تفوق رقمي للأفلام مقابل رسوخ محلي للكتب والمكتبات    حنان الغطيمل تحصد جائزة عالمية وضمن 100 قيادية    الفتح يتعادل إيجابياً مع النصر ودياً    رئيس الأكاديمية الأولمبية السعودية "بن جلوي"يشهد تكريم خريجي دبلوم الدراسات الأولمبية    البكري تحذر من الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي    أمسية شعرية سعودية مصرية في معرض جدة للكتاب 2025    تصعيد ميداني ومواقف دولية تحذر من الضم والاستيطان    باريس سان جرمان يحرز كأس القارات للأندية «إنتركونتيننتال»    القبض على 7 إثيوبيين في عسير لتهريبهم مواد مخدرة    ضبط 952 كيلو أسماك فاسدة ببيشة    زيلينسكي: موسكو تتهيّأ ل«سنة حرب» جديدة    الخريف: مضاعفة الناتج الصناعي إلى 895 مليار ريال بحلول 2035    جلسة "منتجات سعودية مؤثرة" تستعرض نماذج نجاح وطنية ذات امتداد عالمي    التحليل اللساني لخطاب ولي العهد في واشنطن    أبو ملحة يشكر أمير عسير    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    ضبط 3 مخالفين بالمحميات    "رينارد": نسعى لإنهاء مشاركتنا بأفضل صورة ممكنة في كأس العرب    الأخضر يختتم استعداده لمواجهة الإمارات في ختام مشاركته بكأس العرب    الهيئة الملكية لمدينة الرياض تعلن نتائج القرعة الإلكترونية لمنصة التوازن العقاري    ولي العهد يعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك صباح الناصر الصباح    أمير جازان يدشّن انطلاق التصفيات الأولية لمسابقة الملك سلمان بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم    الطفل يضع بصمته في كتاب جدة 2025    إعفاء متبادل من التأشيرات لحملة الجوازات الدبلوماسية بين السعودية والهند    أمين القصيم يوقّع عقداً لمشروع جمع ونقل نفايات محافظة ومراكز البكيرية ب 23 مليون ريال    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء جمعية "تعافي"    لقاء ديوانية جمعية أكابر لكبار السن بمنطقة عسير لعام 2025م    الشؤون الإسلامية بالمدينة تشارك في البرنامج التوعوي "إنما يعمر مساجد الله من آمن" بمحافظة ينبع خلال شهر جمادى الآخرة    الشؤون الإسلامية بجازان تُنفّذ (555) جولة فنية في الجوامع والمساجد خلال شهر نوفمبر 2025م    جستر محايل تزور غرفة عمليات المدن الصحية بالمركز الشبابي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل وفد من أعضاء مجلس الشورى    أمير منطقة الجوف يرأس اجتماع المحافظين الأول للعام 1447ه    وزير الخارجية يستقبل رئيس مجلس أمناء وأعضاء مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية    المساحة الجيولوجية : الهزة الأرضية المسجلة اليوم بالمنطقة الشرقية لم تحدث خسائر    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    صعود العقود الآجلة لخام النفط الأمريكي    شوطا «المنغولية» في أكبر تجمع للصقور بالعالم    مظلات المسجد النبوي.. تُحف وإبداع معماري    «هيئة الحرمين» توفّر سوارًا تعريفيًا للأطفال    أمير نجران يُدشِّن مبادرة النقل الإسعافي للمرضى المحتاجين    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالصحافة يفتتح أحدث مركز للطب النووي والتصوير الجزيئي    تعليق الدراسة.. قرار تنظيمي تحكمه إجراءات ومعايير واضحة    «أمهات المختطفين»: عذبوا المحتجزين.. مطالبة باستبعاد مسؤولين حوثيين من مفاوضات مسقط    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيسة تنزانيا    فوز المملكة برئاسة اتحاد إذاعات الدول العربية    في دور ال 32 لكأس ملك إسبانيا.. قطبا العاصمة أمام تالافيرا وبالياريس    إطلاق برنامج «خبراء التطوير المهني» التعليمي    خروج محزن وشكراً للجماهير السعودية    السعودية تعزز التعاون الدولي في التحول الرقمي    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    جودة الحياة: تقدم جودة الحياة في مدن السعودية    الحياة الفطرية يطور الحوكمة ب« الثقوب الزرقاء»    بسبب قمع المعارضين.. كندا تفرض عقوبات على مسؤولين إيرانيين    الصحة العالمية: ظهور سلالة فيروسية جديدة للإنفلونزا    5 أشياء في منزلك تزيد من خطر السرطان    ساركوزي قد يمثل أمام القضاء مجدداً بشبهة التلاعب بالشهود    ترامب وقع أوامر تنفيذية في أقل من عام أكثر ممّا وقعه في ولايته الأولى    أمير جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد القراء - فيصل الحسيني ... شهيد القدس وفلسطين
نشر في الحياة يوم 05 - 06 - 2001

احتل المناضل البارز فيصل الحسيني مكانة رفيعة في مسيرة النضال الفلسطيني من اجل الاستقلال، ومن قلب القدس أخذ موقعه الطبيعي، متحدثاً وناطقاً ومحافظاً على التراث المقدسي ومقاوماً للاحتلال ولكل صنوف تهويد المدينة المقدسة. وهذه المرة اختار القدر فيصل الحسيني ليموت اثناء حضوره مؤتمراً يعقد في الكويت تحت عنوان: "مقاومة التطبيع مع العدو".
رحل شهيد فلسطين عضو "اللجنة التنفيذية" ومسؤول "ملف القدس" وهو الابن البار لفلسطين ولوالده الشهيد القائد عبدالقادر الحسيني الذي استشهد في معركة القسطل الشهيرة عام النكبة 1948.
أن نقترب من عالم فيصل الحسيني وسيرته مع القضية الفلسطينية والقدس، يعني اننا نستجمع الذاكرة الفلسطينية في ذروة تألقها امام المنعطفات الحساسة، وفيصل الحسيني اختارته القدس ليكون مسؤولاً في اكثر الظروف صعوبة، وخاض معركة الاستقلال في انتفاضة الأقصى. وإن حمل هذا المقدسي هموم المدينة والصراع، فهذا يعني انه حمل الحقيقة الفلسطينية عن مدينته المقدسة وتحدث بها وصارع وهو الذي اشتبك اكثر من مرة مع جنود الاحتلال المدججين بعراك بالأيدي كما حصل اثناء تفجّر انتفاضة الأقصى.
أعطى رؤيته في مجرى الحوادث واستشرف مستقبل القدس وعروبتها من قلب "بيت الشرق" مقره لما يرمز اليه هذا المكان من الطابع العربي للقدس، ولما يحفظه من تراث وملفات تاريخية تشهر في وجه مخططات التهويد. ولعله اختيار حقيقي ولامع لهذا الأمين ابن سلالة مؤمنة وارثة للقديسين والآباء التاريخيين، في حين استند الى ميراث الحياة بحركة ضميره الانساني، وعمل جاهداً من اجل بناء مؤسسات مدنية كمثل اهتمامه في المشاريع من اجل المقدسيين في القدس. وشغل المناضل فيصل الحسيني وظيفة المحافظ على تراث القدس الى جانب اعتباره الناطق السياسي للمدينة في مسألتي السيادة والعبادة.
أعاد فيصل الحسيني الى الاذهان ملف القدس في مقدمة القضايا المعاصرة وأعقدها على الإطلاق وكان محاوراً قوياً ومحاججاً ولديه التصور الكامل المتكامل للحل. نطق بالحقيقة الفلسطينية، وأعاد صوغ الوجود المقدسي للمدينة وعروبتها، نافياً فكرة التدويل او الفكر السياحي الاستشراقي، مؤكداً على السيادة الفلسطينية وتثبيت الحقوق. واستطاع هذا المقدسي ان يحشد لهذه القضية الرأي العالمي ويكوّن لها علاقات دولية ماثلة على سلّم أولويات السياسة الخارجية، وكان مثالاً لذلك اثناء زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك الى القدس...
أضف الى ذلك زيارة الحج التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني والعديد من الشخصيات العالمية. ذلك كله يؤكد على قوة التفاعل الذي أحدثه مناضل بمستوى فيصل الحسيني في متابعة ملف القدس على الصعيدين العربي والعالمي، وظهوره المستمر شبه اليومي في وسائل الإعلام العربية والعالمية. وبأسلوبه وفطنته خاض صراعاً مفتوحاً بشأن القدس فاضحاً ادعاءات القادة الصهاينة في تزوير الحقائق وتزييف الحوادث، وكان مصمماً على خوض هذه المعركة ذات الطابع السياسي والديبلوماسي، ففتح ابواب القدس للعلاقات الدولية المناصرة للحقيقة الفلسطينية ولقضية بحجم عروبة المدينة. فكان صوته مسموعاً، وكان استثنائياً في اثارته واحتجاجه على قضية الاستيطان في جبل ابو غنيم وقضية النفق المحفور تحت المسجد الأقصى. وكان مهتماً الى أبعد الحدود في ترميم الأماكن المقدسة والمحافظة على البريق الساطع لكنيسة القيامة. فكان مسيحياً بأقصاه ومسلماً في قيامته وقديساً في تاريخه وتراثه.
ومن يعرف شيئاً عن كفاح الشعب الفلسطيني سوف يعثر في صفحاته المشرقة على عائلة الحسيني المقدسية أباً عن جد وفي مختلف الأزمنة وربما سوف نعثر من داخل المشهد على فيصل الحسيني وريثاً شرعياً لهذا التاريخ، بخلود الشهداء والمجاهدين ووالده عبدالقادر الحسيني نموذجاً الى جدّه الراحل المجاهد الحاج أمين الحسيني.
وفيصل الحسيني اختاره القدر في عقدة العقد قضية القدس فازداد قوة بملف المدينة وأثّر في الحوادث وتأثر بها. قال عن الوضع الاستيطاني الاسرائيلي للقدس في احدى مقابلاته: "ان العملية منذ البداية تسير بشكل منظم ومبرمج من الناحية الاسرائيلية، وهم يتبعون ثلاث سياسات اساسية: العزلة وسياسة التهجير وسياسة الإحلال. وسياسة العزلة مكونة من محاولة عزل القدس عن بقية الشعب الفلسطيني من خلال عمليات التفتيش ومنع الفلسطينيين من المرور في المدينة. فمدينة القدس بُنيت لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني وبالتالي كانت تقدم خدماتها لأكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في البدايات، والآن يفرضون على هذه المدينة ان تقدم خدماتها لأقل من 170 ألف فلسطيني ولكم ان تتصوروا التأثير السلبي لذلك على الاقتصاد في هذه المدينة والخدمات التي فيها؟".
ومن هنا كانت رؤية فيصل الحسيني في احاديثه وتحليلاته تنبّه وتشير الى المخاطر، وتفضي كلماته الى معاني وقيمة التحليل والرؤية المستقبلية لمدينة القدس، وعندما كان يتحدث كانت تظهر علامات الحزن الجليل على وجهه، فهو انسان كريم يكشف عن محتوى يفيض محبة وسماحة، وشخصيته تتسامى مع حزنها على قدسه الأسيرة، قلبه يمتلئ بالإيمان بحتمية النصر، انتصار الحق على الباطل، وربما تلمس النصر في ايامه الأخيرة، للانتفاضة والمقاومة ورحل مطمئناً. ونحن في معمعة الخسارة على رحيله حتى وإن توقف قلب قديس بحجم فيصل الحسيني فإن فعله ومآثره الكبيرة لن تتوقف، فهي تروي سيرة مدينة ومقدسات تاريخية وشعب مقدسي، وربما سنعثر مع جنازة فيصل الحسيني على حداد المدينة وهي مكللة بالسواد، إلا أننا سنعثر ايضاً على بقعة ضوء ترسم صورة صاحبها المقدسي وسط هذه الظلمة او الصمت العربي الماحق.
قرعت الأجراس وعلت اصوات المآذن في الأقصى حداداً على ابن القدس البار، فهو كأسلافه الشهداء ازداد قوة وحضوراً بمجاراة الصوت ووقفاً على الحق التاريخي.
وفيصل الحسيني مات في قلب المعركة الانتفاضة - المقاومة. رحل ومعه امل الانتصار القريب، جمع اكبر مقدار من ملفاته، تحرك واستنفر وواجه الخطر الداهم الاستيطاني والدائم الاستعماري الاحتلالي الذي يهدد المدينة المقدسة، خطر التهويد والمستوطنات.
لا نريد خاتمة تسدل الستار على موت هذا المقدسي، بل موته سيفتح أبواب المدينة... افتحوا ابواب المدينة واستقبلوا فيصل الحسيني فإن الموت فيها حياة، افتحوا ابواب المدينة... باب الخليل - باب العمود - باب الحديد - باب الساهرة - باب ستّنا مريم - باب المغاربة - باب النبي داود - الحرم الشريف - والمسجد الأقصى وكنيسة القبر المقدس - افتحوا طريق الآلام وحديقة الجثمانية والطريق الى جبل الزيتون... افتحوا الأرض والسماء، أزيحوا عنها الغيوم الرمادية علّها تنفتح كشراع ملوّن.
امنحوا فيصل الحسيني تأشيرة دخول الى مدينته ومسقط رأسه، فهو منح المدينة شرعية وجودها العربي والديني الاسلامي والمسيحي، ومنحنا الحياة والاستمرار في هذه المدينة، ومنح الغرباء فرصة الخروج الى حقيقتهم المنفية... أعطوه مكاناً قبراً وهيّئوا موكباً جنائزياً مهيباً يليق به وبحقيقته الباقية يوم الوداع.
ماهر اليوسفي - كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.