذي ورث مجموعة عبدالغفور ثم بدأ ينسج علاقاته مع ن. ع. وم. ش. و"أبو داود" داخل "فتح" ثم راح يطبق تدريجياً على اقليم العراق. أنا خرجت من اقليم العراق عملياً في 1971 إلى المؤتمر الوطني العام لاتحاد طلبة فلسطين في الجزائر، وعينت عضواً في قيادة الاتحاد وصرت أتنقل بين مصر ولبنان. وعندما كنت في العراق لم أكن على علاقة طيبة مع "أبو نضال" لأسباب عدة بينها أنه تبنى المجموعة التي كنت اعتبرها فاسدة أو غير مقبولة، ثم أنه راح يفصل اقليم العراق على مقاسه، فالعمل التصحيحي لا يحتاج إلى تحركات في الظلام، ولاحظت أنه أقام علاقات غير صحية مع الأجهزة العراقية. قلت دائماً إن "أبو نضال" يقرأ مقدمة أي كتاب ثم يبدي رأيه فيه من دون قراءة الكتاب. يبني مواقفه من الشخص لا من مضمون الكتاب.
كثير الشكوك وعصبي
كان "أبو نضال" باطنياً وكثير الشكوك وانطوائياً إلى درجة أنه حتى عام 1983 لم يقف أمام ندوة مفتوحة ولم يحاور الجمهور. يجلس في مكتبه وأمامه ستارة وملفات. تذكر اسماً أمامه فيسحب ملفاً ويقول هذا ملف الشخص ليوهمك أنه يعرف كل شيء. اعتقدت عندما غبت عنه سنوات بأنه تغير، لكنه ظل كما هو. تحدثه في السياسة فيحدثك لدقيقتين ثم يدفع الموضوع إلى المستوى الأمني أو الاستخباراتي أو إلى اطلاق الاتهامات. شخصيته غريبة، عصبي، لكنه يتهرب من المواجهة المباشرة. حقود ولا ينسى. كلما تعامل مع شخص بنعومة يكون ذلك مقدمة لعمل ما ضد ذلك الشخص.
كيف حصل الانشقاق؟
- في 1974 وبالتعاون مع مجموعة أحمد عبدالغفور نفّذ "أبو نضال" عملية خطف طائرة بريطانية من دبي إلى تونس قتل فيها طبيب الماني والقي في مطار تونس. وهذه العملية وأخرى وضعت تحت تسمية "أيلول الأسود" وقبلها كانت تسمى أحياناً "مجموعة الشهيد أحمد عبدالغفور".
ظهرت داخل "فتح" دعوات إلى محاسبته. في 1971 في المؤتمر الذي عقد في سورية اختير "أبو نضال" عضواً في "المجلس الثوري" للحركة، ولم يتبوأ أي موقع أرفع من ذلك. هنا لا بد من الالتفات إلى الإطار. العلاقات العراقية - السورية كانت سيئة، والعلاقات العراقية - السعودية لم تكن جيدة. في 1973 قام بعملية لم يعلن عنها وهي ضرب أحد خطوط التابلاين السعودية التي تمر في الأراضي الأردنية في محلة أم قيق. كان هذا بعد حادث السفارة السعودية في باريس، وخطف لاحقاً الطائرة البريطانية إلى تونس.
الانقسام: "الخط الصحيح"!
قلت إن اللغط اشتد داخل "فتح" وكان أعنف من طالب بفصله السيد محمود عباس أبو مازن. خطط "أبو نضال" لاغتيال "أبو مازن" في دمشق واعتقلت المجموعة. هنا جرت محاكمته وفصله والحكم عليه بالإعدام، وصار الانشقاق قائماً عملياً. في تلك الفترة كان التموين الذي يأتي من الخليج يخزّن في العراق، وكانت هناك صفقة أسلحة من الصين وصلت إلى البصرة وقيمتها 15 مليون دولار.
ذهبت انا وابراهيم صيدم قائد التسليح في "فتح" لتسلم الاسلحة وخزن جزء كبير منها في العراق. احتجز "ابو نضال" كل ما هو موجود في العراق من اسلحة ومؤن. اذكر ان "ابو اياد" كان يقول عنه انه شخص مجنون فلا تقعوا اسرى جنونه واسلوبه. كان يعتبره متحمساً ونزقاً.
حصل الانقسام. سمى "ابو نضال" مجموعته "فتح الخط الصحيح" واصدر مجلة سمّاها "فلسطين الثورة المقاومة"، وبلور في آخر 1974 اسم "فتح المجلس الثوري". وسبب التسمية ان ل"فتح" لجنة مركزية، اما الاطار التشريعي فاسمه "المجلس الثوري". اراد ان يوحي بأنه يواجه اللجنة المركزية بتأييد من "المجلس الثوري".
كيف تحدد الفترة العراقية في حياة تنظيم "أبو نضال"؟
- بقي "أبو نضال" في العراق الى عام 1983 كتنظيم. خرج من بغداد مرات عدة بينها رحلة الى السويد في 1979 لاجراء جراحة في القلب، مستخدماً جوازاً ديبلوماسياً عراقياً. الحقيقة أن التسهيلات كانت موجودة: الجوازات ونقل الأسلحة والأموال وغيرها. كان في تصرف الجماعة 150 جوازاً. كل العمليات مثل اغتيال يوسف السباعي في قبرص نفذها أشخاص يحملون جوازات عراقية. قاتل السباعي اسمه سميح محمد خضر وهو الذي انفجرت به سيارته عام 1988 في أثينا وتحديداً في تموز خلال عملية "سيتي أوف بورس".
ظاهرة ولدت في العراق
لماذا غادر العراق؟
- في 1979 - 1980 حصل تغيير أساسي في النظام العراقي مع تولي صدام حسين الرئاسة. أنا كنت اسمع من "أبو نضال" في الثمانينات اطراء شديداً على النظام العراقي برئاسة أحمد حسن البكر. وكان "أبو نضال" يعتبر أن البكر تبناه. وكان يكيل الشتائم داخلياً وفي صحفه في 1989 لصدام حسين خصوصاً لطارق عزيز ويتعمد القول "طارق حنا عزيز".
الواقع ان طارق عزيز هو الذي أبلغ الجماعة بضرورة مغادرة العراق.
"أبو نضال" ظاهرة ولدت في العراق وكان هناك من تعهدها، في تقديري الشخصي انه لو لم تسجل تلك الظاهرة باسم "أبو نضال" لسجلت باسم آخر نكاية ب"فتح" ومنظمة التحرير. انا أورد هنا جانباً تاريخياً ولا أريد إثارة زوبعة في وجه العراق إذ يكفيه ما به. أتحدث هنا كشاهد على مرحلة ولا استطيع أن أجمّل ما هو قبيح أو أن أزور الحقائق. لست أبداً من زمرة الرداحين ضد الشعب العراقي الذي أتعاطف مع معاناته ومراراته وأقف ضد الحصار المضروب عليه. في تلك المرحلة كان في القيادة العراقية بعض من يتمتعون بقصر النظر ويعتمدون التصفية الدموية اسلوباً في الداخل، ثم قرروا نقل الاسلوب الى الخارج. ضرب منظمة التحرير يصب، حتى ولو أحسنا النيات في طاحونة خصومها. وكانت المنظمة تعاقب بسبب علاقتها مع سورية. اضافة الى أن الكل كان يطمح الى وضع الورقة الفلسطينية في جيبه وهي الورقة الأهم بعد وفاة القائد الكبير جمال عبدالناصر.
كان العراق يقدم الى "أبو نضال" المكاتب وكانت للجماعة قاعدة كبيرة في منطقة هيت خارج بغداد. قاعدة كبيرة تضم مساحات من الأراضي الزراعية وفيها تربية دواجن وبدت كباكورة لمشروع استثماري ضخم. هناك كان يجري التدريب وتخزين السلاح وهناك أجريت المحاكمات والاعدامات. تحولت الى ما يشبه القاعدة المحررة يتصرف فيها كما يشاء. ثم هناك المبالغ المالية الشهرية وجوازات السفر وتسهيلات في الدخول والخروج وتوفير السلاح في نقاط معينة في الخارج في أوروبا وتركيا واليونان. توضع الأسلحة في مكان ويتسلمها شخص تابع له. انا لا أقول ان "أبو نضال" كان ينسق في كل عملية. انه يشم الخط العام للنظام ويعرف الممكن ونصف الممكن والخطوط الحمر. كان المناخ يسمح على الأقل بالعمليات ضد سورية وبعض الفلسطينيين. اقول كحد أدنى. فالعمليات يصدرها باسم جماعته وتعتقل له كادرات أو تقتل خلال التنفيذ وهو موجود على الأرض العراقية. لم تتخذ السلطات العراقية ضد جماعته أي اجراء ليوقف عملياته. وهذا أعرفه من الفترة التي انتميت فيها الى الجماعة. راقب مثلا ان سورية لم يستهدفها "أبو نضال" بعد التقارب الذي حصل بينها وبين العراق في 1979. وعندما أراد ابتزاز دولة الامارات العربية المتحدة في بعض المراحل والقيام بضربات ضد الأردن بعد اندلاع الحرب العراقية - الايرانية، قيل له نهاراً جهاراً "قف لأن البلدين حليفان لنا". وفي هذه المرحلة أيضاً توقفت عملياته القليلة أصلا ضد الدول الخليجية وللسبب نفسه. لكن العمليات ضد منظمة التحرير استمرت فالدم الفلسطيني مباح.
ابتزاز الامارات
لنعد الى الخروج من العراق.
- حصل تغيير أساسي في النظام العراقي تمثل في وصول صدام حسين، واندلعت الحرب العراقية - الايرانية، ومورست ضغوط دولية وعربية على العراق لاخراج "أبو نضال"، وتحسنت العلاقات العراقية - السورية فتراجع سوق العمليات ضد دمشق وتحسنت العلاقات بين بغداد وقيادة المنظمة فخفت العمليات ضد المنظمة. وقفت دول الخليج الى جانب العراق فأقفل باب العمليات ضدها. نفذت جماعة "أبو نضال" في تلك الفترة أعمالاً احرجت العراق كالاعدامات التي شاع ذكرها في الوسط الفلسطيني. هاجم دولا صديقة للعراق كالاردن والامارات. في 1983 نفذت جماعته عملية بالغة الخطورة لم تتبناها مباشرة وهي تفجير طائرة تابعة ل"طيران الخليج" كانت في رحلة من باكستان الى دولة الامارات، مما أسفر عن مقتل ملاحيها الستة و105 ركاب من أصل 111 راكباً. نفذت العملية لأن الامارات رفضت ان تدفع للجماعة. هذا النوع من العمليات ازعج العراقيين واستفزهم. اما تفسير "أبو نضال" للأمر فكان بوليسياً ولا يرى المتغيرات. قال أمامي ان طارق حنا عزيز لغم اميركي مزروع في العراق، وان التغيير الذي أدى الى ازاحة البكر مشبوه وبالتالي فإن عملاء اميركا وبريطانيا هم الذين كانوا وراء اخراجه من العراق.
طارق عزيز... أخرجه
كيف خرج من العراق؟
- كان العراق وضع في تصرف جماعة "أبو نضال" التي اعتبرها تنظيماً مقاوماً 150 جواز سفر. بدأت الاجهزة بعدم تجديد الجوازات وأوقفت الدعم المالي. كانت تجرى في السابق احتفالات في المناسبات السياسية في قاعدة هيت ويحضرها آلاف من العراقيين فأوقفتها السلطات، ووضعت خطوطاً حمراً أمام تحرك الجماعة ضد بعض الدول. وغابت اللقاءات مع "أبو نضال" في صورة اهمال متعمد. هذا السلوك بدأ في 1980 واستمر حتى 1983. "أبو نضال" يأخذ أهميته من الخدمات التي يقدمها.
منذ 1981 بدأ يشم التغيير في موقف السلطات العراقية منه. بدأ يسافر الى بولندا ويزرع مراكز في الخارج وفتح قناة للتحدث مع سورية. في 1983 استدعى طارق عزيز "أبو نضال" وجزءاً من قيادة التنظيم وأبلغه قرار انهاء مظاهر وجود الجماعة في العراق. قال له: "عليك اخراج جماعتك، وأنت اعتباراً من هذه اللحظة شخص غير مرغوب فيه".
كان بين النقاط التي استفزت العراقيين ان "أبو نضال" فتح قناة مع سورية بدءاً من 1981 وبدأ بنقل بعض كوادره اليها.
حلقة رابعة غداً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.