تجمع شيري بلير شخصية المرأة الأم والحقوقية والمعارضة العلنية للحكومة مع أنها زوجة رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير! انها كتلة من التناقضات التي يصعب شرحها: ترفض إجراء المقابلات الصحافية حفاظاً على خصوصية حياتها الشخصية، ثم تعرض مع طفلها أمام عدسات الكاميرا ما إن تخرج من المستشفى موزعة صورها في أنحاء العالم كله! على غرار هيلاري كلينتون تعتبر بلير من أهم المحاميات في بلدها، لكن على نقيض الأميركية الأولى السابقة تمتنع عن التدخل في الشؤون السياسية لزوجها وجوابها "لا تعليق" بات يحفظه الصحافيون الفضوليون غيباً حين يسألونها عن شؤون الدولة. على رغم ذلك لا تتردد هذه السيدة المتكتمة في انتقاد السياسة الحكومية التي تعتبرها بعيدة من الهموم الاجتماعية للشعب. والسيدة بلير امرأة نشيطة جداً عملت حتى الشهر الأخير من حملها، وهي أم لأربعة أولاد: إيان 16 عاماً، نيكولاس 14 عاماً، كاترين 12 عاماً وليو الوليد الجديد. تخاف شيري كثيراً من الصحافة الشعبية في بريطانيا لذا لا تتكلم إلا عبر مستشارتها الإعلامية في داونينغ ستريت، لا سيما أن هذه الصحافة سخرت منها مرات عدة مشبهة بسمتها ب"الجوكر" إحدى شخصيات "باتمن". وفي كانون الثاني يناير الفائت عندما "قبض" عليها من دون تذكرة في القطار حاصرتها عناوين "التابلوييد" لكنها لم تجب بل استمرت في التنقل في القطار وحيدة من دون حراس شخصيين على نقيض سواها من زوجات رؤساء الحكومة. وطاردت هذه الصحافة ولدها حين شرب كأساً وثمل أثناء حفلة أقامها في مناسبة نجاحه في الامتحانات. بعد هذه الحوادث عملت شيري على الانتقام من الصحافة عبر سحب أعداد صحيفة Mail on Sunday من الأسواق عندما نشرت مقتطفات من كتاب لمربية اطفالها وطالبتها بتعويض. رافق التناقض شيري منذ الطفولة حيث انتقلت من الفقر الى الغنى ومن عائلة مفككة الى عائلة مثالية مع زوج يحبها وأطفال تعبدهم. ولدت في ليفربول عام 1954، والدها طوني بوث زير نساء شهير لم يتورع عن مغادرة المنزل الزوجي مع إحدى عشيقاته تاركاً 7 فتيات بينهن شيري التي لم تكن تتجاوز ال7 أعوام. هكذا تربت شيري في كنف والدتها غال التي عملت عارضة أزياء ثم بائعة سمك وغالباً ما كانت تتركها لدى جدتها لوالدها التي تتمتع بشخصية قوية. منذ طفولتها أحست شيري بالانتماء الدائم الى الوسط العمالي وحملت لواء حقوق النساء العاملات. إنخرطت في سن ال16 في الحزب العمالي هادفة الى النضال من أجل الطبقة الفقيرة التي تخرج منها وللتعرف الى الشباب! بعدما انهت مرحلة الدراسة الثانوية نالت منحة للتعلم في المدرسة الاقتصادية في لندن، وكانت الشخص الوحيد الذي يتابع دراسات عليا في عائلتها. كذلك درست الحقوق ونالت شهادتها وهي لا تتجاوز ال22 من عمرها. في هذه السن إلتقت بطوني بلير الذي يكبرها عاماً واحداً، وهو يخرج من وسط ميسور ومحافظ ويعمل في مكتب الحقوق ذاته حيث كانت تعمل. إرتبطا عام 1980 بعدما وجدا نقاطاً مشتركة أهمها إهتمامهما بالسياسة. عام 1983 ترشح بلير للإنتخابات النيابية وربح فخاض معترك السياسة بينما إهتمت هي كمحامية بقانون العمل والقوانين المدنية وتجني 200 جنيه استرليني وهو مبلغ يفوق دخل زوجها. نالت شيري بلير شهرتها كمحامية عبر حملها لواء قضايا إجتماعية، ودفاعها عن الظلم المهني الذي يلحق بالنساء في العمل ومطالبتها بإعطاء الحقوق ذاتها للواطيين. وفي أيار مايو الماضي لم تتورع عن توجيه الانتقادات العنيفة الى حكومة لعدم اتخاذها قرارات فاعلة لحماية الحياة العائلية مما دفع بزوجها الى طلب إجازة لمدة أسبوعين بعد ولادة إبنهما ليو. خارج المحاكم تناضل بلير ضد مرض السرطان عبر رعايتها لمؤسستين بريطانيتين للأبحاث والمعالجة، وهي قبلت بالتقاط صور لها ولابنها ليو كي تهب المردود المادي لهاتين الجمعيتين. وتجد دوماً الوقت الكافي لاستقبال أهالي الأطفال الذين ماتوا بهذا المرض ولتتجول في المستشفيات مساندة المرضى وتكلمهم وتشد عزيمتهم. والحقيقة أن التواضع هو ميزة رئيسية لشيري باعتراف أصدقائها الذين يقولون انها لا تتردد في مساندتهم في الأوقات الصعبة في المرض أو في المشكلات العائلية أو العملية. وتجدر الإشارة الى أن شيري سامحت والدها منذ زمن طويل وهما يتفاهمان اليوم في شكل جيد. تولي بلير دورها كزوجة وأم الأولوية المطلقة، اذ انها ترافق أولادها الى المدرسة والحفلات. كما أنها لا تهمل هواياتها على رغم إنشغالاتها فتمارس الرياضة، تذهب الى المسرح وتطالع الروايات التاريخية والعاطفية. على رغم نضالاتها في المجالات المختلفة لم تنجح شيري بلير في كسب شعبية لدى البريطانيين الذين يفضلون الملكة الأم التي لا تتكلم على المرأة التي تجاهر علناً مشكلاتهم وتدافع عن الفقراء ربما لأنها ترفض في شكل قاطع التحدث الى الصحافة وهي خطيئة مميتة في بلد الSun وال .Daily Mail