انطلاق التمرين البحري المختلط للدول المطلة على البحر الأحمر «الموج الأحمر 7» بالأسطول الغربي    المؤتمر الدوري الرياضي: لا اختلاف في الدعم و90% من المفاوضات عبر النادي    محمد عبده يتعافى بعد تلقيه العلاج بالكيماوي    إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وصول التوأم السيامي الفلبيني «أكيزا وعائشة» إلى الرياض    دوريات «المجاهدين» بجازان تقبض على شخص لترويجه 3.8 كيلوغرام من مادة الحشيش    قيادي في فتح: حماس تتفاوض لتأمين قياداتها    وزراء الموارد والبلديات والتعليم يؤكدون أهمية التكامل لتطبيق معايير السلامة بين العاملين    "أكواليا" تستعرض جهودها في إدارة موارد المياه لتحقيق الأمن المائي والاستدامة    الديب: إيرادات الميزانية السعودية تعكس قوة الاقتصاد وكفاءة الإنفاق    أمير منطقة الرياض يؤدي الصلاة على الأمير بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز    جثمان الأمير بدر بن عبدالمحسن يوارى الثرى    اصطدام سيارة بإحدى بوابات البيت الأبيض ومقتل سائقها    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار على منطقة الرياض    قربان: قطاع الحياة الفطرية يوفر فرصًا استثمارية ضخمة في السياحة البيئية    المملكة تستضيف اجتماعيّ المجلس التنفيذي والمؤتمر العام ل"الألكسو"    محافظ الطائف يرأس أجتماع المجلس المحلي    كلوب: مدرب ليفربول المقبل لن يواجه صعوبات    التجارة غير النفطية تواصل النمو في أبريل    فرص واعدة لصُناع الأفلام في المملكة    منتدى المشاريع العالمي في يونيو المقبل بالرياض    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام هيئة التراث بالمنطقة    ميسي يسجل ثلاثة أرقام قياسية جديدة في الدوري الأمريكي    كاسترو يكشف موقف تاليسكا وغريب من مواجهة الهلال    "عطاء التعليمية" تدشن المبنى المطور للمرحلة الثانوية بمدارس الرواد بالرياض    20 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح    ( مسيرة أرفى ) تعلن عن إنطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد    "تعليم تبوك" و"أرامكو" يطلقان حملة توعوية للوقاية من الحرائق    الأمم المتحدة تكشف: آلاف السودانيين يفرون يوميا من جحيم الحرب    المملكة تعين وتروي المحتاجين حول العالم    "ميدياثون الحج والعمرة" يختتم أعماله    رونالدو: لا أركض وراء الأرقام القياسية    تنمية جازان تفعل برنامجًا ترفيهيًا في جزر فرسان    توقعات بهطول أمطار رعدية خفيفة على معظم مناطق المملكة    اللحوم والبقوليات تسبب "النقرس"    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    القبيلة.. وتعدد الهويات الوطنية    البدر «أنسن العاطفة» و«حلّق بالوطن» وحدّث الأغنية    آه يا رمل وهبايب.. تدفن جروح الحبايب.. ورحت يا بدر التمام    «MBC FM».. 3 عقود على أول إذاعة سعودية خاصة    السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    تعديلات واستثناءات في لائحة ضريبة التصرفات العقارية    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    موسكو: «الأطلسي» يستعد لصراع محتمل    مفاوضات هدنة غزة.. ترقب لنتائج مختلفة    الهلال يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأهلي    منح تصاريح دخول العاصمة المقدسة    الطائي يتعادل مع الخليج سلبياً في دوري روشن    الذهب يتأرجح مع تزايد المخاوف بشأن أسعار الفائدة    تقدير الجهود السعودية لاستقرار السوق العالمية.. المملكة تعزز تعاونها مع أوزبكستان وأذربيجان في الطاقة    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاقتصاد السوري يتعرض لتحديات خارجية تفرض عليه زيادة قدرته التنافسية
نشر في الحياة يوم 13 - 04 - 2000

كثر الحديث بين الاقتصاديين ورجال الاعمال وصانعي القرار في السنوات العشر الأخيرة حول الاصلاح الاقتصادي في سورية خاصة بعدما دخل الاقتصاد السوري في مرحلة ركود منذ ثلاث سنوات، فمنهم من نادى بتسريع خطوات الاصلاح التحريرية التي تم اتخاذها في الخمس عشرة سنة الماضية، ومنهم من نادى بالتراجع عن هذه الاصلاحات، ومنهم من أوصى بخطوات جزئية محددة، ومنهم من أوصى بمجموعة منها، ومنهم من ركز على مواجهة أزمة الركود القائمة فقط، ومنهم من ركز على التصحيح في البنية الاقتصادية، ومنهم من جمع بين هذا وذاك.
حقق الاقتصاد السوري خلال فترة السبعينات معدلات نمو عالية بلغت حوالى 10 في المئة سنوياً، ويعزى هذا النمو المرتفع الى معدلات استثمار عالية بلغت 25 في المئة أو حوالى 30 في المئة من الدخل القومي، قام بمعظمها القطاع العام مدعوماً بمساعدات مالية سخية من دول الخليج العربي وبعضها من دول المعسكر الشرقي. واعتمدت الحكومة في هذه الاستثمارات سياسة احلال الواردات من دون تشجيع التصدير، وترافقت هذه السياسات مع سياسة تثبيت الأسعار وتنظيم برامج لتعظيم العمالة، وتوفير التعليم المجاني والخدمات الصحية والدعم الاستهلاكي والانتاجي.
ومنذ أوائل الثمانينات بدأت المساعدات الخارجية بالانحسار، منحدرة من حوالى 1.5 بليون دولار بالسنة في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات بالمتوسط، الى حوالى 300 ملوين دولار بالمتوسط في منتصف الثمانينات، وبانحسار المساعدات الخارجية وتدني توافر القطع الاجنبي. وبرزت اختلالات في الاطار الكلي للاقتصاد وجمودات في البنية الانتاجية له، كانت غطتها هذه المساعدات فوقع الاقتصاد السوري في أزمة شديدة في منتصف الثمانينات تمثلت في نقص واختناقات في العرض السلعي، وتضخم مفرط، ولم تخرج سورية من هذه الأزمة الا بفضل مجموعة متفرقة من الاصلاحات الاقتصادية التي أطلقتها الأزمة، وتدفق أموال النفط الجديد الذي كان قد اكتشف في العام 1984. لكن لم يمر وقت طويل حتى برزت الاختلالات الهيكلية والجمودات البنيوية في الاقتصاد مرة ثانية، بسبب الإحباطات التي ظهرت نتيجة تباطؤ عملية الاصلاح، فوقع الاقتصاد في أزمة من جديد.
الاصلاحات الاقتصادية
تنضوي الاصلاحات التي قامت بها الحكومة منذ الأزمة الأولى وحتى الآن ضمن المحاور الآتية:
- زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد خاصة في مجالات الصناعة والسياحة والتجارة الخارجية وبدء الانفتاح على الاستثمار الخارجي المباشر.
- التخفيض في سعر الصرف مع تقليص عدد أسعار الصرف المستخدمة رسمياً.
- اجراءات في اتجاه التحرير الجزئي في التجارة الخارجية.
- التوجه نحو تشجيع التصدير الى جانب احلال الواردات.
- اجراءات باتجاه التحرير في السياسة السعرية.
- رفع أسعار المنتجات الزراعية الرئيسية.
- محاولات متواضعة لإصلاح القطاع العام.
وكانت اجراءات الاصلاح سريعة نسبياً في البداية، لكنها تباطأت بعد صدور قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991، وبعدما تدفقت أموال النفط التي أصبحت تدر حوالى 1.5 - 2 بليون دولار في السنة لمالية الدولة، معوضة عن المساعدات الخارجية التي تقلصت، وخالقة في الوقت نفسه نوعاً من الاطمئنان الكاذب والشعور بالأمان. ونما الاقتصاد السوري في النصف الأول من التسعينات بمعدلات تبلغ حوالى 7 في المئة في السنة بفضل أموال النفط وبفضل الاستجابة الأولية للاصلاحات ولقانون الاستثمار. فهل كانت المشكلة سياسات تصحيحية خاطئة أو غير كافية، أم أنها مشكلة معقوات واختلالات بنيوية في جسم الاقتصاد لم نحاول التعامل معها بعد. الجواب هو في الاثنين.
وتضمنت الاصلاحات التي تمت حتى الآن اجراءات لإدارة الطلب الكلي وإجراءات لتشجيع زيادة العرض السلعي. بالنسبة للاجراءات الأولى لجأت الحكومة في ادارة الطلب الكلي الى استخدام السياسة المالية وحدها، واعتمدت في ذلك سياسة مالية انكماشية من خلال تثبيت الأجور في القطاع العام وتكثيف جهود التحصيل الضريبي وادخال بعض الاصلاح في التشريع الضريبي. وساعدت هذه الاجراءات بالفعل في خفض عجز الموازنة وفي تثبيت سعر الصرف واحتواء التضخم، ولكن هذه الجهود كانت على حساب النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. وقد أغفلت الحكومة اللجوء الى تخفيض الانفاق الحكومي غير المنتج في سياستها المالية، كما لم تلجأ الى السياسة النقدية، فتحمل التحصيل الضريبي كل العبء في سياسة ادارة الطلب مما أدى الى النتائج السلبية المشار اليها أعلاه.
أما من حيث العرض فساعدت الاصلاحات التي أدخلتها الحكومة منذ منتصف الثمانينات في زيادة العرض السلعي من مستلزمات انتاج في الصناعة والزراعة وسلع استهلاكية أساسية، كما أدت الى انتاج وفير في الزراعة، مزيلة مشكلة الاختناقات السلعية. لكن اجراءات الحكومة بالنسبة لدعم القطاع الخاص كانت مترددة وقاصرة وكانت محاولاتها لإصلاح القطاع العام متواضعة.
وتركز دعم الحكومة للقطاع الخاص على السماح له بدخول قطاعات كانت حكراً على القطاع العام في السابق ومنحته من خلال قانون الاستثمار الاعفاءات الضريبية والاعفاء من بعض التشريعات والتعليمات المعيقة، لكن قانون الاستثمار لم تتبعه اجراءات لإقامة بيئة تنظيمية وتشريعية جديدة، ومؤسسات مصرفية متطورة تتلاءم مع الاصلاحات التي أدخلتها باتجاه نظام السوق والدور الأكبر للقطاع الخاص، مبقية من حيث الجوهر على البنية التنظيمية القائمة بالأساس لخدمة النظام السابق وبدلاً من ان يكون قانون الاستثمار بداية أصبح نهاية.
أما بالنسبة الى القطاع العام فقد ساعدت أموال النفط على اعادة تشغيله بعد أزمة منتصف الثمانينات، لكن الدولة لم تقم بمحاولات جدية لإصلاحه، مركزة الجهد فقط على اصلاح الإدارة فيه، وآتية بحلول جزئية في هذا المجال، فكان القانون رقم 20 لعام 1994 الذي أعطى المزيد المتواضع من الاستقلالية لمديري القطاع العام الاقتصادي، وتجري الآن محاولة لإعطائه المزيد من الاستقلالية ضمن عنوان "الإدارة بالأهداف". وتبقى المشاكل الأخرى للقطاع العام خارج جهود الحل وأهمها التنظيم الهرمي البيروقراطي الذي يرزح تحته: العمالة الفائضة، تدني الأجور، ارتفاع الكلفة، انخفاض الانتاجية، عدم القدرة على التسويق، اهتراء أصوله الرأسمالية، مركزية التسعير، فقدان الحرية في التوظيف والتسريح، وأخيراً الخسائر الكبيرة التي تشكل نزيفاً لمالية الدولة.
وفي ظل هذا الإصلاح المتردد أحجم القطاع الخاص عن الاستثمار بعد حماسه الأول، وازداد شلل القطاع العام بعد تعرضه لمنافسة القطاع الخاص، وتضررت الفئات الفقيرة من سياسة تثبيت الأجور. وبالنهاية لم تستطع الاجراءات تحفيز الانتاج والاستثمار بشكل كاف لأنها وباستخدام مفردات البنك الدولي، ركزت على التثبيت الاقتصادي وقصرت في التكييف الهيكلي، فوقع الاقتصاد في الركود من جديد.
لماذا أخفقنا؟
أخفقنا لأربعة أسباب رئيسية:
- لأن الاصلاحات التي تمت لم تكن نابعة من نهج فكري واضح، يتعامل مع الجمودات التي برزت في البنية الانتاجية للاقتصاد ومع التوجه الجديد نحو نظام السوق والدور الأكبر للقطاع الخاص، كما لم تكن نابعة من برنامج تصحيحي شامل، بل كانت اصلاحات جزئية من منطلق ادارة الأزمة، عاكسة فكراً حائراً بين التخطيط ونظام السوق.
- لأن أموال النفط أعطتنا الأمان الكاذب بأن الاقتصاد السوري بخير وبالتالي لا حاجة للاصلاح العميق وتحمل مخاطره.
- لأنه لم يكن هناك مجتمع مدني فاعل ومنابر صحافية حرة تشارك في القرار وتراقب وتسائل وتحاسب وتدل على الخطأ حالما يظهر.
- لأننا فضلنا السير البطيء بالاصلاح، باسم الخشية من أسلوب الصدمة الذي يخلق الخضات الاجتماعية، فوقعنا في الجمودات التنموية ومعها الضائقات الاجتماعية.
ويعاني الاقتصاد السوري من مشكلات ومعوقات اقتصادية داخلية جوهرية، ويتعرض في الوقت نفسه لتحديات خارجية، تجعل معالجة المعوقات الاقتصادية أكثر إلحاحاً. وحقق الاقتصاد السوري انجازات مهمة خلال العقود الأخيرة تمثلت في بناء قاعدة صناعية قوية، والقيام بجهود كبيرة في مجال بناء السدود واستصلاح الأراضي وتوسيع شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء الى الريف كما الى المدن، وجهود كبيرة اخرى في نشر التعليم في كل انحاء البلاد، وفي تقديم الخدمات الصحية المجانية لغير المقتدرين. لكن الاقتصاد السوري يعاني اليوم من مشاكل جوهرية عدة لعل أهمها هو التالي:
- النمو غير المستدام للاقتصاد، المعتمد اعتماداً كبيراً على المساعدات الخارجية في النصف الأول من الثمانينات وعلى أموال النفط منذ أوائل السبعينات.
- معدلات نمو سكانية عالية، تدفع بحوالى 200 ألف شخص الى سوق العمل سنوياً.
- بطالة عالية وتزايد الفقر.
- وجود قطاع عام قائم ضمن هرم اقتصادي مرهق يمنعه من الحركة ومن اتخاذ القرار المستقل وقطاع خاص مفتت، يفتقد الى الديناميكية اللازمة، وكل منهما يعاني من ادارة تقليدية وتكنولوجيا قديمة.
- وجود نظام من الحماية العالية للصناعة لا يتيح الفرصة للمنافسة وبالتالي يساهم في تدني الانتاجية ورفع الكلفة.
- بيئة تنظيمية/ تشريعية تحكم عمل كل من القطاع العام والخاص، ولا تساعد اياً من القطاعين على المرونة والحركة للتكيف مع المتغيرات.
- قصور في المعرفة والقدرات العلمية وفي القدرة التكنولوجية مترافقاً مع تدني الخبرات البشرية.
- تدني النوعية في نظام التعليم الذي يركز على الحفظ والاستظهار لا على التحليل والتفكير، كما لا يتلاءم مع متطلبات سوق العمل.
- غياب القطاع المصرفي المتطور.
- غياب المناطق الصناعية المخدمة.
- قدرة تصديرية ضعيفة خارج قطاع النفط يغطي التصدير خارج النفط حوالى 30 في المئة فقط من كامل مستوردات الاقتصاد.
- نظام خدمة مدنية يتصف بالمركزية الشديدة والبيروقراطية المفرطة.
- تفشي الفساد وما يتسبب هذا من هدر في المال العام وتفاوت في الفرص الاستثمارية للمواطنين.
- هجرة العقول السورية وعدم عودة الخبرات والرساميل الموجودة في الخارج.
التحديات الخارجية
ويتعرض الاقتصاد السوري لتحديات خارجية تفرض عليه العمل المكثف والسريع لزيادة قدرته التنافسية في الاسواق الداخلية والاسواق الخارجية وهذه التحديات هي:
- النظام الاقتصادي العالمي الجديد المسمى بالعولمة المتصف بتحرير كل من التجارة العالمية وتدفق رؤوس الأموال الخاصة بين الدول، والذي يشكل تهديداً للعديد من الدول النامية وخاصة تلك المنغلقة على نفسها.
- الشراكة العربية - العربية والشراكة الأوروبية المتوسطية وهي الشراكات التي ستسهل دخولنا نظام العولمة لكن ستفرض علينا تحديات خاصة بها تتشابه من حيث الجوهر بتحديات نظام العولمة.
- التسوية القادمة الى المنطقة والقادم معها خطر المشروع الأوسطي، الذي يتضمن الاندماج السياسي والاقتصادي لاسرائيل في المنطقة، وهي الدولة المسلحة صناعياً وتكنولوجياً والساعية الى فرض هيمنتها الاقتصادية في المنطقة.
هذه التحديات الداخلية منها والخارجية تفرض علينا العمل المكثف والسريع لتفعيل عملية التنمية بأبعادها العريضة، ولزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد، حتى نستطيع الدخول في النظام الاقتصادي العالمي ونتحاشى التهميش.
ويبدأ الاصلاح الاقتصادي من رؤية مستقبلية واضحة لتصورين أساسيين: مستقبل سورية الاقتصادي في ظل التحديات الداخلية والخارجية أعلاه، وترجمة هذا التصور في خطة شاملة طويلة الأجل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتصور النظام الاقتصادي السوري المستقبلي.
وتتطلب التحديات الداخلية والخارجية وضع تصور لمستقبل سورية الاقتصادي في ضوء كل من:
- موارد سورية الطبيعية والبشرية وامكاناتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي.
- متطلبات العولمة الاقتصادية وواقع انضمام سورية الى الشراكة الاقتصادية العربية - العربية في ظل مشروع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وتوقع انضمامها للشراكة الاوروبية المتوسطية.
- خطر الهيمنة الصهيونية الاقتصادية في المنطقة بعد التسوية.
ويقع على سورية، في ظل المعطيات اعلاه، واجب وضع تصور لأولوياتها الاقتصادية ولعلاقاتها الجارية والاستثمارية المستقبلية ودورها الاقتصادي والسياسي في المنطقة. وترجمة هذا التصور الى خطة تنمية شاملة تضم مفهوماً جديداً للتنمية يركز على كل من النمو ونوعية النمو وعلى العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر، وعلى تطوير التعليم وتنمية القدرات البشرية والتكنولوجية المحلية، في الوقت الذي يؤكد على تنمية كافة القطاعات الانتاجية والخدمية في الاقتصاد الوطني ضمن استراتيجيات تضع تعظيم التصدير وزيادة فرص العمالة في أولى أولوياتها.
ولا بد من التأكيد ان رفع القدرات البشرية والعلمية والتكنولوجية لزيادة معدلات الانتاجية، ولكي نستطيع المنافسة في زمن العولمة، عملية مجتمعية شاملة تتطلب ثقافة جديدة تشمل تطوير المجتمع القائم على العملية الانتاجية مباشرة والمجتمع القائم وراء هذه العملية، فهي عملية تحتاج لنمط جديد في العمل والتفكير لدى كل من صاحب القرار وموظف الدولة ومدير المنشأة والعامل والمهندس والمحامي والطبيب والمقاول والمساعد الاداري والسكرتير وكل فرد يقدم خدمة أو سلعة، نمط يعتمد على التحليل والتفكير والتخطيط والإبداع والابتكار، وقادر في الوقت نفسه على استخدام تكنولوجيا المعلومات الجديدة في كل مجال، وملتزم التزاماً مقدساً بمبدأي التخطيط والاتقان في العمل. وهذا ما يتطلب وضع التطوير التربوي في البيت كما في المدرسة، ضمن أولويات الاصلاح والتنمية حتى نستطيع تحرير العقل وتخليصه من موروثات فكرية واسطورية قديمة ومن أساليب اتكالية في التفكير وفي العمل وفي أداء الواجب. ومن جهة ثانية يتطلب هذا التطوير الشامل تطوير وتوسيع وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، بحيث تشارك هذه المؤسسات في صنع القرار وفي اقتراح الخطط وفي المتابعة والمحاسبة والمساءلة لضبط الاخطاء.
ولا بد من ان تقوم سورية بتحديد الاطار النظري للاقتصاد الذي تريده لنفسها في المستقبل، وتحديد دور كل من القطاع الخاص والعام ودور التخطيط ونظام السوق في توزيع الموارد فيه، خصوصاً بعد التحولات الهيكلية الجذرية التي تمت في الاقتصاد السوري في السنوات الأخيرة، والتي رفعت نسبة مساهمة القطاع الخاص فيه الى حوالى 60 في المئة من الدخل القومي ورفعت حصة القطاع الخاص في التجارة الخارجية خارج النفط الى حوالى 70 في المئة، وحصته في الاستثمار الى التساوي مع حصة القطاع العام. ومن دون هذا التحديد سيستمر التخبط النظري وستأتي خطوات الاصلاح ناقصة أو متناقضة.
ولا بد من الاعتراف بأن مبادئ البرنامج المرحلي لعام 1963 ومقررات المؤتمر القطري الثامن لم تعد صالحة كإطار نظري للقرار الاقتصادي في ظل هذه التغيرات، فضلاً عن توجهات العالم من حولنا نحو نظام السوق ومحورية القطاع الخاص في العملية الانتاجية. وأصبح هناك ضرورة لبلورة الاطار النظري الجديد في وثيقة جديدة تطرح في مؤتمر قطري، وتشكل بدء مرحلة جديدة بفكر جديد تتناسب مع المتغيرات على أرض الواقع ومع متطلبات العالم الاقتصادي والسياسي الجديد.
ويتوجب ان يسعى الاطار النظري الجديد الى التوفيق بين مفاهيم النظام الاقتصادي العالمي الجديد والثوابت الاقتصادية التي تريد سورية الحفاظ عليها، وكذلك تحديد دور جديد للدولة، هذا الدور الذي لا بد ان يكون مختلفاً في نوعيته عن الدور السابق لها، وقد يكون دوراً أكبر منه، يركز على التخطيط التأشري وعلى القضايا الاجتماعية والتنمية البشرية والتكنولوجية وعلى تعزيز المنافسة في السوق وعلى الحماية من مخاطر الاحتكار ومن تهديدات العولمة. وفي اعتقادي ان الفكر الاقتصادي الجديد. يجب ان يعتبر السوق والدولة مكملان لبعضهما البعض وليس بديلان، وان يعتبر الملكية الخاصة حق وليس منحة، والخاص والعام شريكان في عملية التنمية.
واعتقد انه في امكاننا الحفاظ على مفهوم "الوطنية الاقتصادية" في ظل نظام السوق والعولمة، وذلك من خلال التركيز على التنمية البشرية والتقدم العلمي والتكنولوجي ومن خلال التشجيع على الاستثمار وعلى التصدير الذي يخفف من الاعتماد على المساعدات الخارجية، لكن لا من خلال الحماية الجمركية.
أهداف الاصلاح
يجب ان يوضع الاصلاح الاقتصادي في مكانه الصحيح استناداً الى التجارب التي مرت بها الدول التي اعتمدت في السابق منهج الاصلاح الاقتصادي المعتمد على وصفة البنك والصندوق الدوليين. وجاء وقت أصبح فيه الاصلاح وكأنه هدفاً بحد ذاته، واكتسب التثبيت الاقتصادي والخصخصة وتحرير التجارة والدعوة الى تحجيم دور الدولة أولوية في برامج الإصلاح. لكن التجارب بينت خطأ هذا التوجه. وفي اعتقادي ان الاصلاح الاقتصادي يجب ان يكون وسيلة لإدارة الطلب من جهة وتحفيز الانتاج من جهة ثانية، ولكن يجب ان يكون كذلك مرتبطاً بخطة التنمية الاقتصادية طويلة الأجل وخطة للتنمية الاجتماعية. فالتحرير الاقتصادي غير المرتبط بخطط لتوسيع قاعدة الانتاج وزيادة الانتاجية، يشكل خطراً على الاقتصاد الوطني، والاصلاح غير المرتبط ببرنامج لمعالجة الفقر والبطالة بشكل مباشر يشكل خطراً على السلم الاجتماعي.
ومن أهداف برنامج الاصلاح:
- ادارة الطلب الكلي وتحقيق التوازنات في الاقتصاد الكلي وأهمها احتواء التضخم.
- تعبئة كافة الطاقات المادية والبشرية في الوطن لخدمة عملية التنمية.
- زيادة الكفاءة في الأداء الاقتصادي وفي توزيع الموارد.
- خلق المناخ المحفز للاستثمار طويل الأجل وتوفير الفرص المتكافئة للجميع.
- رفع عائدية الاستثمار من خلال إزالة العقبات والجمودات في البيئة الاناجية، ومن خلال اقامة البيئة التنظيمية والتشريعية السليمة لعمل كل من القطاعين العام والخاص ولزيادة قدرة كل منهما على التحرك السريع لمواجهة متطلبات السوق المتغيرة باستمرار.
- تشجيع الاستثمار الاجنبي المباشر وليس المحفظي مع توجيه هذا الاستثمار نحو أولويات التنمية المحلية من خلال الحوافز.
- منع الاحتكار وتعميق المنافسة في السوق.
- الحفاظ على شبابنا ومتعلمينا داخل الوطن من خلال توفير المناخ اللازم لهم للاستثمار والعمل والإبداع والابتكار والحفاظ على الكرامة.
وينبغي ان يبدأ اعداد برنامج الاصلاح من المنطلقات التالية:
البرنامج الزمني والشمولية: يتطلب برنامج الاصلاح برنامجاً زمنياً، ويتوجب ان يكون شاملاً عريض القاعدة وذلك بسبب ترابط اجراءات وخطوات الاصلاح نفسها وتأثيرها وتأثرها ببعضها البعض. فإصلاح القطاع المصرفي لا يكون مجدياً من دون اصلاح القطاع العام، كما وان اصلاح القطاع العام أو الإصلاح المالي لن يكون فعالاً من دون اصلاح القطاع المصرفي. كذلك فإن خطوات تحرير التجارة من دون خطوات متلازمة لتحفيز الانتاج والانتاجية تعرض السوق الداخلي لمزاحمة شديدة وتعرض الميزان التجاري لانكشاف خطر. كما ان اعادة هيكلة المؤسسات الانتاجية أو تعديل قانون الاستثمار من دون اصلاح البيئة التشريعية والتنظيمية للعمل الانتاجي يصبح من باب العبثية.
تتابع الاصلاحات وتقرير السرعة في الاصلاح: يشكل اختيار تتابع الاصلاحات أهمية كبرى في نجاح البرنامج، وتطرح هنا أسئلة مثل: هل نشجع القطاع الخاص أولاً أو نصلح القطاع العام؟ هل نصلح النظام المالي أولاً أو نصلح النظام المصرفي أو نصلح الاثنين معاً وبالترافق مع اصلاح القطاع العام؟ هل نحرر التجارة الخارجية قبل أو بعد اصلاح القطاعين العام والخاص؟ هل نحرر الأسعار فوراً أو نحررها تدريجاً وأية أسعار نحرر أولاً وأية أسعار نتركها لما بعد ومتى تدخل تشريعات منع الاحتكار وتعميق المنافسة ومتى نوحد اسعار القطع؟... وغيرها من التساؤلات.
ويقترح ان يسعى البرنامج لأن تترافق الاصلاحات المرة مع الاصلاحات المحفزة للانتاج وذلك لتخفيف سلبيات الأولى.
أما بالنسبة للسرعة في الاصلاح، فلا شك ان الاصلاح المتدرج هو الأفضل، ولكن يبقى السؤال، أي تدرج وأي سرعة، وعلينا ايجاد التوازن السليم بحيث نصل الى عملية اصلاحية ديناميكية نشطة وفعالة، ولكن يجب ان نحافظ على الاستقرار الاجتماعي. ولا بأس ان يكون الاصلاح الاقتصادي تحت عنوان "الإصلاح المتدرج المكثف".
معوقات اعداد وتنفيذ برنامج الاصلاح
وسيتعرض برنامج الاصلاح لصعوبات في اعداده كما في تنفيذه لاعتبارات فكرية واعتبارات سياسية واجتماعية، وفوق ذلك وذاك سيعارضه المنتفعون من الأمر الواقع سواء كانوا في السلطة، أو في الخدمة المدنية أو في القطاع الخاص. لذلك يتطلب برنامج الاصلاح لنجاحه وحتى نضمن الوضوح فيه والتأييد السياسي والشعبي له:
- وضوح الخلفية الفكرية وراء برنامج الاصلاح.
- التأييد السياسي له على أعلى المستويات.
- مشاركة المجتمع المدني في اعداده بما فيه رجال الاعمال والمنظمات النقابية.
- توفر الفريق المتجانس في اعداده وتطبيقه.
- تعميق ثقافة نظام السوق والمعرفة بأدواته في النظام الاداري في الدولة.
ويقترح ان يتضمن برنامج الاصلاح شقين:
- شق يعني بإدارة الطلب الكلي.
- شق يعني بزيادة العرض الكلي السلعي والخدمي.
ويتضمن الشق المتعلق بإدارة الطلب الكلي السياسات النقدية والمالية والسعرية بينما يتضمن الشق المتعلق بزيادة العرض الكلي اقامة البيئة التشريعية والتنظيمية اللازمة لتسهيل العملية الانتاجية في القطاعين العام والخاص.
* المدير التنفيذي للمكتب الاستشاري السوري للتنمية والاستثمار بدمشق، واقتصادي سابق في البنك الدولي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.