تتويج دنيا أبو طالب بأفضل لاعبه عربية    «البيئة»: 30 يومًا على انتهاء مهلة ترقيم الإبل.. العقوبات والغرامات تنتظر غير الملتزمين    على خطى «الأمريكية».. حراك طلابي في جامعات فرنسا دعماً لغزة    مسؤولون دوليون يحذرون: اجتياح رفح «مذبحة»    «الزكاة والضريبة» تُجري تعديلات على اللائحة التنفيذية لضريبة التصرفات العقارية    رسالة من فيرمينو قبل لقاء الهلال    يايلسه غاضب بسبب موعد كلاسيكو الأهلي والهلال    موعد مباراة الاتحاد وأبها اليوم في الدوري السعودي    «الأمن العام»: بدءاً من السبت.. منع المقيمين غير حاملي التصاريح من دخول العاصمة المقدسة    الفوزان: : الحوار الزوجي يعزز التواصل الإيجابي والتقارب الأسري    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    جامعة الإمام عبدالرحمن تستضيف المؤتمر الوطني لكليات الحاسب بالجامعات السعودية.. الأربعاء    الجمعية السعودية للإعاقة السمعية تنظم "أسبوع الأصم العربي"    اختبار جاهزية الاستجابة لأسلحة التدمير الشامل.. في التمرين السعودي - الأمريكي المشترك    الصحة العالمية: الربو يتسبب في وفاة 455 ألف إنسان    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    إشعار المراسم الملكية بحالات سحب الأوسمة    تحويل حليب الإبل إلى لبن وإنتاج زبد يستوقف زوار مهرجان الألبان والأغذية بالخرج    الذهب يتجه للانخفاض للأسبوع الثاني    أمطار متوسطة إلى غزيرة على معظم مناطق المملكة    "ريمونتادا" مثيرة تمنح الرياض التعادل مع الفتح    ربط ميناء جدة ب "بورتسودان"    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    شراكة بين "البحر الأحمر" ونيوم لتسهيل حركة السياح    بدء تحقيق مكافحة الإغراق ضد واردات "ستانلس ستيل"    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    "جوجل" تدعم منتجاتها بمفاتيح المرور    تزويد "شات جي بي تي" بالذاكرة    فصول ما فيها أحد!    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    «الاحتفال الاستفزازي»    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    ب 3 خطوات تقضي على النمل في المنزل    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    شَرَف المتسترين في خطر !    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    لجنة شورية تجتمع مع عضو و رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الألماني    في دور نصف نهائي كأس وزارة الرياضة لكرة السلة .. الهلال يتفوق على النصر    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    مقتل 48 شخصاً إثر انهيار طريق سريع في جنوب الصين    تشيلسي يهزم توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لدوري الأبطال    قصة القضاء والقدر    تعددت الأوساط والرقص واحد    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية ويشهد تخريج الدفعة (103)    كيفية «حلب» الحبيب !    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    للتعريف بالمعيار الوطني للتطوع المدرسي بتعليم عسير    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فشل " كامب ديفيد - 2 " يفضح "عملية أوسلو"
نشر في الحياة يوم 06 - 08 - 2000

شاء مسؤول أميركي كبير أن يرفع فشل قمة كامب ديفيد بعد 15 يوماً من التفاوض الى مصاف "التوقف الموقت"، أو "فترة الاستراحة" على حد وصف أحد المفاوضين الاسرائيليين. ولكن هل هذا هو الواقع، أم هل كانت القمة نقطة تحول في تاريخ المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية الجارية منذ 1993؟ هل كانت الامتحان النهائي لعملية أوسلو؟
هناك ما لا يقل عن عشرة اتفاقات بين اسرائيل والفلسطينيين منذ 1993العدد يختلف حسب الطرف الذي يقوم بالتعداد والأسلوب المعتمد لذلك. وأعلن بعد كل اتفاق انه يشكل خطوة في الطريق الى السلام، ووقع بعضها في احتفالات مهيبة. لكن سجل "الانتصارات" الديبلوماسية هذا توقف في كامب ديفيد، حيث انتظر كثيرون بقلق ولادة "أم الاتفاقات": الاتفاق الذي لا يقتصر على القضايا الموقتة"، بل يشمل كل القضايا الصعبة التي أرجئت الى مفاوضات "الوضع النهائي"، الاتفاق الذي يأتي لبيل كلينتون بجائزة نوبل للسلام ويجعل من ايهود باراك بن غوريون جديداً وياسر عرفات صلاح الدين جديداً. كانت التوقعات مبالغة من البداية، واستمرت حتى 25 تموز يوليو عندما تأكد الفشل. مع ذلك أصر المتفائلون على تفاؤلهم: ما أهمية فشل أو "توقف موقت" واحد لعملية مستمرة منذ سبع سنوات وشهدت عشرة اتفاقات؟ انها ليست مأساة، وسيصلح الأمر في الوقت المناسب.
الواقع ان نتيجة الخامس والعشرين من الشهر الماضي كانت كارثة ديبلوماسية رئيسية، على رغم "الانتصارات" التي سبقتها، بل ربما بسبب تلك الانتصارات. الا ان مقياس النجاح أو الفشل يختلف باختلاف الأطراف. اذ لم يصفق المواطن العربي العادي لأي من تلك الاتفاقات التي اعتبرتها أميركا واسرائيل "اختراقات ديبلوماسية" متوالية على امتداد سبع سنوات. ولو نجحت قمة كامب ديفيد لاحتفل الأميركيون بذلك، فيما كان العرب سيقابلون النجاح بتظاهرات الاحتجاج، على الأقل في شوارع الضفة الغربية وغزة ومخيمات اللاجئين في أنحاء العالم العربي. أما وقد جاءت النتيجة معكوسة، فقد احتفل الفلسطينيون بالفشل وحيّوا صمود قائدهم هذه المرة.
هل كان الفشل محتما؟
ليس غريباً على أطراف متفاوضة أن تراعي ما تعتبره "الخطوط الحمر". وكان لكل من الأطراف الثلاثة في كامب ديفيد من ضمنها "الوسيط الشريف" خطوطه: كان الخط الأحمر لكلينتون عدم تخطئة اسرائيل أياً كانت الظروف. وتوج التزامه هذا في مؤتمره الصحافي في 25 من الشهر والمقابلة مع تلفزيون اسرائيل في 28 منه، عندما حمّل عرفات المسؤولية الكاملة عن الفشل. أما خطوط عرفات فاضمحلّت عبر السنين حتى قاربت الاندثار. مع ذلك ألم يكن متوقعاً منه أن يرفض دخول التاريخ الشخص الذي تنازل عن القدس، على الأقل للوقت الحاضر؟ في المقابل أكد باراك خطوطه الحمر مراراً وتكراراً وصولاً الى القمة. وقال في رسالة وجهها الى الرأي العام الاسرائيلي نشرتها صحيفة "يديعوت احرونوت" في صفحتها الأولى في 11 من الشهر الماضي:
"الفصل: نحن هنا وهم هناك. لا عودة الى حدود 1967. القدس موحدة تحت سيادتنا. لا جيش اجنبياً غرب نهر الأردن. غالبية المستوطنين تبقى تحت السيادة الاسرائيلية في ترتيبات الوضع النهائي. لن تعترف اسرائيل بأي مسؤولية أخلاقية أو قانونية عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين".
خطوط باراك الحمر هي خطوط اسرائيل الحمر، خطوط اسحق رابين وبنيامين نتانياهو واسحق شامير ومناحيم بيغن. انها لا تختلف في الجوهر عن تلك التي أعلنتها حكومة اسحق شامير في أيار مايو 1989، ضمن "خطة السلام" التي وصفها وزير الخارجية الأميركي وقتها جيمس بيكر بأنها "اللعبة الوحيدة في المدينة". ولا تزال خطة باراك "اللعبة الوحيدة في المدينة" بالنسبة الى رئيس أميركي ووزيرة خارجية أشد تأييداً لأسرائيل بكثير من كل سابقيه. وليس أمام الطرف الأميركي، باعتباره الحكم المشرف على "اللعبة الوحيدة في المدينة"، سوى الضغط على عرفات للرضوخ. انه "عنصر التيسير" للنجاح، واذا رفض لعب هذا الدور فالفشل مؤكد.
لا حاجة الى ان يكون المرء محللاً دقيقاً لكي يرى في خطوط باراك الحمر احتقار القانون الدولي الحدود، القدس، المستوطنات، اللاجئين، والتأكيد على مبدأ الفصل العنصري كلمة "أبارتايد" بالافريقانية تعني "الفصل"، وتكلّس الضمير تجاه التطهير العرقي الذي مارسته اسرائيل القدس، اللاجئون. هل يمكن حتى لشخص عاثر الحظ مثل عرفات، بغرامه بالسلطة والمظاهر، أن يطيق صورة دولته المزمعة كمجموعة بانتوستانات متفرقة، وشعبه كلاجئين من دون مواطنة وأياد عاملة مستوردة رخيصة، وعاصمته قرية مغمورة، ليصبح أول زعيم فلسطيني يتنازل عن حقوق شعبه المعترف بها قانونياً وتاريخياً؟ هل كان هذا سبب ممانعته أول الأمر في قبول دعوة كلينتون اليه لحضور قمة كامب ديفيد؟
الواضح ان عرفات كان سيواجه لحظة الحقيقية في كامب ديفيد. فهناك فرق كبير بين التفاوض على مساحة الأرض التي ستعطى للسلطة الفلسطينية ومدى تلك السلطة خلال المرحلة الانتقالية، وبين التعامل مع تلك القضايا العسيرة المؤجلة منذ 1993، وفكّر الكل، في شكل أو آخر، انها ستبقى مؤجلة أمداً غير منظور. ولكن تبين في النهاية عندما وضعت القضايا على الطاولة أن ما سيسمح به للفلسطينيين، في مقابل قبولهم باسرائيل على 77 في المئة من أراضيهم السابقة، سيكون "دولة" مجزأة بلا سيادة وبلا حدود بمساحة لا تتجاوز 61 في المئة من ال23 في المئة من الأرض الباقية فيما يبقى 14 في المئة تحت سيطرة اسرائيل الأمنية للوقت الراهن وتضم اسرائيل ال25 في المئة الباقية التي تشمل المستوطنات الاستراتيجية.
أما "تنازلات" اسرائيل في القدس التي طبل لها أمثال توماس فريدمان وغيره في وسائل الاعلام الأميركية الموالية لاسرائيل، فلم تتجاوز وضع أقل من 15 في المئة من ال64 كلم مربعا التي ضمتها اسرائيل في 1967 تحت "السيطرة الادارية" الفلسطينية. وبهذا، كما قيل لنا، سيتمتع الفلسطينيون ب"الشعور بالسيادة" في مناطق من المدينة حسب تعريف اسرائيل لحدودها. ولكن اذا اخذنا في الاعتبار أن ما تسميه اسرائيل القدس الشرقية القدس كما كانت في عهدة الأردن لم تتجاوز في 1967 ستة كيلومترات مربعة، وتوسعت الآن لتصبح 70 كلم مربعا، فان اعطاء الفلسطينيين جزءاً صغيراً مما كان ملكهم أصلاً لا يمكن ان يعتبر كرماً. أما بالنسبة الذين اعتادوا سماع التأكيد الاسرائيلي الدائم أن لا تفاوض على القدس الموحدة عاصمة للشعب اليهودي فلهم أن يتأكدوا أن ليس هناك اثر من الارث التاريخي اليهودي في مناطق مثل الشيخ جراح ووادي الجوز وشعفاط وسلوان وراس العمود وبيت حنانيا وكفرعقاب والسواهرة، وغيرها من البلدات والاحياء العربية التي ضمتها اسرائيل بعد 1967 وتعتبر اليوم من ضمن "القدس الشرقية".
كما ليس من ارث تاريخي يهودي في كامل القدس الغربية التي احتلت في 1948. وعلى الفلسطينيين، اضافة الى تخليص اسرائيل من عبء السيطرة على السكان العرب في الأحياء العربية في القدس الشرقية حسب تحديد اسرائيل لها، الرضوخ للمزيد من التوسيع للقدس، بضم مستوطنة معال أدوميم في الشرق وغيفات زيف في الشمال والشمال الغربي اليها. كما ستضم اسرائيل بالطبع كل المستوطنات في منطقتي الخليل - بيت لحم وجنين - نابلس. هذه المستوطنات الآن لم تعد "غير شرعية" و"عقبة أمام السلام" أو حتى مجرد عنصر اشكالي في عملية السلام.
أما حل اسرائيل "البراغماتي" لمشكلة اللاجئين فيتضمن اشارة الى القرار 194 الذي دعا الى العودة والتعويض والاستعادة، لكنه لا ينص على التنفيذ. وكان القرار في 1948 لم يكتف بالمطالبة بالتنفيذ بل جعله شرطاً لقبول اسرائيل في الأمم المتحدة. وتقبل اسرائيل ضمن حلها هذا عودة أقل من مئة ألف لاجيء من أصل ثلاثة ملايين، وذلك على أساس "لم الشمل" وعلى أساس الحالات الفردية.
هل يعني فشل كامب ديفيد انهيار أوسلو؟
تكشف نظرة سريعة الى اتفاقات أوسلو أن فشل قمة كامب ديفيد أخيراً نتج الى حد كبير من نواقص بنيوية معينة في "اعلان المبادىء". من بين هذه الافتقار الى مرحلة انتقال حقيقية من القضايا الموقتة الى قضايا الوضع النهائي المستعصية. فقد ثبت أن اجراءات بناء الثقة، كما سمّوها، كانت دعائية في الدرجة الأولى أكثر منها خطوات تجعل العملية بأسرها كلاّ متكاملاً. وليس هناك بين ما انجز خلال السنين السبع الأخيرة ما يمكن استعماله لتمهيد الطريق وتجسير الفجوات. بدل ذلك نجد أن منهج كلينتون لحل الصراع اقتصر في شكل رئيسي على لي ذراع عرفات، كأن بالامكان إقامة سلام دائم من خلال مزيج من الشطارة التسويقية والضغط!
الواضح أن عملية أوسلو لا تعني كثيراً بالنسبة الى مرحلة الوضع النهائي. ويبدو، بعد سبع سنوات على "المصافحة التاريخية"، أن مسيرة التسوية التفاوضية القائمة على أساس الدولتين وصلت الى نهايتها. والسبب في جزء كبير منه تضافر عدد من العناصر على اضعاف المشروع، من بينها التفاوت الهائل في ميزان القوى بين الفلسطينيين واسرائيل، وال"أسْرَلة" المستمرة والمتزايدة لسياسة أميركا تجاه الشرق الأوسط، والنشاط الاستيطاني المحموم، والتخبط العربي. وكشفت عملية أوسلو أن من سُمّيا "شريكي السلام" لم يكونا متباعدين تماماً من حيث المفاهيم فحسب بل مختلفين في شكل لا يقبل الحل على تفسير كل منهما للعملية والنتائج المتوخاة منها.
شهدنا خلال هذه السنين اتفاقاً بعد الآخر - من "أوسلو 1" الى "أوسلو 2"، ومن التخويل المبكر للسلطة الى سحب التخويل في اتفاق الخليل، ومن "مذكرة واي" في 1998 الى اتفاق شرم الشيخ الذي بدا فيه أن عرفات وافق، مهما كان ضمناً، على أن قرارات الأمم المتحدة قد لا تشكل أساسا لتسوية نهائية. وجاءت هذه الموافقة الضمنية من خلال مفهوم "اتفاق الاطار" الذي ورد في اتفاق شرم الشيخ في 1998. ذلك أن قرارات الأمم اعتبرت دوماً اطار القضية الفلسطينية، ومن هنا يعني استحداث "اتفاق اطار" التخلي عن تلك القرارات.
الواقع الفعلي، منذ شرم الشيخ، هو اقصاء قرارات الأمم المتحدة - حتى التي لم تكن ضمن القرارات التي وصفتها وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت بأنها "مثيرة للنزاع وعفا عليها الزمن" - عن عملية السلام هذه. مثلاً، الشاهد على اقصاء القرارين 242 و338 عن العملية هو ما جرى في كامب ديفيد. فقد كانت النتيجة المطلوبة من القمة، كما حددها الطرف الذي اختار لنفسه مهمة "التوفيق" بين الطرفين، التوصل الى "اطار اتفاق". لكن "اعلان المبادىء" الذي شارك في وضعه هذا الطرف نفسه في أوسلو، ينص على أن "مفاوضات الوضع النهائي ستقود الى تنفيذ قراري مجلس الأمن 242 و338". ولا شك في أن هذا يطرح السؤال عمّا اذا كانت الأطراف الذي وضعت "اعلان المبادىء" انتهكته في مفاوضات كامب ديفيد.
النقطة الثانية تتعلق ب"اعلان المبادىء" وطبيعة دولة اسرائيل: ليس للعملية التي بدأت في أوسلو التوصل الى نتيجة لأن اتجاهها محدد بالطبيعة الأساسية لدولة اسرائيل التي تمنع التعايش الحقيقي على قدم المساواة مع الفلسطينيين. ولا مجال، مع استمرار سيطرة الايدولوجية الصهيونية القائمة على الاستيلاء على الأرض الفلسطينية واقصاء الفلسطينيين، لتسوية تفاوضية تقوم على حق الشعبين في الكرامة وتقرير المصير. ان بنيامين نتانياهو لم يتخل عن استراتيجية رابين، بل اقتصر على رفض تكتيكاته. ولنا أن نتذكر ان رابين عندما نقل المفاوضات في 1993 من منبرها العلني في واشنطن الى المحادثات السرية في أوسلو كان يجري تغييراً مهماً في تكتيكات الممطالة التي سار عليها سلفه اسحق شامير. فقد وضع رابين أمام المسيرة عائقاً جديداً من صنعه لكنه في الوقت نفسه أعطى الانطباع بأنها تتقدم. واختلف رابين عن شامير عندما فضل بذكاء عقد اتفاق مع الفلسطينيين يحمل في داخله بذور صراع عميق على المعنى والهدف. وبسبب الاعاقة والصراع ولدت عملية أوسلو مشلولة، وبقيت كذلك على رغم الاحتفالات ب"التقدم الديبلوماسي" المتواصل.
النقطة الثالثة في ما يخص أوسلو تتعلق بأسلوب التجزئة والتأجيل. فقد كان من بين العقبات الرئيسية امام السلام بالنسبة إلى الفلسطينيين تجزئة المفاوضات حسب القضايا والتصنيف السكاني والمناطق والمدن والقرى والمراحل التفاوضية... الخ. فلو لم تؤجل قضية الاراضي والمستوطنات خلال "المرحلة الموقتة" لما كانت هناك قضية "أمن المستوطنات" التي برزت عائقاً أمام اعادة الانتشار. ولو لم يجر عزل قضية الخليل وتأجيلها لم تكن ستظهر لاحقاً مشكلة "اعادة الانتشار" الثانية. ولو لم يؤجل الطرفان قضيتي القدس والسيادة لما كان هناك ذلك العنف المتمثل في اغلاق المراكز السكانية الفلسطينية، وأزمة "النفق" في 1996، وأزمات بناء المستوطنات في راس العمود وجبل غنيم هار هوما وغيرها من الأزمات التي بدت "متفرقة"، وغطت في جدول اعمال "الوسيط الشريف" على الأسباب الجوهرية. هذا النمط التأجيلي هو ما ادى الى تحويل كل القضايا المتعلقة بطبيعة الحكم الذاتي ومواصلة اعادات الانتشار وتخفيف الاغلاق واطلاق أموال الضريبة وحتى مواصلة المفاوضات الى "مراحل اختبار" لنيات الجانب الفلسطيني وقدراته. هل كان القصد من اطلاق عملية متفجرة ذاتياً كهذه تنفيذها فعلاً؟
الواجب إعادة النظر في هذه النواقص البنيوية الرئيسية في عملية أوسلو، والاّ فإن اسلوب التسويق المعهود سيسود الجولة المقبلة في كامب ديفيد. لأن ما سيقيم السلام أو يمنعه في النهاية هو ما سيجري عمله ازاء القضايا الجوهرية، وليس تلك الاستعراضات الجانبية التي شهدنا في الماضي وسنشهد خلال الأسابيع والشهور المقبلة. وما عملته أوسلو بالقضايا الرئيسية في المعادلة الفلسطينية - الاسرائيلية كان تأجيل بعضها، واخراج بعضها من الاطار الدولي، وتغيير معنى بعضها الآخر، وحتى اسقاط قسم منها كليّا. فقد أخرجت من القاموس تعابير مثل "الاحتلال" و"الانسحاب". فيما برزت تعابير جديدة مثل "اعادة الانتشار" و"الأمن الخارجي" و"الشعور بالسيادة" و"السيطرة الادارية" و"السيادة المتفوقة" و"السيادة الأخفض" و"الوصاية" و"السيادة المشتركة". كما عُرّفت تعابير غيرها مثل "الدولة" تعريفاً يحذف من بين مقوماتها الرئيسية مفهوم "السيادة".
فضح فشل قمة كامب ديفيد عملية أوسلو، مبيناً انها تمثل اتفاقاً مزيفاً، أو بالأحرى اتفاقاً على التوصل الى اتفاق. لكنها لم توصل حتى الآن الى سوى الاختلاف. وبرهنت نقاط الغموض المتقصد فيها على انها مدمرة أكثر منها "بنّاءة"، فيما ستستمر العوائق الداخلية التي وضعتها في سد الطريق الى سلام عادل قابل للدوام. واذا كان ل"التوقف الموقت" أو "فترة الاستراحة" أن تكون فاعلة فالواجب استغلالها لاعادة النظر في بنية اعلان المبادىء. وما لم يحصل ذلك فإن استراتيجية الضغط على عرفات لجعله "عنصر التسهيل" للنجاح قد توجه الى العملية، والى ذلك العنصر نفسه، ضربة مميتة.
الاتفاق الذي أرادته الولايات المتحدة واسرائيل من كامب ديفيد كان بالنسبة إليهما الحلقة الاخيرة الطبيعية في سلسلة التنازل والاستسلام التي بدأها ياسر عرفات في أوسلو. وراهن كلينتون على موهبته في "الديبلوماسية الخلاّقة" للتوصل الى هذا الاتفاق الأخير، على رغم الشكوك في ذلك التي رافقت دعوته الى القمة. لكن "الديبلوماسية الخلاقة"، بعدما نجحت في "خلق" الاتفاقات الماضية عن طريق تأجيل القضايا الجوهرية، وجدت نفسها هذه المرة في نهاية الطريق. وخرّب عرفات الحفل عندما رفض التوقيع على صك الاستسلام النهائي، وهو ما دفع كلينتون الى تصريحاته القاسية ضده في التلفزيون الاسرائيلي.
ختاما، المطلوب تذكير الرئيس كلينتون الذي افتتح قمة كامب ديفيد بالدعوة الى "تسوية تقوم على المبادىء"، بأن المبادىء هي بالضبط ما يجب أن يقود المفاوضات الهادفة الى اقامة سلام دائم وتصالح نهائي، المباديء التي لا تعكس ميزان القوى الموجود الآن بل تطلعات الطرفين وحقوقهما ومتطلبات القانون الدولي. عندها فقط يمكن وصفة "التسوية القائمة على المبادىء" أن تنتقل من حيز البلاغة الفارغة الى الديبلوماسية الحقيقية.
* استاذ علوم سياسية في جامعة ماساشوستس، دارتموث، الولايات المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.