الاتحاد يُتوّج بكأس وزير الرياضة للجودو    "الرياض للبولو" يتوّج بطلاً لبطولة تشيسترز ان ذا بارك    نائب أمير حائل يشهد الحفل الختامي لبرنامج مسارات 2024 م    مجلس التعاون ودعم اليمن    زوجة «سفاح التجمع» تظهر من لندن: نجوت من مصير الفتيات !    كيت ميدلتون.. قد لا تعود أبداً إلى ممارسة دورها الملكي    «أرامكو»: 0.73 % من أسهم الشركة لمؤسسات دولية    مانشيني يواجه الإعلام قبل لقاء الأردن    400 مخالفة على الجهات المخالفة للوائح التعليم الإلكتروني    399 مخالفة على منشآت العمالة الموسمية بالمدينة    «الداخلية»: انطلاق الجلسات العلمية لمنتدى الخدمات الطبية    بعد ياسمين عبدالعزيز.. ليلى عبداللطيف: طلاق هنادي قريباً !    شريفة القطامي.. أول كويتية تخرج من بيتها للعمل بشركة النفط    شرائح «إنترنت واتصال» مجانية لضيوف خادم الحرمين    استقبال 460 حاجاً من ضيوف خادم الحرمين من 47 دولة    المجلس الصحي يشدد على مبادرة «الملف الموحد»    الاقتصاد السعودي.. محركات قوية للنمو المستدام    مستثمرو النفط يتطلعون لانتعاش الأسواق بعد خسارة أسبوعية    القيادة تهنئ ملك الأردن    الأمريكي" غورست" يتوج ببطولة العالم للبلياردو    الأهلي يفاوض كيميتش والنصر يتخلى عن لابورت    "هيئة النقل" تدشن سيارة الرصد الآلي كأول تجربة لها في موسم الحج    الداخلية تستعرض خططها لموسم الحج.. مدير الأمن العام: أمن الوطن والحجاج خط أحمر    أمير القصيم يشيد بجهود "طعامي"    محافظ الأحساء يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    «فتيان الكشافة» يعبرون عن فخرهم واعتزازهم بخدمة ضيوف الرحمن    «بيئة الرياض»: 3918 جولة رقابية على أسواق النفع العام والمسالخ    قيادات تعليمية تشارك القحطاني حفل زواج إبنه    سعود بن نهار يدشّن الصالة الإضافية بمطار الطائف    الحج عبادة وسلوك أخلاقي وحضاري    11 مبادرة تنفيذية لحشد الدعم الإعلامي للاعتراف بدولة فلسطين    شهد مرحلة من التبادل الثقافي والمعرفي.. "درب زبيدة".. تاريخ طويل من العطاء    وزارة الحج تعقد دورات لتطوير مهارات العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    إعادة تدوير الفشل    خلود السقوفي تدشن كتابها "بائعة الأحلام "    «التعاون الإسلامي»: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء    العطلة الصيفية واستغلالها مع العائلة    تدشين خدمة الربوت الذكي بجوار المسجد النبوي.. مشاهد إيمانية تسبق مغادرة الحجيج المدينة المنورة    رسالة جوال ترسم خارطة الحج لشيخ الدين    "السمكة المتوحشة" تغزو مواقع التواصل    استشاري:المصابون بحساسية الأنف مطالبون باستخدام الكمامة    الدكتورة عظمى ضمن أفضل 10 قيادات صحية    أمير الرياض يطلع على عرض لمركز صالح العسكر الحضاري بالخرج    فشل التجربة الهلالية    انطلاق معسكر أخضر ناشئي الطائرة .. استعداداً للعربية والآسيوية    رئيس جمهورية قيرغيزستان يمنح رئيس البنك الإسلامي للتنمية وسام الصداقة المرموق    وفد الشورى يطّلع على برامج وخطط هيئة تطوير المنطقة الشرقية    التخبيب يهدد الأمن المجتمعي    تغييرات الحياة تتطلب قوانين جديدة !    رئيس الأهلي!    الشاعر محمد أبو الوفا ومحمد عبده والأضحية..!    أمير تبوك يواسي عامر الغرير في وفاة زوجته    قطاع صحي ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "مكافحة التدخين"    الوزاري الخليجي: ثروات المنطقة المغمورة للكويت والسعودية فقط    فريق طبي "ب"مركزي القطيف" ينقذ حياة مقيم    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش زيارة البابا: الصحافة الغربية تنهل من الجعبة ذاتها . تشويه صورة سورية يفرض قيام حملة مضادة معززة بالأرقام والمعلومات
نشر في الحياة يوم 10 - 06 - 2001

اظهرت تغطية الصحف البريطانية والاميركية زيارة البابا يوحنا بولس الثاني الى دمشق مطلع أيار مايو الماضي مدى عمق "التصورات المسبقة" عن سورية التي تحتاج الى حملة من العلاقات العامة تقوم بها الحكومة.
وفي ظل عدم توافر المعلومات من الجانب السوري في مقابل غزارة من الجانب الاسرائىلي، تميل التغطية في الغالب الى عكس وجهة النظر الاسرائيلية. لذلك فان "فتح الحدود" امام مئات الصحافيين لتغطية زيارة البابا كان اختراقاً كبيراً في كيفية تعاطي المؤسسة الحكومية مع "ثورة الاتصالات" عبر التكيف وليس القطيعة معها. ولا شك في ان المقالات المكتوبة تعكس مدى الحاجة الى جهد مكثف معزز بتقديم المعلومات المقابلة والقيام بحملات منظمة وعدم الاكتفاء بالصمت تجاه الحملات الاسرائىلية المستندة الى مقدار كبير من الخبرة العملية والمعرفة النظرية لاصول التعاطي الاعلامي-الاتصالي مع الرأي العام الغربي بآليات منظمة وليس ب"نظام النزوات".
ويبدو فارق التعاطي واضحاً بالحملة المنظمة التي شنت على سورية بعد تصريحات الرئيس بشار الاسد الاخيرة التي بدأت في القمة العربية في آذار مارس عندما قال ان "المجتمع الاسرائىلي اكثر عنصرية من النازية" او لدى حديثه عن "معاناة السيد المسيح ومحاولة الغدر بالنبي محمد" بالتزامن مع حديثه عن "العدوان الاسرائىلي على الشعب الفلسطيني" من دون ذكر كلمتي "اليهود" و"اسرائىل" في نص خطابه.
وهناك اعتقاد سوري ان الحملة كانت ستشن بعد فشل المساعي الاسرائىلية لعدم قيام الحبر الأعظم بزيارة سورية كما حصل مع العراق العام الماضي، ول"السعي الى الاساءة الى سمعة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين"، إضافة الى "الود الكبير" او "الكيمياء" بين الاسد والبابا.
واستخدمت الدولة العبرية ثلاث وسائل في حملتها، هي: اولاً، القنوات الديبلوماسية بقيامها بارسال رسائل الى عدد من الدول الاوروبية والى الامم المتحدة تتضمن تصريحات المسؤولين السوريين "المعادية للسامية". ثانياً، نشر اعلانات تجارية مدفوعة ضد سورية وتشويه تصريحات الرئيس الاسد. ثالثاً، تسريبات الى صحف اميركية وبريطانية مع شن حملة من التصريحات الصحافية بلسان كبار المسؤولين الاسرائىليين ضد حكم الاسد وبلاده...مع توجيه انتقادات ضمنية الى البابا ل"صمته" على كلام الرئيس السوري.
وكان الاسد قال في استقباله الحبر الاعظم :"كلنا يعرف الكثير عن معاناة وعذاب السيد المسيح على ايدي الذين وقفوا ضد المبادئ الالهية والانسانية والقيم التي نادى بها، وفي مقدمها المحبة والتسامح والمساواة بين البشر"، وذهب في فقرة اخرى من خطابه الى ان "هناك من يسعى دائماً لتكرار رحلة الآلام والعذاب مع كل الناس فنرى اخوتنا في فلسطين يقتلون ويعذبون ... ونراهم يعتدون على الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية في فلسطين فينتهكون حرمة المسجد الاقصى وكنيسة القيامة وكنيسة المهد في بيت لحم. وهم يحاولون قتل كل مبادئ الديانات السماوية بالعقلية نفسها التي تمت بها خيانة السيد المسيح وتعذيبه وبالطريقة ذاتها التي حاولوا بها ان يغدروا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم".
وعلى رغم توقعه بعض النقد فإن الاسد لم يكن ليتجاوز ما يحصل في الاراضي الفلسطينية اذ انه "ناطق باسم الشعب العربي وليس الغربي لذلك لا بد له ان يحترمه، كما ان كسبه شعبية في الوسط العربي تلزم محاوريه الغربيين على التعامل معه كزعيم عربي". لذلك فإن الصيغة وضعت بديبلوماسية دقيقة ولم يذكر الاسد "اليهود" ووضع الكلام في صيغة المبنى للمجهول ذلك ان "الوثنيين والرومان عذبوا المسيح ايضاً وليس اليهود فحسب". لأنه يستطيع قصد اليهود حيث يعيش جزء منهم في سورية، لكن مع ذلك فإن الحملة عليه شوهت خطابه للتأثير في الرأي العام وتضمنت جملاً لم يقلها فعلاً.
اذ حجزت "اللجنة الاميركية اليهودية" صفحة كاملة في صحيفة "هيرالد تربيون" الدولية لنشر اعلان في 14 ايار الماضي تحت عنوان "لا تزال الكذبة الكبيرة مستمرة" اقتبست فيه تصريحات وتعليقات صحافية عربية واسلامية، بينها ما نقلته عن صحيفة "الاخبار" المصرية في 18 نيسان ابريل الماضي: "شكراً لهتلر ذي الذاكرة المباركة لأنه انتقم باكراً للفلسطينيين الذين ارتكبت بحقهم افظع الجرائم على وجه الانسانية، مع اننا نشكو كون ذلك الانتقال لم يكن كافياً". ولم يذكر الاعلان الجهة المسؤولة عن "الجرائم" المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني وعرف "الاخبار" كصحيفة تحظى ب"رعاية الحكومة المصرية".
ثم اقتبس الاعلان عن "مفتي السلطة الفلسطينية في القدس" الشيخ عكرمة صبري قوله في 25 آذار مارس الماضي :"ان الرقم كان اقل من ستة ملايين، لكن اسرائىل تستخدم هذه القضية للحصول على التعاطف حول العالم". كما نقل عن صحيفة "طهران تايمز" الحكومية الايرانية قولها في 19 شباط فبراير :"اذا كان فعلاً ايسشفيز معتقل ابادة لليهود، فإن هذا يعني افتراض عدم بقاء اي يهودي على قيد الحياة. وان نجاة شخص مثل ايليه ويسل ويهود آخرين كي يقدموا انفسهم كشهود على الهولوكوست دليل الى ان الابادة المزعومة لليهود لم تقع".
وبعدما نقلت عن صحيفة "تشرين" الحكومية السورية كتابتها في 31 كانون الثاني يناير :"ان الصهاينة اختلقوا اسطورة الهولوكسوت لابتزاز وارهاب مثقفي العالم وسياسييه"، قالت "لجنة اليهود الاميركيين" في نهاية الاعلان :"انكار، تقليل اهمية، او حتى الشك بابادة النازيين ستة ملايين يهودي بينهم 5،1مليون طفل قناعات لا تزال على قيد الحياة في الشرق الاوسط". وبعدما تساءلت: "هل التحريف المبتذل للتاريخ يساعد على التأسيس للاحترام المتبادل والسلام اللذين تحتاج اليهما شعوب المنطقة؟"، ختم الاعلان: "المأساة ان الاجابة واضحة" في تصريحات مسؤولين وصحف في الشرق الاوسط!
وتضمن عدد "هيرالد تربيون" في اليوم ذاته اعلاناً آخر نشره "اتحاد مناهضة التشويه" مشوهاً تصريحات الاسد، افاد: "هم اليهود والاسرائىليون يحاولون قتل جميع مبادئ الديانات السماوية بالعقلية نفسها التي تمت بها خيانة السيد المسيح وتعذيبه، وبالطريقة نفسها التي حاولوا اليهود والاسرائىليون ان يغدروا بالرسول محمد"، وكذلك نقلت تأكيد وزير الاوقاف السوري محمد زيادة: "يجب علينا ان نكون واعين تماماً أن اعداء الله والصهاينة يتآمرون ضد المسيحية والاسلام"، ثم نشرت بخط كبير: "يوحنا بولس الثاني، اننا فوجئنا بصمتك" على تصريحات الاسد وزيادة.
ولعل مراجعة ما نشر في معظم الصحف البريطانية والاميركية عن سورية لمناسبة هذه الزيارة، وهي الاولى في التاريخ لحبر اعظم، تدل على مدى ثبات الصورة المأخوذة عن سورية في العقل الغربي ك"بلد ارهابي" ومكان "يُضطهد فيه المسيحيون" و"يعاني جميع السوريين فيه الحكم العسكري". وان الدكتور الاسد "لا يختلف كثيراً عن والده الرئيس حافظ الاسد" مع استمرار عودة الصحافيين الى احداث حماه في العام 1982 بعد المواجهات بين السلطات و"الاخوان المسلمين" اثر عمليات الاغتيالات التي نفذت ضد مثقفين ومسؤولين في الحكومة.
هذه الصور هي بالضبط التي كان المسؤولون السوريون يحاولون تفنيدها من خلال ترتيب برنامج زيارة البابا التي استهدفت اظهار ثلاثة جوانب: اولاً، التسامح الديني بين المسيحيين والمسلمين وحرية المسيحيين الذين يشكلون 14 في المئة نحو 80 في المئة منهم ارثوذكس في ممارسة شعائرهم الدينية. ثانياً، تأكيد التمسك بخيار السلام على اساس الشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن ومبدأ الارض في مقابل السلام مع تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني بسبب العدوان الاسرائىلي وربطه بوقائع تاريخية سابقة بينها قيام اسرائىل بتدمير مدينة القنيطرة عاصمة الجولان السوري قبل الانسحاب منها العام 1974. ثالثاً، تأكيد وجود انفتاح سوري في المجالين السياسي والاقتصادي بعد تسلم الدكتور بشار الحكم، وتمثل ذلك في اطلاق الاسد الصحافي نزار نيوف بعد لقائه البابا في 5 الشهر الماضي والقيام ب"فتح الحدود" امام الصحافيين الاميركيين والاوروبيين والعرب باستثناء عدد منهم بينهم مراسل "لوموند" الفرنسية جيل باريس.
لذلك شكلت وزارة الاعلام مركزاً اعلامياً لتقديم الخدمات لهؤلاء الصحافيين الذين بلغ عددهم نحو 500 صحافي. وكانت تلك ثاني اكبر مناسبة تقوم فيها علاقة تجريبية بين الحكومة السورية والصحافيين الاجانب، بعد العام السابق عندما دخل البلاد نحو الف صحافي من دون الحاجة الى تأشيرة مسبقة لتغطية حدث وفاة الاسد.
لكن عملياً، ان معظم ان لم يكن كل الصحافيين اخطأ في نقل كلام الاسد. وكان مراسل "ديلي تلغراف" آلاف فيلبس بين الاستثناءات القليلة عندما كتب ان "الاسد لم يذكر اسرائىل او اليهود بالاسم، لكنه قال ان الفلسطينيين يقتلون من جانب الذين قتلوا مبادئ المساواة عندما اعلنوا ان الله خلق شعباً مميزاً عن بقية شعوب العالم"، فيما كتب مراسل "واشنطن بوست" الاميركية هاوارد شنايدر في 6 ايار "ان الانشقاق العميق في الشرق الاوسط كان واضحاً في كلمات الاسد الحادة ضد اليهود، بقوله انهم مسؤولون عن ابادة الفلسطينيين، كما خانوا النبي محمد وحاولوا قتل السيد المسيح".
وتفيد المعلومات المؤكدة ان "سوء الفهم" حصل بسبب امرين: اولاً، عدم توزيع النص الرسمي باللغة الانكليزية لخطاب الاسد على الصحافيين. ثانياً، ربط معظم الصحافيين تلميحات الاسد بمواقف سابقة كان اعلنها في القمة العربية في عمان عندما اشار الى ان "المجتمع الاسرائىلي اكثر عنصرية من النازية" وتكراره ذلك في مؤتمر صحافي عقد في اسبانيا في مطلع ايار.
ولم يقتصر الردّ على الاسرائىليين عندما اعتبر الرئيس الاسرائيلي موشي كاتساف تصريحات الاسد "عنصرية ومعادية للسامية" وآفي بازنر المستشار الديبلوماسي لرئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون انها "مشينة" وتعكس "موقفاً معادياً للسامية"، بل شملت واشنطن عندما اعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية ريتشارد باوتشر ان "هذه التعليقات مؤسفة بمقدار ما هي غير مقبولة"، وباريس باعلان الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية فرانسوا ريفاسو ان البابا "دعا الى سلام حقيقي في الشرق الاوسط والى اتباع سلوك جديد يقوم على التفهم والاحترام بين الشعوب. وما قاله الرئيس الاسد لا يتفق ويا للاسف مع هذه الدعوة".
ومع ادراك مدى حساسية ذكر كلمة "النازية" او اي ربط بين ما يرتكبه الاسرائىليون من مجازر بحق الشعب الفلسطيني وبين التاريخ الاوروبي والهولوكوست الذي جاء على خلفية دينية بسبب وجود اعتقاد لدى الكنيسة الكاثوليكية بأن اليهود وراء قتل السيد المسيح قبل تبرئة هذه الكنيسة اليهود من ذلك في الستينات، فإن ما كتب عن سورية في النصف الاول للشهر الماضي، لم يكن سوى تكرار لما كان يقال في العقود السابقة، مع غياب الحديث عن التسامح الديني بين المسلمين والمسيحيين والحدث التاريخي بدخول البابا ومفتي سورية الى الجامع الاموي في اول خطوة من نوعها في التاريخ.
في هذا السياق، اشار شنايدر في 7 ايار الى ان سورية لا تزال تقدم الدعم ل"مجموعات ارهابية مثل حزب الله"، بعدما نقل في مقال نشر في اليوم السابق عن منير سمير 49 سنة قوله: "ان اي احد يستطيع مغادرة البلاد سيفعل ذلك فوراً" بسبب الوضع الاقتصادي الذي يضغط، إضافة الى عوامل اخرى، على الجيل الشاب للسفر الى الخارج. وكان مراسل "واشنطن بوست" يشير الى نوع من "الاضطهاد" و"المعاناة" التي تواجه السوريين وخصوصاً الشباب.
اما دونا بريسون مراسلة "اسوشييتد برس" فإنها "خلصت" في مقال كتبته في 7 ايار في ختام زيارتها الى "قناعة" مفادها ان الرئيس "الاكثر شباباً في العالم" كما وصفه الحبر الاعظم "يرتد يوماً بعد يوما الى نظام والده الاتوقراطي. وعندما يتعلق الموضوع باسرائىل فإنه يتحدث بقسوة اكثر من والده".
وبينما لاحظ شنايدر ان الاسد كان "الاكثر انتقاداً للدولة اليهودية بين الزعماء العرب، ما يعني ان الجيل الجديد بين الزعماء العرب لن يكون برأي مرن عندما يتعلق الامر بالقضية الاساسية في الشرق الاوسط"، ما شكل صدمة للصورة المرسومة عن الرئيس السوري كشاب منفتح تخصص في طب العيون في لندن ويهتم بالتكنولوجيا والمعلوماتية ويريد انفتاح سورية والاصلاح الاقتصادي وتنشيط العمل السياسي.
الامر الذي تجاهله شنايدر هو ان الاسد اوضح من خلال تسلمه الحكم ان سياسته هي "الاستمرارية في السياسة الخارجية والتغيير في السياسة الداخلية" لقناعته ان سياسة الرئيس الراحل تحظى بشعبية عالية سورياً وعربياً وان المبادئ التي وضعها الراحل لتحقيق السلام مع الدولة العبرية تحظى بتأييد معظم السوريين. ولاحظ مراسل "واشنطن بوست" ان ربط الاسرائىليين ب"النازية صار شائعاً في العالم العربي، ما سبب الاساءة لليهود عموماً" من دون اي ذكر للسبب الحقيقي لذلك، خصوصاً ان الحكومات العربية جهزت شعوبها في السنوات السابقة لاتفاقات سلام متوقعة ولادماج اسرائىل في محيطها العربي - الاقليمي.
واتفق مع شنايدر معلق "نيويورك تايمز" توماس فريدمان الذي ذهب في مقال انتقادي لسورية والاسد في 11 ايار الى القول : "ربما يمكن توقع الشرق الاوسط في هذه الايام منطقة تحترم فيها اصول الجوار والتسامح الديني، لكن عندما اطلق الرئيس الاسد تصريحاته المعادية لليهود في الاسبوع الماضي، فانه اذهل جميع المراقبين. اذ ان الاسد استغل زيارة البابا التي تستهدف تعزيز التسامح الديني كي يدعو المسلمين والمسيحيين للوقوف ضد اليهود".
اما افتتاحية "بوسطن كلوب" في 9 ايار، فإنها "أسفت" لأن نداءات البابا لم "تلق صدى لدى مضيفه" السوري حين اقترح الاسد "تعاضد المسيحيين والمسلمين ضد اليهود الذين قتلوا الديانات بالعقلية نفسها التي حاولوا قتل المسيح وقتل النبي محمد". ويتطابق ذلك مع افتتاحية "نيويورك تايمز" التي لاحظت: "للأسف ان الاسد رحب بضيفه بكلام يؤكد سمعته المتزايدة ... واتهم اليهود بخيانة المسيح وحض المسيحيين والمسلمين حول العالم على التعاضد ضد اليهود"، آخذة على الحبر الاعظم عدم الرد واكتفاءه بالقول في الجامع الاموي في 6 ايار ان "الشباب يجب عليهم تعلم احترام الاديان الاخرى".
اما بالنسبة الى زيارة القنيطرة عاصمة الجولان المحتل منذ العام 1967، فإن معظم الصحف ذهب للحديث عن حماه و"دمارها" بدلاً من الحديث عن "دمار القنيطرة" وذكر "البلدوزرات" في تدمير حماه وليس القنيطرة كما حصل تاريخياً موثقاً لدى الامم المتحدة. وكتبت "نيويورك تايمز" ان البابا زار القنيطرة "تلك المدينة التي تقع في هضبة الجولان اختارتها سورية لأسباب سياسية. بقيت المدينة مدمرة من اسرائىل قبل اعادتها الى سورية، الامر الذي تشكك به اسرائىل. وبادراج هذه الزيارة اعطت الفاتيكان الاسد فرصة اخرى للحصول على دعم سياسي ضد اسرائىل"، فيما ذكّرت "بوسطن كلوب" بأحداث حماه عندما "انتفض" مسلمون تحت لواء "الاخوان المسلمين" ضد "الاقلية" الحاكمة.
وينطبق ذلك على فريدمان بتذكيره تفصيلاً ب"انتفاضة" بدلاً من انتفاضة الشعب الفلسطيني والعدوان الاسرائىلي او بتدمير الاسرائىليين للقنيطرة. وزاد :"ان اتهامه الاسد اي طرف آخر بعدم التسامح الديني أمر مضحك. ولسوء الحظ فإن البابا لم ينأَ بنفسه عن تصريحات الاسد، لكن هذه التصريحات تعطي فكرة عن الرئيس السوري الشاب"، لافتاً الى ان "زعماء العالم الجديين لا يعلنون تصريحات كهذه حتى لو آمنوا بها".
اما صحيفة "تايمز" البريطانية فوجدت "الحل المهني - الموضوعي" في نشر مقالين في 8 ايار لمناسبة زيارة البابا الى القنيطرة، يتحدث الأول عن المدينة والثاني عن حماه ايضاً. وكتب سام كيلي ان دمار القنيطرة هو "دليل الى قوة الصهيونية ووحشيتها، لكن الحقيقة الابشع ان لدى السوريين ما يخوفهم اكثر وهو الخوف من قادتهم: في القنيطرة الآلاف من المدنيين السوريين فقدوا بيوتهم وسيرون للأبد في اليهود اعداء، وان آثار الدمار التي حفظت بحرص تحيي ذلك عبر الاجيال ... لكن عندما تذكر مدينة حماه فإنهم يسكتون". لكن هذه "المهنية" اقتضت ان يكون الوصف تفصيلاً عن احداث وسط سورية، في مقابل تشكيك بتدمير الاسرائىليين للقنيطرة. فكتب نيقولاس بلانفورد الذي رافق البابا الى القنيطرة لتغطية قداسه هناك: "تقع على حافة خط وقف اطلاق النار الفاصل بين اسرائىل وسورية، تلك المدينة التي احتلت في العام 1967، واعيدت في العام 1974 في اطار اتفاق فك الاشتباك الذي انجزته اميركا بين الطرفين".
ولم تقتض "موضوعية" كيلي نشر الرأي الرسمي مما حصل في حماه، لكن "موضوعية" بلانفور طلبت التشكيك ب"دمار القنيطرة، اذ ان اسرائىل تقول ان البلدة دمرت خلال المعارك لأنها كانت وسط الاشتباكات بين العرب والاسرائىليين في العام 1967".
الواضح ان الصحافة الغربية تذهب كلها من دون تنسيق كي تنهل من الجعبة ذاتها: احداث حماه، عدم جدية الاصلاح الذي طُرح في السنة الاخيرة، دعم سورية ل"مجموعات ارهابية"، تشدد الخطاب السياسي السوري وعدم جديته في السلام. لكن ذلك يحمّل القيمين على الخطاب السياسي - الاعلامي السوري مسؤوليات اكبر. اذ ان ادارة الظهر لهذه العناصر لم تعد مجدية، ولا بد من مواجهتها بخطاب مقابل يفند هذه العناصر بحجج قوية سياسياً وتاريخياً لا يجد العقل والرأي العام في الغرب صعوبة في استيعابها وعكسها في قناعات تترك آثارها في القرارات السياسية الرسمية الغربية. ولعل وجود شخص كشارون المعروف بسجله الارهابي والوحشي فرصة تاريخية للجانب السوري خصوصاً والعربي عموماً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.