يتحدث السيد نبيل الموجي عن الهوهوبا بحماسة وحب متناهيين حتى يخيل لمن يسمعه أنه يتحدث عن نظرية سياسية ثورية لها شأن عظيم. وهذا ليس بعيداً عن الحقيقة، فهو يعتبر الهوهوبا نظرية اقتصادية تحدد ملامح المستقبل. والهوهوبا شجيرة اكتشفت في صحراء جنوب كاليفورنيا والمكسيك، وتحديداً في الأماكن التي كان يتركز فيها الهنود الحمر. أدرجت الهوهابا للمرة الاولى في سجلات العلوم النباتية في عام 1821. ووقتذاك كان استخدامه مقتصراً على استخلاص زينة لتقوية الشعر وترطيب البشرة من جفاف الصحراء. وحالياً اصبح للهوهوبا شركات ومؤسسات، بل واصدارات علمية مهمتها زراعته وتصنيعه وإجراء الأبحاث والدراسات عليه، إذ يبدو أن قائمه فوائده لا تنتهي. يقول الموجي - وهو صاحب الشركة الوحيدة المتخصصة في زراعة الهوهابا في مصر - إن قصته مع "ذهب الصحراء الأخضر" - كما يجب ان يلقبه - بدأت حين كان على متن طائرة عائدة الى مصر من رحلة عمل في مجال الكومبيوتر في الولاياتالمتحدة الاميركية، إذ قرأ خبراً في مجلة اميركية مفاده ان مصر استوردت في عام 1980 نحو 40 في المئة من حاجاتها الزراعية، ويتوقع ان تصل النسبة الى 80 في المئة عام 2000. انزعج الموجي من هاتين النسبتين، وقرر حينذاك ان يخترق مجال الزراعة فكانت الهوهوبا. وكان أول من أدخل هذه الشجيرة مصر نائب رئيس الوزراء وزير الزرعة يوسف والي في عام 1976 وهو استاذ في كلية الزراعة. وكانت فكرة والي أن الهوهوبا مناسبة للزراعة في الصحاري المصرية، على أن تصدر للخارج، وتستورد مصر بدلاً منها ما تحتاجه من منتجات زراعية. ويلقي الموجي الضوء على الهوهوبا، ذلك النبات البري الذي استؤنس به، وأصبح يزرع على نطاق تجاري في مناطق شتى، أبرزها الولاياتالمتحدة الاميركية، والمكسيك، والأرجنتين، واسرائيل. فزيوت الهوهوبا الموجودة في البذرة تحوي زيتاً من نوع الشمع السائل، يحل محل زيت كبد الحوت الذي أصبح شحيحاً بعد منع صيد الحيتان حفاظاً عليها من الإنقراض. وهو نبات يقاوم الجفاف والظروف المناخية القاسية، وتمكن زراعته في الاراضي غير القابلة لأن تزرع بمحاصيل اخرى، إذ انه يقاوم الملوحة، ولايحتاج الى التسميد، وهو قليل التعرض للاصابة بالامراض. وكل هذه الصفات والمميزات رشحت الهوهوبا ليكون النبات الأصلح للزراعة في صحراء مصر، بعد ما اختنق الوادي الضيق، ووصل الى مرحلة ما بعد التشبع. لكن ما فائدة الهوهوبا؟ وهنا لا يألو الموجي جهداً في سرد فوائد الشجيرة التي وهب حياته العملية لها بعيداً عن كلية التجارة التي درس فيها، والكومبيوتر الذي تخصص في العمل فيه قبل سنوات. ففي مجال صناعة الأدوية، وُجد أن لزيت الهوهوبا القدرة على شفاء أمراض عدة، أهمها الصدفية. ثبت انه قاتل للبكتيريا، ومضاد للاتهابات، ويسرّع في التئام الجروح. وقد نشر البحث المصري الطبي الأول الخاص بزيت الهوهوبا، والذي ثبت أن له تأثيرات ممتازة في علاج قرح الفم، وفي منع تقيح لثة المرضى الخاضعين للعلاج الاشعاعي والكيمائي. وقد طرحت في الأسواق المصرية دواء Fogel لعلاج قرح الفم واللثة، وتجرى حالياً عمليات تسجيل عدد آخر من الأدوية المعتمدة في تركيبها على زيت الهوهوبا. وفي المجال البيطري، كان لزيت الهوهوبا المضاف إلى علف الدواجن الفضل في زيادة وزنها بنسبة 40 في المئة في خلال 45 يوماً فقط. ويعد زيت الهوهوبا أحد المركبات الطبيعية البديلة للمبيدات الكيميائية، وله قدرة على القضاء على الحشرات وامراض النبات الفطرية. ويستخدم حالياً في الغرب كزيت محرك للطائرات الحربية والنفاثة وسفن الفضاء والصواريخ. وفي مجال الصناعة يستخدم في انتاج الشموع والأحبار والبلاستيك والمطاط. ولعل مجال التجميل يعد من أبرز وأنجح مجالات استخدام زيت الهوهوبا، فهي تستخدم 90 في المئة من انتاجه العالمي، فيدخل في تحضير انواع الشامبو، والكريمات، ومرطبات الوجه. وقصة الهوهوبا لا تخلو من طرافة. فالكسب المتبقي من البذور بعد عصرها يحتوي على نسبة بروتين عالية تحوي أحماضاً أمينية تجعلها مثالية كعلف للحيوانات والأسماك، إلا أنها تحتاج الى معالجات للتخلص من مادة سامة فيها. وهنا موطن الطرافة. يقول الموجي: إن هذه المادة السامة تخضع حالياً لدراسات مكثفة في بلجيكا، إذ أنها مادة تفقد الشهية، ومن ثم تساعد على تخفيف الوزن، وتستخدم هذه المادة حالياً لعلاج مشكلة تواجهها حيوانات أوروبا الأليفة، إذ يعاني 40 في المئة منها من السمنة!!. وبعيداً عن الترف الغربي الذي لا يقوى عليه التقشف الشرقي، يقول الموجي إنه يعمل على نشر زراعة نبات الهوهوبا في مصر لأسباب عدة. وبصراحة شديدة يقول إن العائد المادي يعد سبباً قوياً، إلا أن الهوهوبا قضية اقتصادية ذات أبعاد قومية. يقول: "يمكن الاعتماد على زيت الهوهوبا في صناعة الدواء في مصر لمقاومة الآثار الضارة لاتفاق "غات" في مصر، فهو زيت محلي، وخامة مصرية بتركيبات مصرية تنتجها أيد مصرية، أي أن لمصر حقوق حماية الملكية الفردية له". مهمة الموجي ليست سهلة. فأحدث نبات صناعي دخل مصر هو القطن، وكان ذلك على يد محمد علي في اوائل القرن التاسع عشر. وقد لاقى في البداية معارضة شديدة من المزارعين، لأنهم اعتادوا زراعة المحاصيل الغذائية التي لا تحتاج الى صناعة تكميلية لها. وينظر المصريون عادة الى كل ما هو جديد بعين الشك والريبة والتخوف. وهذا يحتاج الى جهد وإقناع عملي بالمردود المادي، وهو ما يفني فيه الموجي جل وقته ومجهوده.