أمير حائل: المنطقة مقبلة على استثمارات نوعية واستحداث فرص العمل وضخ المشاريع الكبيرة    سمو أمير المنطقة الشرقية يفتتح " مشروع أرينا الخبر "    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 125 شهيدًا    الإحصاء تنشر إحصاءات النقل الجوي 2024    الهيئة السعودية للمياه تُعفي بعض المخالفين من الغرامات المالية    الأهلي يُعلن بقاء يايسله لنهاية عقده    من أعلام جازان.. الشيخ علي بن ناشب بن يحيى شراحيلي    "الأرصاد" تحذر من تدنٍ في مدى الرؤية بمعظم مناطق المملكة    صحفيو مكة المكرمة يبحثون الدراسات الإعلامية بالحج    ترمب.. الأمريكي المختلف!    ترمب يؤكد التواصل مع الرئيسين لوقف الحرب.. الكرملين يربط لقاء بوتين وزيلينسكي بالتوصل لاتفاقيات    حراك شعبي متصاعد واحتجاجات في عدة مدن.. سحب الثقة من حكومة الوحدة يضع ليبيا في مفترق طرق    سمو ولي العهد يعزي رئيس جمهورية الأوروغواي الشرقية في وفاة رئيس الجمهورية الأسبق    في ختام الجولة 32 من دوري روشن.. الأهلي يقسو على الخلود.. والأخدود على شفا الهبوط    الألماني يايسله يعلن رحيله عن الأهلي    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    "الداخلية" تحذر من حملات الحج الوهمية    تستهدف طلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة .. التعليم: اختبارات «نافس» في 8 مدارس سعودية بالخارج    ترحيل 11.7 ألف مخالف وإحالة 17 ألفًا لبعثاتهم الدبلوماسية    "سدايا":11 مطاراً ضمن مبادرة "طريق مكة    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    "تقنيات الجيوماتكس" تعزز السياحة في السعودية    25 موهوبًا سعوديًا يتدربون في فنون المسرح بلندن    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    تدشين خدمة الزائرين وضيوف الرحمن بالذكاء الاصطناعي    إطلاق النسخة التجريبية الأكبر لمشروع الذكاء الاصطناعي بالمسجد النبوي    وصول التوأم الملتصق الفلبيني إلى الرياض    لأول مرة.. تشخيص الزهايمر بفحص عينة من الدم    أباتشي الهلال تحتفل باللقب أمام الاتحاد    أخضر الصالات يتجاوز الكويت ودياً    بالاس يقهر السيتي ويتوج بلقبه الأول    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على الخلود    انفجار قنبلة بالقرب من مركز للصحة الإنجابية في كاليفورنيا ومقتل شخص    الذهب يسجل أسوأ أسبوع في ستة أشهر مع انحسار التوترات التجارية    قوة المملكة وعودة سورية    المملكة تجدد رفض تهجير الفلسطينيين والاعتداءات الإسرائيلية على سورية    «تنمية شقراء» تُكرّم داعمي البرامج والمشروعات    وزارة الداخلية: لا حج بلا تصريح    تضارب في النصر بشأن مصير رونالدو    "شؤون المسجد النبوي" تدشّن "المساعد الذكي الإثرائي"    فرع الشؤون الإسلامية بالشرقية يعلن جاهزيته لتنفيذ خطة الحج    تأكيد ضرورة توحيد الجهود للتغلب على التحديات في المنطقة العربية وإرساء السلام    المملكة.. الثاني عالميًا في «آيسف الكبرى»    مستشفى الملك فهد الجامعي يطلق أربع خدمات صيدلية    440 مليار ريال استثمارات مدن    تكريم إلهام علي وأخريات في حفل «المرأة في السينما» في كان    حين تلتقي المصالح وتستقر الموازين    فهد بن سعد ومسيرة عطاء    قلب الاستثمار.. حين تحدث محمد بن سلمان وأنصتت أميركا    71 عملية جراحية وقسطرة قلبية لضيوف الرحمن بالمدينة    قمة بغداد: تنديد بالحرب والحصار في غزة وعباس يدعو لنزع سلاح حماس    إغلاق وضم مدارس بالمجاردة    اختبارات نافس في 8 دول    كيف ترسم الصحة السكانية مستقبل المملكة    سمو أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج 100 صحفي وإعلامي    أكثر من 6000 حاجاً يتلقون الخدمات الصحية بمدينة الحجاج بمركز الشقيق خلال يومين    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش زيارة البابا: الصحافة الغربية تنهل من الجعبة ذاتها . تشويه صورة سورية يفرض قيام حملة مضادة معززة بالأرقام والمعلومات
نشر في الحياة يوم 10 - 06 - 2001

اظهرت تغطية الصحف البريطانية والاميركية زيارة البابا يوحنا بولس الثاني الى دمشق مطلع أيار مايو الماضي مدى عمق "التصورات المسبقة" عن سورية التي تحتاج الى حملة من العلاقات العامة تقوم بها الحكومة.
وفي ظل عدم توافر المعلومات من الجانب السوري في مقابل غزارة من الجانب الاسرائىلي، تميل التغطية في الغالب الى عكس وجهة النظر الاسرائيلية. لذلك فان "فتح الحدود" امام مئات الصحافيين لتغطية زيارة البابا كان اختراقاً كبيراً في كيفية تعاطي المؤسسة الحكومية مع "ثورة الاتصالات" عبر التكيف وليس القطيعة معها. ولا شك في ان المقالات المكتوبة تعكس مدى الحاجة الى جهد مكثف معزز بتقديم المعلومات المقابلة والقيام بحملات منظمة وعدم الاكتفاء بالصمت تجاه الحملات الاسرائىلية المستندة الى مقدار كبير من الخبرة العملية والمعرفة النظرية لاصول التعاطي الاعلامي-الاتصالي مع الرأي العام الغربي بآليات منظمة وليس ب"نظام النزوات".
ويبدو فارق التعاطي واضحاً بالحملة المنظمة التي شنت على سورية بعد تصريحات الرئيس بشار الاسد الاخيرة التي بدأت في القمة العربية في آذار مارس عندما قال ان "المجتمع الاسرائىلي اكثر عنصرية من النازية" او لدى حديثه عن "معاناة السيد المسيح ومحاولة الغدر بالنبي محمد" بالتزامن مع حديثه عن "العدوان الاسرائىلي على الشعب الفلسطيني" من دون ذكر كلمتي "اليهود" و"اسرائىل" في نص خطابه.
وهناك اعتقاد سوري ان الحملة كانت ستشن بعد فشل المساعي الاسرائىلية لعدم قيام الحبر الأعظم بزيارة سورية كما حصل مع العراق العام الماضي، ول"السعي الى الاساءة الى سمعة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين"، إضافة الى "الود الكبير" او "الكيمياء" بين الاسد والبابا.
واستخدمت الدولة العبرية ثلاث وسائل في حملتها، هي: اولاً، القنوات الديبلوماسية بقيامها بارسال رسائل الى عدد من الدول الاوروبية والى الامم المتحدة تتضمن تصريحات المسؤولين السوريين "المعادية للسامية". ثانياً، نشر اعلانات تجارية مدفوعة ضد سورية وتشويه تصريحات الرئيس الاسد. ثالثاً، تسريبات الى صحف اميركية وبريطانية مع شن حملة من التصريحات الصحافية بلسان كبار المسؤولين الاسرائىليين ضد حكم الاسد وبلاده...مع توجيه انتقادات ضمنية الى البابا ل"صمته" على كلام الرئيس السوري.
وكان الاسد قال في استقباله الحبر الاعظم :"كلنا يعرف الكثير عن معاناة وعذاب السيد المسيح على ايدي الذين وقفوا ضد المبادئ الالهية والانسانية والقيم التي نادى بها، وفي مقدمها المحبة والتسامح والمساواة بين البشر"، وذهب في فقرة اخرى من خطابه الى ان "هناك من يسعى دائماً لتكرار رحلة الآلام والعذاب مع كل الناس فنرى اخوتنا في فلسطين يقتلون ويعذبون ... ونراهم يعتدون على الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية في فلسطين فينتهكون حرمة المسجد الاقصى وكنيسة القيامة وكنيسة المهد في بيت لحم. وهم يحاولون قتل كل مبادئ الديانات السماوية بالعقلية نفسها التي تمت بها خيانة السيد المسيح وتعذيبه وبالطريقة ذاتها التي حاولوا بها ان يغدروا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم".
وعلى رغم توقعه بعض النقد فإن الاسد لم يكن ليتجاوز ما يحصل في الاراضي الفلسطينية اذ انه "ناطق باسم الشعب العربي وليس الغربي لذلك لا بد له ان يحترمه، كما ان كسبه شعبية في الوسط العربي تلزم محاوريه الغربيين على التعامل معه كزعيم عربي". لذلك فإن الصيغة وضعت بديبلوماسية دقيقة ولم يذكر الاسد "اليهود" ووضع الكلام في صيغة المبنى للمجهول ذلك ان "الوثنيين والرومان عذبوا المسيح ايضاً وليس اليهود فحسب". لأنه يستطيع قصد اليهود حيث يعيش جزء منهم في سورية، لكن مع ذلك فإن الحملة عليه شوهت خطابه للتأثير في الرأي العام وتضمنت جملاً لم يقلها فعلاً.
اذ حجزت "اللجنة الاميركية اليهودية" صفحة كاملة في صحيفة "هيرالد تربيون" الدولية لنشر اعلان في 14 ايار الماضي تحت عنوان "لا تزال الكذبة الكبيرة مستمرة" اقتبست فيه تصريحات وتعليقات صحافية عربية واسلامية، بينها ما نقلته عن صحيفة "الاخبار" المصرية في 18 نيسان ابريل الماضي: "شكراً لهتلر ذي الذاكرة المباركة لأنه انتقم باكراً للفلسطينيين الذين ارتكبت بحقهم افظع الجرائم على وجه الانسانية، مع اننا نشكو كون ذلك الانتقال لم يكن كافياً". ولم يذكر الاعلان الجهة المسؤولة عن "الجرائم" المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني وعرف "الاخبار" كصحيفة تحظى ب"رعاية الحكومة المصرية".
ثم اقتبس الاعلان عن "مفتي السلطة الفلسطينية في القدس" الشيخ عكرمة صبري قوله في 25 آذار مارس الماضي :"ان الرقم كان اقل من ستة ملايين، لكن اسرائىل تستخدم هذه القضية للحصول على التعاطف حول العالم". كما نقل عن صحيفة "طهران تايمز" الحكومية الايرانية قولها في 19 شباط فبراير :"اذا كان فعلاً ايسشفيز معتقل ابادة لليهود، فإن هذا يعني افتراض عدم بقاء اي يهودي على قيد الحياة. وان نجاة شخص مثل ايليه ويسل ويهود آخرين كي يقدموا انفسهم كشهود على الهولوكوست دليل الى ان الابادة المزعومة لليهود لم تقع".
وبعدما نقلت عن صحيفة "تشرين" الحكومية السورية كتابتها في 31 كانون الثاني يناير :"ان الصهاينة اختلقوا اسطورة الهولوكسوت لابتزاز وارهاب مثقفي العالم وسياسييه"، قالت "لجنة اليهود الاميركيين" في نهاية الاعلان :"انكار، تقليل اهمية، او حتى الشك بابادة النازيين ستة ملايين يهودي بينهم 5،1مليون طفل قناعات لا تزال على قيد الحياة في الشرق الاوسط". وبعدما تساءلت: "هل التحريف المبتذل للتاريخ يساعد على التأسيس للاحترام المتبادل والسلام اللذين تحتاج اليهما شعوب المنطقة؟"، ختم الاعلان: "المأساة ان الاجابة واضحة" في تصريحات مسؤولين وصحف في الشرق الاوسط!
وتضمن عدد "هيرالد تربيون" في اليوم ذاته اعلاناً آخر نشره "اتحاد مناهضة التشويه" مشوهاً تصريحات الاسد، افاد: "هم اليهود والاسرائىليون يحاولون قتل جميع مبادئ الديانات السماوية بالعقلية نفسها التي تمت بها خيانة السيد المسيح وتعذيبه، وبالطريقة نفسها التي حاولوا اليهود والاسرائىليون ان يغدروا بالرسول محمد"، وكذلك نقلت تأكيد وزير الاوقاف السوري محمد زيادة: "يجب علينا ان نكون واعين تماماً أن اعداء الله والصهاينة يتآمرون ضد المسيحية والاسلام"، ثم نشرت بخط كبير: "يوحنا بولس الثاني، اننا فوجئنا بصمتك" على تصريحات الاسد وزيادة.
ولعل مراجعة ما نشر في معظم الصحف البريطانية والاميركية عن سورية لمناسبة هذه الزيارة، وهي الاولى في التاريخ لحبر اعظم، تدل على مدى ثبات الصورة المأخوذة عن سورية في العقل الغربي ك"بلد ارهابي" ومكان "يُضطهد فيه المسيحيون" و"يعاني جميع السوريين فيه الحكم العسكري". وان الدكتور الاسد "لا يختلف كثيراً عن والده الرئيس حافظ الاسد" مع استمرار عودة الصحافيين الى احداث حماه في العام 1982 بعد المواجهات بين السلطات و"الاخوان المسلمين" اثر عمليات الاغتيالات التي نفذت ضد مثقفين ومسؤولين في الحكومة.
هذه الصور هي بالضبط التي كان المسؤولون السوريون يحاولون تفنيدها من خلال ترتيب برنامج زيارة البابا التي استهدفت اظهار ثلاثة جوانب: اولاً، التسامح الديني بين المسيحيين والمسلمين وحرية المسيحيين الذين يشكلون 14 في المئة نحو 80 في المئة منهم ارثوذكس في ممارسة شعائرهم الدينية. ثانياً، تأكيد التمسك بخيار السلام على اساس الشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن ومبدأ الارض في مقابل السلام مع تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني بسبب العدوان الاسرائىلي وربطه بوقائع تاريخية سابقة بينها قيام اسرائىل بتدمير مدينة القنيطرة عاصمة الجولان السوري قبل الانسحاب منها العام 1974. ثالثاً، تأكيد وجود انفتاح سوري في المجالين السياسي والاقتصادي بعد تسلم الدكتور بشار الحكم، وتمثل ذلك في اطلاق الاسد الصحافي نزار نيوف بعد لقائه البابا في 5 الشهر الماضي والقيام ب"فتح الحدود" امام الصحافيين الاميركيين والاوروبيين والعرب باستثناء عدد منهم بينهم مراسل "لوموند" الفرنسية جيل باريس.
لذلك شكلت وزارة الاعلام مركزاً اعلامياً لتقديم الخدمات لهؤلاء الصحافيين الذين بلغ عددهم نحو 500 صحافي. وكانت تلك ثاني اكبر مناسبة تقوم فيها علاقة تجريبية بين الحكومة السورية والصحافيين الاجانب، بعد العام السابق عندما دخل البلاد نحو الف صحافي من دون الحاجة الى تأشيرة مسبقة لتغطية حدث وفاة الاسد.
لكن عملياً، ان معظم ان لم يكن كل الصحافيين اخطأ في نقل كلام الاسد. وكان مراسل "ديلي تلغراف" آلاف فيلبس بين الاستثناءات القليلة عندما كتب ان "الاسد لم يذكر اسرائىل او اليهود بالاسم، لكنه قال ان الفلسطينيين يقتلون من جانب الذين قتلوا مبادئ المساواة عندما اعلنوا ان الله خلق شعباً مميزاً عن بقية شعوب العالم"، فيما كتب مراسل "واشنطن بوست" الاميركية هاوارد شنايدر في 6 ايار "ان الانشقاق العميق في الشرق الاوسط كان واضحاً في كلمات الاسد الحادة ضد اليهود، بقوله انهم مسؤولون عن ابادة الفلسطينيين، كما خانوا النبي محمد وحاولوا قتل السيد المسيح".
وتفيد المعلومات المؤكدة ان "سوء الفهم" حصل بسبب امرين: اولاً، عدم توزيع النص الرسمي باللغة الانكليزية لخطاب الاسد على الصحافيين. ثانياً، ربط معظم الصحافيين تلميحات الاسد بمواقف سابقة كان اعلنها في القمة العربية في عمان عندما اشار الى ان "المجتمع الاسرائىلي اكثر عنصرية من النازية" وتكراره ذلك في مؤتمر صحافي عقد في اسبانيا في مطلع ايار.
ولم يقتصر الردّ على الاسرائىليين عندما اعتبر الرئيس الاسرائيلي موشي كاتساف تصريحات الاسد "عنصرية ومعادية للسامية" وآفي بازنر المستشار الديبلوماسي لرئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون انها "مشينة" وتعكس "موقفاً معادياً للسامية"، بل شملت واشنطن عندما اعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية ريتشارد باوتشر ان "هذه التعليقات مؤسفة بمقدار ما هي غير مقبولة"، وباريس باعلان الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية فرانسوا ريفاسو ان البابا "دعا الى سلام حقيقي في الشرق الاوسط والى اتباع سلوك جديد يقوم على التفهم والاحترام بين الشعوب. وما قاله الرئيس الاسد لا يتفق ويا للاسف مع هذه الدعوة".
ومع ادراك مدى حساسية ذكر كلمة "النازية" او اي ربط بين ما يرتكبه الاسرائىليون من مجازر بحق الشعب الفلسطيني وبين التاريخ الاوروبي والهولوكوست الذي جاء على خلفية دينية بسبب وجود اعتقاد لدى الكنيسة الكاثوليكية بأن اليهود وراء قتل السيد المسيح قبل تبرئة هذه الكنيسة اليهود من ذلك في الستينات، فإن ما كتب عن سورية في النصف الاول للشهر الماضي، لم يكن سوى تكرار لما كان يقال في العقود السابقة، مع غياب الحديث عن التسامح الديني بين المسلمين والمسيحيين والحدث التاريخي بدخول البابا ومفتي سورية الى الجامع الاموي في اول خطوة من نوعها في التاريخ.
في هذا السياق، اشار شنايدر في 7 ايار الى ان سورية لا تزال تقدم الدعم ل"مجموعات ارهابية مثل حزب الله"، بعدما نقل في مقال نشر في اليوم السابق عن منير سمير 49 سنة قوله: "ان اي احد يستطيع مغادرة البلاد سيفعل ذلك فوراً" بسبب الوضع الاقتصادي الذي يضغط، إضافة الى عوامل اخرى، على الجيل الشاب للسفر الى الخارج. وكان مراسل "واشنطن بوست" يشير الى نوع من "الاضطهاد" و"المعاناة" التي تواجه السوريين وخصوصاً الشباب.
اما دونا بريسون مراسلة "اسوشييتد برس" فإنها "خلصت" في مقال كتبته في 7 ايار في ختام زيارتها الى "قناعة" مفادها ان الرئيس "الاكثر شباباً في العالم" كما وصفه الحبر الاعظم "يرتد يوماً بعد يوما الى نظام والده الاتوقراطي. وعندما يتعلق الموضوع باسرائىل فإنه يتحدث بقسوة اكثر من والده".
وبينما لاحظ شنايدر ان الاسد كان "الاكثر انتقاداً للدولة اليهودية بين الزعماء العرب، ما يعني ان الجيل الجديد بين الزعماء العرب لن يكون برأي مرن عندما يتعلق الامر بالقضية الاساسية في الشرق الاوسط"، ما شكل صدمة للصورة المرسومة عن الرئيس السوري كشاب منفتح تخصص في طب العيون في لندن ويهتم بالتكنولوجيا والمعلوماتية ويريد انفتاح سورية والاصلاح الاقتصادي وتنشيط العمل السياسي.
الامر الذي تجاهله شنايدر هو ان الاسد اوضح من خلال تسلمه الحكم ان سياسته هي "الاستمرارية في السياسة الخارجية والتغيير في السياسة الداخلية" لقناعته ان سياسة الرئيس الراحل تحظى بشعبية عالية سورياً وعربياً وان المبادئ التي وضعها الراحل لتحقيق السلام مع الدولة العبرية تحظى بتأييد معظم السوريين. ولاحظ مراسل "واشنطن بوست" ان ربط الاسرائىليين ب"النازية صار شائعاً في العالم العربي، ما سبب الاساءة لليهود عموماً" من دون اي ذكر للسبب الحقيقي لذلك، خصوصاً ان الحكومات العربية جهزت شعوبها في السنوات السابقة لاتفاقات سلام متوقعة ولادماج اسرائىل في محيطها العربي - الاقليمي.
واتفق مع شنايدر معلق "نيويورك تايمز" توماس فريدمان الذي ذهب في مقال انتقادي لسورية والاسد في 11 ايار الى القول : "ربما يمكن توقع الشرق الاوسط في هذه الايام منطقة تحترم فيها اصول الجوار والتسامح الديني، لكن عندما اطلق الرئيس الاسد تصريحاته المعادية لليهود في الاسبوع الماضي، فانه اذهل جميع المراقبين. اذ ان الاسد استغل زيارة البابا التي تستهدف تعزيز التسامح الديني كي يدعو المسلمين والمسيحيين للوقوف ضد اليهود".
اما افتتاحية "بوسطن كلوب" في 9 ايار، فإنها "أسفت" لأن نداءات البابا لم "تلق صدى لدى مضيفه" السوري حين اقترح الاسد "تعاضد المسيحيين والمسلمين ضد اليهود الذين قتلوا الديانات بالعقلية نفسها التي حاولوا قتل المسيح وقتل النبي محمد". ويتطابق ذلك مع افتتاحية "نيويورك تايمز" التي لاحظت: "للأسف ان الاسد رحب بضيفه بكلام يؤكد سمعته المتزايدة ... واتهم اليهود بخيانة المسيح وحض المسيحيين والمسلمين حول العالم على التعاضد ضد اليهود"، آخذة على الحبر الاعظم عدم الرد واكتفاءه بالقول في الجامع الاموي في 6 ايار ان "الشباب يجب عليهم تعلم احترام الاديان الاخرى".
اما بالنسبة الى زيارة القنيطرة عاصمة الجولان المحتل منذ العام 1967، فإن معظم الصحف ذهب للحديث عن حماه و"دمارها" بدلاً من الحديث عن "دمار القنيطرة" وذكر "البلدوزرات" في تدمير حماه وليس القنيطرة كما حصل تاريخياً موثقاً لدى الامم المتحدة. وكتبت "نيويورك تايمز" ان البابا زار القنيطرة "تلك المدينة التي تقع في هضبة الجولان اختارتها سورية لأسباب سياسية. بقيت المدينة مدمرة من اسرائىل قبل اعادتها الى سورية، الامر الذي تشكك به اسرائىل. وبادراج هذه الزيارة اعطت الفاتيكان الاسد فرصة اخرى للحصول على دعم سياسي ضد اسرائىل"، فيما ذكّرت "بوسطن كلوب" بأحداث حماه عندما "انتفض" مسلمون تحت لواء "الاخوان المسلمين" ضد "الاقلية" الحاكمة.
وينطبق ذلك على فريدمان بتذكيره تفصيلاً ب"انتفاضة" بدلاً من انتفاضة الشعب الفلسطيني والعدوان الاسرائىلي او بتدمير الاسرائىليين للقنيطرة. وزاد :"ان اتهامه الاسد اي طرف آخر بعدم التسامح الديني أمر مضحك. ولسوء الحظ فإن البابا لم ينأَ بنفسه عن تصريحات الاسد، لكن هذه التصريحات تعطي فكرة عن الرئيس السوري الشاب"، لافتاً الى ان "زعماء العالم الجديين لا يعلنون تصريحات كهذه حتى لو آمنوا بها".
اما صحيفة "تايمز" البريطانية فوجدت "الحل المهني - الموضوعي" في نشر مقالين في 8 ايار لمناسبة زيارة البابا الى القنيطرة، يتحدث الأول عن المدينة والثاني عن حماه ايضاً. وكتب سام كيلي ان دمار القنيطرة هو "دليل الى قوة الصهيونية ووحشيتها، لكن الحقيقة الابشع ان لدى السوريين ما يخوفهم اكثر وهو الخوف من قادتهم: في القنيطرة الآلاف من المدنيين السوريين فقدوا بيوتهم وسيرون للأبد في اليهود اعداء، وان آثار الدمار التي حفظت بحرص تحيي ذلك عبر الاجيال ... لكن عندما تذكر مدينة حماه فإنهم يسكتون". لكن هذه "المهنية" اقتضت ان يكون الوصف تفصيلاً عن احداث وسط سورية، في مقابل تشكيك بتدمير الاسرائىليين للقنيطرة. فكتب نيقولاس بلانفورد الذي رافق البابا الى القنيطرة لتغطية قداسه هناك: "تقع على حافة خط وقف اطلاق النار الفاصل بين اسرائىل وسورية، تلك المدينة التي احتلت في العام 1967، واعيدت في العام 1974 في اطار اتفاق فك الاشتباك الذي انجزته اميركا بين الطرفين".
ولم تقتض "موضوعية" كيلي نشر الرأي الرسمي مما حصل في حماه، لكن "موضوعية" بلانفور طلبت التشكيك ب"دمار القنيطرة، اذ ان اسرائىل تقول ان البلدة دمرت خلال المعارك لأنها كانت وسط الاشتباكات بين العرب والاسرائىليين في العام 1967".
الواضح ان الصحافة الغربية تذهب كلها من دون تنسيق كي تنهل من الجعبة ذاتها: احداث حماه، عدم جدية الاصلاح الذي طُرح في السنة الاخيرة، دعم سورية ل"مجموعات ارهابية"، تشدد الخطاب السياسي السوري وعدم جديته في السلام. لكن ذلك يحمّل القيمين على الخطاب السياسي - الاعلامي السوري مسؤوليات اكبر. اذ ان ادارة الظهر لهذه العناصر لم تعد مجدية، ولا بد من مواجهتها بخطاب مقابل يفند هذه العناصر بحجج قوية سياسياً وتاريخياً لا يجد العقل والرأي العام في الغرب صعوبة في استيعابها وعكسها في قناعات تترك آثارها في القرارات السياسية الرسمية الغربية. ولعل وجود شخص كشارون المعروف بسجله الارهابي والوحشي فرصة تاريخية للجانب السوري خصوصاً والعربي عموماً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.