"الحج" تختبر خطط التفويج بفرضية ثانية    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    من أعلام جازان .. الشيخ عيسى بن رديف بن منصور شماخي    26 % ارتفاع أعداد الركاب في المطارات لعام 2023    الصمعاني يشارك في قمة رؤساء المحاكم في دول G20    قمّة المنامة دعامة قوية للتكامل العربي والسلام الإقليمي    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    بمشاركة 11 دولة.. ورشة لتحسين نظم بيانات المرور على الطرق    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    5 استخدامات ذكية ومدهشة يمكن أن تقدمها القهوة    جناح طائرة ترامب يصطدم بطائرة خاصة في مطار بفلوريدا    النفط يرتفع.. و"برنت" عند 82.71 دولاراً للبرميل    بايدن سيستخدم "الفيتو" ضد مشروع قانون يلزمه بإرسال الأسلحة لإسرائيل    أمير القصيم: تطوير القدرات البشرية يحظى بعناية كبيرة من القيادة    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    خادم الحرمين يرحب بضيوف الرحمن ويوجه بتقديم أجود الخدمات    سفيرة المملكة في واشنطن تلتقي الطلبة المشاركين في آيسف    سعود بن بندر يثمّن جهود هيئة النقل    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    إطلاق مبادرة «دور الفتوى في حفظ الضرورات الخمس»    الاتحاد الأوروبي يوسع العقوبات على إيران    المجون في دعم كيان صهيون    صحة نباتية    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    المان سيتي يكسر عقدة ملعب توتنهام الجديد وينفرد بصدارة الدوري الإنجليزي    الهلال والنصر.. والممر الشرفي    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في شباك ديبورتيفو ألافيس.. وفينيسيوس يُسجل هاتريك    كأس إيطاليا بين خبرة اليوفي وطموح أتالانتا    لجلب صفقات من العيار الثقيل.. النصر يعتزم الاستغناء عن 3 أجانب    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. الصفا يستقبل الجبلين.. والعدالة في مواجهة العين    بلادنا وتحسين إنتاجية الحبوب والفواكه    الأمن والاستقرار    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    أهمية الاختبارات الوطنية «نافس» !    شرطة الرياض تقبض على مروجي حملات حج وهمية    الهواء داخل السيارة يحتوي مواد كيماوية ضارة    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    وزير العدل يبحث مع رئيس المحكمة العليا في أستراليا سُبل تعزيز التعاون    طموحنا عنان السماء    أمير تبوك يثمّن إهداء البروفيسور العطوي جامعة تبوك مكتبته الخاصة    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    إعفاءات.. جمركية بالأسوق الحرة    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    واتساب تطلق تصميماً جديداً    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    تفقد محطة القطار ودشن «حج بلياقة».. أمير المدينة المنورة يطلع على سير الأعمال بالمطار    الوجه الآخر لحرب غزة    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة فرانز كافكا في العالم : الكوريون مولعون به والعرب اجتزأوه ...
نشر في الحياة يوم 27 - 06 - 2001

} يقدم كتاب "ببليوغرافيا كافكا الدولية للمؤلفات والدراسات". ط2، ساور - ميونيخ، 2000 بياناً لجميع طبعات آثار كافكا في العالم بين عامي 1908 و1997.
مؤلفا ببليوغرافيا كافكا هذه استاذا الادب الالماني في جامعة تمبل الاميركية ماريا لويزه كابوتو-ماير ويوليوس هرتس كتبا مقدمة طويلة في عنوان "بعض الملاحظات عن تأثير كافكا في العالم" تشكل نبعاً من المعلومات حول انتشار ادب كافكا 1883-1924 عالمياً.
ترجمات آثار كافكا الى اللغة الكورية هي الاكثر غزارة. والباحثون الكوريون يعتمدون على ببليوغرافيا كورية عن كافكا. وهناك ترجمات جديدة لهذه الآثار الى اللغات الفرنسية والانكليزية والاسبانية والهولندية والايطالية والتشيخية، عن الطبعة الممتازة لدار فيش 1982. ومن المتوقع ظهور ترجمات اخرى اكثر جدة نتيجة "طبعة خط اليد" الاصلية التي بدأت تنشر ابتداء من عام 1994 عن دار شترومفلد. وذلك لأن هذه الطبعة تضع بعض وجوه الطبعة النقدية - التاريخية طبعة فيشر موضع تساؤل. وأثارت "طبعة خط اليد" لرواية "المحاكمة" جدلاً جديداً حاداً. ورفض مالكوم باسلي، القيّم على معظم مخطوطات كافكا في مكتبة جامعة اكسفورد، السماح لدار شترومفلد بتصوير هذه المخطوطات. وناشد عدد كبير من الباحثين العالميين في آثار كافكا باسلي وورثة كافكا السماح بمواصلة نشر صور المخطوطات.
يُعتبر كافكا من ايقونات الادب العالمي في القرن العشرين، وهو "جد اعلى لورثة كثيرين". في عام 1996 نشر باحث الماني كتاباً بعنوان: "خيانة وبيع؟ معضلات تلقي آثار كافكا في فرنسا"، قال فيه إن هذا التلقي ادى الى كثير من سوء الفهم والى "خيانة" آثار كافكا. ويمكن لهذه النظرية ان تعتبر اساساً قام عليه تلقي آثار كافكا في العالم كله. باحث ثان استند الى رأي لالياس كانيتي واعتبر كافكا "خبيراً في السلطة"، وركّز على "صور العنف" الكثيرة في آثار كافكا، وعلى ارتباط هذه الصور بالافكار الاقتصادية والرأسمالية.
وهناك باحث اعطى لكافكا دوراً جديداً بصفته "دون جوان" خطراً. ورأى باحث آخر في فعل الكتابة لدى كافكا محاولة للتغلب على موضوع الجنس. وثمة دراسات عدة عن تأثير كافكا على عدد كبير من الكتاب المحدثين في بلدان مختلفة مثل: دورنمات، بورخيس، فيليب روث، الياس كانيتي، ايشنغر، هاندكه...
وفي العقدين الاخيرين قامت جمعيات كافكا بدور. وتأسست الجمعية الاولى في اميركا. اسستها ماريا لويزه كابوتو - ماير. وتعقد هذه الجمعية مؤتمراً سنوياً، وبهذا خلقت منبر نقاش لمحبي كافكا في العالم. وباتت نتائج هذا النقاش تنشر، ابتداء من عام 1977، في مجلة "جمعية كافكا". أضاءت هذه المجلة، طوال ربع قرن، قسماً مهماً من كامل الابحاث والدراسات عن كافكا، وقدمت للباحثين الشباب منهم والمشاهير امكانية لتبادل الآراء والاطلاع المتبادل على نتائج ابحاثهم. وكانت المجلة تنشر معلومات عن عمل معهد ببليوغرافيا كافكا في جامعة تمبل في فيلادلفيا، حيث نشأت هذه الببليوغرافيا ايضاً.
وتطلعنا هذه المجلة على المواضيع التي كانت تهم الباحثين الاميركيين، وأهمها: كافكا والواقعية، تاريخ ثقافة القرن العشرين، النساء، الرواية الجديدة، الادب الراهن، الفلسفة، كافكا في مرآة سيرة حياته، كافكا والاتجاهات الجديدة في التحليل النفسي، كافكا وعصر اعادة الانتاج الآلية، كافكا وترجماته، كافكا والبيروقراطية، كافكا ومعاصروه من الكتاب، كافكا والمسرح والفيلم، كافكا في افق حداثي، كافكا ايقونة ثقافية، "اقليم كافكا"، كافكا نقاداً ادبياً.
بعد تأسيس جمعية كافكا الاميركية، تأسست كذلك جمعية كافكا النمسوية في بلدة كلوسترنويبورغ قرب فيينا، حيث كان كافكا توفي في مصح يقع في الجوار. ومنذ اواخر سبعينات القرن العشرين تقوم هذه الجمعية بتنظيم ندوات دولية، ونشرت نتائج هذه الندوات في ثمانية مجلدات، حتى الان، بعنوان: "سلسلة جمعية فرانز كافكا". وكل مجلد يضم، في المقام الاول، دراسات عن موضوع واحد، مثل: "كافكا والتنبؤ"، "ماذا يبقى من كافكا؟". "كافكا في العالم الشيوعي". وفي العقد الاخير من القرن العشرين اهتمت هذه الجمعية بتأثير الباحثين في شعر كافكا من العالم الشيوعي سابقاً، وتعتني بالمبنى الذي توفي فيه كافكا في بلدة كيرلنغ المجاورة كما انها تقوم باصدار نشرة دورية عن كافكا. وفي عام 1992 تأسست جمعية كافكا في هولندا.
وتقوم باصدار نشرة فصلية عن كافكا في اللغة الهولندية. كما انها تقيم ندوات ومؤتمرات، وتنشر معلومات وبيانات ببليوغرافية ودراسات ومقالات.
وفي كوريا اسس باحثون في آثار كافكا جمعية قامت بترجمات لا حصر لها لآثار كافكا، وأسهمت في انتشار هذه الآثار انتشاراً مدهشاً لا نظير له. وفي براغ تقوم جمعية كافكا التشيخية، قبل كل شيء، بالدعاية لكافكا، وتنشر دراسات مختصة بكافكا، كما تصدر نشرة دورية، في اللغتين التشيخية والانكليزية، بعنوان: "الانمساخ"، وتقيم المعارض.
ويبدو ان السلسلة الطويلة من الندوات عن كافكا لا تنقطع. في عام 1983 عقد في بولندا "مؤتمر كافكا" الدولي الاول. وفي عام 1992 حوّل الكاتب والمخرج المسرحي جيورجي تابوري من اصل هنغاري، يعمل في المانيا مدينة في شمال ايطاليا، طابعها من القرون الوسطى، حوّلها بكاملها الى "بلاد كافكا" دولية، وذلك بمساهمة فرق دولية، مسرحية وموسيقية وللباليه والانشاد، وكذلك من خلال افلام وعروض اوركسترا.
ولا تنقطع الاقتباسات المسرحية والسينمائية لآثار كافكا. والانترنت يقدم طوفاناً من مواقع كافكا والبيانات الببليوغرافية ونصوصاً من آثاره وترجمات هذه الآثار.
وليس من اليسير تفسير شهرة كافكا العالمية، التي بدأت ببطء ثم تزايدت بسرعة. وعلى رغم ادعاءات مضادة، ثبت ان كافكا لم يكن مجهولاً عند وفاته في عام 1924. بل كان يتمتع بشهرة الى حد ما بصفته كاتب قصص، اعيدت طباعة بعضها في صحف وهو ما زال على قيد الحياة. ففي عام 1922 نشرت قصة "فنان الجوع" في صحيفتين اميركيتين كانتا تصدران في اللغة الالمانية في نيويورك وشيكاغو. وبين عامي 1920 و1924 صدرت ترجمات لقصصه في اللغات التشيخية والهنغارية والنروجية والكاتالانية. وأسهمت امسيات ادبية في التعريف بكافكا. وبعد وفاته نشرت مقالات نعي ليس في براغ وحدها في اللغتين الالمانية والتشيخية، وانما كذلك في برلين ولايبزيغ وفيينا وبراتيسلافا هنغاريا. ولم يعد في مقدور اسرة كافكا الرد شخصياً على بطاقات التعزية. وأقيمت لكافكا حفلتا تأبين في براغ وفيينا.
غير انه من الواضح ان الآثار التي اعدها كافكا بنفسه للطباعة - والتي ليس بينها اية رواية - لم تكن خليقة ان تكفي قط لتعليل شهرته العالمية الحالية. وكان الاعتراف بكافكا، المتزايد ببطء، يعزى قبل كل شيء الى نشر رواياته الثلاث بتتابع سريع بين عامي 1925 و1927. وكان هدف ماكس برود من نشر هذه الروايات هو ان يجعل صديقه مشهوراً، ولذا قدمها بصفتها روايات مكتملة. وكتب عنها مقالات كثيرة، ثم نشر بقية التركة الادبية لكافكا.
اثرت هذه الآثار ايجاباً في نفوس كبار الكتّاب الالمان آنذاك، وبينهم كورت توخولسكي، وهرمان هسّه وتوماس مان وألفرد دوبلن. وفي المنطقة الناطقة بالالمانية وضعت الاسس التي قام عليها الاعتراف بكافكا بصفته كاتباً ذا اهمية، وان لم يكن بالامكان الحديث عن شهرة عالمية بعد.
لكن في الوقت نفسه تقريباً بدأ تطور في جنوب اوروبا وغربها، خارج نطاق اللغة الالمانية، كان حاسماً في قيام شهرة كافكا العالمية المقبلة. ففي غضون اعوام قليلة ترجمت آثار لكافكا الى لغات عدة كانت محط اهتمام كبير. لكن حتى الآن لم توضع دراسات عن اسباب ترجمة كافكا بالذات واهتمام القراء بهذه الترجمات. في بلجيكا نشرت في عام 1925 ترجمة لخمس قصص من قصص كافكا.
وفي العام نفسه نشرت في مدريد مجلة اسبانية مشهورة قصة "الانمساخ" من ترجمة خورخيه لويس بورخيس. وبعد عامين نشرت المجلة نفسها دراسات مطولة عن روايتي "المحاكمة" و"القلعة". وذلك في وقت عام 1927 لم تكن توجد ترجمات فرنسية او انكليزية.
في عام 1928 نشرت مجلة في ميلانو ترجمات ايطالية للمرة الأولى. وفي العام نفسه نشرت "الانمساخ" في اللغة الفرنسية من ترجمة الكسندر فيالات، الذي كان بالاشتراك مع السورياليين مسؤولاً عن شعبية كافكا في فرنسا. وفي العام نفسه نشرت قصة "الحكم" في الانكليزية. وبهذا ثبتت قدما كافكا في الولايات المتحدة ايضاً حيث كان لدى كافكا الكثير من الاقارب البعيدين بينهم كاتبة تدعى كمبرلي كافكا. لكن في المقام الاول كانت موهبة الشاعر الاسكتلندي ادوين موير وموهبة زوجته هي التي قامت ابتداء من عام 1930، بفتح العالم الانكلو - اميركي امام كافكا.
وجزء من سر انتشار آثار كافكا، في لغات اخرى ايضاً، يكمن لدى المترجمين. وكثيرون منهم قدموا انجازات بصفتهم كتاباً او علماء. ويمكن تسمية سلسلة طويلة من اسمائهم. اصاب كافكا، اذاً، حظ كبير في ما يتعلق بمترجمين اتقنوا عملهم. وحتى اليوم تصدر ترجمات جديدة. وذلك لواحد من سببين، اولاً: صدور الطبعة النقدية - التاريخية في المانيا، وثانياً التغييرات في استخدام اللغة مع مرور الزمن. وليست الترجمات كلها عن الأصل الالماني. فهناك ترجمات اسبانية عن الفرنسية، وترجمات صينية عدة عن الانكليزية.
في المانيا وبالنسبة الى دور النشر الالمانية - التي بدّلها ماكس برود مرات عدة لم يكن كافكا كاتباً رائجاً في سوق الكتب. كان بالاحرى "اشارة سرية" لحلقة قراء متزايدة باستمرار. لكن بعد الحرب العالمية الثانية تبدل ذلك تبدلاً جذرياً.
قياساً الى قلة عدد السكان نسبياً في الدول الاسكندنافية، فإن العدد الكبير لترجمات آثار كافكا يثير الدهشة، وذلك من دون رواج هذه الآثار في سوق الكتب.
في المانيا تجاوزت مبيعات كل من رواية "المحاكمة" و"القصص" مليون نسخة منذ فترة طويلة. وبعد سقوط حقوق الطبع، بعد مضي سبعين عاماً على وفاة كافكا، اصبحت آثاره تصدر لدى سبع دور نشر كبرى مختلفة.
في بريطانيا والولايات المتحدة تقوم دور نشر كبرى بنشر ترجمات هذه الآثار. وفي الفترة الاخيرة دخلت دور نشر في براغ صراع المنافسة بطبعات في اللغتين الالمانية والانكليزية. ومنذ سنوات طويلة يوجد طبعات "آثار كاملة" في اللغات الفرنسية والايطالية واليابانية والكورية والهولندية والاسبانية والكرواتية الصربية. ومما يفاجئ هو عدم وجود طبعة "آثار كاملة" في اللغة الانكليزية.
في العالم الناطق بالاسبانية تقوم اكثر من عشر دور نشر كبرى باصدار ترجمات لآثار كافكا، وخصوصاً في مدريد وبرشلونة وبيونس ايرس وهافانا، ومعظم الترجمات البرتغالية تصدر في سان باولو وريو دو جانيرو ولشبونة، وتوزع في ثلاث قارات.
في البلدان السلافية لا نجد ترجمات لكافكا قبل الحرب العالمية الثانية سوى في تشيكوسلوفاكيا وبولندا. بعد عام 1945 فهم موظفو الثقافة في المعسكر الشرقي، كافكا الفردي، رمزاً للاستلاب ونقداً للايديولوجية الجماعية. وبعض محبيه تحدثوا عن "خوف العالم الشيوعي من كافكا". في بعض البلدان الشيوعية كان نشر آثار كافكا او دراسات عنها امراً محظوراً. وكانت يوغوسلافيا تشكل استثناء. لكن "قمع" كافكا لم يكن شاملاً.
ففي عام 1957 صدرت ترجمات في هنغاريا وبولندا، وبعد ذلك في براغ. إن بولندا تتميز بتسامح في المجال الثقافي. وحتى عام 1990 طبع من كل من روايتي "المحاكمة" و"القلعة" اكثر من 300 ألف نسخة. وتجاوز عدد الدراسات والمقالات التي كتبت ونشرت في اللغة البولندية عن آثار كافكا المئتين. وقامت مسارح في مدن بولندية بتقديم عروض مسرحية مقتبسة من روايات كافكا وقصصه وحتى رسائله. كما قدم التلفزيون البولندي افلاماً تلفزيونية عدة مقتبسة من آثار كافكا. وفي براغ قدمت سلسلة طويلة من المسرحيات المقتبسة من آثار كافكا، توجت في ايار مايو 1989 بمهرجان كافكا الذي استمر عشرة ايام.
في عام 1962 صدرت اول ترجمة لكتاب من كتب كافكا في الاتحاد السوفياتي، وذلك باللغة الاستونية. ثم صدرت بعض الترجمات لآثار كافكا في اللغتين الاوكرانية والروسية. وفي الوقت نفسه صدرت ترجمات في بلغاريا ورومانيا.
بعد سقوط الحكومات الشيوعية زاد الاهتمام بكافكا في بعض البلدان، وخصوصاً في الجمهورية التشيخية. ان جمعية كافكا التشيخية تحصل على معونات من الحكومات التشيخية والالمانية والنمسوية. وحالياً يجرى الاعداد لاصدار طبعة "آثار كاملة" تشيخية.
وكذلك نرى في امم صغيرة من ناحية عدد سكانها، مثل فنلندا التي قامت بترجمة وطباعة واعادة طباعة اقسام كبيرة من آثار كافكا. وايسلندا، التي يبلغ عدد سكانها 270 ألف نسمة، ترجمت ونشرت بعض آثار كافكا. في مقدونيا ابتداء من عام 1962، وبقية البلدان التي كانت تشكل يوغوسلافيا، ترجمت آثار كافكا وطبعت في بلغراد وزغرب منذ عام 1953. حتى نهاية ستينات القرن العشرين كانت جميع آثار كافكا مترجمة الى اللغة الكرواتية الصربية. بعد عام 1969 باتت قراءة رواية "المحاكمة" في المدارس الثانوية الصربية الزامية.
بين البلدان الاسلامية تقف تركيا في المقدمة الى حد بعيد. الا ان ديبلوماسياً في المانيا وضع لنفسه هدفاً هو ترجمة "الآثار الكاملة" لكافكا الى اللغة العربية. وعلينا ان نتمنى له المثابرة والتوفيق.
في ما يتعلق بترجمة كافكا، في العقد الاخير من القرن العشرين، الى لغات جديدة وتلقيه في اصقاع اخرى، تظهر جغرافيا كافكا مثيرة: من الواضح ان لكافكا وطناً في بلدان وقارات اخرى مثلما له وطن في اوروبا وأميركا. وتحليل بعض الارقام الاحصائية، التي تبدو جافة في البداية، يقود الى نتائج مفاجئة.
في اللغة الالمانية يوجد 194 طبعة مختلفة من الطبعات التي تضم اكثر من اثر من آثار كافكا. في اللغة الاسبانية 188 طبعة. في اللغة الايطالية 100 طبعة، في الانكليزية 87 طبعة، في الفرنسية 72 طبعة، في البرتغالية 43 طبعة، في اليابانية 39 طبعة، في السويدية 26 طبعة، في النروجية 14 طبعة، وفي اللغة الصربية 9 طبعات.
وفي ما يتعلق برواية "المحاكمة" جاءت الارقام كالآتي: في اللغة الالمانية 78 طبعة، في الانكليزية 61 طبعة، في الاسبانية 43 طبعة، في الايطالية 35 طبعة، في الفرنسية 28 طبعة، في البرتغالية 25 طبعة، في الصربية 24 طبعة، في الهولندية 18، في السويدية 17، في النروجية 16، وفي اللغة اليابانية 9 طبعات.
ان مراكز موجات كافكا في آسيا تقع في اليابان وقبلها في كوريا. عدد ترجمات كافكا الى اللغة الكورية، مفاجئ. واليابان ترجمت كل شيء من كافكا تقريباً، وأسهمت، فوق ذلك، في الدراسات والأبحاث عنه. في كوريا ظهرت الترجمات الاولى لكافكا في عام 1955، وذلك بعد عامين فقط من الهدنة. ولعل القلق هو الذي دفع جيل ما بعد حرب كوريا الى اكتشاف كافكا، كما فعل الجيل القلق في اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وفي الصين بدأ تلقي كافكا في عام 1979، اي بعد الثورة الثقافية. وهذا التلقي ما زال محصوراً في حدود ضيقة. وبعض الترجمات تقوم على ترجمات انكليزية. وكان ثمة ترجمة صينية اولى بعنوان "ظاهرة فرانز كافكا"، لا تصل الا الى حلقة من اعضاء الحزب الشيوعي. لكن العقد الاخير من القرن العشرين اظهر ازدياداً هائلاً في الاهتمام بكافكا في هذه البلاد. وفي تايوان صدرت الترجمات الاولى لقصص كافكا في عام 1960. غير ان بعض البلدان الآسيوية ما زالت تقف موقف الارتياب ازاء التأثيرات الادبية الغربية. وعلى الارجح تقوم الازمات الاقتصادية والسياسية في افريقيا بعرقلة التعامل مع كاتب اوروبي. لكن هناك استثناءات.
مما يلفت النظر ان ترجمة لرواية "المحاكمة" نشرت في النروج في خريف عام 1933، وكتب عنها 29 مقالة نقدية.
في رومانيا نشرت في عام 1964، 20 ترجمة لبعض القصص. وبعد ذلك نشرت ببليوغرافيا عن الأدب الالماني المترجم الى اللغة الرومانية، ضمت 102 مقالة نقدية عن كافكا. وحتى في مقاطعة كوسوفو وجدت في عام 1972 ترجمة البانية لرواية "المحاكمة"، وفي عام 1980 ترجمة لرواية "القلعة".
بدأت ترجمات كافكا الى الاسبانية عام 1934 في اسبانيا. لكن بلدان أميركا الجنوبية والمكسيك قدمت الى كافكا وطناً جديداً لم يكن متوقعاً قط. في العالم الناطق بالاسبانية عرفت اسبانيا وأميركا اللاتينية تطورات متفاوتة. فإسبانيا اظهرت اهتماماً باكراً بكافكا، لكن هذا الاهتمام لم يستمر طويلا. فابتداء من عام 1936 تحولت بونس أيرس الى مركز ترجمة لآثار كافكا. وانطلاقاً من الأرجنتين انتشر كافكا في العقدين الخامس والسادس من القرن العشرين في البلدان الأخرى في أميركا اللاتينية. بعد ذلك انتقل مركز ثقل نشر آثار كافكا الى اسبانيا ثانية، ووصل الى ذروته في العقدين التاليين، ثم تناقص بسرعة في العقد الأخير من القرن العشرين. ويمكن القول ان ترجمات كافكا الى الاسبانية وجدت قراء متحمسين في عهد محدد هو عهد النازية والشمولية في أوروبا.
حتى نهاية العقد السادس كانت اللغة الفرنسية هي، بعد اللغتين الالمانية والانكليزية، أهم لغة بالنسبة الى ترجمات كافكا، بعد ذلك تفوقت الطبعات الاسبانية والايطالية على الطبعات الفرنسية.
أصبح كافكا بصفته كلاسيكياً عصرياً موضوع أبحاث أكثر من غيره من كتّاب القرن العشرين، وصار مثله مثل شكسبير ودانتي وموليير، مُلْكاً عاماً للعالم المتحضر. وهذه الببليوغرافيا تعبّر عن هذا الوضع، كما انها تفيد تلك البلدان واللغات التي لم تضع بعد ببليوغرافيا خاصة بها لأعمال كافكا. ليس غريباً بعد هذا ان نعلم ان حكومة المانيا الاتحادية ابتاعت عام 1988 مخطوطة "المحاكمة" في مزاد علني ب1،1 مليون جنيه استرليني.
يحفظ "أرشيف الأدب الالماني" في مدينة مارباخ مخطوطات الآثار الأدبية المكتوبة باللغة الالمانية في العصر الحديث كله، كما يحفظ كل ما يصله من ترجمات هذه الآثار الى لغات أخرى.
في مطلع عام 1998 عثرت السيدة كابوتو - ماير على كتابي "الحكم" و"رسالة الى الوالد" العربيين، مع ترجمة لغلافيهما الأول والأخير وفهرسيهما الى الالمانية.
وعلى الفور اتصلت بي السيدة كابرتو - ماير هاتفياً، وتحدثت مطولاً، وأبدت سعادة لا توصف لعثورها، أخيراً، على ترجمات لكافكا الى اللغة العربية. وسألتني عن عملي المقبل، فأعلمتها ان المجلد الأول من "الآثار الكاملة" هو قيد الطبع، فرجتني موافاتها، بالفاكس، بما لديّ بالالمانية عن هذا المجلد. وقالت انها أرسلت لي في اليوم نفسه رسالة طويلة.
وفي اليوم التالي تسلّمت الرسالة. ومما جاء فيها ان الكاتبة حضرت من أميركا من أجل تصحيح بروفات الطبعة الثانية من ببليوغرافيا كافكا، واثناء عملها في "أرشيف الأدب" اكتشفت فيه الكتابين العربيين. "أود أن أضيف، بالضرورة، هذا العمل الى الببليوغرافيا، وأرجوك موافاتي بمعلومات اضافية بأسرع ما يمكن...".
أرسلت لها في اليوم التالي، بالفاكس، ترجمة المانية لغلافي المجلد الأول من "الآثار الكاملة" وفهرسه، كنت أعددتها سابقاً كي أرسلها الى "أرشيف الأدب" مع نسخة من الكتاب حين صدوره.
واذ كانت السيدة كابوتو - ماير تحدثت معي، بسبب السرعة، وأنا في عملي في سفارة عربية، بعد ان اخذت رقمي من أسرتي، ظنّت - ظلماً - انني ديبلوماسي. وكتبت في ما بعد في مقدمة الببليوغرافيا ان "ديبلوماسياً في المانيا وضع لنفسه هدفاً هو ترجمة الآثار الكاملة لكافكا الى اللغة العربية. وعلينا ان نتمنى له المثابرة والتوفيق".
بعد صدور الببليوغرافيا في عام 2000 أرسلت الى السيدة كابوتو - ماير في جامعة تمبل في فيلادلفيا نسخة من المجلد الأول من "الآثار الكاملة" ورجوتها تصحيح المهنة - التهمة في الطبعة الثالثة من "ببليوغرافيا كافكا الدولية للمؤلفات والدراسات".
* كاتب سوري مقيم في المانيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.