أمين المدينة المنورة يستعرض جهود هيئة تطوير المنطقة    ارتفاع الدخل السياحي في الأردن    فعاليات نوعية تُثري تجربة الزوّار في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    "الأونروا": سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة تضاعف في قطاع غزة    القيادة تهنئ السيدة جينيفر خيرلينغز سيمونز بمناسبة انتخابها رئيسة لجمهورية سورينام    "مركز التطوع الصحي" يحصد 5 "شهادات آيزو" ضمن التزامه بالتميز المؤسسي    أصابع الاتهام تشير للفصائل المسلحة.. تحقيق عراقي في ضرب حقول النفط    تفكيك خلية خطيرة تابعة للمليشيا.. إحباط محاولة حوثية لاغتيال المبعوث الأممي    20 قتيلاً.. وتصعيد إنساني خطير في غزة.. مجزرة إسرائيلية في خان يونس    رابطةُ العالم الإسلامي تُدين الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية    المواصفات تجدد دعوتها للتحقق من مطابقة المركبات عبر"سابر"    "الأكاديمية اللوجستية" تفتح التسجيل ل" الدبلوم المشارك"    تسحب اليوم بمقر الاتحاد القاري في كوالالمبور.. الأخضر يترقب قرعة ملحق تصفيات مونديال 2026    حفل يامال المثير للجدل يغضب برشلونة    السويسري"تشاكا" بين نيوم وسندرلاند    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    " الأمن العام" يعرف بخطوات إصدار شهادة خلو سوابق    "الأحوال": جدد هويتك قبل انتهائها لتفادي الغرامة    "الداخلية" و "الموارد البشرية" يوقّعان مذكرة تفاهم    «شلة ثانوي».. مسلسل جديد في الطريق    بهدف الارتقاء بالمنتج الثقافي والمعرفي.. توقيع مبادرة "سعوديبيديا" لتعزيز المحتوى السعودي    شركة الدرعية توقع عقداً بقيمة "5.75" مليارات ريال لمشروع أرينا الدرعية    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    إطلاق مبادرة لتعزيز التجربة الدينية لزائرات المسجد النبوي    معرض"عجائب أرض السعودية" يرسو في اليابان    طبيب يقتل 15 مريضاً ويحرق منازلهم    رونالدو يخطف جائزة لاعب الموسم..وجماهير الاتحاد تنتزع"تيفو العام"    الخليج يضم الحارس الدولي"أنتوني"حتى 2027    القادسية يوقّع رسمياً مع المهاجم الغاني"كريستوفر بونسو" حتى 2029    تعديل مواز ين العرض والطلب مع انخفاض خام (أوبك +)    زلزال بقوة 7,3 درجات قبالة ألاسكا مع تحذير من تسونامي    وزير الخارجية يبحث مع نظيره التركي الاعتداءات الإسرائيلية على سورية    187 ألف مستفيد من مركز خدمات المسجد النبوي    المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر يُطلق مبادرة تقليم أشجار العرعر في منطقة عسير    «الشورى» يطالب «الصحة» بتحقيق المتطلبات الأساسية لسلامة المرضى    نائب أمير الرياض يلتقي سفير المكسيك    المفتي يستقبل مفوض الإفتاء بمكة وعددًا من المسؤولين    أمير جازان يزور بيت الحرفيين    شباك التذاكر.. حين تروى الحكاية بلهجة سعودية    سعود بن نايف يشيد بجهود «مكافحة المخدرات»    العُلا تجمع بين سكون الطبيعة والمنتجعات الصحراوية    35 مليون عملية إلكترونية عبر أبشر في يونيو    وزير الخارجية ومدير الطاقة الذرية يبحثان تعزيز العمل الدولي    أمير منطقة جازان يستقبل مدير بنك الرياض بمنطقتي جازان ونجران    إطلاق جمعية سقيا الماء في جازان لتروي عطش ألف أسرة    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    الشؤون الإسلامية بجازان تنفذ برامج دعوية بمحافظتي بيش وصامطة لتعزيز الوعي بشروط وأهمية الصلاة    بعد توقف عامين استئناف جلسات منتدى الأحساء    خيول أصيلة تحرج الجيش الفرنسي    متى يجب غسل ملاءات السرير    تحسن طفيف في التلقيح العالمي للأطفال    إغلاق منشأة تداولت منتجات تجميلية متلاعباً بصلاحيتها    أمانة حائل تنظم ورشة عمل حول الاقتصاد الدائري في قطاع النفايات    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    محافظ أبو عريش يرأس اجتماع المجلس المحلي لبحث الاستعدادات لموسم الأمطار    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولة أناسة عوالمنا المعاصرة
نشر في الحياة يوم 21 - 06 - 1998


Marc Augژ
Contemporains pour une Anthropologie des Mondes
من أجل أناسة العوالم المعاصرة .
Flammarion Col. Champs, Paris.
1998.
195 pages.
لم يعدُ العالم القديم كثير الاغراء للانتروبولوجيا، فهي اليوم كعلم باتت منشغلة بمراقبة العالم المعاصر، حتى انها تطرح على نفسها مهمة تأسيس حقل خاص به. والمفارقة التي يدركها الباحث الفرنسي مارك أوجيه المدير السابق لمعهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية E.H.E.SS هي ان غياب المعنى أو فقدانه في العالم المعاصر يستدعي البحث عن المعنى، كما ان التأحيد يستثير البحث عن الاختلاف. ففي هذا الانجدال، تجد الانتروبولوجيا موضوعات ومجالات تفكيرها الجديد في العالم. فالتغير في النظر يفترض انشاء تاريخ للحاضر، حيث لا يُفسر الماضي الحاضر، بل يتحكم هذا الاخير في القراءة المتعددة للماضي. الأمر الذي يقرب بين الانتروبولوجيا والتاريخ، أقله - برأي أوجيه، في موضوع بحثهما: فاذا كان الفضاء الحيز "LصEspace" هو مادة الانتروبولوجيا، فهو فضاء تاريخي، واذا كان الزمن هو المادة الاولى للتاريخ، فهو زمن مموضع، وبهذا المعنى فهو انتروبولوجي. وحتى حين اشتغل الانتروبولوجيون على "الاتنو - تاريخ" Ethno - histoire فهم لم يدعوا انشاء تاريخ الشعوب موضوع الدراسة، بقدر ما ركزوا على فهم ادراك هذه الشعوب للتاريخ، وبالتحديد فهو مهم عن تاريخهم هم.
يواجه الانتروبولوجي اليوم وضعاً جديداً، فالمعمورة قد انكمشت، بفضل تدفق سيلان المعلومات والصور، مما جعل البعد الاسطوري الميتي يتوارى. فالآخرون ما عادوا مختلفين كما في السابق، والغيرية Altژritژ كما يرى أوجيه ما زالت تؤكد حضورها، لكن هالة الغرائبية التي كانت تحيط بها انتهت. فالصلة مع الآخر باتت تعقد في اطار القرب الحقيقي أو المتخيل. وهناك من جهة اخرى التسارع في التاريخ، والذي هو التعبير الآخر لانكماش المعمورة. فنحن نشهد كل شهر، بل كل يوم، احداثاً "تاريخية" لدرجة باتت معها الحدود بين "التاريخي" و"اليومي" غير واضحة المعالم. وهو ما يطرح على الانتروبولوجي جملة تحديات ينظمها عنوان: كيف يمكن تفكير وحدة المعمورة وتنوّع العوالم التي تتكوّن منها؟ وما يشغل أوجيه، هو الشروط التاريخية والفكرية التي انطلاقاً منها على الانتروبولوجيا ان تحدد موضوعاتها ومساراتها، فمقولات: ازالة السحر عن العالم، التسوية، نهاية التاريخ، ما بعد الحداثة، هي مقولات تستحق الفحص والتفكر.
في عالم ما بعد الحداثة، يتساءل اوجيه، كيف لا تزال الطقوس، بل كيف تتعزز بوصفها الوسيط بين المرئي واللامرئي، الطبيعي والخارق، وتتأكد من انتظام الفصول، وتتوقى وتجهد لابعاد الجفاف، وتحمي خصوبة النساء، وتحارب المرض وتُفسر الموت.
سؤال الطقس Le Ritژ عند اوجيه هو في قلب المقاربة الانتروبولوجية للعوالم المعاصرة، والباحث يذهب بعيداً الى حد اعتباره الطقوس ذات طبيعة سياسية، لان الطقس ينزع عموماً الى الجمع بين مقولات "الغيرية" و"الهوية" والى تثبيت الصلات الاشكالية بين البعض والبعض الآخر. وما لغة الهوية، الا احدى اللغات المكوّنة للروابط الرمزية التي تحوك النسيج الاجتماعي. ولغة الهوية هي لغة مزدوجة، بمعنى انها تحوي سمتين: فالشخص يستطيع ان يكون خاصاً Privژ وشخصية عامة، اما الغيرية، المكون الآخر ل "الرمزية الاجتماعية" فهي تقع في منطقة الغموض. فالانتروبولوجي - كما يقول اوجيه - يلاحظ النشاط الطقسي في مشاهداته لاحداث الولادة والموت. ويلاحظه حتى في محاولات الشرح والسيطرة على الحدث المرض، الموت، الحادث المؤلم كون الحدث الطارىء يطول بل يؤثر - بتأكيد الباحث - في الهوية الشخصية للفرد. وما أزمة الحداثة، التي يرى البعض فيها أزمة هوية الا غلبة احدى اللغتين "الهوية" على الاخرى "الغيرية"، مما يمكن وسمه بأزمة الغيرية، وهو ناتج عن المغالاة في الحداثة: في الاحداث، في الصور، وفي الفردانية، فبين التجانس المفترض للمجموع: مجالات الانتقال والتبادل والاتصالات المرافقة للتوسع العالمي لليبرالية الاقتصادية و"فردنة الكوسمولوجيات" علم الكونيات، فان الصلة مع الآخر المكونة لكل هوية فردية هي التي تفقد بنية تسلحها الرمزي.
على هذا النحو، يمكن تعريف الطقس بانه "تحقيق اجراء ذو غاية رمزية، يبني الهويات النسبية من خلال غيرية وسيطة". ويعطي اوجيه مثالاً على هدف الطقس وهو ما يؤكده لينهاردت من ان قبيلة الدينكا تقيم الاحتفالات المخصصة للمطر، لا بهدف استجلابه، ولكن تأكيداً لمبادىء التقليد.
فالاساطير تلعب، عند أوجيه، دور "الشاهد" على التاريخ، والحكومات الحالية التي هي في جزء منها حكومة الكلام والصورة تجد نفسها تغرف من مخزون الامثلة القديمة، والرموز والحوادث السالفة، لتستخدمها في سبيل اقناع غالبية الناس. والمؤسسات نفسها، بحسب اوجيه، تلجأ غالباً الى الممارسات الطقسية لغايات متعددة ومختلفة. وفي المجتمعات غير الغربية وغير الحديثة، فان للطقوس غايات سياسية محددة هدفها "ادارة البشر". فالسياسة اليوم كما يستنتج الباحث، هي ما كانت عليه البارحة، أي طقسية، وهي تبقى "المموّن" للمعنى الاجتماعي والارضي.
تتناول افكار أوجيه العوالم المتعددة والجديدة، حيث كل واحد يقيم صلة مع الآخر ويملك عنه صور محددة: منقوصة ومشوهة وحتى مغلوطة لدرجة ان الذي يتلقاها لا يشك لحظة واحدة في وجود "آخرين". فالامم تمثل عوالم في شكل تحالفات وكونفدراليات، ومن خلالها تمر علاقات المعنى الغيرية الهوية المتكونة أو الرمزية حيث التقاطع بينها والتداخل وحتى القطع هي من وجوه التعقيد في عالم المعاصرة. واختلاف هذه العوالم وتعددها يمثل برأي اوجيه صعوبات جمة امام الانتروبولوجي، وأهم هذه العوالم: الفرد، الذي يعود الفضل لفوكو في اعادة ادراجه في حقل العلوم الاجتماعية في فرنسا، والظواهر الدينية واخيراً المدنية.
يشدد الباحث على صعوبة انتروبولوجيا العوالم المعاصرة، ويأخذ مثالاً لذلك موضوع الفرد: الفرد الذي تغزوه الصورة، والفرد والصورة معاً يخترقهما العالم الديني والعالم السياسي.
في خلاصته يعيد اوجيه تحديد غايته من الكتاب، وهي ان الانتروبولوجيا في خضم الوحدة والتعددية في زمن المعاصرة الراهنة ليست فقط ممكنة، بل ضرورية. ضرورية لأن سؤال المعنى الاجتماعي ما زال حاضراً بقوة. ولأن التراب النقدي الذي تملكه الانتروبولوجيا يسمح لها بالتكيف مع التغير في التاريخ وفي سلم القيم الذي يحكمه. فالزمن بات ملك الانتروبولوجيا المعممة على مجمل المعمورة، والتكيف مع التبدلات لا يعني اهمال ملاحظة الوحدات الصغيرة، ولكنْ الانتباه الى العوالم التي تخترقها وتشكلها ومن ثم تعيد تشكيلها دائماً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.