وزير الإعلام: إطلاق استراتيجية الإعلام.. قريباً    "هيئة النقل" تُعلن إطلاق تجربة التوصيل الذاتي باستخدام مركبات ذاتية القيادة    عبور 13 شاحنة إغاثية سعودية إلى غزة خلال يومين    فراغ مكتظ رواية المواجهات الفكرية وكشف المخفي    فن المملكة يحطّ رحاله في بكين    الحماد: الذكاء الاصطناعي يهدد دور المترجم    المملكة تقدم دورة علمية لتأهيل الأئمة والخطباء في جيبوتي    جامايكا تشيد بمبادرة المملكة لنقل التوأم الجامايكي الملتصق «أزاريا وأزورا» إلى الرياض لدراسة حالتهما الطبية    تجمع جازان يلبي نداء صحة مصايف المملكة    «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي يُبقي أسعار الفائدة دون تغيير    حرس الحدود بمنطقة جازان يضبط شخصا لتهريبه (21) كجم "حشيش"    البنك السعودي للإستثمار يصبح أول راعٍ رسمي لفريق السعودية    ثوران بركان "كليوتشيفسكوي" جراء زلزال بقوة 8,8 درجات    المدينة المنورة تعتمد مدينة صحية مليونية للمرة الثانية    فريق "نيسان فورمولا إي" يتوج موسمه ال 11 بإنجاز كبير بدعم من الراعي السعودي "إلكترومين"    آل الشراحيلي يفرحون بزواج الدكتور عبدالعزيز شراحيلي    بالشراكة مع الجهات والقطاعات المعنية.. بلدية صبيا تنفذ فرضية ميدانية للاستجابة لخطر السيول    اللواء الودعاني : مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص أولوية وطنية لحماية الكرامة الإنسانية    نائب أمير جازان يستقبل قائد قوة أمن المنشآت المعيّن حديثًا بالمنطقة    رحلة في "يباس".. نادي الرواية الأولى يضيء التجربة الروائية لآية السيّابي    جمعية "كلانا" توقع شراكة مع الصحة لتوفير 50 جهاز غسيل كلوي    حرس الحدود يختتم المعرض التوعوي بالسلامة البحرية بمنطقة جازان    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير المشروعات التنموية بمحافظة صبيا    أمير حائل يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    موسيس إيتاوما يواجه ديليان وايت بنزال قمة الوزن الثقيل في الرياض أغسطس المقبل    أمير جازان يرعى مراسم توقيع اتفاقية تعاونٍ بين سجون المنطقة وجمعية "مأمن"    نجاح عمليتين لزراعة مضخات قلبية بمدينة الملك عبدالله بمكة ضمن برنامجها المتخصص في قصور القلب    كبار السن في السعودية يتصدرون مؤشر الصحة الذهنية عالميًا    أمير الشرقية يشيد ببطولات الدفاع المدني ويؤكد دعم القيادة    الشؤون الإسلامية في جازان تهيئ الموظفين والموظفات المعينين حديثًا    الأردن ترحّب بإعلان رئيس الوزراء البريطاني عزم بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية    السفارة السعودية في اليابان تهيب بالمواطنين الالتزام بالتعليمات الصادرة بشأن تسونامي    ندوة في كتاب المدينة تحذر من استبدال النصوص بالمؤثرات    المنتخب السعودي يشارك في أولمبياد العلوم النووية الدولي 2025    القيادة تهنئ ملك المغرب بذكرى توليه مهام الحكم في بلاده    البلديات والإسكان تحدث اشتراطات منافذ بيع المواد غير الغذائية لتنظيم القطاع التجاري    سدايا أول جهة حكومية في الشرق الأوسط تنال اعتماد CREST لتميزها في الأمن السيبراني    عبدالعزيز بن سعود يلتقي منسوبي "الداخلية" المبتعثين للدراسة في فرنسا    ناقش تقارير الإنجاز.. مجلس الشؤون الاقتصادية: استمرار نمو وتنوع الاقتصاد السعودي ضمن رؤية 2030    اختتام برنامج "حكايا الشباب" في الباحة بمشاركة نخبة من الرياضيين والمختصين    من ملاعب التنس إلى عالم الرياضات الإلكترونية: كيرجيوس يشيد بأجواء كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    ابن نافل يترجل عن رئاسة الهلال    411 ألف زيارة رقابية ساهمت في خفض البطالة.. الموارد: أدوات ذكية ترفع نسب الامتثال الوظيفي إلى %94    قدم شكره للسعودية وفرنسا.. وزير خارجية قطر: مؤتمر «التسوية السلمية» يعالج أقدم قضايا السلم والأمن    وزير الخارجية المصري: تدشين مسار تفاوضي يوصل للسلام    نائب أمير مكة يطلع على أعمال الجهات المعنية بخدمة المعتمرين    بريطانيا تناقش خطة سلام مقترحة لإنهاء حرب غزة    وزير الداخلية يزور مركز العمليات الأمنية لشرطة باريس    أجواء عسير تتزيّن بالأمطار    أكد مواصلة المملكة جهودها لإرساء السلام العادل بالمنطقة.. مجلس الوزراء: مؤتمر«التسوية الفلسطينية» يرسي مساراً توافقياً لحل الدولتين    وزير الداخلية يطلع على "العمليات الأمنية" لشرطة باريس    وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية بريطانيا    الأسهم تتراجع وسط تداولات ب4.4 مليارات ريال    1.689 طلب منح الأراضي المنفذة    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير المشروعات التنموية بمحافظة صبيا    نائب أمير مكة يرأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة    أبشر رسالة مشحونة بالتفاؤل    ثقافة القطيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندى الحاج في كتابها الرابع "كل هذا الحب": افتحوا السماء أمام الخيول المجنحة
نشر في الحياة يوم 16 - 03 - 2001

قصائد الشاعرة اللبنانية ندى الحاج في ديوانها الجديد "كلّ هذا الحبّ" دار النهار، 2000 هي أقرب الى الأناشيد الصاعدة من أعماق الروح. أناشيد حبّ تنطلق من الجزئي والخاص وتصب في الكلّي والعام. فالشعر هنا يحتفل بالحبّ أكثر مما يحتفل بالحبيب ويحتفي بالغياب أكثر مما يحتفي بالحضور. لكن الحب لن يكون سوى الحبيب نفسه في حضوره وغيابه معاً. إنها الثنائية التي طالما مال اليها الشعراء الصوفيون والسورياليون وسواهم. يقول بول أليوار مخاطباً حبيبته: "لا أعرف، ما دمت أحبك، مَن منّا غائب".
لا يحضر الآخر في شعر ندى الحاج حضوراً "فيتيشياً" كما اعتادت المرأة ان تحضر في شعر الغزل العربي. فالحبيب أشبه بالطيف لكن ناره حارقة وسطوته كبيرة. وهو لا يحتاج أن يحلّ بملامحه وأشيائه ما دام الحبّ يتخطى حدود الحواس ليطل منها على عالم روحي، صافٍ وعذب، عالم فيه من البراءة ما فيه من الرغبة الشفيفة. يحضر الحبيب من خلال الأثر الذي يتركه في كينونة الشاعرة، سواء أكان الأثر جرحاً أم عطراً أم رغبة. والكينونة التي تتنعم بهذا الأثر، أو بهذا الحب هي التي تجيش وتفيض. إنها كينونة الشاعرة: معترك الأحاسيس والرؤى.
وإذ تكتب ندى الحاج أناشيد حب فذاك لا يعني انها تتخلى عن مفهوم القصيدة. فأناشيدها هي قصائد أولاً وأخيراً. قصائد تغرق في غنائيتها اللطيفة لتعبّر لا لتبوح، لتنصهر لا لتنثال. والفيض الذي توحي به هو فيض داخلي، فيض الشعراء حين يحلّ بهم الإلهام.
قد يكون من الصعب الكلام عن الصدق في الشعر ولكن في شعر ندى الحاج يمكن الكلام عنه كثيراً. غير انه صدق الحال لا الشعر، صدق النشيد لا القصيدة، صدق المكابدة لا التعبير عنها. فالشاعرة بلغت مرحلة من الوعي الشعريّ بدت التقنية الشعرية إزاءها صدى لما يجيش في داخلها. وإذا قصيدتها تقع بين منزلتين: التعبير الساعي الى جماله الشكلي والأسلوبي والحال الداخلية كيلا أقول الفكرة أو المضمون المشرعة على أعماق الروح. وإذا اللغة أيضاً تحاكي مخزونها الذي لا يركن ولا يهدأ ولكن من غير أن يحدث اضطراباً كبيراً في الصنيع الشعريّ. إنها لغة هادئة ومتفجرة، مسترسلة ومقتضبة، متهادية ومتقطعة، واعية وحالمة. لغة لا تتناقض حتى وإن بدت مشحونة بالثنائيات. لغة لا تهادن حتى وإن غدت أليفة وبسيطة وعذبة وبعيدة كل البعد من أشراك اللفظ ومتاهات المعاني.
لا يخلو الحب لدى ندى الحاج من أثر الضوء. فالضوء حاضر في الأحوال التي تختبرها وتكابدها في القلب والروح. ضوء الحب ينير ظلمة العالم ويخلع على الأشياء هالته اللطيفة. ومثلما قال ريلكه: "أن تحبّ، أن تلتمع بضوء لا يفنى" تسعى الشاعرة عبر الحب الى أن تلتمع بذلك الضوء، مسبغة اياه على قصائدها. يصبح حالاً ضوئية كيلا أقول نورانية في المعنى الصوفي أي حالاً خلاصية. ويستحيل الشعر شاهداً على الانخطاف وعلى الغرق في الضوء. حينذاك تبدو "اللحظة" قادرة على اختصار "العمر" كما تعبّر الشاعرة، وينكشف كذلك "سر الحياة مرّة وحيدة".
يتجلّى الحب في شعر ندى الحاج في أقصى مرتباته تسامياً وارتقاء وشفافية. لم يبق الحب هنا أسير تلك العلاقة الشائكة التي تشهد ما تشهد من اضطراب وألم وسقام. وهي العلاقة التي عالج أحوالها ومراحلها ابن حزم في "طوق الحمامة" ورولان بارت في كتابه "مقاطع من خطاب عاشق". تبتعد ندى الحاج عن متاهات العلاقة صعوداً نحو رابية الحب وهناك تنقشع السماء ويلتمع فجر الرغبة وتشرق شمس الفردوس. حبّ فردوسي هو ذاك الحب الذي تفجره ندى الحاج شعراً في ما يعني الشعر من رقّة وعذوبة وهمس. وعلى خلاف العشاق حين تصيبهم الحمّ،ى لا تمعن الشاعرة في القول وفي الاصرار على القول، بل تلجم سريرتها لاجئة الى الصمت. فتقول ما ينبغي أن يقال، لا أكثر ولا أقل. تقول ما تقوله كما يجب ان تقوله على رغم اعترافها مثلاً ان حبها فاق صبرها وان حنينها يغلبها. لكنها تدرك "انها بالحب تولد وبالحب تموت" كما تعبّر من خلال ما يشبه الاعتراف الذي يتولاّه الضمير المتكلم أو أنا الشاعرة. ولعل الشاعرة في اعتمادها هذا الضمير الأنا لا تمنح نفسها فرصة التداعي والانثيال والبوح. فالأنا هنا أنا شاعرة تتوارى خلف ما يعتريها من أحاسيس وتتلاشى أحياناً في عناصر الطبيعة أو تغرق في ذاتيتها غرقاً طفولياً وغير نرجسيّ أو ذاتي. تقول: "أحلم بالأزرق يمهّد لشفتيك/ أحلم بالأبيض يفرش جسدك غيمة فوق البحر". واللافت ان الشاعرة لا تدنو من المعجم الأروسي أو الإباحي لتقطف منه ألفاظاً وتعابير بل هي تبقي حبها نقياً وداخلياً وصوفياً من غير أن تخليه من المعنى الأروسي العميق، ذلك المعنى الذي جعله جورج باتاي موازياً للموت. وإن تحدثت الشاعرة عن "الضمة" أو العناق فإنها ستشبّه الضمّة تلك ب"نور العين" و"ملح الفم" و"البحر" و"الحقل".
أما القبلة فهي صنو الوردة: "مَن يشتهِ قبلة/ فليقطف وردة". ولعل هذه الجملة الشعرية تذكّر بما قاله بول فيرلين حين شبه القبلة بالوردة: "القبلة! وردة برية في حديقة الملامسات".
إلا أن الحب في شعر ندى الحاج لن يكون "مثالياً" و"أفلاطونياً" وحبّاً في المطلق كما يقال، حتى وإن تخطى الجزئي الى الكلّي، والخاص الى العام. فهو حبّ يشتعل بجذوة داخلية، جذوة النقاء الحارق والشفافية الجارحة. حبّ تصنع الدموع بعضاً منه عند ملتقى الدموع أحبّني، تقول الشاعرة، وكذلك الرغبة الصافية والفرح. الحب لا يولد الا "ليحتل العالم". والعالم الذي يحتله الحب يصبح عالماً فردوسياً محفوفاً بالورد والوجد والحنين، عالماً لا تهدده "الريح" ولا "الدم" ولا البشاعة كما تعبّر الشاعرة. وهو ربما ذلك العالم الذي تسميه ب"الكوكب الوحيد" والذي "لونه من ذهب خالص". الكوكب الذي يشبه أرض ما بعد الطوفان تلك التي تعيد الشاعرة استحضارها لتصبح هي نفسها "حمامة ما بعد الطوفان" كما تعبر، الحمامة التي زفّت بشرى الحياة الى العالم.
"كلّ هذا الحب" تقول ندى الحاج أو يقول عنوان ديوانها ساعية الى أن تعبّر عما يستحيل التعبير عنه، عن ذلك "المجهول" الذي تدركه ولا تراه. على أن كل "ذلك الحب" لا يقوله سوى هذا الشعر المتهادي برقة وعذوبة ولوعة. ومثلما أوحت الشاعرة بأن مستقبل الانسان هو الحب أوحت أيضاً بأن الحب قادر على صنع معجزة الحياة وعلى بلورة صورتها. انه الحب - الخلاص الذي يدفع الشاعرة الى مخاطبة الآخر قائلة له: "ارتوي من عطشي فأسقيك". ولم تبح بذلك السر إلا بعدما شعرت أن المياه تنساب فيها "رقراقة كسماء بعد المطر". حينذاك كان لا لها من أن تخاطب الآخرين أيضاً قائلة بصوتها الواثق والعذب: "افتحوا السماء أمام الخيول المجنّحة/ أمام أساطير العشق وشعراء الليل".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.