عبدالعزيز بن سعود يرعى حفل تخريج 1935 طالبًا من كلية الملك فهد الأمنية    انطلق بمشاركة 100 كادر عربي وأوربي.. أمين الرياض: «منتدى المدن» يعزز جودة الحياة ويقدم حلولاً مشتركة للتحديات    حفل خريجي «المنشآت التدريبية» برعاية أمير تبوك.. غداً    عبدالعزيز بن سعد يشهد حفل تخرج جامعة حائل.. غداً    405 مليارات إجمالي إيرادات الربع الأول.. 80 مليار ريال توزيعات أرباح «أرامكو السعودية»    5.6 % نمو "غير النفطية".. ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي    ديوانية الأطباء تكرم البحرينية بثينة عجلان    كبرى شركات النفط تستعد لأوقات عصيبة مع تأثر المنتجين بانخفاض الأسعار    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء «غرفة الأحساء»    السعودية تقود المشهد من حافة الحرب إلى طاولة التهدئة    "اعتدال" و"تليجرام" يزيلان 16 مليون مادة متطرفة في 3 أشهر    بعد 50 عامًا في المدار… سقوط مركبة سوفيتية فاشلة    دبلوماسية الحسم    سياسيون ل«الرياض».. زيارة ترمب تفتح آفاق المستقبل للعلاقات الدبلوماسية    القادسية ل" الثالث".. والرائد إلى" الأولى".. الاتحاد يقترب من " روشن".. والشباب يعبر الأهلي    سورلوث مهاجم أتلتيكو يتفوق على ميسي ورونالدو    تحضيرًا لجولتي الحسم في تصفيات مونديال2026.. الشرقية تجهز الأخضر لمواجهتي البحرين وأستراليا    أسرة الجهني تحتفي بزواج عمّار    احتفال آل برناوي وآل سيامي بعقد قران حمزة    91 % نسبة رضا المستفيدين عن أداء الموظفين بديوان المظالم    «المظالم» يُسجّل قفزة في رضا المستفيدين    عودة «عصابة حمادة وتوتو» بعد 43 عامًا    أمريكية وابنها يحصلان على الماجستير في اليوم نفسه    الهروب إلى الخيال..    بتنظيم من وزارة الشؤون الإسلامية.. اختتام تصفيات أكبر مسابقة قرآنية دولية في البلقان    المملكة تواصل ريادتها الطبية والإنسانية    أبشر.. أكثر من 33 مليون عملية إلكترونية في مارس    العميد على بعد خطوة من التتويج    الاحتلال الإسرائيلي اعتقل 770 طفلًا من الضفة منذ بدء حرب الإبادة    نادي القادسية يتوّج بكأس وزارة الرياضة لكرة الماء    دوليون يستكشفون إرث المملكة الحضاري ونهضتها    «الدرعية لفنون المستقبل» و«سكاتاريلا أسوسياتي» يفتتحان «البصمة الخفيفة»    القادسية يحسم لقب الدوري الممتاز لكرة القدم تحت 17 عامًا    لوران بلان: الاتحاد لا يخشى أحدًا!    جراحة روبوتية لإنقاذ طفل مصاب بفشل كبدي بالرياض    جدة تستضيف بطولتي العالم للبلياردو والماسترز للسنوكر يوليو وأغسطس 2025    22.6 مليون ريال تعويضات عام لانقطاعات الكهرباء    زيلينسكي يرحب بعرض بوتين ويشترط وقفا شاملا للنار    الأمير سعود بن نهار يطلع على الخدمات المقدمة للحجاج في مطار الطائف    الحج بتصريح.. نظام يحفظ الأرواح ويعظم الشعائر    احتفاء باليوم العالمي للمتاحف    بدء فصل الخدمات عن مبان آيلة للسقوط في جدة    سحب سامة تحاصر 160 ألف شخص في منازلهم    السعودية: ندعم حق الدول باستغلال ثرواتها الوطنية    جوازات مطار المدينة تستقبل أولى رحلات الحجاج القادمين من نيجيريا    من أعلام جازان.. اللواء الركن أحمد محمد الفيفي    الانتهاء من تطوير واجهات مبنى بلدية الظهران بطراز الساحل الشرقي    مستشفى الرس ينقذ طفلا تعرض لاختناق قاتل    ‫دعم مستشفى عفيف العام بأجهزة طبية حديثة وكوادر تخصصية    الأمير ناصر بن محمد يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير منطقة جازان بالمرتبة الممتازة    "فرع الإفتاء بعسير"يكرم القصادي و الخرد    جامعة الإمام عبد الرحمن تكرم الفائزين ب"جائزة تاج" للتميز في تطوير التعليم الجامعي    ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 2.0% خلال شهر مارس 2025    سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بسمو أمير دولة الكويت    "الشؤون الدينية" تكلف 2000 كادر سعودي لخدمة ضيوف الرحمن.. 120 مبادرة ومسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية للحجاج    انقطاع النفس أثناء النوم يهدد بالزهايمر    تعزيز الأمن الدوائي    «تعليم الرياض» يفتقد «بادي المطيري».. مدير ثانوية الأمير سلطان بن عبدالعزيز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام خاتمية في طهران العام 2000 : مفاتيح البلد انتخاباتٍ وأحزاباً، رموزاً وتوتراً، وما بين بين 1
نشر في الحياة يوم 20 - 03 - 2000

أطلت طهران التي لا تتوقف عن التوسع، خصوصاً من ضواحيها الجنوبية، وبان "نصب الحرية" الذي كان شيّد للتأكيد على أبديّة السلالة البهلوية، والذي هو اليوم مسرح للإحتفال بالعيد الواحد والعشرين لإنتصار الثورة. عندما وصلت اليها للمرة الاولى منذ 21 سنة، عام 1979، وفي هذا الموسم بالذات، كان الشاه قد غادر البلد وكان النصب ما زال يحمل اسمه الأصلي "نصب شاه - ياد"، وكان شابور بختيار رئيساً للحكومة. وعندما تركتها بعد ثلاثة اسابيع، كان مهدي بزركان صار رئيساً للحكومة. والسبب الأساسي في هبوط رجل وصعود آخر، والاثنان معارضان تاريخيان للشاه، يكمن في عودة الإمام الخميني من منفاه بعد محطة باريسية لعبت دوراً حاسماً في تسريع خطى التاريخ.
اليوم اشاهد من نافذة الطائرة الجماهير الغفيرة التي اخذت تتفرق بعد انتهاء الحفل. وما ان حطت الطائرة، حتى لاحظت ان المشهد النسائي حولي تغيّر جذرياً فلم تبق امرأة غير مغطاة الرأس، بعد ان فعلت ذلك كل الغربيات واكثرية الايرانيات ونصف اللبنانيات.
أمواج المشاة في بحر السيارات
في التاكسي الذي ينقلني الى الفندق، ألاحظ ان الحملة الانتخابية ناشطة ولافتات اللوائح - الاحزاب منتشرة على جانبي الطريق فيما صور المرشحين، وهي من الحجم الصغير، معلقة في أماكن مخصصة لها. يشرح لي سائق السيارة بانكليزية تقريبية ان الرئيس خاتمي قال اليوم "ان الثورة لجميع الايرانيين". ولم اتفهم، في تلك اللحظة، اهتمامه الخارق بهذه العبارة العادية. فقط في اليوم التالي وانا اتصفح الصحف الانكليزية التي تصدر في طهران، فهمت أن خاتمي كان يوجه للشعب الايراني رسالة واضحة باستعماله شعاراً يذكّر بشعار "جبهة مشاركت ايران اسلامي" التشكيل الاصلاحي الأول الذي يطالب ب"إيران لجميع الايرانيين".
الثورة غيّرت اسماء الشوارع الأساسية، وقد تأقلم شعب طهران الفتي نصف سكان إيران عمرهم اقل من 24 سنة بسهولة مع هذه التسميات التي تكرم الثورة ورجالاتها وشهداءها. وأخذت سيارة التاكسي تنتقل من اوتوستراد جديد الى آخر، لأن طهران مبنية على نموذج المدن الاميركية، حتى وصلت الى بولفار ولي عصر وكان اسمه بهلوي، ويمتد على طول ثلاثين كلم ويربط أعالي شمال العاصمة باسفل جنوبها. والعاصمة، بالرغم من امتدادها الأفقي، تبقى قصة صعود ونزول دائمة، من علو 1500 متر الى 2000، ووراء الأحياء العالية تقف جليّة سلسلة جبال أَلْبُرز وقممها مكسوّة بثلوج أبدية، ما يحدّ المشهد ويفتحه في آن على الخيال. وربما لهذا السبب اعتمد "حزب كاركزران" الوسطي الجبل الثلجي شعاراً لحملته.
إنها طهران وحركة سيرها المجنونة. قيادة السيارة تبدو مغامرةً تتطلب من الذي يتجرأ عليها أونصة من الجنون، على الأقل. فاكثرية أضواء السير بإستثناء التقاطعات الكبيرة صفراء ترجف باستمرار، ما يفتح الطريق لصفوف السيارات الآتية من كل الاتجاهات والتي تبحث عن طريقها في كل فسحة متاحة. في المقابل، سيل من المشاة يجتاز الطريق على ثلاث مراحل او اربع، وكأنهم امواج تتكسر تحاشيا لبحر السيّارات. وبرغم شبكة الاوتوسترادات التي تلف اطراف المدينة وتربطها، تعيش طهران في بعض الساعات الدقيقة وسكان طهران الكبرى اكثر من عشرة ملايين حالات من الازدحام لا توصف. ويراهن المسؤولون على المترو الجديد كي يجد حلاً يؤمل ان يكون جذرياً لهذه المشكلة التي تبدو مستعصية.
أدخل الى مجمّع بيروزي الرياضي حيث تعقد "جبهة مشاركت" مهرجاناً كبيراً، والمهرجانات الكبيرة كانت الإستثناء اذ نظّم الاصلاحيون والوسط عدداً محدوداً منها بحكم اختصار الحملة الانتخابية بمدة اسبوع. اما ما تبقى فاجتماعات - لقاءات في اماكن عامة كالحدائق او المجمعات التجارية، حيث يسأل الناس والمرشحون يجيبون. وبدورهم اكتفى المحافظون في طهران بالإجتماعات الصغيرة وبالخطب في الجوامع وبالتكتيك الانتخابي كرفع سن الاقتراع من 15 الى 16 سنة، فضلا عن تخفيض نسبة الاصوات المطلوبة للنجاح من الدورة الاولى: من ثلث اصوات الناخبين الى ربعهم، مع حصر عدد مرشحيهم لتحاشي توزع اصواتهم.
وفي المجمع الرياضي نحن على ارض ملعب كرة السلة، والجو يشبه مباراة من تلك التي ينقلها التلفزيون عن البطولة الاميركية. على هذه المدرجات، فتيات بالآلاف يحملن ويهززن اعلاما صفراء يزيد من حدة صفرتها لباسهن الموحد، ويطلقن شعارات ترددها المدرجات المقابلة وهي مخصصة للشباب: "خاتمي" "آزادي" حرية، هما الكلمتان اللتان تُرددان باستمرار، وهناك شعارات اخرى تندد بالصحافة المحافظة. فجأة، يقف الملعب دفعة واحدة وتصعد الى المنصة الرئيسية اكثرية مرشحي "جبهة مشاركت" يتقدمهم محمد رضا خاتمي أخ الرئيس وزوج حفيدة الخميني، وتنطلق الحناجر وتُذرف الدموع خلال عزف نشيد وطني سابق للثورة، اختفى معها واخذ يعود، منذ ثلاث سنوات، في كل المناسبات الاصلاحية. وتنطلق الشعارات وكلها تطالب بهذا ال"خاتمي رئيساً مقبلاً للمجلس" وهو يشكر بيديه، ثم يطلق، للذين لم يفهموا الرسالة، شعاراً آخر ما برح ان اصبح الشعار الأوحد في الملعب: "التنمية السياسية مستحيلة مع رفسنجاني".
يهدأ الملعب رويداً رويداً وعندما ينتهي العرّيف من قراءة بعض الآيات القرآنية، تعود الشعارات بقوة مضاعفة ويتوجه خاتمي الاخ الى الميكروفون حيث يعيد جزءاً من كلمات اخيه الرئيس عن الشباب: "كنتم الثورة وكنتم الحرب، واليوم انتم الحاضر والمستقبل". وهذا الكلام يأخذ معناه الانتخابي من حقيقة ان ستين في المئة من الايرانيين دون الثلاثين. ثم يندد باقتحام الجامعة وباغتيال المثقفين. يليه سعيد حجاريان، وهو من القياديين الاساسيين في هذا التشكيل الإصلاحي، فيدعو الجمهور الى "الاستعجال في تنظيف البيت والمقصود المجلس هذه السنة وعدم التردد في رمي الاشياء القديمة والمقصود المحافظون الى نفايات التاريخ". وهو يستوحي تقليداً ايرانياً بفتح النوافذ لتهوئة البيت والأثات مع اقتراب عيد النوروز رأس السنة في التقويم الايراني. ويجيب الجمهور "نوري وكديوَر على كل اللوائح".
وترشح "جبهة مشاركت" وايضاً "حزب كركزران" اي كوادر البناء أخ عبدالله نوري واخت محسن كديوَر، وهما معتقلان في سجن إي÷ين، وقد انتخب المرشحان بنسب جد عالية في طهران. وفي اليوم التالي للانتخابات، سمحت المحكمة للسجينين بالخروج لأيام معدودة، وزحفت كل فعاليات طهران الى منزل نوري لتقبيلهما وتهنئتهما، ليعادا، بعد خمسة أيام، الى السجن.
ويستمر المهرجان وقد تحول حوارا بين الجمهور وعدد من الشخصيات التي رفض "مجلس صيانة الدستور" الاقرار باهليتها للترشح. ومن بينهم عباس عبدي، وهو وجه نموذجي عن هذا الجيل الذي احتل السفارة الاميركية منذ عقدين، والذي يعود اليوم قيادياً بارزاً في الحركة الاصلاحية. يتكلم بصوت هادىء ويشرح اهمية شعار "إيران لجميع الايرانيين"، فيما يبدو ان هذا الشعار البسيط يفهمه كل ناخب ايراني في اي موقع كان، وكأنه يعنيه شخصياً. يليه مرشح آخر غير مؤهل فينفجر الجمهور ضحكاً عندما يقول "أصبت في الحرب مع العراق وقد بترت قدمي يعرض للجمهور رجله المعوقة، وماذا يريد مجلس صيانة الدستور كي يؤهّلني؟ أن أُصاب برأسي لكي يقطع رأسي!". فالحرب لا تزال تحتل حيزاً مهماً في حياة الايرانيين كما تدل الجدرانيات الموزعة في المدينة وفي كل البلد، وقد سقط ضحيتها مئات الآلاف في صفوف الإيرانيين. ويحاول المحافظون استغلال ذكراها للدفاع عن عدد من المؤسسات والمصالح المرتبطة بهم، بينما استفز الاصلاحيين هذا الاستخدام وهم يرددون ان الشهداء موزعون على كل العائلات.
بعد هذا الحوار، يعرّف كل مرشح بنفسه لدقيقة او دقيقتين، ويُستغرب غياب مهدي كروبي رئيس المجلس سابقاً ومحتشمي وزير الداخلية سابقاً، وهما ينتميان الى "مجمع روحانيون مبارز"، حليف الرئيس خاتمي الذي تخرج من صفوفه.
تشرح لي صحافية إيرانية "أن البيئة الطلابية لا تحبهم، وان الطلاب يؤيدون جبهة مشاركت ومجاهدو الثورة وملي - مذهبي". والطرف الثاني هو حزب بهزاد نبوي وزير الصناعة السابق والذي قد يصير، حسب بعض الترشيحات، رئيس المجلس المقبل ومحسن آرمين وغيرهما من الذين عادوا وأطلّوا ك"يساريين ديموقراطيين". اما الطرف الثالث، فهو اللائحة التي يؤيدها سحابي ويزدي والقريبة من "حركة تحرير إيران"، وهذا فيما جزء كبير من الشبان يهتف باسم رئيس الوزراء الراحل محمد مصدق الذي اسس الحركة. وتطالب الحركة الاصلاحية بإعادة الاعتبار له ولمهدي بازركان، اما بالنسبة الى كروبي ومحتشمي، فقد نجح الأول في المرتبة ال26 في طهران فيما رسب الثاني.
وينتهي المهرجان بحفل موسيقي حيث ينشد المغني "زمان" قصائد لعلي شريعتي فيما يواكبه عزف على آلة البيانو. ويخرج الشبان والشابات من نفس الابواب بعدما دخلوا من ابواب مختلفة. انهم يخرجون مختلطين الى الشوارع.
الدكتور والإبنة
الجو يختلف تماماً في جامع رسالات شرق طهران حيث يعقد الدكتور والمرشح محمد جواد لاريجاني ندوة انتخابية بعد انتهاء الصلاة. الا ان نصف المصلين يخرجون ويبقى حوالي خمسين شخصاً بمن فيهم الاولاد وبعض الصحافيين. وامام الحضور المحدود، يلغي لاريجاني مداخلته مكتفيا بالتحية، وتبدأ حلقة الاسئلة. يشعر لاريجاني سريعاً ان الاجواء غير متحمسة ويعتمد خطاباً توفيقياً ودفاعياً اعتقد انه لم يُقنع به لا انصاره المحافظين ولا الاصلاحيين ممن شدهم الى هذا المكان ذكاؤه الحاد او ربما الرغبة في مقارعته، او الامران معاً. السؤال الأول يدور حول الديموقراطية، ويجيب شارحاً ماهيتها لينتهي قائلاً انه يعتقد انها "مؤمّنة مع الإسلام". ولا يعترض على الانفتاح السياسي الذي يقوده خاتمي اذ "لا مشكلة لدي مع الحرية شرط ان تكون جزءاً من خطة شاملة". يعترض على "استغلال الشبان" ويطالب بأن تبقى العائلة "الضابط الأساسي" ويؤكد ان "القوننة ضرورية في كل المجالات بما فيها الشبابية". يأخذ امثلته للدفاع عن ضرورة القانون من احداث السير ومن تلوث المدن. يؤيد إجراء تعديلات في القوانين التي تخص المرأة "ولكن بعد ان يحصل التغيير المنشود في المجتمع لا قبل". يؤيد الانفتاح على الغرب وسياسة خاتمي في هذا المجال، ولا ينتفض الا مرة واحدة عندما يُسأل عن الاقتصاد: "موقفي واضح وشفاف، انا مع التحرير الكامل اي الخصخصة، وهو موقف لا تجاريه بالضرورة القاعدة المحافظة وساتصدى في المجلس المقبل لانصاف الحلول". لن يصل لاريجاني الى المجلس المقبل وقد حل في المرتبة الاربعين بين مرشحي طهران. قد يحتفظ بمقعده في "مجلس تشخيص مصلحة النظام" الذي يعينه المرشد، لكنه سيعكس حتماً تراجع اليمين الايراني في صفوف المجلس التشريعي.
عاجلاً ام آجلاً، سيعاد بناء اليمين الايراني مع لاريجاني وغيره، ومع أناس في الاتجاه الذي يحاول تجديد نفسه حول جريدة "انتخاب"، وربما مع جزء من الوسطيين الحاليين اذا عرف كل هؤلاء الذين يعرفون مدى الضرر الذي الحقه بهم المحافظون كيف يتخطون خلافاتهم وانانياتهم. وفي الحالات كافة يبقى هذا البناء ضرورياً، لأن الديموقراطية الايرانية لن تستقر الا بعد ان ينتظم المشهد حول يسار ويمين ديموقراطيين وحديثين.
في اليوم التالي، عقد حزب "كوادر البناء" مهرجاناً كبيراً مع حفل موسيقي ضخم. وقد ميّز في الدعوات اسماء المرشحين نوري وكديوَر لجذب الشبان، وهكذا كان. و"كركزران" هو حزب التكنوقراط الذين يكنّون الولاء للرئيس السابق رفسنجاني، وقد أيّد هذا الحزب خاتمي في الرئاسيات ويشارك اعضاء منه في الحكومة، كمهاجراني وزير الثقافة والإرشاد، فيما يشغل آخرون مراكز مرموقة كحاكم المصرف المركزي. ويديره غلام حسين كرباستشي عمدة طهران سابقاً الذي حاكمه المحافظون بتهمة الفساد ثم افرج عنه بعفو خاص من المرشد عشية الانتخابات.
جذبت الدعاية الناجحة الشبان، فاستمعوا الى الموسيقى وهتفوا ضد... رفسنجاني! أثار هذا غضبا مشروعا من ابنته فائزة التي حلت في المرتبة 57، ولم يشقّ كلامها عن "الاعتدال الذي يرفض المتطرفين من الاصلاحيين والمحافظين" طريقه الى آذان الجمهور. في الواقع، انتخب الايرانيون المرشحين المشتركين بين "كركزران" و"جبهة مشاركت" وهم حوالي ثلث المرشحين ممن دعمهم الوسطيون، فيما سقط الثلثان الباقيان.
في اليوم الاخير، قبل إجراء الاقتراع، يتوقف في إيران كما في الديموقراطيات العريقة اي نشاط انتخابي لكي يحكّم المواطن ضميره بعد ضجيج الحملة. في اليوم الاخير هذا، رأيت القيادات الاصلاحية مهمومة. كانوا يخشون توزع الاصوات بسبب تشرذم اللوائح الاصلاحية، ويخشون تقليدية المناطق ويخشون طبيعة الانتخابات التشريعية التي قد تفتت رسالة انتخاب خاتمي الى اجوبة متعددة منها ما يعطي الاولوية للصعوبات الاقتصادية ومنها ما يصر على تسجيل مواقف مبدئية ومنها ما يقاطع. وتسللت كل هذه التحاليل دفعة واحدة الى صالات تحرير الجرائد الاصلاحية: ماذا إذا اتت الانتخابات التشريعية بالرغم من تقدم الاصلاحيين الاكيد لتحجّم انتصار خاتمي؟ وكيف نكمل المشوار اذا لم تتبلور اكثرية واضحة من اجل التغيير؟ وهل الاصلاح بحاجة الى رفسنجاني لاجتياز "القطوع" وللحد من ردات فعل محافظة قد تكون عنيفة؟ وكيف التعاطي مع رفسنجاني، وهل هو حليف مهّد الطريق للاصلاح ام هو العقل المدبر للنظام القديم؟ وهل نعيد إدخال "المحنّك" رفسنجاني مع خطر اعادة توزيع الاوراق، او نكمل المشوار مع خامنئي الاكثر جموداً، علما انه بدأ يستوعب قوانين اللعبة وصار يتراجع من دون حرج؟ اسئلة كثيرة، عميقة ومحيرة، فيما القراء يعترضون على جرائدهم الاصلاحية لأنها تنشر ايضاً الدعاية الانتخابية للمحافظين. بيد ان الصحافيين لا يعترضون لأن هذه الدعاية هي ما يحسّن موارد الجريدة المالية.
من يصوّت للمحافظين؟
لم يطل انتظار الاجوبة عن الأسئلة، وكانت الرسالة مقروءة من عنوانها. المشاركة مرتفعة ومرتفعة جداً، وهذا يحسب دعماً قويّاً للاصلاحيين. في منطقة شاه - باز وسط طهران، يجري الاقتراع في الحوزة. نسأل ناخباً اربعينياً عن افضلياته: "جبهة مشاركت فقط، هذا هو الحل الوحيد". تقاطعه شابة متحمسة: "لماذا تقول ذلك؟ هناك حلول اخرى، وفي كل الاحوال ايران ليست بحاجة الى حل". في ساحة خراسان جنوبي طهران، الانتخاب في المسجد، وقد طلب الشيخ المسؤول عنه وضع ستارة للفصل بين الرجال والنساء. فتاة عشرينية تقول، وتوافقها امها بهز الرأس، ان هذه الانتخابات مهمة "لأن الرئيس خاتمي يدعم لائحة".
يسرّ إلينا ساكب الشاي بأن الناس "فرحة ومرتاحة منذ وصول خاتمي الى سدّة الرئاسة وتراهن على انتخابات اليوم لتغيير الكثير الكثير". ونسأله عن نفوذ "الباسيج" في هذا الحي المعروف بتقليديته كلمة "باسيج" تعني بالأساس متطوعي الحرب، وقد صاروا اليوم مزيجاً من طرف رقيب مسلح ومن مخابرات، وهم مسؤولون عن فرض النظام الخلقي في الاحياء، وينعتهم الناس بكلمة "حزب الله" التي هي اقسى شتيمة في القاموس السياسي الإيراني ولا تمت بصلة لحزب حسن نصرالله اللبناني، فيرتبك ويذهب ثم يعود بكؤوس جديدة من الشاي. ننسى الحادث، وبعد قليل نخرج من قلم الاقتراع وإذا بساكب الشاي يلحق بنا راكضاً الى السيارة: "كل الناس هنا مع التغيير وكلهم يحبون خاتمي. أحياناً هذا صحيح: يأتي باسيج ويعكرون الجو لكنهم ليسوا من ابناء الحي...".
ننتقل الى مسجد الإرشاد شرقي طهران حيث علّم الدكتور علي شريعتي، وهو قلم اقتراع ضخم. جندي على الباب يقول انه اقترع "وأن اشياء كثيرة يجب تغييرها"، ثم يلتفت الى جنود آخرين ويضيف: "ليس بالضرورة كل شيء، اليس كذلك؟"، ويضحكون من دون ان نفهم السبب. فتاة تبدو مراهقة وهي تخرج من الداخل تقول "انها اقترعت لأنها تريد ان تغير قانونين او ثلاثة تعني النساء". أسألها عن ماهية هذه القوانين، تضع يدها امام فمها وتبتعد.
ندخل الى قلم الاقتراع وهو يعج بمئات الناس حتى ليضيق بهم المكان، فكأنك داخل خلية نحل: الناس واقفون او قاعدون حول طاولتين مستطيلتين ويملأون قسائم الانتخاب الرسمية التي يسلمك إياها رئيس القلم. إنها مهمة شاقة لأن عليك في طهران ان تدوّن ثلاثين اسماً وان تضع مقابل كل اسم رقم المرشح حسب نماذج مجهزة للفرز بالكمبيوتر وقد الغى "مجلس صيانة الدستور" الفرز بالكمبيوتر في اللحظة الاخيرة. يبدو جليّاً لاي مراقب ابتدائي ان الاصلاحيين سيحققون فوزاً كاسحاً. كل الاواراق التي رأيتها في هذا القلم تبدأ باسم خاتمي او نوري او كديور. نصف الناخبين يعتمدون على مناشير "جبهة مشاركت" لملء اوراق الانتخاب فيما النصف الآخر ينقلون اوراقا مجهزة في البيت بخط يدهم، ما يعني انهم "يشكّلون" من داخل الجبهة الاصلاحية.
يخيم الليل على شمالي طهران عندما نصل الى جامع بلال، وقد تم تمديد الاقتراع لساعتين، ومرة ثانية لساعة واحدة، امام زحمة الناخبين. الناس مصطفّون في باحة الجامع، والشرطة تُدخلهم مجموعة تلو اخرى لأن القاعة لم تعد تحتمل المزيد. هنا الرجال والنساء يقترعون في نفس الصندوق، وسيطرة الاصلاحيين أيضاً كاسحة. المشهد نفسه يتجدد في قلم قريب حيث يجري الانتخاب في مدرسة، ويملأ الناخبون اوراقهم وهم جالسون على كراسي الصف.
النظام الايراني الانتخابي لا يتضمن لوائح شطب ولا ستارة. وكل ايراني يستطيع ان ينتخب في القلم الذي يريد او حتى في اي منطقة كان فيها يوم الاقتراع. المهم الا ينتخب اكثر من مرة، ولذلك تُمهر بطاقته الانتخابية حين يقترع. والنظام الانتخابي الايراني يتضمن صناديق اقتراع جوّالة تطرق باب المستشفيات والسجون على سبيل المثال، وفي هذه اللحظة كل ناخب يساوي ناخباً، لا فرق إذا كان سجيناً او حارساً، مريضاً او طبيباً. وقد اضيف عشرون مقعداً جديداً الى المجلس التشريعي الذي صار يضم 290 نائباً بسبب النمو الديموغرافي.
اكبر دائرة هي مدينة طهران ولها 30 نائبا، وكل منطقة او مدينة لها عدد من النواب بحسب عدد الناخبين. خمسة مقاعد هي المكرسة للاقليات الدينية غير المسلمة مقعدان للارمن ومقعد لليهود ومقعد للزرادشتيين ومقعد للكلدان وقد ينتخبهم اعضاء طائفتهم حصراً. وهذا لا يعني أن المرشح الارمني لا يستطيع ان يترشح عن مقعد وطني،
كما حصل مثلاً على لائحة "جبهة مشاركت" في اصفهان.
* صحافي لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.