المعجب: القيادة حريصة على تطوير البيئة التشريعية    إثراء تجارب رواد الأعمال    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. انطلاق مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار    القمة العالمية للبروبتك.. السعودية مركز الاستثمار والابتكار العقاري    فريق مصري يبدأ عمليات البحث في غزة.. 48 ساعة مهلة لحماس لإعادة جثث الرهائن    إنستغرام يطلق «سجل المشاهدة» لمقاطع ريلز    إسرائيل تحدد القوات غير المرغوب بها في غزة    تمهيداً لانطلاق المنافسات.. اليوم.. سحب قرعة بطولة العالم للإطفاء والإنقاذ في الرياض    القيادة تهنئ رئيس النمسا ورئيسة إيرلندا    يامال يخطط لشراء قصر بيكيه وشاكيرا    الدروس الخصوصية.. مهنة بلا نظام    «التعليم»: لا تقليص للإدارات التعليمية    هيئة «الشورى» تحيل تقارير أداء جهات حكومية للمجلس    قيمة الدعابة في الإدارة    2000 زائر يومياً لمنتدى الأفلام السعودي    الصحن الذي تكثر عليه الملاعق    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    تركي يدفع 240 دولاراً لإعالة قطتي طليقته    علماء يطورون علاجاً للصلع في 20 يوماً    المملكة تنجح في خفض اعتماد اقتصادها على إيرادات النفط إلى 68 %    تداول 168 مليون سهم    تطوير منظومة الاستثمارات في «كورنيش الخبر»    كلية الدكتور سليمان الحبيب للمعرفة توقع اتفاقيات تعاون مع جامعتىّ Rutgers و Michigan الأمريكيتين في مجال التمريض    منتجو البتروكيميائيات يبحثون بدائل المواد الخام    قرار وشيك لصياغة تشريعات وسياسات تدعم التوظيف    480 ألف مستفيد من التطوع الصحي في الشرقية    14.2% نموا في الصيد البحري    ريال مدريد يتغلب على برشلونة    المملكة.. عطاء ممتد ورسالة سلام عالمية    رصد سديم "الجبار" في سماء رفحاء بمنظر فلكي بديع    غوتيريش يرحب بالإعلان المشترك بين كمبوديا وتايلند    سلوت: لم أتوقع تدني مستوى ونتائج ليفربول    بيع شاهين فرخ ب(136) ألف ريال في الليلة ال14 لمزاد نادي الصقور السعودي 2025    صورة نادرة لقمر Starlink    8 حصص للفنون المسرحية    «مسك للفنون» الشريك الإبداعي في منتدى الأفلام    الدعم السريع تعلن سيطرتها على الفاشر    ملك البحرين يستقبل سمو الأمير تركي بن محمد بن فهد    منتخب إيران يصل السعودية للمشاركة ببطولة العالم للإطفاء والإنقاذ 2025    المعجب يشكر القيادة لتشكيل مجلس النيابة العامة    أمير الرياض يستقبل مدير عام التعليم بالمنطقة    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنفيذ البرنامج التثقيفي لمنسوبي المساجد في المنطقة ومحافظاتها    مفتي عام المملكة ينوّه بدعم القيادة لجهاز الإفتاء ويُثني على جهود الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ رحمه الله    نائب أمير الشرقية يؤكد دور الكفاءات الوطنية في تطوير قطاع الصحة    العروبة والدرعية في أبرز مواجهات سادس جولات دوري يلو    إعلان الفائزين بجائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية 2025    أبرز 3 مسببات للحوادث المرورية في القصيم    الضمان الصحي يصنف مستشفى د. سليمان فقيه بجدة رائدا بنتيجة 110٪    إسرائيل تعتبر تدمير أنفاق غزة هدفاً استراتيجياً لتحقيق "النصر الكامل"    116 دقيقة متوسط زمن العمرة في ربيع الآخر    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي    %90 من وكالات النكاح بلا ورق ولا حضور    ولي العهد يُعزي هاتفياً رئيس الوزراء الكويتي    النوم مرآة للصحة النفسية    اكتشاف يغير فهمنا للأحلام    "تخصصي جازان" ينجح في استئصال ورم سرطاني من عنق رحم ثلاثينية    نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهمية التأريخ من خلال أدوات الحياة المادية
نشر في الحياة يوم 12 - 09 - 1999


عصام خليفة.
جوانب من الحضارة المادية في شمال لبنان، في القرن السادس عشر.
النشر على نفقة المؤلف، بيروت.
1999.
196 صفحة.
يتابع المؤرخ والنقابي المعروف، عصام خليفة، عمله في اعادة كتابة بعض تاريخ لبنان بالاستناد الى منجم معلومات عثر عليه في الدفتر رقم 513، من دفاتر التحرير في الطابو دفتري، الموجود في أرشيف رئاسة الوزراء التركية في اسطنبول، والعائد الى العام 1571م.
فهو الذي كان قد سمع مراراً من أستاذ له سابق في الجامعة أن العثمانيين لم يهتموا سوى بضبط الساحل اللبناني إدارياً، قد تفاجأ جداً عندما اكتشف في دفاتر الطابو دفتري في العاصمة التركية ما يشير الى وجود احصاء دقيق لشتى نواحي الحياة الاقتصادية لأهل الريف اللبناني، بالتفصيل، بحيث أنه ما فتىء منذ ذلك الحين يفاجئنا بدوره بدراساته المميزة حول الوضع الديموغرافي لجبّة بشري في شمال لبنان، أو حول الأوقاف في ولاية طرابلس العثمانية إذّاك. وها هو اليوم يهتم، في كتابه الجديد، ببعض جوانب من الحضارة المادية الخاصة بسكان ولاية طرابلس إبّان القرن السادس عشر. فيعرّفنا الى عوالم لا يُعرف عنها شيء محدد.
ندخل مع عصام خليفة، في كتابه الأخير، الى عالم طواحين القمح ومعاصر الزيت ومعاصر العنب ودواليب الحرير، مكتشفين معه جهلنا التام لمقوّمات اقتصادية أساسية في حياة أجدادنا، على مدى قرون.
وهنا نفهم فرادة عمل خليفة الذي لا يدخل باب كتابة تاريخ لبنان من المستوى السياسي الذي غالباً ما ينزلق في متاهات الإيديولوجيا كما بيّنه أحمد بيضون ذات مرّة في كتابه "الصراع على تاريخ لبنان"، بل من مستوى شؤون الحياة اليومية والعملية. وهذا ما يجعل من مقارباته كافة، ومن هذا الكتاب الأخير على نحو خاص، مقاربات تاريخية - أنتروبولوجية، تتابع شؤون معيشة الناس لا شؤون تفكيرهم.
لا نقلّل من أهمية بعض الدراسات الرصينة والقليلة التي قام بها كل من أسد رستم وكمال الصليبي في ما يتعلق بكتابة تاريخ لبنان السياسي، إلاّ أننا شغوفون بمعرفة ما يتعلق بشؤون حياة أجدادنا المادية، على نحو ما حدّده المؤرخ الفرنسي فرنان بروديل، الذي انكب على دراسة ما كان ينتجه ويأكله ويلبسه الفرنسيون في القرون الماضية.
فالحياة المادية تعني هنا كل ما يتعلق بمرتكزات الحياة الغذائية والحياة الاقتصادية - الاجتماعية، التي غالباً ما عوّدنا معظم المؤرخين التقليديين على وضعها في خانة "التفاصيل" الساذجة وغير المهمة في سياق مصير المجتمعات.
أما ما نكتشفه مع عصام خليفة في هذا الكتاب فهو عكس هذه الفكرة تماماً، حيث أننا نتيقّن كم للتقنيات من أهمية في استمرارية البشر. فالاستمرارية تعني البقاء، والبقاء يأتي قبل المصير في مرتبة الأولويات. أي نوعية القمح المنتج وطريقة طحنه وسبل تحويل العنب الى دبس والزيتون الى زيت والحرير الى أثواب، كلها مرتكزات مادية تسبق وتؤسس لمواقف سياسية وأنماط تفكير ومصائر الشعوب.
وهنا قوة الأنتروبولوجيا عندما تواكب البحث التاريخي، حيث أنها تجعلنا نفهم مرتكزات هذا النمط من السلوك أو التفكير أكثر مما يسمح به التحليل السياسي الكلاسيكي. وهذا هو تحديداً ما قام به ريجيس دوبريه في مجال الميديولوجيا، الذي أعاد قراءة تاريخ الحضارة الفكرية الغربية، لا من مستوى مقولات المفكرين، بل من مستوى تطوّر وسائط الإعلام القلم، الرقاقة، ورق البردى، المطبعة، الإذاعة، السينما، التلفزيون الذي فرض، من حيث لا ندري، انتقال البشر من هذه الطور المعرفي الى ذاك، ومن هذه النظرة الى العالم والى الآخرين الى تلك.
فالمقومات المادية لحياة البشر هي التي تملي عليهم سقف تفكيرهم وتصوراتهم للعالم وللآخرين. هذا ما بيّنته الأنتروبولوجيا منذ نهاية القرن الماضي، وما تقوم باستغلال قانونه العلوم الإنسانية والاجتماعية كافة منذ ذلك الحين. فما يهمنا، في التفكير الجامعي اليوم، ليس طبيعة أفكار البشر، بل ما يحددها تقنياً ومادياً، في الحياة اليومية والعملية للبشر.
فإبن الريف اللبناني الذي كان بمقدوره الاعتماد على تقنيات زراعة وطحن القمح، كان بمقدوره تأمين بقائه والانتقال الى التكاثر السكاني اللافت الذي ميّز جبل لبنان ككل إذّاك. فلولا سيطرة الريفي على الطاحون ومعصرة الزيت والعنب، ولولا سيطرة الريفية على تقنيات انتاج وغزل الحرير، طوال قرون عدّة، لما كان وجه لبنان الاقتصادي والاجتماعي والحضاري على ما هو عليه اليوم، دون أدنى شك. وميزة كتاب خليفة أنه يوصلنا ذاتياً الى هذا الاستنتاج الخطير والذي كنّا نظنّه بادىء الأمر بديهياً.
أما من الناحية المنهجية فلا بدّ من الإشارة الى صعوبة هذا النوع من الأبحاث. فالمؤرخ - الأنتروبولوجي مضطر هنا للجوء الى الإحصاء كتقنية عمل مساعدة وضرورية. حيث أنه لا يؤرخ لأسرة مهنية واحدة أو لجماعة بشرية محدودة كسكان قرية معينة في الدراسات المفردة المعروفة بالمونوغرافيا بل أنه يتابع مسار مجموعات بشرية كبيرة سكان قضاء أو سكان ولاية أو محافظة. لذا فالمؤرخ مجبر هنا على إضافة وتر آخر على عوده التاريخي - الأنتروبولوجي، هو الوتر السوسيولوجي. هذا الوتر الذي سوف يسمح له بقياس الظاهرة التاريخية في مكانها وزمانها الاجتماعيين.
فالفرق كبير بين أن نكتشف مع عصام خليفة أن هناك مئة قفير نحل في قرية سرعل مثلاً عام 1571، أو أن ندرك أنه، في القرى الخمسين التي كانت تتألف منها ناحية بشرّي إذّاك كان هناك خمسة آلاف قفير نحل. فالمتابعة الإحصائية تسمح لنا بالانتقال من الخاص الى العام، ومن الحدث الفريد الى الظاهرة الاجتماعية العامة.
من هنا وجد خليفة نفسه مضطراً لتعلّم تقنية جديدة، ولو بمستواها البسيط، هي التحليل الإحصائي، بغية اعطاء مقاربته الأنتروبولوجية، الميكروسوسيولوجية، بُعداً ماكروسوسيولوجياً يسمح له بالاستنتاج التاريخي الواسع. فلو لم يضف المعالجة الإحصائية لمقاربته الأنتروبولوجية لاستحال عليه بلوغ الصورة البانورامية للمشهد التاريخي العام الذي يطمح اليه كل عامل في الحقل التاريخي في نهاية المطاف.
من هنا باستطاعتنا القول إن بحث عصام خليفة الأخير جديد على صعيدين معاً، انه جديد على الصعيد المنهجي تماماً كما أنه جديد على الصعيد النظري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.