فشل روبرت موغابي في أن يُقنعنا بما يُفترض أنه سهل. بما يُفترض أن العالم مستعد للاقتناع به. بما يُفترض أنه صحيح بل بديهي. فشل في أن يُقنعنا بأن ازاحة الاستعمار والعنصرية أفضل من عدم ازاحتهما. لنتأمل في مدى فشل كهذا! فالزعيم الحاكم منذ اسقاط النظام العنصري لروديسيا في 1980، لا يزال مُصراً على البقاء في السلطة على رغم بلوغه ال78 سنة. انجازاته في تلك الحقبة المديدة: إفقار البلد. إقامة نظام حزب واحد. انهيار حكم القانون. إلغاء الحريات الصحافية. تراجع التعليم. تورط في حرب الكونغو دعماً لكابيلا. وفي هذه الغضون: مذبحة تم انزالها بشعب نديبيلي في الجنوب. بعد خسارته استفتاء العام 2000 قرر موغابي أن يزيد جرعة القمع: تهيأ لانتخابات مطلع الأسبوع بمعارك مفتعلة مع بريطانيا. مع المثلية الجنسية. باتهام منافسه تسافينغراي ب"الخيانة". بمنع المراقبين الخارجيين من الوصول، والداخليين من المراقبة. باعتقال 1200 ناشط محلي. بزيادة مراكز الاقتراع في المناطق الريفية المؤيدة له وانقاصها في المدن المعارضة. بتخويف البعض ووعود للبعض الآخر بالتنفيعات. هكذا فاز ب56 في المئة من المقترعين مقابل 41 في المئة. الايجابي في هذا كله أن ال56 ليست 99 أو 97. وأن تسافينغراي قائد نقابي ينتمي إلى جيل ما بعد حرب الاستقلال: أي أنه نتاج صرف للمجتمع المدني بعيداً عن الديماغوجيا القومية وتحريكها. لكن السلبي أكبر بكثير: لا مساعدات لزيمبابوي. لا استثمارات في اقتصادها المتداعي. ولما كان الانسداد السياسي هو وحده المتاح لشعب نديبيلي، زادت حظوظ الانفجار الأهلي والتقسيم للتذكير: جعل زيمبابوي شعباً واحداً لا يزال مشروعاً مستقبلياً قد ينجح وقد لا ينجح. حتى الآن يتشكل من "شعبين": النديبيليين وشعب شونا الشمالي ومنهم موغابي. المزعج في هذا أمران لا يكفّان عن التكرار في "العالم الثالث": ان "الغرب" هو الذي يطالب بالديموقراطية ويحاسب الحاكم على عدم الوفاء بها. وان افريقيا، الرسمية على الأقل، هي التي تدافع عن "شفافية ونزاهة" انتخابات موغابي، بحسب المصطلحات التي استخدمتها "منظمة الوحدة الافريقية". جنوب افريقيا وتنزانيا وكينيا وزامبيا ونيجيريا قالت كلها إنها تؤيد ديكتاتور زيمبابوي وتثق بانتخاباته. جنوب افريقيا متخوفة من انهيار الوضع في جوارها وتدفق اللاجئين عليها. الرئيس الأوغندي موسيفيني رأى أن التأييد لموغابي ينبع من الخشية أن يتفسخ بلده وينهار. ثلاث ملاحظات تفرض نفسها: 1- فرص الانهيار وتدفق اللاجئين سيكونان أعلى في ظل موغابي والاحتقان السياسي الذي يسهر عليه. 2- لماذا يُصبغ هذا الخوف من الانهيار بتصعيد نبرة العداء للغرب؟ لماذا تغطية الفشل في بناء مجتمع ودولة بديماغوجيا شعبوية رخيصة؟ 3- ما علاقة هذا "الخطاب السياسي" الافريقي بتبرير انتخابات موغابي؟ وكيف يمكن اقلاع الديموقراطية بالتالي؟ سلوك كهذا عالمثالثي أكثر منه افريقياً بالحصر. العرب يحفظونه عن ظهر قلب، وهم من كبار أساتذته والمحاضرين فيه، لكن هل يمكن بالسلوك هذا ردّ غائلة "صراع الحضارات" والنجاح في التنمية والتقدم؟