جوازات المدينة تستقبل أولى رحلات حجاج جيبوتي    الاقتصاد السعودي نمو مرتفع وتضخم مستقر حتى 2026    مستشفى الطوال العام ينفذ فعالية اليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية    سقوط مسبار فضائي على الأرض غدا السبت 10 مايو    إيران والردع النووي: هل القنبلة نهاية طريق أم بداية مأزق    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية القرغيزية بذكرى يوم النصر لبلاده    جازان تودّع ربع قرن من البناء.. وتستقبل أفقًا جديدًا من الطموح    إحباط محاولة تهريب 40 كيلوغرامًا من "الكوكايين" في ميناء جدة الإسلامي    النادي الأدبي بجازان يقيم برنامج ما بين العيدين الثقافي    إمام المسجد الحرام: الأمن ركيزة الإيمان ودرع الأوطان في زمن الفتن    هلال جازان يحتفي باليوم العالمي للهلال الأحمر في "الراشد مول"    أمير منطقة الجوف يختتم زياراته التفقدية لمحافظات ومراكز المنطقة    مهرجان المانجو والفواكه الاستوائية في صبيا يشهد إقبالًا استثنائيًا في يومه الثاني    أمطار ورياح نشطة على عدة اجزاء من مناطق المملكة    الفريق الفتحاوي يرفع درجة الجاهزية.. و"قوميز": مباراة الوحدة موسمٌ كامل في 90 دقيقة    الإعلان عن أندية الدرجة الأولى الحاصلة على الرخصة المحلية    إدارة نادي الخليج تستقبل وفد اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    من التقليدية إلى المنصات الإلكترونية    أوامر ملكية: تغييرات في إمارات المناطق وتعيينات قيادية رفيعة    مؤتمر الاتصال الرقمي: القيمة والتفاعل    إلغاء دور الإعلام الفلسطيني كناقل أمين للواقع على الأرض    الرواية والسينما وتشكيل الهوية البصرية    قيمة المثقف    الرياح الأربع وأحلام اليقظة    اليمن.. أزمة سببها الحوثي    الحج لله.. والسلامة للجميع    اضطرابات نفسية.. خطر صادم    مرضى الكلى.. والحج    الأهلي.. قصيدة الكرة السعودية!    تشيلسي يهزم يوجوردينس السويدي ويبلغ نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    العدالة يبدأ استعداداته لمواجهة نيوم في دوري يلو    بمشاركة (90) لاعباً .. اختتام تجارب أداء لاعبي كرة قدم الصالات    ترامب يدعو إلى وقف إطلاق نار "غير مشروط" بين روسيا وأوكرانيا لمدة 30 يوماً    بتكوين ترتفع إلى 102385 دولاراً    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    الحجيج والهجيج    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه أميرًا لمنطقة جازان    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم الملتقى العلمي الرَّابع لطلبة المنح الدِّراسيَّة    الهلال الأحمر يُفعّل اليوم العالمي للهلال الأحمر تحت شعار "الإنسانية تجمعنا"    رئاسة الشؤون الدينية تدشن أكثر من 20 مبادرة إثرائية    الربيعة يطمئن على صحة التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا"    جائزة البابطين للإبداع في خدمة اللغة العربية لمجمع الملك سلمان العالمي    جامعة نايف للعلوم الأمنية تنال اعتمادا دوليا لكافة برامجها    تعليم جازان ينظم لقاءً تربويًا بعنوان رحلة التحول في منظومة حوكمة إدارات ومكاتب التعليم لمديري ومديرات المدارس    90 مليار دولار إسهام "الطيران" في الاقتصاد السعودي    ضبط (4) مقيمين لارتكابهم مخالفة تجريف التربة    15 مليون دولار مكافأة لتفكيك شبكات المليشيا.. ضربات إسرائيل الجوية تعمق أزمة الحوثيين    تصاعد وتيرة التصعيد العسكري.. الجيش السوداني يحبط هجوماً على أكبر قاعدة بحرية    إحالة مواطن إلى النيابة العامة لترويجه "الحشيش"    الزهراني يحتفل بزواج ابنه أنس    تصاعد التوترات بين البلدين.. موسكو وكييف.. هجمات متبادلة تعطل مطارات وتحرق أحياء    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا" إلى الرياض    الرُّؤى والمتشهُّون    ألم الفقد    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو عمار والقيادة البديلة
نشر في الحياة يوم 17 - 04 - 2001

تحمل إسرائيل في جعبتها مستودعاً من السموم السياسية أحياناً وبالونات اختبار خبيثة أحياناً أخرى. ولعلنا نتذكر بهذه المناسبة الدوافع التي استند إليها العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال حينما وقّع اتفاقية "وادي عربة" مع إسرائيل، إذ اكتشف الملك أيامها - بحسه السياسي وحصافته المعروفة - أن إسرائيل ستكثف الحديث عما تطلق عليه "الوطن البديل" خصوصاً بعدما وقع الفلسطينيون "اتفاق أوسلو" بعد مفاوضات سرية أقلقت الملك وغيره من أطراف النزاع العربي - الإسرائيلي، حتى اكتشف العاهل الأردني الراحل أن إعلانه فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية لم يكن مبرراً كافياً لإبعاد نظرية "الوطن البديل" من الوجود على الساحة الاقليمية، كما أدرك الملك الهاشمي - في ظل أزمة صحية بدأت تطل على حياته بعد أكثر من أربعين عاماً في الحكم - أنه لابد من أن يضع حداً لاحتمالات ظهور سياسات إسرائيلية يجري استخدامها للضغط على الأردن في محاولة لتغيير شخصيته القومية بالحديث المتكرر عن "الوطن البديل" في المستقبل.
تذكرني هذه الظروف وتلك الملابسات الآن بما يتعرض له الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من أزمة مصدرها دعايات مشبوهة تروج لها الحكومة الإسرائيلية الحالية، حيث يسعى ارييل شارون إلى تصوير أبي عمار كزعيم إرهابي يغذي العنف ويحافظ على مناخ التوتر في الأرض المحتلة، لأنه إما أن يكون الزعيم الفلسطيني أداة إسرائيل للبطش بانتفاضة الأقصى الباسلة أو أن يتلقى جزاءه تشويهاً وتخويفاً وإرهاباً، في محاولة للعودة بصورة عرفات إلى سنوات مضت كانت فيها الولايات المتحدة تنظر إليه من خلال رؤية إسرائيلية لا تختلف كثيراً عن رؤية الأتراك يوماً ما للزعيم الكردي عبدالله أوجلان.
دأب شارون ومعاونوه وأجهزة إعلامه على تقديم عرفات بصورة مختلفة تعمل على تشجيع العنف وترفض تهدئة الأوضاع في الأراضي المحتلة، أو هي في أحسن الأحوال قيادة تتسم بالضعف وانعدام القدرة على السيطرة، بما يعني أن "قيادة بديلة" يجب أن تظهر عند اللزوم مثلما تظهر نظرية "الوطن البديل" في بعض المناسبات أيضاً. والمطلوب في الواقع من عرفات أن يتحول إلى شرطي للممارسات الإسرائيلية بدعوى الحديث عن التزامات تعاقدية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وإن لم تحترم منها الأخيرة بنداً واحداً، وإما أن يتلقى الرئيس الفلسطيني جزاءه من خلال إشارات خبيثة عن حالته الصحية أو قدراته الوظيفية أو سيطرته السلطوية. ولماذا نذهب بعيداً، فقد حاولت إسرائيل التلويح بهذا "الكارت الخبيث" في مناسبات سابقة! هل ننسى ما رددته منذ سنوات حول حركة "حماس" في إطار أحاديث مطولة عن القيادة البديلة في محاولة للضغط على عرفات ودق إسفين في الجبهة الفلسطينية وشق الصف الوطني لشعب يناضل كل يوم حتى الموت من أجل حقوقه المشروعة واستعادة أرضه المحتلة؟ إنها إسرائيل التي تملك دائماً أدوات العبث الإقليمي والابتزاز السياسي في براعة لا تنافسها فيها قوة أخرى في الشرق الأوسط.
والذي يهمني في هذا المقال هو أن أسوق عدداً من الملاحظات المرتبطة بمسألة تشويه زعامة عرفات وتغيير صورته الى حد الضغط على الإدارة الاميركية الجديدة كي تسلك منهجاً مختلفاً مع عرفات يختلف عن نهج الإدارة السابقة، باعتبار أن الزعيم الفلسطيني أصبح راعياً للإرهاب بينما هو قائد الكفاح المسلح والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال والعدوان. ولعلي أرصد هذه الملاحظات فيما يلي:
أولاً: إن غموض مسألة الخلافة في الحكم أو القيادة على امتداد الوطن العربي وفي معظم دوله - غير الملكية منها تحديداً - هو أحد أسباب حملات التشكيك في المستقبل والتخويف من البديل. ويجب أن نتنبه في الدول العربية المعنية وفي السلطة الفلسطينية بأن وضوح التسلسل القيادي أمر يحسب لها ويقطع الطريق على من يريدون استخدام البديل الغامض في أحاديث هي أقرب إلى الأراجيف منها إلى التوقعات السياسية الصحيحة. إننا مطالبون في النظم العربية غير الوراثية بأن نقدم خريطة واضحة للمستقبل بحيث لا تحتمل التأويل الخبيث أو التآمر المؤجل.
ثانياً: إن القيادة الفلسطينية التاريخية لأبي عمار فقدت عدداً من رموزها بالاغتيال السياسي الذي نفذته إسرائيل أو بعض المنظمات الفلسطينية في صراعها الداخلي، فرحل أبو جهاد وتبعه أبو أياد وأبو الهول، بينما اتخذ أبو اللطف منهجاً فريداً في الاختلاف مع القيادة الفلسطينية - في إطارها وتحت مظلتها - وبذلك أصبحت حال الفراغ التي سببها غياب ذلك الجيل من قيادات الكفاح الوطني مبرراً للتسلل الخارجي ونفث سموم الدعاية حول المستقبل الفلسطيني لشعب يناضل منذ عشرات السنين ويسقط شهداؤه كل يوم ويحتاج - والأمر كذلك - إلى وضوح في المستقبل وانكشاف كامل للرؤية.
ثالثاً: لا أظن أن زعيماً في تاريخ النضال القومي قد تعرض لما تعرض له أبو عمار على امتداد السنوات الخمس والثلاثين الأخيرة منذ إعلان قيام حركة "فتح" بزعامته، ومشاهد "أيلول الأسود" في الأردن و"الخروج الكبير" في بيروت، والاعتصار المستمر بين ضرورة المرونة في السياسة الدولية والاقليمية وبين الشارع الفلسطيني بكل فصائله وتنظيماته ومنها المتطرف وطنياً أو المتشدد دينياً.
رابعاً: لقد اكتسب أبو عمار في السنوات العشر الأخيرة مساحة للحركة الدولية لم تكن متاحة أمام العمل الفلسطيني من قبل، فمع تسليمنا بأهمية خطابه التاريخي أمام الأمم المتحدة في ظل أمينها النمسوي كورت فالدهايم المعروف بتعاطفه مع القضية العربية الأولى على النحو الذي أدى به إلى أن يدفع فاتورة غالية بعدما لفقت له الدوائر الصهيونية تهمة ظالمة بالتعامل مع النازية في صدر شبابه، ومع تسليمنا بمحطات إيجابية للعلاقات الفلسطينية مع أوروبا في السبعينات والثمانينات، إلا أننا نذكر الجميع بالتجاهل الاميركي للقيادة الفلسطينية على امتداد تلك الفترة حيث كان الفلسطينيون يطمحون إلى مجرد اتصال يقوم بين حكم بلعاوي مدير مكتب المنظمة في تونس وبين أي مسؤول ديبلوماسي في السفارة الأميركية في العاصمة التونسية في ظل حديث أميركي تردده واشنطن نيابة عن إسرائيل حينذاك يشير دائماً إلى ضرورة الإعلان الفلسطيني عما يسمونه بنبذ الإرهاب، في خلط متعمد بينه وبين الكفاح الوطني المشروع ضد الاحتلال والذي اقرته الاتفاقيات الدولية ونظمت حدوده قواعد المجتمع الدولي بشكل لا غبار عليه. بل إن واشنطن التي كانت ترفض التعامل مع القيادة الفلسطينية هي أيضاً التي وقفت يوماً ضد إعطاء أبي عمار تأشيرة دخول للولايات المتحدة لمخاطبة العالم من منبر الأمم المتحدة باعتبارها المنظمة العالمية الأولى.
خامساً: إن الإسرائيليين وخلفهم الولايات المتحدة والقوى الدولية المختلفة يدركون أن أبا عمار هو شخصية تاريخية توفيقية يصعب إيجاد بديل لها في الوقت الحالي، وهم يدركون أن الرجل - بالإضافة إلى تاريخه النضالي على الأرض - يملك قدرة كبيرة على اكتساب مرونة المواقف والتعامل مع الواقع. إنه الزعيم الفلسطيني الذي يضغط على مشاعره في ظل محاولة السحق الإسرائيلي الدامي للانتفاضة الفلسطينية والتركيز على اغتيال القيادات والأطفال والشباب، فيتحامل على نفسه ويتصل بشارون هاتفياً للتهنئة بعيد يهودي حل موعده. يدرك الجميع أن عرفات - على رغم أية ملاحظات عليه أو انتقادات له - سيظل الشخصية الوحيدة المؤهلة تاريخياً في هذه الظروف للتعامل مع كل الأطراف، خصوصاً أن البديل غائب وأن القيادة الفلسطينية المقبلة ستأتي - في تقديري - من صفوف تالية لذلك الجيل، وقد تصل إلى مرحلة الشباب التي تجسدها نماذج تملك نهجاً سياسياً مرناً مع التزام بالثوابت الوطنية، وقد تحضرني منها الآن شخصية المسؤول الأمني الفلسطيني محمد دحلان وجيله الذي شهد على أرض الواقع ذلك الصراع بين المقاومة المسلحة في جانب، والسياسة الاقليمية في جانب آخر.
هذه بعض ملاحظات رأيت أن أتطرق إليها بغير مواربة أو حساسية، لأنني أظن أن فتح الملفات والتطرق إلى كل المواضيع هي ميزة للخصم برع فيها وتفوق، بينما تظل نقيصة لدينا تمثل عواراً في مسيرتنا القومية ونظمنا السياسية، خصوصاً أن القيادات ترحل والمواكب تمضي والخلود لله وحده. إنني أدرك أن محاولات التشويه التي يتعرض لها أبو عمار حالياً هي محاولات شديدة الدهاء لأنها تسعى إلى أهداف متعددة ليس أقلها شق الصف الفلسطيني أو تخويف عرفات وإضعاف مركزه دولياً وعربياً، أو المضي في مخططات للتغلب على القيادات الفلسطينية المختلفة في ظل الظروف الصحية لعرفات الذي أرهقه طول النضال ومواصلة الأسفار وعذابات العمل القومي والوطني. لذلك فإنه يتعين علينا كعرب وفلسطينيين أن نتنبه جيداً الى "بالونات شارون السوداء" ومحاولاته المشبوهة التي ترمي إلى قطع الصلة بين القيادة الفلسطينية والعالم الخارجي، خصوصاً الولايات المتحدة. فالذين تحدثوا طويلاً عن "الوطن البديل" في الأردن هم الذين يتحدثون أيضاً عن "القيادة البديلة" في فلسطين بغير نية حسنة أو تحليل موضوعي. فهم يريدون أن يضيفوا إلى الهم الفلسطيني هماً جديداً، وإلى معاناة عرفات بنداً إضافياً حتى تختلط الأوراق ويتحكم عمى الألوان الدولي في تشويه الانتفاضة الفلسطينية وصرف الأنظار عن عملية الغزو الإسرائيلية التي تمارسها يومياً ضد المدن الفلسطينية تحت سمع العالم وبصره، وفي ظل حديث دولي يتكرر عن ضرورة وقف العنف وتجميد الأوضاع واستئناف التسوية الضائعة بحثاً عن السلام المفقود، وكأن من يحتل أرض الغير يتساوى تماماً مع من يفقد الأرض والوطن.
لقد نجحت إسرائيل - والحق يقال - في استثمار الشهور الأولى لإدارة اميركية جديدة تتحسس الخطى وتراجع سياسات الإدارة السابقة في أوروبا والشرق الأوسط وغيرهما من مناطق العالم. بل هي في ظني إدارة تسعى على استحياء لتقليص التزاماتها الدولية ومراجعة مواقفها الاقليمية حتى تتميز عن سابقتها وتبلور شخصية منفردة لها. وبينما الأمر كذلك فإذا بتل أبيب تحاول ترتيب الأوضاع لصالحها ورسم الخريطة الجديدة وفقاً لأهدافها مستخدمة كل ما في "الصيدلية السياسية" الاسرائيلية من سموم وأحماض ومسكنات، لعلها تلعب بعامل الوقت، وهو أمر برعت فيه أو تتخلص من التزاماتها وهو أمر تعودنا عليه.
ولكن يبقى على العرب والفلسطينيين في النهاية أن يملكوا عيوناً مفتوحة وآذاناً صاغية وقلوباً صامدة وعقولاً واعية، فالمؤامرة مستمرة والعبث لا ينقطع والدنيا تجري من حولنا.
* كاتب قومي، عضو في البرلمان المصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.