بيان عن اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية والإسلامية الاستثنائية المشتركة بشأن التطورات في قطاع غزة    كامكو إنفست تنقل مكاتبها في السعودية إلى مركز الملك عبدالله المالي "كافِد"    النفط يستقر ويسجّل أكبر خسائر أسبوعية    أمير تبوك يدشّن 48 مشروعًا تنمويًا لمنظومة "البيئة" بالمنطقة .. غداً    استشهاد 6 فلسطينيين بقصف إسرائيلي وسط غزة    أمطار غزيرة وسيول متوقعة على عدة مناطق اليوم    طالبة من "تعليم الطائف" تحقق الميدالية الفضية عالمياً    محافظ خميس مشيط يتفقد مركز الرعايه الصحية بالصناعية القديمة    معجم الحيوان الأليف عند العامة    فريق النجوم التطوعي ينفذ مبادرة صناعة الصابون لنزيلات دار رعاية الفتيات بجازان    المملكة ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان    الفيحاء يتعاقد مع "الخيبري"لمدة 3 سنوات    خطط أرامكو السعودية التوسعية في النفط والغاز والتكرير تعزز زيادة تدفقاتها النقدية    برشلونة يعيد شارة القيادة لتير شتيغن    بيع صقرين ب 180 ألف ريال في الليلة الأولى لمنصة المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور    وزير الخارجية يتحرك دبلوماسياً لوقف الانتهاكات في غزة    جمعية فضاء العالية للتنمية الشبابية تختتم برنامج ماهرون الصيفي    ضبط 4 باكستانيين وهندي في الشرقية لترويجهم (32) كجم «لشبو»    السعودية توزّع 847 قسيمة غذائية في عدة محافظات بالأردن    صقارون دوليون يثمنون تسهيلات نادي الصقور في نقل واستضافة الصقور    فيصل بن فرحان ووزير خارجية ألمانيا يبحثان التطورات الأخيرة في قطاع غزة    كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 .. ختام ربع نهائي بطولة Rainbow Six Siege X    مواهب الذكاء الصناعي تضع المملكة ضمن أفضل 20 دولة    النصر يتحرك لضم جناح منتخب فرنسا    البرازيل «تستنكر» ضغوط أميركا على القاضي المكلف بقضية بولسونارو    أمير جازان يرعى ملتقى أبحاث السرطان 2025 بجامعة جازان    الشيخ أسامة خياط: يدعو لغرس قيم البر والتقوى في الأسرة والمجتمع    الشيخ عبدالباري الثبيتي: سورة قريش تُجسّد أعظم النعم .. الطعام والأمان    "القرني" يختتم دورة تدريب المدربين    الخلاف يزداد بين برشلونة وحارسه شتيغن    المصالح الوطنية السعودية    سفير جمهورية مالطا لدي المملكة يزور قرية جازان التراثية    الربيعة: تطبيق "نسك" متاح مجانًا دون استهلاك بيانات الإنترنت    أنواع فيتامين D وجرعاته الصحيحة    %83 من القراء هجروا المجلات    النصر يكسب ودية "رايو آفي" البرتغالي برباعية    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    (عشان نصور،،،،،،!)    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    سبعة آلاف خطوة تعزز الصحة    بهدف تطوير الخدمات الرقمية وتعزيز جودة الحياة.. أمانة منطقة عسير توقّع مذكرة تفاهم مع "بلدي" بحضور وزير البلديات والإسكان    نائب وزير الحرس الوطني يطلع على برامج الإرشاد والتوجيه لتعزيز الوعي الديني والفكري    رئيس وزراء موريتانيا يغادر المدينة المنورة    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    العطش يلتحق بالجوع في غزة وتحذيرات من توسيع إسرائيل عملياتها    ديوان المظالم يفتح باب التقديم على التدريب التعاوني لطلبة الجامعات والمعاهد السعودية    المجلس الاستشاري لمركز صحي المرابي يناقش احتياجات الأهالي مع تجمع جازان الصحي لتعزيز الخدمات الطبية    زيلينسكي يدعو واشنطن لزيادة الضغط على موسكو.. روسيا تدرس هدنة جوية مع أوكرانيا    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    احتفال الفرا وعمران    فتح باب التقديم لدعم المشاريع السينمائية    الأرصاد: أمطار متفرقة حتى منتصف أغسطس    استهداف (أبو سلة) بطائرات مسيّرة.. اشتباكات بين الجيش اللبناني ومطلوبين في بعلبك    إنجاز طبي في الأحساء.. زراعة منظم ضربات قلب لاسلكي لمريض    الأمير فهد بن سلطان يطلع على نتائج القبول بجامعة تبوك.    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زيارة لسجن نساء فرنسي . سجينة تحاول الانتحار مرتين كل عام : مرة يوم ميلاد ضحيتها ... وأخرى يوم قتلتها
نشر في الحياة يوم 12 - 05 - 2001

ما الذي نعرفه عن حياة النساء في السجون؟ لا شيء عملياً. ذلك ان هذا الموضوع يبعث السواد الاعظم من الباحثين على الاشمئزاز. فينفرون غريزياً منه. لهذا السبب تفتقر المكتبة العربية الى دراسات رصينة في هذا المجال. كما تفتقر ايضاً صحفنا ومجلاتنا الى مقاربات جريئة تسمح للرأي العام بالدخول الى قلب هذا الموضوع.
لذلك، وبانتظار ظهور دراسات ميدانية من تجربتنا لا بد من الافادة مما توصل اليه الباحثون والاعلاميون في الغرب، بعدما اخرجوا هذا الموضوع من الظلمة وعرضوه، في كتب ومقالات متنوعة، في متناول الرأي العام.
كيف تعيش السجينات في فرنسا مثلاً؟ زيارة احد هذه السجون بعيداً من العاصمة والمشهور بنموذجيته مخيّبة للآمال. فالأسوار المرتفعة، المصنوعة من الحجر والاسمنت، تضع الزائر مباشرة خارج عالم الحياة اليومية. كما ان الباحة الداخلية للسجن خالية من كل شيء، ما عدا بعض الاشجار العارية.
المنظر الخارجي للسجن كئيب. وكذلك هو داخله. فالزائر يشعر كأنه في مصح عقلي كتلك التي كانت تشتهر بها البلدان الاشتراكية إبان الحرب الباردة. الجو ضاغط ومحزن لكنه غير عفيف. فالمسؤول عن الحرس في هذا السجن، يلخّص الانطباع الذي يتولد عند الزائر بالشرح الآتي: "في سجون الرجال، التوتر دائم. مما يسمح للأوضاع بالانفجار في اي لحظة. اما ما نشعر به هنا، وفي كل سجون النساء على نحو عام فمختلف. يسود هنا جو من الانكسار والانهيار، وحتى من الكآبة العميقة".
انه سجن مدينة رين النموذجي ويحتوي على 200 سجينة، تتراوح اعمارهن بين 21 و80 سنة. بناؤه شُيد عام 1875، على طراز الاديرة، مما يسمح بتكوين مركز محوري للمراقبة.
اما الغرف التي تتوزع عليها السجينات، فمساحتها الافرادية سبعة امتار مربعة. وهي تحتوي على سرير ومرحاض وطاولة وكرسي وجهاز تلفزيوني. اما الباب فمن الخشب وفيه ثقب يسمح للحراس بمراقبة السجينات. في الغرفة الاولى امرأة شعرها ابيض تكوي قميصاً. قتلت ابنتها قبل سبع عشرة سنة لا تفعل شيئاً سوى انتظار أن يمضي الوقت، ليس إلا.
تعقّب مديرة السجن على الوضع قائلة: "لا لزوم عندنا لقضبان حديد ضخمة لاغلاق النوافذ. فمحاولات الهرب من سجون النساء معدومة. ما من سجينة تفكر بالهرب او تخطط له، بل ان ما نشاهده هو الاستسلام الكلي وعدم التفكير مطلقاً بالقفز فوق السور الخارجي".
"لماذا؟ كيف نفسر هذه الروحية الفريدة؟"
- "لأن ما اتى بالسجينات الى السجن هو قسوة العالم الخارجي تجاههن. فالجرائم التي ارتكبت قبل الدخول الى السجن تعود في معظم الحالات الى عمليات انتقام من زوج كان يضرب هذه المرأة او من رفيق او عشيق كان يعذّب تلك. وفي الحالات التي لم تتمكن فيها المرأة من الانتقام المباشر من الرجل، كانت تنتقم من طفله او طفلته".
غريبة اطوار البشر وعجيبة هي طاقات العنف الكامنة داخل نفوس الرجال والنساء على حد سواء. على رغم اننا نميل الى الاعتقاد بأن العنف ضد الاطفال من نصيب الرجال، مستبعدين النساء وبخاصة الامهات من المشهد.
لكن الامنيات شيء والوقائع شيء آخر...
أتصح هذه المعادلة بالنسبة الينا، نحن معشر الشرقيين، العاطفيين والمتعلقين بأفراد اسرتنا في شكل حميم جداً؟ طبعاً قد لا تصح سوى في نسبة محدودة جداً. الا ان غياب الدراسات الميدانية المحلية لا يسمح لنا بدحض هذه المحصلة الغربية - والغريبة - للدافع الى الجريمة عند النساء في بلادنا.
وزيارة اقسام السجن الفرنسي المذكور تكشف سلسلة اخرى من الوقائع المتعلقة بجمهور هذا المكان المفصول عن العالم. فالسجينات هنا راضيات بوضعهن وعقوبتهن، لا للتكفير عن جريمة او جرم ارتكبنه، بل لأن العلاقة مع العالم الخارجي لم تعد مصدر ارتياح. فالسجينات الحاليات منبوذات من اقاربهن ومحيطهن الاجتماعي الكائن خارج السجن، ولذلك فهن يتعلقن اكثر، بل يستميتن في سبيل استبدال علاقتهن بجمهور خارج السجن محكوم عليها بالسلبية بأخرى مع الجمهور الموجود داخل السجن او المحكومة بالايجابية بفعل التجاور وتشابه الحال.
الا ان البؤس باد على كل الوجوه. فالكلام قليل داخل الغرف العامة والكبيرة التي تجتمع فيها السجينات خلال النهار. فقسم كبير منهن أميّ والآخر كان مدمناً الكحول، والآخر كان يعيش مع زوج سكير يضربهن في شكل دائم، وأخريات خضعن لعملية اغتصاب، فقمن بعدها بالانتقام.
لكن النظرات هنا كلها مكسورة والوجوه يائسة، وهناك افواه بلا اسنان، والمرارة بادية على القسمات. فقط ثلاث سجينات يتابعن تحصيلهن الدراسي داخل السجن.
"لمَ هذا العدد الضئيل، على رغم توافر فرصة التحصيل العلمي المجاني داخل السجن، من ضمن النشاطات المقدمة للسجناء؟"
"لأن الحوافز غائبة، تجيب مديرة السجن. فما هي الفائدة من تعلّم شيء ما إن حُكم عليك بالسجن المؤبد؟".
و"الاخريات؟ اللواتي تتراوح مدة عقوبتهن بين 15 و25 سنة؟ لِمَ لا يتعلمن شيئاً؟".
في الواقع تفضل السجينات القيام بأعمال صغيرة، داخل محترف السجن بدل متابعة التحصيل العلمي. ذلك ان خياطة بعض الملابس والشراشف لحساب سجون فرنسية اخرى عمل مسموح به في سجون النساء، بل ومشجع عليه، في مقابل مقدار قليل من المال. فالسجينات اللواتي يعملن في محترف الخياطة داخل السجن يقبضن مبلغاً زهيداً من المال في مقابل كل قطعة يقمن بانتاجها. وهذا المردود المالي القليل يسمح في المقابل للسجينة التي غالباً ما فقدت علاقتها بأهلها وأقاربها خارج السجن بشراء ما يحلو لها مما هو متوافر في مخزن السجن.
المخزن الذي يقدم السجائر والسكاكر والشوكولا والموالح والمكسرات والمشروبات الغازية مصدر سعادة السجينات، وهي سعادة سقفها محدود جداً ومنخفض، الا انه مصدر السعادة الوحيد المتاح لهن كونهن يعشن في حرمان عاطفي كبير، تعكسه بعضهن صمتاً وسعياً الى الوحدة والانعزال، وتعكسه اخريات شذوذاً جنسياً. مع العلم ان هذا الشذوذ الجنسي خفيّ عند بعضهن ومجاهر به عند اخريات، انتقاماً من نظام القمع والعزلة.
وتقول في هذا الصدد عالمة اجتماع فرنسية عاشت هي نفسها تجربة سجن ارادية، للتعرف من الداخل الى عالم السجون والسجناء، في كتابها "الأحكام المؤبدة"، ان هذه الآفة منتشرة في سجون الرجال كما في سجون النساء. فالسلطة تشجبها رسمياً، الا انها لا تفعل شيئاً لمكافحتها، كما هي الحال مثلاً في اسبانيا والسويد حيث يسمح للسجين او للسجينة بلقاء زوجته او زوجها.
"اللواط ممنوع في السجون الفرنسية، تقول آن - ماري مارشيكي، مؤلفة الكتاب المذكور، الا ان ادارات السجون تقدّم للسجناء مجاناً الواقيات الذكرية، في سجون الرجال. فماذا يعني ذلك، وعلى من تتلى هذه الكذبة؟".
اما السجانون، في سجون النساء، فيتوزعون على فئتين، فئة الذين يقبلون بتخفيف قيود الاعتقال وممارسة بعض التفهم مع نزيلات السجون، لجهة مقابلتهن لأزواجهن، وفئة تتمسك بقواعد النظام الصارم.
في قسم العناية الطبية في السجن يكتشف الزائر ان عدد المرضى كبير. فالأمراض كثيرة في هذا العالم الصغير والمغلق. ذلك ان تفشي اللواط والمخدرات يساهم في انتشار الامراض الجلدية، والاكتئاب والانعزال يؤديان من ناحية اخرى الى اضطرابات في النوم وداء القبض او الى الامراض العصيبة والتوترات.
حتى ان بعض الحالات ينتمي طبياً الى الجنون. فهناك سجينة في سجن رين مثلاً، تقوم بايذاء نفسها بآلة حادة في شكل دائم، مرتين في السنة: مرة في تاريخ ولادة الطفلة التي قتلتها، ومرة اخرى في تاريخ الجريمة. وطوال الفترة الفاصلة بين هذين التاريخين تتابع حياتها وكأن شيئاً لم يكن. وسجون النساء، كما هي عليه، اقرب الى المصحات العقلية من دون اطباء، تمضي فيها السجينات مدداً زمنية طويلة من دون بلوغ اي هدف مدني محدد. بل ان بقاءهن في هذا المناخ المعزول والقامع لا يؤدي سوى الى تفاقم مشكلاتهن النفسية، لدرجة ان بعض المتابعين للموضوع يتساءلون عن فائدة السجن، بخاصة بعد عشر سنوات من العزل عن المجتمع، في بيئة لا تنبت اي مشاعر جديدة وبديلة.
وبانتظار هذه المراجعة العامة للسجن عند النساء، تمضي الايام والسنون وتراوح السجينات مكانها، في حلقة زمنية مفرغة، لا نهاية لتكرار حركتها الدائرية. وقد لاحظ اطباء هذه السجون ان امل الحياة عند السجينات ضعيف جداً، ما يعني ان السجون تقتل ببطء ضيوفها.
اعداد: فرديريك معتوق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.