«البلسم» تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح و«قسطرة»    مندوب فلسطين يرحب بمبادرة البحرين بعقد مؤتمر دولي للسلام لحل القضية الفلسطينية    أمير منطقة الرياض يستقبل مدير السجون بالمنطقة    مدير تعليم الأحساء يكرم الطالبة الفائزة ببرونزية المعرض الدولي للاختراعات    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    "زين" تستثمر 1.6 مليار ريال لتوسيع انتشار ال"5G"    ارتفاع النفط واستقرار الذهب    ضبط 264 طن مأكولات بحرية منتهية الصلاحية    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر قبالة سواحل نيوزيلندا    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    «الصحة» تدعو الراغبين في الحج إلى أخذ واستكمال جرعات التطعيمات    من أعلام جازان .. الشيخ عيسى بن رديف بن منصور شماخي    "الحج" تختبر خطط التفويج بفرضية ثانية    فيغا يعود للتدريبات الجماعية للأهلي    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    أمير حائل يكرم عدداً من الطلاب الحاصلين على الجائزة الوطنية بمبادرة «منافس»    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    26 % ارتفاع أعداد الركاب في المطارات لعام 2023    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    الصمعاني يشارك في قمة رؤساء المحاكم في دول G20    جناح طائرة ترامب يصطدم بطائرة خاصة في مطار بفلوريدا    خادم الحرمين يرحب بضيوف الرحمن ويوجه بتقديم أجود الخدمات    أمير القصيم: تطوير القدرات البشرية يحظى بعناية كبيرة من القيادة    سعود بن بندر يثمّن جهود هيئة النقل    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    إطلاق مبادرة «دور الفتوى في حفظ الضرورات الخمس»    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    كأس إيطاليا بين خبرة اليوفي وطموح أتالانتا    لجلب صفقات من العيار الثقيل.. النصر يعتزم الاستغناء عن 3 أجانب    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    إعفاءات.. جمركية بالأسوق الحرة    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    واتساب تطلق تصميماً جديداً    الوجه الآخر لحرب غزة    المجون في دعم كيان صهيون    أهمية الاختبارات الوطنية «نافس» !    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    طموحنا عنان السماء    الأمن والاستقرار    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    المان سيتي يكسر عقدة ملعب توتنهام الجديد وينفرد بصدارة الدوري الإنجليزي    الهلال والنصر.. والممر الشرفي    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    تفقد محطة القطار ودشن «حج بلياقة».. أمير المدينة المنورة يطلع على سير الأعمال بالمطار    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في شباك ديبورتيفو ألافيس.. وفينيسيوس يُسجل هاتريك    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العودة الى نوع طواه النسيان ظلماً . أفلام رعاة البقر بين الجمهوري والديموقراطي
نشر في الحياة يوم 20 - 04 - 2001

ليس بين ما ظهر أواخر العام الماضي ومطلع هذا العام من أفلام "وسترن" مفاجئة ما يمت بصلة الى كلاسيكيات ذلك النوع الهادر الذي نشأنا عليه. وليس بين ما سيظهر لاحقاً هذا العام ثلاثة ما يبدو انه منتمٍ أيضاً الى افلام ذلك النوع الذي كان يوماً يمثل ما بين ثلث الانتاج السنوي في هوليوود في بعض العقود، أو نصفه.
في وقت يزداد تعنت السياسة الأميركية حيال الموضوع الفلسطيني. والعالم العربي بل والعالم بأسره، يصبح الحديث عن بطل "الكاوبوي" محرجاً ولكن فقط اذا قدمناه على النحو الخاطئ الذي انتشر به أو فهم عليه. فهو يمثل لدى فئات عدة من الناس ذلك التعنت والعجرفة واعتماد مبدأ القوة في التعامل مع الآخر. وفي الحقيقة نستطيع ان نجد هذه الصفات في كثير من أفلام الوسترن، وأيضاً في الكثير جداً من الأفلام غير الوسترن، من كوميديا أو دراما أو تشويق وحركة... وصولاً الى العلمي - الخيالي.
"الوسترن" هو الروح الأميركية الأصلية كونه التربة الروائية الغربية نسبة الى الغرب الأميركي الأولى. والأفلام التي عالجت التاريخ الأميركي حتى مطلع القرن العشرين لم تكن ذات نوع واحد، ولا يمكن تسميتها ب"الوسترن" جميعاً حتى مع اعتبارها تقع في السنوات المئتين الأخيرة من عمر الولايات المتحدة. هناك "الوسترن" غرب نهر المسيسيبي، وهناك اذا أردت القول "الإيسترن" شرق نهر المسيسيبي حيث نشأت النسخ الاجتماعية القريبة من الأصول الأوروبية، والتي، بالمقارنة مع الغرب، كانت تمثل الحضارة في حين كان الغرب يمثل الانفتاح غير المقيّد والحرية غير المقيدة مع ما يداخلها من توحش وعنف بل وأمية.
من الشرق الى الغرب
في فيلم "الخارج عن القانون جوزي ويلز" نشهد سيدة عجوزاً جاءت من الشرق باحثة عن ابنها في الغرب تشكو دائماً من لا حضارة هذا المكان القاحل والمتعجرف. فجأة تجد نفسها وابنتها امام رجل يمثل تلك الغطرسة ويعيش في الصف المضاد للقانون هو جوزي ويلز كلينت ايستوود امام الكاميرا ووراءها وتتمثل كل عاداته الفردية امامها فتجملها مع ملاحظاتها وشكاواها المختلفة ضد الغرب ووحشيته. ثم تجد نفسها، وقد هاجمتها عصابة تكاد تفتك بابنتها الشابة ساندرا لوك كما لو ان المجتمع الذي تشكو منه خبأ لها الدلالات التي تؤيد شكواها.
في المجموع، فإن هناك أنواعاً مختلفة من "الوسترن" بالمفهوم الكبير، بعضه ليس "وسترن" وهو الأفلام التي تدور في الولايات الشرقية، مثل تلك التي تحدثت عن حرب الاستقلال آخرها "الوطني" لرونالد ايميرش، وتلك التي تحدثت عن المواجهات الأولى بين البيض وهنود الولايات الشرقية كما "آخر الموهيكانز" لمايكل مان أو الحرب الأهلية كما "مجد" لإد زويك و"ذهب مع الريح" لفكتور فليمنغ. أما تلك "الوسترن" الحقيقية فموزعة جغرافياً، على النحو الآتي:
- أفلام رعاة بقر Cowboys وتتحدث عن تجار المواشي وأصحاب المزارع الذين تكون صراعاتهم عادة ضد عصابات أو هنود خلال رحلات يقطعون فيها مسافات طويلة خطرة أو اقطاعيين يودون اجبارهم على ترك الأراضي "جون واين والكاوبويز".
- أفلام الجنود الزرق ضد الهنود الحمر كما في "خريف الشايين" و"الباحثون" لجون فورد ومجموعة كبيرة أخرى من أفلامه وأفلام سواه.
- أفلام المدينة Town Movies حيث تقع معظم الأحداث في البلدان المنتشرة في الغرب وتبدأ عادة بوصول غريب طارئ. وهذه موجودة في ما لا حصر له من أفلام، لكن بين أكثرها تجسيدها "منتصف الظهيرة" High Noon لفرد زنيمان مع غاري كوبر.
- افلام الرواد والمكتشفين الأول لمجاهل بعيدة Frontier كما في "جيرومايا جونسون" لسيدني بولاك و"الرقص مع الذئاب" لكيفن كوستنر.
في كل واحد من هذه الأنواع، تتداخل الصور المكتسبة من المفهوم العام لماهية ذلك الغرب والذي يرمز اليه البطل الفرد، فهو قد ينضم الى فلاحين بسطاء. الان لاد في "شين" أو قد يشترك في الهجوم على الهنود الحمر أو يدافع عنهم كوستنر في "الرقص مع الذئاب"، أو قد يخط طريقاً وحيدة مندفعاً صوب انتقام من حدث في الماضي، فينتقل من مدينة الى أخرى بحثاً عن أعدائه كما نرى جيمس ستيورات في رائعة انطوني مان "ونشستر 73" أو ايستوود في "اشنقهم عالياً" لجون ستيرجز. أيضاً يمكن اضافة بند رابع انما من دون مزايا جغرافية محددة، هي تلك التي تستلهم من الشخصيات التاريخية الحقيقية سواء أكانت تقف مع القانون كما شخصية الشريف وايات إيرب في "وايات ايرب" لكيفن كوستنر أو ضده كما في "بات غاريت وبيلي ذي كيد" لسام باكنباه وكلاهما انتقل الى الشاشة في أكثر من فيلم. طبعاً هناك فجوات كثيرة بين هذه الأقسام ويمكن دائماً ملؤها بأعمال مشتتة أو موزعة بسبب مواضيع غير منتمية "الزمرة المتوحشة" لباكنباه أو بسبب انتمائها أىضاً الى ألوان وأنواع قصصية متداخلة مثل الكاوبوي الموسيقي "ادهن عربتك" لجوشوا لوغان أو الكاوبوي الكوميدي "ساند شريفك المحلي" لبيرت كندي.
جمهوري وديموقراطي
هناك مداخل كثيرة لمثل هذا الموضوع. الغرب هو اميركا الصافية بصرف النظر عن تماثل دلالاتها السياسية مع مفاهيمنا حولها أم لا. الناقد القديم جون وودز الذي يترأس الآن مجلة سينمائية يسارية باسم "سيني أكشن" تصدر في كندا كتب ذات مرة ملاحظاً أن أفلام الوسترن عموماً تنقسم نوعين: جمهوري وديموقراطي. ومع سعة مثل هذا الوصف، ينطبق جيداً على الكثير من الافلام بحسب انتماءات مواضيعها.
"معركة عند أوكي كورال" جون سترجز - 1957 يجسد مثل هذا الصراع بين الحزبين في قصته المأخوذة مع الواقع: عائلة وايات ايرب الجمهورية ضد عائلة كلينتون غير كلينتون التي وصلت بالفعل الى البيت الأبيض الديموقراطية، وبعض المؤرخين يقولون إن أصل كل المعارك الشرسة التي قامت بين العائلتين لم يكن مرجعها أن وآيات ايرب كان يمثل القانون وكلينتون يمثل الخروج عنه، بل الى خصوماتهما السياسية. في ذلك الفيلم، بدا وايات ايرب، كما اداه بيرث لانكاستر، انساناً لا يعرف المهادنة، شرساً في محاولته تثبيت القانون وخلال ذلك النيل من عدوه التقليدي. لكن الفيلم سمح لنفسه بالكثير من فرص الخروج عن الواقع بما في ذلك الفصل الأخير الذي يحتوي المعركة نفسها، اذ هي في الواقع لم تستمر أكثر من دقيقة مبارزة حاسمة بين فريقين انتهت بانتصار فريق ايرب بينما في نسخة جون ستيرجز امتدت عشر دقائق.
واذا كان "معركة عند أوكي كورال" منتمياً الى النهج الجمهوري، فإن البحث، من طرح جون وودر نفسه عن الفيلم الديموقراطي، يتمثل بفيلم فرد زنمان "منتصف الظهيرة" 1958، وقد عارضه جون واين ونبذه شارلتون هستون وانتقده رونالد ريغان وكلهم جمهوريون، على أساس انه يساري لا ينتمي الى الواقع.
السبب في هذه التهمة أن زنمان، عن سيناريو كتبه كارل فورمان عن قصة قصيرة تختلف في تفاصيل احداثها عن الفيلم، قدم صورة رجل قانون غاري كوبر يخشى المواجهة المتوقعة بينه وبين ثلاثة أشرار ينتظرون رابعاً آتياً في قطار الساعة الثانية عشرة ظهراً. ويحاول الشريف جمع معاونين يساعدونه في التصدي لهذه الزمرة، لكن الجميع ينسحب من وجهه خائفاً، وأولئك الذين يتقدمون لمساعدته اما ينسحبون حين يكتشفون انه وحيد، واما ان لديهم مصالح اخرى خاصة. في نهاية الفيلم، وبعدما ساعدته زوجته بعد تمنع شديد، بقتل احد أفراد العصبة، نراه يصعد الى العربة رامياً النجمة النحاس أرضاً في نبذ لمفهوم القانون وبالتالي لكل البطولات الخيالية التي صاغها أبطال جسَّدهم جون واين من قبل أو كلينت ايستوود من بعد.
اليانكي الكاذب
مفهوم غير بعيد من هذا الطرح نجده في فيلم جورج ستيفنز الرائع "شين" 1953. الان لاد هو الغريب الطارئ القادم من لا مكان والذاهب الى لا مكان صورة تقليدية تتكرر في الكثير من أفلام الغرب رامزة الى الوحدة والحرية والتوحش المحبب. يحط ذات يوم في مزرعة صاحبها فان هفلن يواجه مع جيرانه محاولة اقطاعي اجبارهم على بيع ممتلكاتهم والرحيل عن الأراضي التي هي كل ما يملكون. شين لاد يحاول ان يجدد عملاً في المزرعة في مقابل اقامته ويسعى الى البقاء بعيداً من المواجهة ولكن حين يستنجد الاقطاعي بمقاتل محترف يؤديه كما لا يمكن ان يجسده ممثل آخر جاك بالانس يضطر شين، الذي لا يزال غريباً في الذات، لطرح نفسه لمصلحة المزارعين. وفي نهاية عاصفة ومثالية تقع معركة المصير التي يقتل فيها شين الاشرار، ولو انه يخرج مصاباً أيضاً.
في مشهد مصمم بعناية، نرى احد المزارعين اليشا كوك جونيور يتوجه مع أحد جيرانه لشراء حاجيات من المخزن. كان جاره أفصح له انه يخشى الزمرة التي تسيطر على البلدة في غياب رجل قانون فيها، واليشا، بحسه الواثق من نفسه أكثر من اللازم، يتطوع للغاية. حين يصلان الى البلدة الموحلة يناديه المقاتل المحترف جاك بالانس الذي يقف على منصة عالية ما يجعل إليشا الأقصر قامة أصلاً في موقع متدنٍ رمزي ومكاني وهو يسير فوق الشارع وحوله، الى ان يقفا وجهاً لوجه: جاك بالانس على المنصة عالياً ومتعجرفاً، والرجل الطيب والطائش في موقع دوني. والأخير ينادي المقاتل ب"اليانكي الكاذب" Yankee Lier واليانكي كلمة محلية الاستخدام من ايام الحرب الأهلية أطلقها الجنوبيون على الشماليين، والمقصود بها التقليل من الشأن. وهي الكلمة التي يستخدمها اليشا كوك في حديثه المبتسر مع جاك بالانس الذي يرد عليه بكلمة "برهن ذلك" Prove it.
في وصف اليشا كوك لجاك بالانس ما يفيد ان الفيلم ديموقراطي، اذ يتبنى موقف المزارعين. ومعروف ان مواقع قوية مجيرة للحزب الديموقراطية لا تزال الى اليوم قابعة في ذلك الجنوب الأميركي. ولكن كيف يمكن موقفاً ليبرالياً، عادة ما يعبر عنه الديموقراطيون، ان يبرر نفسه مدافعاً عن الجنوب وسياسته، حال جعل أصحاب الحق جنوبيين والمجرم المقاتل شمالياً؟ قد يكمن الجواب في أن واحداً من ابعاد الفيلم، الحديث عن ذلك الغرب الموحش بل هو البعد الأهم بالتأكيد. في هذه الخطاب ما يقدمه الينا الفيلم مقاتلاً طيباً الان لاد ضد مقاتل شرير بالانس. لكن الجامع بينهما، كما في أفضل أفلام الصراع بين الخير والشر، انهما يتكاملان ويمثلان، في هذه الفيلم تحديداً، النهايات المفتوحة والحزينة لشخصية المقاتل المنقرضة في غرب متحول.
قطار الحضارة
وهناك الكثير من الافلام التي تعرضت لهذا التحول أو الانقراض، آخرها فيلم كلينت ايستوود "غير المسامَح": قصة الرجل العائد من الماضي الذي لن يسامحه أحد على عنفه بالأمس. اليوم أصبح كبيراً ومعرضاً للخطر، لكنه لا يزال متوحشاً كما يدل الفصل الأخير من الفيلم عندما يواجه رجل القانون العنصري والفاسد جين هاكمان. ونحن نجد المضمون نفسه في كل افلام الوسترن التي حققها المخرج سام باكنباه "بات غاريت وبيلي ذاكيد" 1973، "الزمرة المتوحشة" 1969، انشودة غابل هوغ" 1970 وحتى في "جيونيور بونر" 1972 و"أحضر لي رأس ألفريدو غارسيا" 1974 الذي وضع أحداثهما في النصف الأول من القرن العشرين، وكذلك في أول فيلم وسترن حققه وأقل أفلامه شهرة الى اليوم "مسدسات بعد الظهر" 1962 متوافر على الفيديو تحت عنوان Two Rode Toghether. كل ذلك الفيلم يدور على قطار الحضارة الذي يمر بعيداً من أبطال الفيلم فلا يلحقون به: ويليام هولدن مقاتل قديم يبحث عن صديقه راندولف سكوت فيجده باع ماضيه وتحول ما يشبه المهرج، ويكتشف لاحقاً ان تخليه هو تنازل عن القيم عندما يتآمر سكوت على هولدن ليستحوذ على المال الذي وافقا على نقله. في نهاية الفيلم يعلق باكنباه على رحيل الأمس الغارب بلقطة تصور خروج هولدن من كادر اللقطة رويداً رويداً عندما يصاب في نهاية الفيلم وتبقى اللقطة مثبتة على فراغ.
هوى باكنباه كان الغرب المتوحش والحياة الحرة من القواعد، ولو على شكل قوانين. بالنسبة اليه كان الغرب الأميركي يندثر تحت طيات الحضارة الآتية من الشرق عبر المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، والملجأ الوحيد هو المكسيك الذي لا يزال يعيش حراً من هذا التقدم - الحضارة حتى في أفلام باكنباه غير الوسترن هناك دعوة الى الانعتاق نحو المكسيك كما في "القرار" مع ستيف ماكوين وآلي ماكغرو.
المرء قد يعارض وقوفه المواجه للأخلاقيات العامة، لكن باكنباه يدمج هذا الموقف تماماً مع معارضته الحياة المدنية التي تعرف بدورها مساوئ اخلاقية عدة. الأجدر بالاعتبار ان باكنباه كان ضد العائلة وضد الدين وضد المؤسسة أيّاً تكن، وهو مات فعلاً في منفاه المكسيك بعيداً من المؤسسة هوليوود والعائلة اذ عاش مع عشيقاته أكثر مما عاش مع زوجاته.
كيروساوا وأثره...
الغرب الأميركي كما رآه سيرجيو ليوني ليس منه بديل... في ثلاثيته التي قادها كلينت ايستوود "حفنة من الدولارات" و"من أجل دولارات أكثر" ثم "الطيب والسيئ والبشع" رحلة في غرب ماض في طريق الانقراض بلا هوادة. هذه الرحلة تتكامل باضافة فيلم "حدث ذات مرة في الغرب" مع تشارلز برونسون، وكلها تعبر عن ذلك الرحيل بمزيج من التأمل والصمت وموت الشخصيات. لكن صورة كلينت ايستوود المثالية في وسط هذا التكوين الفسيح لم تتكامل الا بعدما اخذ يخرج أفلامه بنفسه. سنجد ان شخصيته، في منطلقاتها، مسحوبة من أفلامه مع ليوني، فهو الآتي من المجهول الذي اعتقده الناس أو بعضهم مات لكنه لا يزال حياً بذلك أيضاً هو مرمز للمسيح. هذه الصورة نجدها في "جوال السفوح العالية" High Plains Drifter 1973، "الخارج عن القانون جوزيه ويلز" 1976، "الفارس الشاحب" 1985. وهذا الحي الميت مستقى بالتحديد من "حفنة من الدولارات" المقتبس بدوره من الفيلم الياباني "يوجيمبو" للياباني الفذ أكيرا كوروساوا 1961.
وكان جون ستيرجز استوحى من كوروساوا فكرة فيلمه "الرائعون السبعة" 1960 من الفيلم الياباني "الساموراي السبعة" 1954. وهناك الكثير مما يمكن ان يقال في أمر هذين الاقتباسين "حفنة من الدولارات" و"الرائعون السبعة". فالأصل يختلف من تربة الثقافة وما يعلوها وصولاً الى النتيجة الكلية النهائية لكل من الفيلمين. والاقتباس مصوغ في حالات تنتمي الى الثقافة الغربية بمكونات اهتمامها الخاص. على رغم ذلك، وعلى نحو غير عادي تماماً، تحدث الفيلمان عن الموضوع نفسه. ولا ريب ان الفيلم الاميركي أفاد من الأصل على رغم انه دلف بما استفاده الى المظلة الهوليوودية.
فمن الضروري مثلاً الملاحظة أن هوليوود لم تكن عرفت، لا في أفلام الوسترن ولا في غيره من الأنواع، تلك الأعمال القائمة على أكثر من ثلاثة فرسان أو أبطال في أقصى الحالات. الساموراي السبعة، كحال، فرض على جون سترجز وفريقه لا جلب سبعة ممثلين/ ابطال معاً، بل اتباع وسيلة كوروساوا في فيلمه بتخصيص كل شخصية بمكنونات مختلفة عن الأخرى. بذلك "الرائعون السبعة" أعلى كثيراً من أفلام وسترن أخرى تهتم بسرد القصة ولا تفقه في رسم الشخصيات كثيراً، ولكن من يراقب "الساموراي السبعة" يجد المدلولات الشخصية أعمق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.