بقيت قضية اللبنانيين المعتقلين في السجون السورية في طليعة الاهتمامات التي تشغل اللبنانيين، منذ مبادرة الرئيس السوري بشار الأسد، قبل اربعة ايام، التجاوب مع رغبة نظيره اللبناني اميل لحود في تسليمهم الى السلطات اللبنانية المختصة. وثمة سؤالان كبيران يحوطان بهذا الملف: هل يقفل نهائياً في ضوء ما تتوصل اليه اللجنة الامنية - القضائية الرسمية التي شكلها مجلس الوزراء اللبناني، وعقدت امس اول اجتماعاتها، خصوصاً انها ستأخذ فقط باللوائح والاسماء التي ستتسلمها من السلطات المعنية في دمشق؟ ام انه يبقى مفتوحاً في ضوء اعلان اهالي هؤلاء المعتقلين واللجان المعنية بأمرهم انهم سيستمرون في تحركهم، اذا طوي الملف على العدد المتداول أقل من خمسين، فيما لوائحهم تشير الى اكثر من 250، وهم يريدون جلاء مصير ابنائهم؟ ووسط هذين السؤالين، برز اقتراح بإنشاء مكتب شكاوى تقدم اليه اسماء مقرونة بأدلة عن وجود معتقلين في السجون السورية. عقدت اللجنة القضائية - الأمنية التي كلفها مجلس الوزراء درس اوضاع الموقوفين اللبنانيين في السجون السورية اجتماعها الاول امس في مكتب رئىسها المدعي العام التمييزي القاضي عدنان عضوم، في حضور المدير العام للأمن العام اللواء الركن جميل السيد ومدير الاستخبارات في الجيش العميد ريمون عازار والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عبدالكريم ابراهيم ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي نصري لحود. وبعد الاجتماع، قال عضوم: "وضعنا جردة بأسماء الاشخاص المتداولة اسماؤهم موضوع التسليم وهم فئتان: موقوفون في سورية بجرائم عادية، وصدرت في حقهم احكام عن محاكمها المختصة وهم ينفذونها، وآخرون فقدوا اثناء الاحداث لأسباب مختلفة وغير معروفة. ولا يمكن قبل ورود اللوائح الرسمية وتسليم اللبنانيين الموضوعين في السجون السورية، تحديد العدد، علماً ان هناك معلومات رسمية حصلت عليها مديرية قوى الأمن الداخلي بواسطة شعبة الاتصال الدولي، تحدد عدد المحكومين بجرائم ارتكبت على الاراضي السورية وقد بحثت اللجنة في طريقة استلام الموقوفين وسوقهم وفرزهم لاتمام هذا العمل وتحديد ملف لكل موقوف، لاتخاذ الاجراء القضائى المناسب في حقه". وأضاف ان "اللجنة ستجتمع مجدداً لمواكبة الموضوع عند الاقتضاء، وعندما نستلم اللوائح بالاشخاص الذين سيسلمون نعلن العدد. وكل المعلومات ستوضع امام الرأي العام. ليس هناك استباق للأمر، ولا تسجيل نقاط. الموضوع سيعالج بشفافية مطلقة، ولا مجال للتذاكي في هذه المسألة". ورجح ان يتم التسليم قبل الاعياد. وتحدث عن لائحتين بأسماء الموقوفين، بعضهم خلال الحرب "والهدف تنفيس المبادرة السورية ومحاولة الالتفاف عليها، انها مبادرة كريمة عظيمة يجب ان نستغلها من اولها الى آخرها". وأكد "ان هناك اتصالاً وتنسيقاً تاماً بين الحكومتين اللبنانية والسورية" رافضاً التعليق على التحليلات، ومشيراً الى ان "المفقودين ليست لهم علاقة بعلم اللجنة". وخلال اجتماع اللجنة نفذ نحو 50 شخصاً من أهالي المعتقلين في السجون السورية اعتصاماً امام قصر العدل في بيروت، ابدى استياءه من العدد المتداول عن المشمولين بالمبادرة السورية. واستقبل عضوم، قبل اجتماع اللجنة، وفداً من الأهالي عرض له المطالب. في بكركي والتقى البطريرك الماروني نصرالله صفير أمس وفداً مشتركاً من "لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين" سوليد و"لجنة أهالي المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية"، عرض مأساة هؤلاء في بيان تلي أمام صفير، ومما جاء فيه: "ان الاعتراف السوري، وعلى أعلى مستوى، بوجود لبنانيين في السجون السورية اقرار صريح بأن القوات السورية العاملة في لبنان مارست سياسة الاعتقال الاعتباطي والاخفاء القسري في حق مواطنين لبنانيين، بدليل عدم وجود أي ملف قضائي لبناني في حق لبناني واحد اعتقل او فقد على يد هذه القوات". وأعلن البيان "اننا ننظر في حذر الى المبادرة السورية لأنها تفتقد الى الشفافية الكاملة، لنواحي العدد والأسماء وأماكن وجود المعتقلين وزمن الافراج عنهم". وأخذ على السلطة اللبنانية "غيابها التام عن الموضوع، وان شكلت لجنة للتحقق من الأوضاع القانونية للمفترض الافراج عنهم". وقال "انها نسيت او تناست ان القانون اللبناني قادر على النظر في كل الجرائم، وان اللبنانيين المعتقلين في سورية انما اعتقلوا خلافاً للقانون". ودعاها الى انشاء مكتب رسمي لتلقي شكاوى الناس الذين يملكون دليلاً أو معلومة عن وجود ابنائهم في السجون السورية، رافضاً "اغلاق الملف في شكل نهائي ورمي عدد كبير من اللبنانيين الى مصيرهم المجهول"، مؤكداً "اننا لن نسكت أبداً عن هذا الأمر". ورد صفير بأن "قضية المخطوفين قديمة ونحن نتفهمها، وقد راجعنا وراجعتم في شأنها كثيراً، لكننا رحبنا بمبادرة الرئيس السوري الاتصال برئيس الجمهورية، ولا يمكننا الا ان نرحب. وهذا لا يعني ان القضية طويت". وقال: "يمكنكم اصدار لوائح بأسماء المخطوفين وتقديمها الى اللجنة المعنية بالأمر، والاظهار لها ان هؤلاء مخطوفون ويجب البحث عنهم. اما ما سوى ذلك فلا ندري ما يمكن عمله". واعتبر "ان لا طمأنينة ولا مجد ولا راحة حتى تستقر الأحوال في لبنان ويعود جميع المفقودين". والتقى اعضاء من اللجنتين وزير الدفاع خليل الهراوي ورئيس حزب الكتائب منير الحاج اللذين كانا يزوران صفير، وناشدوهما العمل على جلاء مصير ابنائهم. فرد الهراوي ان اللجنة اللبنانية تتابع الأمر شاكراً للأسد مبادرته، موضحاً انه سيقترح عليها استحداث مكتب لمراجعة الشكاوى، ناقلاً عن صفير حرصه على انشائه. وقال الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري، بعد اجتماعه مع نائب رئيس الحكومة عصام فارس، ان مبادرة الأسد "تدل الى أهمية ان تبحث الأمور بين لبنان وسورية ضمن المؤسسات والأطر الرسمية". ودعا الى ترك المجال للجنة الأمنية القضائية لمعالجة الأمر. وأشار الى "وجود عدد من المحكومين اللبنانيين في سجون سورية"، داعياً الى "الأخذ في الاعتبار ان ثمة كثراً فقدوا خلال الحرب في لبنان، وعليه فليس كل مفقود موجود في سورية". وأضاف ان "الجانب السوري زود اللبناني لوائح رسمية، ستتعاطى اللجنة في ضوئها معها". ولاحظ حزب الوطنيين الأحرار في المبادرة السورية "اصلاح خطأ زاد من سلبياته مرور حقبة طويلة من الزمن كانت جحيماً بالنسبة الى المعتقلين وأهلهم". وقال: "اننا نضع هذه المبادرة في خانة تصحيح مسار التعاطي بين دولتين سيدتين مستقلتين حرتين". ولفت الى "تواضع الرقم المتداول للمعتقلين قياساً الى الأعداد التي تضمنتها اللوائح الاسمية الصادرة عن اكثر من طرف، والتي تدعم صدقيتها معلومات كان افرج عنها في العهد السابق، مشيرة الى وجود 210 معتقلين في سورية". وسأل: "كيف يمكن السلطة اللبنانية تبرير هذه المسألة بعدما صرح أهل الحكم مراراً ان لا وجود لمعتقلين لبنانيين في السجون السورية". وطالب بالعفو عن المعتقلين المحررين والتعويض عن معاناتهم. وأكد "خيار الحوار الصادق مع سورية من خلال الثوابت اللبنانية"، معولاً على "تقاطع مبادرة الرئيس نبيه بري ومهمة الوزير السابق فؤاد بطرس لما توحيان به من ثقة".